أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - خرافة الأيام الأخيرة: أو صناعة الوهم















المزيد.....

خرافة الأيام الأخيرة: أو صناعة الوهم


عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)


الحوار المتمدن-العدد: 8553 - 2025 / 12 / 11 - 17:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


هل "النظام في آخر أيامه" !؟

لو نحاول الكشف عن حدود القول بأن "نظام قيس سعيّد في أيامه الأخيرة"، وباعتبارنا متابعين لما يجري في بلادنا وما حولها، سننطلق من المعطيات الموضوعية، وليس من خطاب الأماني، لأن الأماني تسمح لأيّ كان أن يقول أيّ شيء.

بداية لا يمكن لأي تحليل موضوعي للمشهد التونسي إلا أن يبدأ بالاعتراف بفضل الحركة الديمقراطية التونسية التي تشكّلت عبر أكثر من مئة عام من الإصلاح الفكري والتحديث السياسي.
من الطاهر الحداد إلى الحبيب بورقيبة، إلى الحركة العمالية وروافدها ... ومن روّاد الإصلاح الزيتوني إلى التيارات الليبرالية واليسارية والنقابية الحديثة، نشأت في تونس مدرسة وطنية فريدة في الوطن العربي جعلت من التعليم والحقوق والمرأة والدولة المدنية مرتكزات لوجودها.

هذا العمق التاريخي وهذه الهوية الوطنية المدنية هما اللذان يمنحان المعارضة التونسية اليوم مشروعيتها الحقيقية، وهما ما يجعل النقد الموجّه لها من موقع الحرص على هذا الإرث، وليس من موقع العداء للمعارضة، سيما ونحن جزء أصيل من هذا التاريخ.

لكن الإعاقة الكبرى التي تعاني منها هي أنها اختارت أن تحمل عبئا ثقيلا على أكتافها يمنعها من تحقيق أي هدف من أهدافها. هذا العبء الثقيل إسمه حركة النهضة.

أولاً: هذه حركة جرّبت الحكم، وثبت للشعب أن قيادتها عصابة إجرامية. وقد ظل الشعب يحاول الإطاحة بها منذ اعتصام الرحيل، ولم يتخلص منها إلا بعد عشرة سنوات. وصار يكفر بها، ويعادي كل من يتحالف معها.

ثانيا، القوى الدولية التي نفخت فيها وأوصلتها للحكم، تحوّلت نظرتها للإسلام السياسي تحوّلا جذريًّا. فمنذ سنوات بات الغرب ينظر لحركة النهضة، لا باعتبارها حزبا سياسيا تونسيا، بل كامتدادٍ لمنظومة الإسلام السياسي التي تعيش تراجعا حادا في المنطقة والعالم.
أوروبا، وخاصة فرنسا وإيطاليا، أصبحت تعتبر الإسلام السياسي تهديدا مباشرا لاستقرارها الداخلي، والولايات المتحدة لم تعد تنظر إليه كخيار "ديني معتدل" بعد تجارب العقد الماضي. ونتيجة لذلك باتت حركة النهضة معزولة دوليا كما لم يحدث من قبل، علاوة على عزلتها الداخلية.

من جهة أخرى كان التقارب التونسي النّسبي مع الصين وروسيا عاملا حاسما في تخفيف الضغط الغربي على قيس سعيّد (عكس ما تعتقد المعارضة). فما يقلق الغرب ليس "تراجع مظاهر الديمقراطية الشكلية" في تونس، بل احتمال سقوط البلاد في المدار الروسي الصيني، خصوصا بعد ما رافق زيارة الرئيس للصين الشعبية من حديث عن تمويلات صينية ضخمة [دون شروط سياسية]، ومشاريع موانئ وبنية أساسية في إطار إدماج تونس في مبادرة "الحزام والطريق". إلى جانب التطلّع الروسي للحضور في جنوب المتوسط المُطلّ على أروبا.

هذه المعطيات دفعت الغرب إلى تخفيض سقف انتقاداته للنظام، واعتماد سياسة "الاحتواء الهادئ" للرئيس، لأن خسارة تونس استراتيجيا أهم عنده من ملف الحريات.

بالنتيجة تراجعت الانتقادات الأوروبية والأمريكية، وارتفع التنسيق الأمني والمالي، مما عمّق فقدان النهضة لورقة الضغط الدولي التي كانت تراهن عليها.

في المقابل تُروّج حركة النهضة عن طريق حُلفائها في الساحة السياسية والحقوقية لسردية تزعم أن هناك مُخطّطا غربيا لإسقاط قيس سعيّد. وهذا ما نقرأه ونسمعه يوميًّا، حتى أن بعضهم يتحدث عن "أيام قيس سعيّد الأخيرة"، والبعض الآخر يُهدّد ويتوعّد بمحاسبة أعوان النظام وأنصاره، بل ويُعِدُّ القائمات !!
غير أن هذا الخطاب المُبشّر باقتراب سقوط النظام، إنّما يستند إلى مبادرات غير وازنة قُدّمت للكونغرس الأمريكي بشأن تونس لم تمرّ ولم تصل إلى المكتب البيضاوي أصلا، أو إلى البيانات الشكلية الصادرة عن البرلمان الأوروبي، أو عما يُنشر من حين إلى آخر وما يُذاع في بعض وسائل الإعلام من انتقادات للحكومة التونسية. وكل هذه الأمور الاعتيادية لا يمكن تفسيرها على أنها سياسة عدائية تتبناها هذه الدولة أو تلك ضد تونس.

وبالرغم من أن بعض الدول الأوروبية مكتفية بالصمت، فإن إيطاليا تدعم قيس سعيّد بوضوح. والتواصل الدبلوماسي والمالي مستمر في أعلى مستوياته، وعدم عودة النهضة للحكم تكاد تصبح قضية أمن قومي إيطالي. وواشنطن تعتبر النهضة جزء من جماعة الإخوان. وبروكسل ترى فيها خطرا على استقرار الضفة الجنوبية. أما فرنسا فلقد تلقّت
درسا لا تنساه جراء حملة "إلا رسول الله" 2018، والتي استهدفت الدولة الفرنسية، وكان لحركة النهضة دور ملحوظ في تلك الحملة التي قادها أردوغان.

وعليه، ليس من مصلحة الغرب إعادة النهضة إلى الحكم أو دفع النظام نحو سقوط قد يفضي لعودتها.
بل المطلوب غربيا احتواء قيس سعيّد والحفاظ على نظامه. وكل ما يُقدّم كمخطط أو "مؤامرة" فهو لا يتجاوز نشاط لوبيينغ وانتقادات إعلامية لا تأثير لها على الإطلاق. ولا وجود لأي نقاش في الغرب يوحي بأن حركة النهضة لها أهمية أو مكانة.

العلاقات التونسية - الغربية طبيعية بل إيجابية في عدة مجالات:
اقتصاديا كانت هنالك مذكرة تفاهم حول التعاون في الاقتصادي في علاقة بملف العجرة بلغت قيمته حوالي ألف مليون أورو. وهنالك تعاون مع البنك الإفريقي للتنمية. وهنالك تفاوض مستمر مع صندوق النقد.

دبلوماسيا، لقاءات ممثلي الدولة التونسية منتظمة مع السفراء الأوروبيين. والحضور التونسي في المحافل الدولية ثابت. وأول أمس قرر مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يمثل السلطة التنفيذية في الاتحاد تصنيف تونس "دولة آمنة" في ملف اللجوء. وهذا يعني أن الاتحاد الأوروبي يُقرُّ بعدم وجود انتهاكات لحقوق الإنسان في تونس.

أمنيا، تونس حليف رئيسي خارج الناتو. ومناورات الأسد الإفريقي مستمرة. والدعم الأوروبي للشرطة والديوانة مستمر.

ثقافيا وتعليميا، برنامج (إيراسموس) شغّال، والمؤسسات الثقافية الغربية في تونس متواصلة، واتفاقيات جامعية جديدة ...

كل ذلك يعني أنه لا توجد قطيعة، ولا مشروع ضغط على النظام نهائيا.

ما يعنينا نحن هو موقع المعارضة ومستقبلها، فلماذا أصبحت النهضة عبئا على المعارضة؟

حركة النهضة التي قوّضت كل إمكانيات نجاح الديمقراطية عندما كانت في الحكم، مازالت تُعطّل معركة الحرية بسبب التفافها على المعارضة في محاولة للخروج من العزلة بعد تراجع شعبيتها بصورة جذرية، وعزلتها الدولية المتزايدة. وبسبب استخدامها من طرف السلطة كفزّاعة سياسية. وهذا ما جعل المعارضة تخسر شرعيتها حين ترتبط بحزب ذي مشروع مغاير للجمهورية، وتتمسك بفرضه على شعب رفضه وكفر به.

يعني كلما اقتربت المعارضة من النهضة، كلما ضعفت وفقدت استقلاليتها ومشروعها الأصلي. وهي صاحبة التراكم الفكري والسياسي وتراث النضال من أجل الحرية والدولة المدنية، وهي الوريث الشرعي للحركة الوطنية ومشروع الجمهورية الحديثة.
رغم كل هذا الإرث، ورغم قيمها المدنية، فإن خطأ قادتها الفادح هو ربط مصيرهم السياسي كأشخاص بحركة النهضة، الحزب الذي يحمل رؤية مختلفة للدولة وللدستور وللمجتمع وللحكم، ومحمّل بملفات ثقيلة ومسؤوليات سياسية وجنائية خطيرة، ومعزول شعبيا، ومنبوذ في أكثر العواصم الغربية، ولم يعد يُنظر إليه كطرف قادر على قيادة دولةٍ حديثة أو تقديم بديل فعلي. وبذلك وضعوا حركة التغيير برمتها في مرمى الاستهداف الشعبي والدولي، ووضعو النظام في وضع مُريح على جميع المستويات.

ولهذا أعتقد أن ارتباط المعارضة بالنهضة لا يضعفها فقط، بل يفصلها عن هويتها الحقيقي. وإذا لم تتحرّر من هذا العبء، فإنها ستخسر دورها التاريخي في الدفاع عن مشروع الجمهورية الذي بنته تونس عبر مئة عام من الإصلاح. والبلاد اليوم في أشد الحاجة إلى معارضة مستقلة، وطنية، حديثة، غير مرتهنة لأي مشروع تحت جمهوري. وبقدر ما تكون قادرة على ذلك، تكون قادرة على استعادة ثقة التونسيين.

بناء على هذه المعطيات، لا أفهم كيف يرى البعض أن النظام في آخر أيامه !

فالله المستعان وبرّ



#عزالدين_بوغانمي (هاشتاغ)       Boughanmi_Ezdine#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حول أزمة الاتحاد العام التونسي للشغل
- قصة من تاريخ تونس، أو درس في هندسة السلطة
- توازن الرهانات الخاطئة: بين السلطة والاتحاد والمعارضة، لعبة ...
- المشترك الوطني ودوامة الفشل الديمقراطي: الجزء (الثالث)
- من المحاصصة إلى الشعبوية: مسار تآكل الشرعية الديمقراطية في ت ...
- من المحاصصة إلى الشعبوية: مسار تآكل الشرعية الديمقراطية في ت ...
- العقلانية كشرط للسيادة: تونس بين صخب الشعارات ومتطلبات الدبل ...
- تصنيع -الحقيقة- واستراتيجية إعادة تشكيل الوعي
- بين السلطة والاتحاد: هشاشة الداخل ومساحات النفاذ الأجنبي
- السيادة الوطنية
- عوامل سقوط النظام
- سوريا ليست تونس: نقد القياس السياسي وبيان شروط سقوط الأنظمة.
- المسافة بين التجربتين: في بطلان قياس تونس على سوريا.
- التونسيون ليسوا ضد الديمقراطية، بل ضد من يختزلها في تجربة ال ...
- بين خطاب -التاسعة- وواقع العولمة: هل كلّ ناشط في المجتمع الم ...
- براغماتية الدولة: قراءة في التصويت الجزائري على القرار الأمر ...
- القرار 2803 أخطر ما صدر عن مجلس الأمن بشأن فلسطين منذ تأسيس ...
- منطق السلطة بين تطبيق القانون وحماية أمن الدول
- هل المشكل في الفساد أم في مكافحة الفساد؟ قراءة نقدية في الخط ...
- المشهد الرّمزي حول زيارة أحمد الشرع لواشنطن


المزيد.....




- -هل كنا في السماء؟-.. اعتراف إيراني يهزّ رواية إسقاط مقاتلات ...
- في إدانة نادرة لشخصية عسكرية... السجن 14 عاما لرئيس المخابرا ...
- اليمن: سيطرة الانتقالي الجنوبي على مناطق بحضرموت والمهرة يثي ...
- ميرتس يعلن تسليم ترامب مقترحا بشأن تنازل عن أراض أوكرانية
- -متنا من البرد-.. مشاهد غرق الخيام في غزة تشعل منصات التواصل ...
- حماس: تهديد بن غفير بهدم قبر عز الدين القسام انحدار أخلاقي
- ?أوميغا 3.. صديقة قلبك
- صحة غزة: البرد يهدد حياة الأطفال وكبار السن بخيام القطاع
- ماذا يحصل لجسمك عند التوقف عن تناول اللحوم؟
- مسؤولة إماراتية: ملتزمون بهدنة إنسانية في السودان لكن لا نري ...


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عزالدين بوغانمي - خرافة الأيام الأخيرة: أو صناعة الوهم