أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - امير وائل المرعب - وهم الامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة















المزيد.....

وهم الامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة


امير وائل المرعب
ماجستير هندسة كهرباء جامعة بغداد ومهتم بالادب والشعر والفلسفة والعلوم والرياضيات

(Amir Wael Abdulamir Murib)


الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 14:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


وهم القومية العربية: تفكيك خرافة الأمة الواحدة من وادي الرافدين إلى بلاد الشام
تُعد فكرة "القومية العربية" و"الأمة العربية الواحدة" من أكثر المفاهيم السياسية تأثيرًا وجدلاً في تاريخ الشرق الأوسط الحديث. ورغم بريقها الذي استقطب الجماهير لعقود، إلا أن نظرة فاحصة للتاريخ والجغرافيا والديموغرافيا تكشف عن كونها بناءً أيديولوجيًا حديثًا، يتجاهل حقائق تاريخية عميقة وتمايزات ثقافية تمتد لآلاف السنين. إنها فكرة نشأت في ظروف خاصة، وتم توظيفها لغايات سياسية، لكنها فشلت في الصمود أمام واقع التنوع والاختلاف الذي يميز المنطقة.
الجذور التاريخية المتميزة: ما قبل وهم "الأمة"
قبل ظهور فكرة القومية العربية في القرن العشرين، كانت شعوب المنطقة تعرف نفسها بهوياتها المحلية والإقليمية المتجذرة في التاريخ.
العراق: هوية عمرها ستة آلاف عام
إن أرض وادي الرافدين، العراق، ليست مجرد دولة حديثة، بل هي وريثة حضارات متصلة منذ فجر التاريخ. تشير الأدلة الأثرية والتاريخية إلى أن شعوب العراق تمتلك ما يجمعها ويميزها منذ عصر فجر السلالات ودويلات المدن السومرية في الألفية الرابعة قبل الميلاد. مدن مثل "أراك"، التي يعتقد أنها أقدم من "أوروك" (الوركاء) بألفي عام، وضعت أسس هوية حضارية فريدة.
هذا التميز لم ينقطع. ففي العصر العباسي، عندما أصبحت بغداد عاصمة العالم الإسلامي، لم تكن مجرد مركز ديني، بل كانت عاصمة العالم المتحضر بأسره. الهوية العراقية كانت واضحة المعالم لدرجة أن الشاعر العظيم أبو الطيب المتنبي، في قصيدته الشهيرة، يحدد حدود العراق بدقة عندما يسأل ناقته وهو في بادية السماوة:
> فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ أَرْضُ العِرَاقِ؟ فَقَالَتْ وَنَحْنُ بِهَوْذَانَ: ذَا
>
و"هوذان" منطقة في بادية السماوة، وما بعدها كان يُعرف تاريخيًا وجغرافيًا بأنه أرض العراق.
بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا: هويات مستقلة
لم تكن بلاد الشام أقل تميزًا، فهي أرض الكنعانيين والفينيقيين، ولها إرثها الحضاري الخاص الذي يشمل سوريا والأردن ولبنان وفلسطين. وحتى التقسيمات التي فرضتها اتفاقيات مثل سايكس-بيكو ولوزان، رغم كونها استعمارية، إلا أنها استندت في كثير من الأحيان على خطوط تقسيم تاريخية وثقافية موجودة مسبقًا، مثل اللهجات المميزة التي تفصل العراقي عن الشامي.
* بلاد العرب الحقيقية: تاريخيًا، كان مصطلح "بلاد العرب" يقتصر على شبه الجزيرة العربية ودول الخليج. وحتى داخل هذه المنطقة، كانت لليمن وعُمان حضاراتها ومعمارها القديم الذي يميزها.
* مصر والسودان: هي بالأساس بلاد القبط، ذات الإرث الفرعوني الممتد، وبها تنوع إثني وديني كبير، خاصة في جنوب السودان الذي انفصل لاحقًا، وفي غربه حيث دارت رحى الصراعات الطاحنة.
* بلاد الأمازيغ: تمتد من ليبيا غربًا إلى موريتانيا، وهي شعوب لها لغتها وثقافتها وهويتها الضاربة في القدم.
* عربستان المفقودة: حتى في إيران، يوجد مكون عربي أصيل في إقليم الأحواز (عربستان)، بالإضافة إلى عرب فارس على الساحل المقابل للخليج. هؤلاء يحملون جينات عربية، لكن سياسة "التفريس" الممنهجة عملت ولا تزال تعمل على طمس هويتهم العربية للاستحواذ على ثروات منطقتهم النفطية.
ولادة الفكرة القومية وتوظيفها السياسي
إن فكرة "القومية العربية" بمفهومها الشمولي لم تنبع من عمق التاريخ، بل كانت نتاجًا لظروف القرن العشرين.
* النشأة المسيحية: من المفارقات التاريخية أن من وضعوا أسس الفكر القومي العربي كانوا مفكرين مسيحيين من سوريا ولبنان في أربعينيات القرن الماضي. كان هدفهم إيجاد هوية جامعة تتجاوز الانتماء الديني (الإسلامي) الذي كان سائدًا في ظل الدولة العثمانية، لخلق إطار "علماني" يجمع كل سكان المنطقة تحت مظلة واحدة.
* مشروع عبد الناصر: سرعان ما تبنى الزعيم المصري جمال عبد الناصر هذا التيار، ولكنه حوله إلى أداة سياسية لتحقيق طموحاته في قيادة المنطقة. لقد لعب عبد الناصر على وتر "الدولة العربية الواحدة" ليصبح زعيمها الأوحد، متجاهلاً كل التناقضات العميقة التي كانت تمزق هذا "العالم العربي" المزعوم.
أسباب فشل مشروع الوحدة القومية
كان مشروع الوحدة محكومًا عليه بالفشل منذ البداية لأنه تجاهل تناقضات جوهرية لا يمكن تجاوزها:
* التنوع العرقي والإثني: كيف يمكن لدولة واحدة أن تجمع العرب والأكراد والأمازيغ والتركمان والآشوريين وغيرهم تحت هوية "عربية" قسرية؟ لقد أدركت الأحزاب الشيوعية، خاصة في العراق وسوريا، هذا الخطر، وانتقدت الوحدة لأنها لا تحترم التنوع الإثني والعرقي في بلدانهم.
* الانقسام الطائفي: العالم الذي يُسمى خطأً بـ "العربي" منقسم طائفيًا. فالشيعة يمثلون أغلبية في العراق والبحرين، ونسبة كبرى ومؤثرة في لبنان، بينما السنة هم الأغلبية في باقي الدول. أي وحدة كانت ستفرض هيمنة طائفة على أخرى، مما يؤدي إلى حروب أهلية.
* التباين الاقتصادي والسياسي: كانت الأنظمة الاقتصادية متنافرة تمامًا؛ فمنها اشتراكية (مصر وسوريا)، ومنها رأسمالية (لبنان)، ومنها ريعية تعتمد على "مشايخ البترول"، حيث الابن يغدر بأبيه ويذبحه من أجل السلطة، ويكفي الاطلاع على تاريخ أبو ظبي الدموي المليء بالانقلابات والقتل داخل العائلة الحاكمة. أما الأنظمة السياسية، فتراوحت بين الديمقراطيات الهشة (تونس والجزائر في فترات معينة) والأنظمة العسكرية الديكتاتورية (مصر، ليبيا).
* انقسامات الحرب الباردة: كان "العرب" منقسمين بين ولائهم للولايات المتحدة أو للاتحاد السوفيتي، الذي بدوره ساوم على الأحزاب الشيوعية العربية وتركها لقمة سائغة للأنظمة اليمينية والديكتاتورية كي تسحقها.
لهذه الأسباب، كان من الحكمة والبصيرة السياسية أن يعمل شيوعيو العراق وسوريا على إفشال تجربة الوحدة مع مصر. لقد أدركوا أنها لم تكن سوى مشروع هيمنة سياسية يهدف إلى طمس هويتهم الوطنية العراقية والسورية، وكان سيقود حتمًا إلى صراع دموي داخلي. لقد فعلوا ذلك حفاظًا على أرواح شعوبهم وتاريخهم وهوياتهم المتمايزة، وحسنًا فعلوا.
في الختام، إن تجاوز وهم "القومية العربية" ليس دعوة للانقسام، بل هو دعوة للواقعية؛ لبناء علاقات صحية بين دول المنطقة على أساس الاحترام المتبادل للاستقلال والسيادة والهويات الوطنية الخاصة، بدلاً من مطاردة سراب أمة واحدة لم تكن موجودة إلا في خطابات السياسيين وأحلام الأيديولوجيين.



#امير_وائل_المرعب (هاشتاغ)       Amir_Wael_Abdulamir_Murib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشروك واعادة رسم المشهد السياسي العراقي بعد 2003
- هل كانت توجد امة عربية حقا
- سؤال الوجود دالة ام علاقة؟
- انتخابات العراق
- من سومر الى عرب الاهوار
- نقد الفكرة غير نقد الشخص
- تحت مشرط النقد
- رحل وعي من لينين الى نظرية الوتار والوعي الكمي للمادة
- حلزون الوجود - نص تاملي
- “الصورة التي غيّرت كل شيء”
- صفقة تيك توك: تحليل استراتيجي للسيطرة على السردية في الساحة ...
- خطة لتطوير العراق
- الرياضيات اصلها عدم وهي اكتشاف وليس ابتكار
- الوعي مراة كاربونية معقدة للتناظرات الرياضية للكون
- التردد الكهروكيميائي والديالكتيك الدماغي وانعكاس وصراع الفكر ...
- السيمفونية الكونية: تحقيق في التناغم الفيثاغوري ونظرية الأوت ...
- العدد - ملخص كتاب بروفيسور جون ماكليش
- المعنى في الوجود الصفري - حوار
- المحرك الكمومي: من الفيزياء النظرية إلى إعادة تشكيل البشرية
- زياد الذي غيرني


المزيد.....




- كيف يعيش الغزيون حياة ما بعد وقف إطلاق النار؟
- بقيمة 250 مليون دولار.. ترامب يهدم جزءًا من الجناح الشرقي في ...
- -عاشق الكيمياء- أمام القضاء البريطاني بعد العثور على مواد مت ...
- الأوروبيون يدفعون لاعتماد خط الجبهة بين روسيا وأوكرانيا أساس ...
- سباق قوارب مصنوعة من يقطين عملاق يثير ضجة في أوريغون
- ساركوزي يبدأ تنفيذ عقوبة السجن في قضية تمويل غير قانوني لحمل ...
- نساء من جماعة النوبة في كينيا يحيين تراثهن عبر الزراعة الحضر ...
- عاصفة قوية تضرب ضواحي باريس وتتسبب بأضرار واسعة
- كلوب يفتح الباب أمام عودة محتملة إلى ليفربول
- تحرك دبلوماسي مكثف لتثبيت اتفاق غزة.. فانس في إسرائيل ونتنيا ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - امير وائل المرعب - وهم الامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة