|
|
علاقة الدين بالسياسة
امير وائل المرعب
ماجستير هندسة كهرباء جامعة بغداد ومهتم بالادب والشعر والفلسفة والعلوم والرياضيات
(Amir Wael Abdulamir Murib)
الحوار المتمدن-العدد: 8546 - 2025 / 12 / 4 - 19:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
علاقة الدين بالسياسة: نظرة فلسفية وتاريخية المقدمة والتعريف الأساسي ليست مسألة العلاقة بين الدين والسياسة حديثة العهد، بل تعود جذورها إلى أقدم العصور التاريخية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور الحضارات والأنظمة السياسية. الدين ليس مجرد منظومة من المعتقدات الروحية، بل هو منظومة متكاملة من المعتقدات والقيم والطقوس التي تنظّم علاقة الإنسان بالمقدس وتشكل إطاراً أخلاقياً ومعنويّاً للفرد والمجتمع. من جهة أخرى، السياسة تتعلق بممارسة السلطة وتنظيم شؤون المجتمع. تاريخياً، عندما نتحدث عن العلاقة بينهما، نناقش في الواقع علاقة تتضمن تنافساً على الشرعية والسلطة والنفوذ. المرحلة الوسيطة: هيمنة الدين على السياسة في أوروبا العصور الوسطى، كانت الكنيسة تمثل السلطة الروحية العليا والمهيمنة على المجالين الديني والسياسي معاً. كان النموذج السائد يقوم على دمج كامل بين الدين والسياسة. القديس أوغسطين (354-430م) جسّد هذا التصور في فكره السياسي، حيث لم تكن هناك حدود واضحة بين سلطة الكنيسة والسلطة الزمنية. كانت الشرعية السياسية تستمد مباشرة من النصوص الدينية والتفويض الكنسي، فالملك كان يحكم بالحق الإلهي، وكانت طاعته واجبة دينية. الانتقال التدريجي: عصر النهضة والإصلاح الديني مع الإصلاح البروتستانتي، بدأت أولى البذور تُزرع لفكرة الفصل بين الدين والسياسة. المسيحية البروتستانتية قدمت رؤية جديدة للمؤسسة الدينية كمجتمع طوعي يضم فقط من يختارون الانضمام إليه، مما يختلف بشكل جذري عن الفهم الوسيط للكنيسة كسلطة شاملة على جميع السكان في المنطقة الجغرافية. هذا التحول بدأ يطرح تساؤلات فلسفية جديدة حول طبيعة السلطة السياسية ومصدر شرعيتها. عصر التنوير: من اللاهوت إلى العقل شهد عصر التنوير ثورة فكرية حقيقية في مقاربة المسألة. ركز فلاسفة التنوير على العقل والمبادئ العلمية والتسامح الديني وما أسموه بـ "الحقوق الطبيعية": الحياة والحرية والملكية. توماس هوبز كان يخشى من أن تصبح الدين مصدراً للحروب الأهلية. لذلك فضل أن تصبح الكنيسة تابعة للدولة، تحت إشراف صارم من السلطة السياسية، وفي حال التعارض بين القانون الإلهي والقانون الملكي، يجب على الفرد طاعة الملك أو اختيار الموت. جون لوك ذهب أبعد من ذلك، محتجّاً بأن الحكومة لا تملك سلطة في مجال الضمير الفردي. وفقاً لمبدأ العقد الاجتماعي عند لوك، يقول إن الأشخاص العقلانيين لا يمكنهم التنازل عن حريتهم العقيدية لأحد، وهذا يخلق حقاً طبيعياً في حرية الضمير يجب أن تظل محمية من أي سلطة حكومية. هذا كان بمثابة الأساس الفلسفي لفكرة الفصل بين الدين والسياسة. جان جاك روسو قدم مفهوماً وسيطاً يسمى "الدين المدني"، الذي يوظّف الرموز الدينية لخدمة التماسك الاجتماعي دون منح رجال الدين سلطة على الشأن السياسي. كما عبّر روسو عن قلقه من أن الدين يقسّم ويضعّف الدولة، قائلاً: "من المستحيل العيش في سلام مع أناس تعتقد أنهم ملعونون". العلمنة والدولة الحديثة مع نشوء الدولة الحديثة، حدثت عملية "علمنة" للسلطة السياسية. لم تعد الدول الحديثة تستمد شرعيتها من النصوص الدينية أو المؤسسات الكنسية، بل من "الإرادة العامة" و"السيادة الوطنية". الثورات الأوروبية، خاصة الثورة الفرنسية والأمريكية، لعبت دوراً محورياً في إرساء هذه المفاهيم. كانت النتيجة ما يُعرف اليوم بـ "العلمانية"، أي الفصل المؤسسي بين المجالين الديني والسياسي. السياق الإسلامي: نموذج مختلف بخلاف التجربة الغربية، لم تعرف المجتمعات الإسلامية الفصل بالمعنى الغربي المطلق. في الواقع، ارتبطت نشأة الدولة في التصور الإسلامي الكلاسيكي بوظيفة دينية في الأساس. كانت النموذج المعاد إنتاجه هو مبدأ "وحدة السلطتين"، الدينية والزمنية. الفكر الإسلامي الكلاسيكي والسياسة الشرعية في الفكر الإسلامي، لم يكن هناك "نظام سياسي" بالمعنى الفلسفي الغربي للنظام، بينما كان هناك منظور وتصور سياسي وقيم سياسية هادية وضابطة للفعل السياسي. المفاهيم الإسلامية الأساسية تتضمن: الطاعة للقانون الإسلامي (الشريعة)، وسيادة الوحدة والتضامن والمجتمع على الحقوق الفردية، والبيعة (التزام أهل الحل والعقد بطاعة الحاكم) مع مقابل واجب على الحاكم بالحكم بعدل والتشاور (الشورى) قبل اتخاذ القرارات. ابن تيمية (1263-1328م) قدم مساهمة فكرية عميقة في هذا الخصوص. طوّر نظرية تُعرف بـ "السياسة الشرعية" (al-siyasa al-sharʿiyya)، التي تجمع بين المبادئ الإسلامية الأساسية والحاجات العملية للحكم. وضع ابن تيمية الله في مركز وأساس جميع أشكال السلطة السياسية في الإسلام، وحرم الفصل بين الدولة والدين. لكن في الوقت نفسه، اعترف بضرورة السلطة السياسية والقوة الفعلية للحاكم، مع التركيز على أن الشرعية السياسية يجب أن تستند إلى الوحي الإلهي في القرآن. كانت رؤية ابن تيمية ثورية لأنها حاولت إعادة الدور المركزي للمجتمع في الحفاظ على الشريعة. بما أن محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء، يمكن للمجتمع أن يكون الحارس للشريعة دون الحاجة إلى إمام مستبد. هذا يعني أن رؤيته لم تكن ديقراطية كلاسيكية لأنها رفضت الديقراطية المطلقة والاستبداد على السواء. الفصل الفعلي في الدولة الإسلامية مثير للاهتمام أنه حتى في السياق الإسلامي، برز فصل فعلي (de facto) بين القوة الدينية والقوة السياسية. في حين أن الخليفة مثّل القوة الدينية، كان السلاطين والأمراء يمثلون القوة السياسية. هذا الانقسام تم إنشاؤه وتأسيسه مؤسسياً في نهاية القرن الأول من الهجرة. لاحقاً، طوّر الفقه الإسلامي السني عقيدة "السياسة الشرعية"، التي تعني حكم بموجب الشريعة. الهدف منها كان توفيق القانون الإسلامي مع الاحتياجات العملية للحكم، لأن التطبيق الحرفي غير المرن للقانون الإسلامي كان يتطلب أحياناً أحكاماً عملية واعتبارات نفعية. المنظور الحديث: الإسلام والسياسة في العصر الحديث في العصر الحديث، برزت حركات إسلامية سياسية أعادت تصور العلاقة بين الدين والسياسة. الثورة الإيرانية الإسلامية تحت قيادة الخميني كانت نموذجاً معاصراً على محاولة إنشاء دولة على أساس مبادئ إسلامية. نظرية الخميني حول "ولاية الفقيه" قدمت رؤية متكاملة تجمع بين الحكم الديني والسياسي تحت إشراف فقيه عادل يُعتبر ممثلاً لله على الأرض. الدستور الإيراني حدد أن "شكل حكومة إيران هو جمهورية إسلامية" مع تأكيد على "الأهمية الأساسية للخضوع لله" و"الدور الأساسي للوحي الإلهي" كمصدر أساسي للقانون. المنظور المعاصر: التعددية والعلمانية اليوم، برزت نقاشات فلسفية جديدة حول كيفية التعامل مع تعددية الأديان والمعتقدات في المجتمعات الحديثة. هناك توترات بين العلمانية الليبرالية التي تسعى لحماية السياسة من الهيمنة الدينية من خلال الحيادية والفصل المؤسسي، والتعددية التي تؤكد على التعايش بين وجهات نظر متعددة في الحياة العامة من خلال الاعتراف المتبادل والحوار. العالم الاجتماعي خوسيه كاسانوفا طور فهماً مختلفاً للعلمانية. يرى أن الحداثة لا تعني اختفاء الدين بل اختفاء الاحتكار الديني: الدين لم يعد يحتل موضعاً مميزاً في المعرفة أو الأخلاق، لكنه يستمر في الوجود جنباً إلى جنب مع الآفاق العلمانية. في هذا السياق، دور الدولة ليس استبعاد الدين بل ضمان العدالة بين مواطنين من أديان مختلفة وبدون دين. وجهة نظر معاصرة أخرى تشير إلى أن المستقبل يكمن ليس في الدفاع عن العلمانية ضد التعددية، بل في اعتناق "علمانية من التعددية المبدئية" - إطار عمل يضمن الحريات الفردية أثناء الاعتراف بالشرعية الأخلاقية للتنوع. الخلاصة الفكرية العلاقة بين الدين والسياسة ليست ثابتة أو بسيطة، بل هي متطورة وديناميكية. في الغرب، مرّت من هيمنة دينية كاملة في العصور الوسطى إلى فصل مؤسسي في الحداثة. في السياق الإسلامي، كانت العلاقة دائماً أكثر تعقيداً، تجمع بين الوحدة النظرية والفصل العملي. اليوم، في عالم متعدد ومتنوع، تتطور رؤية جديدة تسعى إلى توازن بين احترام الأبعاد الروحية للأديان والمحافظة على العدالة المدنية والمساواة السياسية. الدرس الأساسي هو أن الحوار المستمر والتأويل النقدي للعلاقة بين الدين والسياسة ضرورة حتمية لفهم أعمق للدور الذي يجب أن يلعبه الدين في الحياة العامة، سواء في الغرب أو في العالم الإسلامي، خاصة في عصر تتعايش فيه معتقدات وأديان متعددة. رجاءا اعطني التقرير كاملا بدون روابط علاقة الدين بالسياسة: نظرة فلسفية وتاريخية المقدمة والتعريف الأساسي ليست مسألة العلاقة بين الدين والسياسة حديثة العهد، بل تعود جذورها إلى أقدم العصور التاريخية، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بتطور الحضارات والأنظمة السياسية. الدين ليس مجرد منظومة من المعتقدات الروحية، بل هو منظومة متكاملة من المعتقدات والقيم والطقوس التي تنظّم علاقة الإنسان بالمقدس وتشكل إطاراً أخلاقياً ومعنويّاً للفرد والمجتمع. من جهة أخرى، السياسة تتعلق بممارسة السلطة وتنظيم شؤون المجتمع. تاريخياً، عندما نتحدث عن العلاقة بينهما، نناقش في الواقع علاقة تتضمن تنافساً على الشرعية والسلطة والنفوذ. المرحلة الوسيطة: هيمنة الدين على السياسة في أوروبا العصور الوسطى، كانت الكنيسة تمثل السلطة الروحية العليا والمهيمنة على المجالين الديني والسياسي معاً. كان النموذج السائد يقوم على دمج كامل بين الدين والسياسة. القديس أوغسطين (354-430م) جسّد هذا التصور في فكره السياسي، حيث لم تكن هناك حدود واضحة بين سلطة الكنيسة والسلطة الزمنية. كانت الشرعية السياسية تستمد مباشرة من النصوص الدينية والتفويض الكنسي، فالملك كان يحكم بالحق الإلهي، وكانت طاعته واجبة دينية. في هذه الفترة، كانت الكنيسة لا تنفصل عن الدولة في الناحية المؤسسية والفكرية. كل قرار سياسي كان يحتاج إلى تبرير ديني، وكل قانون كان يجب أن يتوافق مع التعاليم الكنسية. السلطة الزمنية والسلطة الروحية، رغم تنافسهما أحياناً، كانتا متشابكتين بشكل لا ينفصل. الانتقال التدريجي: عصر النهضة والإصلاح الديني مع الإصلاح البروتستانتي، بدأت أولى البذور تُزرع لفكرة الفصل بين الدين والسياسة. المسيحية البروتستانتية قدمت رؤية جديدة للمؤسسة الدينية كمجتمع طوعي يضم فقط من يختارون الانضمام إليه، مما يختلف بشكل جذري عن الفهم الوسيط للكنيسة كسلطة شاملة على جميع السكان في المنطقة الجغرافية. هذا التحول الفكري أدى إلى تفكك الهيمنة الكنسية على السلطة السياسية. بدأ الناس يتساءلون عما إذا كان يجب فعلاً أن تحتكر الكنيسة القرار السياسي. بدأ الفصل الفكري بين المجالين يأخذ شكلاً أولياً في هذه الفترة، خاصة عندما أدى الصراع الديني إلى حروب دينية دموية في أوروبا. كانت هذه الحروب الدينية هي الدافع الحقيقي لإعادة التفكير في العلاقة بين الدين والسياسة. عصر التنوير: من اللاهوت إلى العقل شهد عصر التنوير ثورة فكرية حقيقية في مقاربة المسألة. ركز فلاسفة التنوير على العقل والمبادئ العلمية والتسامح الديني وما أسموه بـ "الحقوق الطبيعية": الحياة والحرية والملكية. توماس هوبز والخوف من الحروب الدينية توماس هوبز كان يخشى من أن تصبح الدين مصدراً للحروب الأهلية. اقترح حلاً يختلف عن الفصل الكامل: أن تصبح الكنيسة تابعة للدولة، تحت إشراف صارم من السلطة السياسية. في فكر هوبز، في حال التعارض بين القانون الإلهي والقانون الملكي، يجب على الفرد طاعة الملك أو اختيار الموت. كان هذا حلاً عملياً أكثر من الفصل الكامل، لكنه لم يرق لمن جاء بعده. جون لوك وحرية الضمير جون لوك ذهب أبعد من ذلك، محتجّاً بأن الحكومة لا تملك سلطة في مجال الضمير الفردي. وفقاً لمبدأ العقد الاجتماعي عند لوك، يقول إن الأشخاص العقلانيين لا يمكنهم التنازل عن حريتهم العقيدية لأحد، وهذا يخلق حقاً طبيعياً في حرية الضمير يجب أن تظل محمية من أي سلطة حكومية. هذا كان بمثابة الأساس الفلسفي لفكرة الفصل بين الدين والسياسة. كتب لوك عن التسامح الديني، وأكد أن الحكومة يجب أن تبقى محايدة تجاه المسائل الدينية. لا يجوز للدولة أن تفرض دين معين على رعاياها، ولا يجوز لها أن تضطهد من ينتمون إلى أديان أخرى. هذه الأفكار كانت ثورية في عصره. جان جاك روسو والدين المدني جان جاك روسو قدم مفهوماً وسيطاً يسمى "الدين المدني"، الذي يوظّف الرموز الدينية لخدمة التماسك الاجتماعي دون منح رجال الدين سلطة على الشأن السياسي. كما عبّر روسو عن قلقه من أن الدين يقسّم ويضعّف الدولة، قائلاً: "من المستحيل العيش في سلام مع أناس تعتقد أنهم ملعونون". روسو حاول إيجاد توازن بين احترام المشاعر الدينية للمواطنين والحفاظ على وحدة الدولة. اقترح أن تتبنى الدولة دين مدني بسيط يقتصر على الفضائل الأساسية والشروط الضرورية للالتزام، دون الخوض في التفاصيل العقيدية. كان هذا محاولة لتجاوز الصراعات الدينية دون التضحية بالبعد الروحي تماماً. العلمنة والدولة الحديثة مع نشوء الدولة الحديثة، حدثت عملية "علمنة" للسلطة السياسية. لم تعد الدول الحديثة تستمد شرعيتها من النصوص الدينية أو المؤسسات الكنسية، بل من "الإرادة العامة" و"السيادة الوطنية". الثورات الأوروبية والأمريكية الثورات الأوروبية، خاصة الثورة الفرنسية والأمريكية، لعبت دوراً محورياً في إرساء هذه المفاهيم. في فرنسا، جرت عملية فصل تدريجي ثم سريع عن الكنيسة والدين من جهة والدولة من جهة أخرى. في أمريكا، تم التأكيد على حظر إقامة دين وطني، وحماية حرية الممارسة الدينية. كانت النتيجة ما يُعرف اليوم بـ "العلمانية"، أي الفصل المؤسسي بين المجالين الديني والسياسي. هذا الفصل لم يكن مطلقاً في كل الحالات. بعض الدول الأوروبية احتفظت بكنيسة رسمية (مثل بريطانيا)، لكن بقوة محدودة بقوانين برلمانية. المهم أن الشرعية السياسية لم تعد تستمد من التفويض الديني، بل من الإرادة الشعبية والعقد الاجتماعي. السياق الإسلامي: نموذج مختلف بخلاف التجربة الغربية، لم تعرف المجتمعات الإسلامية الفصل بالمعنى الغربي المطلق. في الواقع، ارتبطت نشأة الدولة في التصور الإسلامي الكلاسيكي بوظيفة دينية في الأساس. كانت النموذج المعاد إنتاجه هو مبدأ "وحدة السلطتين"، الدينية والزمنية. الفكر الإسلامي الكلاسيكي والسياسة الشرعية في الفكر الإسلامي، لم يكن هناك "نظام سياسي" بالمعنى الفلسفي الغربي للنظام، بينما كان هناك منظور وتصور سياسي وقيم سياسية هادية وضابطة للفعل السياسي. الدولة الإسلامية الأولى كانت دولة دينية بالطبع وليس بالعرض. النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان قائداً روحياً وزمنياً في نفس الوقت. بعد وفاته، ورث الخلفاء هذا الدور المزدوج. المفاهيم الإسلامية الأساسية لتنظيم الدولة تتضمن: • الطاعة للقانون الإسلامي (الشريعة)، وليس لإرادة الفرد أو حتى الحاكم إذا خالف الشريعة • سيادة الوحدة والتضامن والمجتمع على الحقوق الفردية (رغم وجود حقوق فردية في الإسلام) • البيعة (التزام أهل الحل والعقد بطاعة الحاكم) مع مقابل واجب على الحاكم بالحكم بعدل والتشاور (الشورى) قبل اتخاذ القرارات هذا النموذج كان يختلف عن الحكم الديقراطي الحديث، لكنه كان يحتوي على عناصر تشاورية واستشارية. ابن تيمية والسياسة الشرعية ابن تيمية (1263-1328م) قدم مساهمة فكرية عميقة في هذا الخصوص. طوّر نظرية تُعرف بـ "السياسة الشرعية" (al-siyasa al-sharʿiyya)، التي تجمع بين المبادئ الإسلامية الأساسية والحاجات العملية للحكم. وضع ابن تيمية الله في مركز وأساس جميع أشكال السلطة السياسية في الإسلام، وحرم الفصل بين الدولة والدين. كان يعتقد أن الحاكم العادل هو الذي يطبق الشريعة الإسلامية بشكل صحيح، وأن هذا يجب أن يكون مصدر شرعيته الأساسي. لكن في الوقت نفسه، اعترف بضرورة السلطة السياسية والقوة الفعلية للحاكم، مع التركيز على أن الشرعية السياسية يجب أن تستند إلى الوحي الإلهي في القرآن. كان يدرك أن الحكم الصالح يتطلب ليس فقط الفضيلة بل أيضاً القوة والنفوذ. كانت رؤية ابن تيمية ثورية لأنها حاولت إعادة الدور المركزي للمجتمع في الحفاظ على الشريعة. بما أن محمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء، يمكن للمجتمع أن يكون الحارس للشريعة دون الحاجة إلى إمام مستبد. هذا يعني أن رؤيته لم تكن ديقراطية كلاسيكية لأنها رفضت الديقراطية المطلقة والاستبداد على السواء. الفصل الفعلي في الدولة الإسلامية مثير للاهتمام أنه حتى في السياق الإسلامي، برز فصل فعلي (de facto) بين القوة الدينية والقوة السياسية. في حين أن الخليفة مثّل القوة الدينية (كحامي للدين والشريعة)، كان السلاطين والأمراء يمثلون القوة السياسية والعسكرية. هذا الانقسام تم إنشاؤه وتأسيسه مؤسسياً في نهاية القرن الأول من الهجرة. بدأ المنصب الخليفة يصبح أكثر فأكثر رمزياً، بينما السلطة الفعلية انتقلت إلى السلاطين والوزراء. هذا يعكس واقعاً تاريخياً: الفصل بين السلطة الدينية والسياسية يبدو أنه ضرورة تاريخية حتى في الأنظمة التي لا تعترف به نظرياً. لاحقاً، طوّر الفقه الإسلامي السني عقيدة "السياسة الشرعية"، التي تعني حكم بموجب الشريعة. الهدف منها كان توفيق القانون الإسلامي مع الاحتياجات العملية للحكم، لأن التطبيق الحرفي غير المرن للقانون الإسلامي كان يتطلب أحياناً أحكاماً عملية واعتبارات نفعية. كان هذا اعترافاً بأن الشريعة بحاجة إلى تفسير وتطبيق حكيم يأخذ بعين الاعتبار الظروف والحاجات المتغيرة. المنظور الحديث: الإسلام والسياسة في العصر الحديث في العصر الحديث، برزت حركات إسلامية سياسية أعادت تصور العلاقة بين الدين والسياسة. الثورة الإيرانية الإسلامية تحت قيادة الخميني كانت نموذجاً معاصراً على محاولة إنشاء دولة على أساس مبادئ إسلامية. نظرية ولاية الفقيه نظرية الخميني حول "ولاية الفقيه" قدمت رؤية متكاملة تجمع بين الحكم الديني والسياسي تحت إشراف فقيه عادل يُعتبر ممثلاً لله على الأرض. هذه النظرية أعادت صياغة التصور الإسلامي للعلاقة بين الدين والسياسة في السياق المعاصر. الدستور الإيراني حدد أن "شكل حكومة إيران هو جمهورية إسلامية" مع تأكيد على "الأهمية الأساسية للخضوع لله" و"الدور الأساسي للوحي الإلهي" كمصدر أساسي للقانون. كان هذا محاولة لتطبيق المبادئ الإسلامية في بناء دولة حديثة. لكن هذه التجربة أظهرت أيضاً التوترات الناشئة عن محاولة فرض رؤية دينية واحدة على مجتمع متنوع. أثارت نقاشات حول كيفية التعامل مع الاختلافات الدينية والفلسفية داخل الإطار الإسلامي ذاته. المنظور المعاصر: التعددية والعلمانية اليوم، برزت نقاشات فلسفية جديدة حول كيفية التعامل مع تعددية الأديان والمعتقدات في المجتمعات الحديثة. هناك توترات بين العلمانية الليبرالية التي تسعى لحماية السياسة من الهيمنة الدينية من خلال الحيادية والفصل المؤسسي، والتعددية التي تؤكد على التعايش بين وجهات نظر متعددة في الحياة العامة من خلال الاعتراف المتبادل والحوار. إعادة تعريف العلمانية العالم الاجتماعي خوسيه كاسانوفا طور فهماً مختلفاً للعلمانية. يرى أن الحداثة لا تعني اختفاء الدين بل اختفاء الاحتكار الديني: الدين لم يعد يحتل موضعاً مميزاً في المعرفة أو الأخلاق، لكنه يستمر في الوجود جنباً إلى جنب مع الآفاق العلمانية. بعبارة أخرى، العلمانية ليست عداء للدين، بل هي نهاية حكم الدين الواحد على المجتمع. في المجتمع العلماني، يمكن للدين أن يزدهر، لكن ليس بتكلفة استقلالية وحقوق الآخرين. في هذا السياق، دور الدولة ليس استبعاد الدين بل ضمان العدالة بين مواطنين من أديان مختلفة وبدون دين. الدولة يجب أن تكون محايدة وليس عدائية. يجب أن تحمي حرية الممارسة الدينية مع الحفاظ على حقوق الجميع. العلمانية المبدئية وجهة نظر معاصرة أخرى تشير إلى أن المستقبل يكمن ليس في الدفاع عن العلمانية ضد التعددية، بل في اعتناق "علمانية من التعددية المبدئية" - إطار عمل يضمن الحريات الفردية أثناء الاعتراف بالشرعية الأخلاقية للتنوع. هذا يعني أن الدولة لا يجب أن تعادي الدين أو تحاول علمنة المجتمع بالقوة. بدلاً من ذلك، يجب أن تعترف بأن الناس قد يأتون إلى المسائل السياسية والأخلاقية من وجهات نظر دينية مختلفة، وأن هذا التنوع شرعي وطبيعي. المهم هو ضمان أن القوانين والسياسات العامة تحمي حقوق الجميع بغض النظر عن اعتقاداتهم الدينية أو عدمها. الخلاصة الفكرية العلاقة بين الدين والسياسة ليست ثابتة أو بسيطة، بل هي متطورة وديناميكية. في الغرب، مرّت من هيمنة دينية كاملة في العصور الوسطى إلى فصل مؤسسي في الحداثة. كانت هذه عملية تدريجية بدأت مع الإصلاح البروتستانتي واستمرت عبر عصر التنوير والثورات. الأساس الفلسفي لهذا الفصل كان حماية الحرية الفردية والحد من الصراعات الدينية وضمان العدالة بين الجميع بغض النظر عن معتقداتهم. في السياق الإسلامي، كانت العلاقة دائماً أكثر تعقيداً، تجمع بين الوحدة النظرية والفصل العملي. الإسلام لم يعرف فصلاً مطلقاً مثل الغرب، لكنه عرف تمايزاً وظيفياً بين المؤسسات الدينية والسياسية حتى في الفترات الكلاسيكية. المفكرون الإسلاميون طوّروا مفاهيم مثل "السياسة الشرعية" التي حاولت التوفيق بين المبادئ الدينية والحاجات العملية. اليوم، في عالم متعدد ومتنوع، تتطور رؤية جديدة تسعى إلى توازن بين احترام الأبعاد الروحية للأديان والمحافظة على العدالة المدنية والمساواة السياسية. لا يتعلق الأمر بـ "قتل" الدين أو محو تأثيره من الحياة العامة، بل بـ ضمان أن القرارات السياسية والقوانين تحمي حقوق الجميع وليس حقوق جماعة دينية معينة. الدرس الأساسي هو أن الحوار المستمر والتأويل النقدي للعلاقة بين الدين والسياسة ضرورة حتمية لفهم أعمق للدور الذي يجب أن يلعبه الدين في الحياة العامة، سواء في الغرب أو في العالم الإسلامي، خاصة في عصر تتعايش فيه معتقدات وأديان متعددة. التحدي الحقيقي يكمن في كيفية بناء أنظمة سياسية ترحب بالتنوع الديني بينما تحافظ على الاستقرار والعدالة.
#امير_وائل_المرعب (هاشتاغ)
Amir_Wael_Abdulamir_Murib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
فلسفة نيتشه وظلال الرايخ الثالث: جدلية الإنسان الأعلى، التزو
...
-
انشتاين فيلسوف وليس عالم رياضيات
-
ميتافيزيقا الجمع: من البوابات المنطقية إلى مفارقات اللانهاية
...
-
علاقة حقيقة الوحي باثار الهلال الخصيب العراق والشام
-
الحتمية البايوكيميائية لانفلاق التناظر الفائق العظيم
-
مناشدة انقذوا السودان الحبيب
-
التجريد السير وراء ظل الاشياء ( مقال مشترك)
-
التجاوريات وسرعة الهدم
-
ميزان العدالة في كونٍ تحكمه الفوضى
-
وهم الامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة
-
الشروك واعادة رسم المشهد السياسي العراقي بعد 2003
-
هل كانت توجد امة عربية حقا
-
سؤال الوجود دالة ام علاقة؟
-
انتخابات العراق
-
من سومر الى عرب الاهوار
-
نقد الفكرة غير نقد الشخص
-
تحت مشرط النقد
-
رحل وعي من لينين الى نظرية الوتار والوعي الكمي للمادة
-
حلزون الوجود - نص تاملي
-
“الصورة التي غيّرت كل شيء”
المزيد.....
-
عالم سياسة: المجتمع الفرنسي لم يعد قادرا على رؤية الإسلام إل
...
-
إنجيل السجن: المسيح ينتظر الفجر
-
تحت حراسة مشددة ومغطى بستار يحمل شعاري السعودية وسوريا.. صند
...
-
هل يعرقل تحالف البرهان مع الإسلاميين فرص إنهاء الحرب في السو
...
-
بعد قرار ترامب.. ما مصير الإخوان في الخليج؟
-
السيناتور بلومنثال: -الإخوان- خطر محتمل على الولايات المتحدة
...
-
الإخوان وأوروبا.. من رعاية الجماعة لاكتشاف حقيقتها
-
بعد عامين.. الجامعة الإسلامية بغزة تفتح أبوابها رغم تدمير مب
...
-
مناطق هشة عديدة في سودرتليا - الكنيسة القبطية تحاول لعب دور
...
-
هل حمزة بن لادن حي؟.. منصة استخباراتية تثير الجدل
المزيد.....
-
رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي
...
/ سامي الذيب
-
الفقه الوعظى : الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
نشوء الظاهرة الإسلاموية
/ فارس إيغو
-
كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان
/ تاج السر عثمان
-
القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق
...
/ مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
-
علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب
/ حسين العراقي
-
المثقف العربي بين النظام و بنية النظام
/ أحمد التاوتي
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
المزيد.....
|