كرم خليل
سياسي و كاتب وباحث
(Karam Khalil)
الحوار المتمدن-العدد: 8548 - 2025 / 12 / 6 - 00:04
المحور:
المجتمع المدني
في لحظة سياسية فارقة، قد يُصبح مجرّد اختلافٍ في التعبير شرارةً تكفي لتفجير جيوشٍ من الأصوات الغوغائية، تهجم لا لأنها فهمت ما قيل، بل لأنها تبحث عمّا يبرّر صراخها. وهذه الظاهرة ليست جديدة في السياق السوري؛ إنها امتدادٌ لثقافةٍ صنعها نظامٌ قضى نصف قرن وهو يحوّل الرأي إلى جريمة، والاختلاف إلى خيانة، فيغدو الحوار ترفًا، والنقد خطيئة، والكلمة سيفًا مُشهرًا.
خلال الأيام الماضية، وجد الصديق سامي عثمان—أحد أبرز أبطال قانون قيصر—نفسه في قلب عاصفة لم يصنعها. الرجل خانَه التعبير في جملة تتعلق بخروج الناس للاحتفال بنهاية نظام الأسد. قال ما قاله بعفوية، لا طعنًا بإرادة الشعب، بل ردًا على رسائل وصلت من مدراء مُكَوّعين وفلول باقين في مناصبهم، يحاولون فرض حضور الموظفين في الاحتفالية بروح مَرَضية امتلأت بالحسد والتحريض. أراد سامي الإشارة إلى هذه الذهنية المتعفنة، لكنه وقع في منزلق لغوي استغله البعض ليحوّلوا الاختلاف إلى معركة.
المؤلم ليس الهجوم ذاته، بل طبيعته: لغة غوغائية مسعورة، جاهزة للانقضاض على كل من لا يكرر الخطاب ذاته حرفًا بحرف. إنها عقلية المحاكم الشعبية التي تصنعها الجماعات المهزوزة، تلك التي تحتاج دائمًا إلى عدوّ تصرخ في وجهه كي تشعر بوجودها.
لكن في المقابل، كان الموقف الأعمق والأكثر نضجًا يأتي من أبناء ثورة الكرامة الحقيقيين؛ أولئك الذين يتصدّرون اليوم مواقع المسؤولية. لم ينجرّوا إلى هذه الضوضاء، ولم يتناولوا سامي بكلمة واحدة، لأنهم يدركون مكانته ودوره في العزل السياسي والاقتصادي للنظام، ويفهمون أن الخطأ في التعبير لا يلغى المسيرة ولا يُسقط أصحابها.
الغوغاء وحدهم من يحاكمون النوايا.
أما الشجعان، فيفهمون السياق قبل أن يرفعوا أصواتهم.
سامي أخطأ وأصاب، وهذه صفة الإنسان الحرّ؛ الإنسان الذي قاتل ليبقى صوته غير مصادَر، ولو خانته المفردة مرّة، لا تُعدم منه صدق النية ولا عمق الالتزام. وهذه العاطفة التي يحمله—هو، والعزيز فريد “قيصر”—هي ذاتها التي جعلتهم رموزًا في معركة العزل السياسي والاقتصادي ضد نظام الأسد.
والمفارقة أن الهجمة التي يتعرض لها سامي اليوم لا تذكّرني إلا بحملة بثينة شعبان نفسها، يوم حاولت شيطنته وشيطنة رفاقه… المحور ذاته يظهر اليوم، ولكن بوجه آخر، وبأدوات تبدو “مدنية” لكنها تحمل الروح ذاتها:
روح الاستبداد حين يتقمّص ثوب النقد.
إننا ندخل اليوم مرحلة جديدة؛ سوريا تنتقل من ركام الانهيار إلى أرض إعادة البناء، ولذلك تكثر الأصوات التي تخشى هذا الانتقال. الغوغاء لا يعيشون في الضوء، بل في الفوضى. أما المجتمع الذي يسير نحو التعافي السياسي، فلا يخشى الكلمة، ولا يخاف الرأي المختلف، بل يرى فيه ضرورة لضبط المسار.
إن الهجمات المسعورة لا تُسقط مناضلًا، ولا تغيّر مسار ثورة، لكنها تكشف لنا شيئًا واحدًا مهمًا:
أن الطريق نحو دولة الحرية ما زال مليئًا ببقايا الذهنية ذاتها التي أسقطت سوريا في الماضي، وأن مواجهتها تبدأ من فضحها لا من الصمت عنها
#كرم_خليل (هاشتاغ)
Karam_Khalil#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟