أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - امير وائل المرعب - ميتافيزيقا الجمع: من البوابات المنطقية إلى مفارقات اللانهاية وعدم اليقين















المزيد.....



ميتافيزيقا الجمع: من البوابات المنطقية إلى مفارقات اللانهاية وعدم اليقين


امير وائل المرعب
ماجستير هندسة كهرباء جامعة بغداد ومهتم بالادب والشعر والفلسفة والعلوم والرياضيات

(Amir Wael Abdulamir Murib)


الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 16:43
المحور: قضايا ثقافية
    


كنت من مدة انوي ان اكتب عن الجمع في اساس كل شيء حتى المادية الجدلية والتغير الكمي الذي يؤدي الى تغير كيفي - امير
مقدمة: وهم البساطة وعمق العملية الحسابية الأولى

في ظاهرها، تبدو عملية الجمع (-$-1 + 1 = 2-$-) وكأنها البداية البديهية لكل معرفة رياضية، وهي أول ما يلقنه المعلم للطفل في سنواته الأولى، وأبسط ما تمارسه العقول البشرية في حياتها اليومية. نجمع العملات، ونجمع التفاحات، ونجمع الأيام، ونظن أننا أمام عملية خطية بسيطة ومفرغة من أي تعقيد فلسفي أو تقني. ومع ذلك، فإن نظرة فاحصة تحليلية، مدعومة بأسس هندسة الحاسوب المتقدمة، وفلسفة الرياضيات العميقة، ونظريات الاحتمالات الحديثة، تكشف لنا أن الجمع ليس مجرد عملية تراكمية ساذجة. بل هو "العملية الأم" (The Mother Operation) التي تتشكل منها كافة الخوارزميات المعقدة في الكون الرقمي، وهو الجسر الأنطولوجي الذي يربط بين المفهوم الذهني المجرد والواقع الفيزيائي الملموس، وهو المحرك الأساسي الذي يدفعنا نحو مفهوم اللانهاية.
إن الفرضية المركزية التي يقوم عليها هذا التقرير البحثي الموسع هي أن الجمع يشكل البنية التحتية للوجود الرقمي والمنطقي، وأن فهمه الحقيقي يتطلب تفكيكاً جذرياً لمفاهيم الهوية (Identity)، والتطابق (Sameness)، واللانهاية (Infinity). فالجمع ليس مجرد ضم عنصر لآخر، بل هو عملية تتطلب "تجانساً" في الأشياء المجموعة، وافتراضات ميتافيزيقية حول طبيعة "الوحدة" (Unit). عندما ننتقل من العالم المثالي للرياضيات البحتة إلى العالم الفيزيائي المليء بالشوائب وعدم اليقين، يتحول الجمع من حقيقة مطلقة إلى دالة احتمالية تخضع لمنطق الغموض (Fuzzy Logic) ومفارقات التراكم.
يستعرض هذا التقرير، وبشكل شامل ومفصل، الأبعاد المتعددة لعملية الجمع عبر ستة فصول رئيسية. نبدأ من المستوى الأدنى في المادة، حيث نراقب كيف تحول البوابات المنطقية الإشارات الكهربائية إلى عمليات جمع، وكيف تُبنى كل عمليات الحاسوب (الضرب، القسمة، الطرح، الفاصلة العائمة) فوق هذه العملية الوحيدة. ثم ننتقل إلى الأسس البديهية (Axiomatic Foundations) لنرى كيف حاول فريغه وراسل وبيانو تعريف "العدد" وعلاقته باللانهاية. ونغوص في الإشكاليات الفلسفية والاحتمالية التي تنشأ عند محاولة جمع أشياء غير متطابقة تماماً في العالم المادي، لننتهي بتحليل الأساس البيولوجي والعصبي لهذه القدرة في الدماغ البشري.

الفصل الأول: الهيكل السيليكوني والأساس المنطقي للعمليات الحاسوبية

في قلب كل جهاز حاسوب، من الآلات الحاسبة البسيطة التي ظهرت في منتصف القرن العشرين إلى الحواسيب الفائقة (Supercomputers) التي تحاكي المناخ اليوم، تقع وحدة المعالجة المركزية (CPU)، وداخل هذه الوحدة يوجد قلبها النابض: وحدة الحساب والمنطق (Arithmetic Logic Unit - ALU). هذه الوحدة لا "تدرك" الرياضيات بالمعنى البشري القائم على الحدس والتصور، بل تتعامل مع تدفقات من الإلكترونات تمثل حالتين فيزيائيتين: جهد مرتفع (High Voltage) نرمز له بالرقم 1، وجهد منخفض (Low Voltage) نرمز له بالرقم 0. تشير التحليلات الهندسية الدقيقة لمعمارية الحاسوب إلى أن الدوائر الإلكترونية المعقدة، مهما بلغ تعقيدها، مصممة في جوهرها لتنفيذ عملية حسابية واحدة بكفاءة قصوى: الجمع. ومن خلال تكرار هذه العملية، وعكسها، والتلاعب بمدخلاتها، يتم اشتقاق واحتساب كافة العمليات الرياضية الأخرى.1

1.1 اختزال الرياضيات إلى الجمع: مبدأ الكفاءة الحاسوبية

تعتمد هندسة الحواسيب الحديثة على مبدأ "الاقتصاد في التصميم" (Design Economy) أو التبسيط. فبدلاً من بناء دوائر إلكترونية منفصلة ومعقدة لكل عملية حسابية (دائرة للضرب، وأخرى للقسمة، وثالثة للجذور)، مما يزيد من تكلفة الشريحة واستهلاك الطاقة والحرارة، يتم استغلال دوائر الجمع الموجودة مسبقاً مع تعديلات منطقية بسيطة لتنفيذ كل هذه المهام. هذا الاقتصاد يعكس حقيقة رياضية عميقة: الجمع هو العملية الأولية التي يمكن توليد باقي العمليات منها.

أولاً: الضرب كجمع متكرر (Multiplication as Repeated Addition) وخدعة الإزاحة

في الحساب الابتدائي، تعلمنا أن الضرب (-$-A -times B-$-) هو إضافة العدد -$-A-$- إلى نفسه -$-B-$- من المرات. ولكن في معمارية الحاسوب، لا يتم تنفيذ الضرب بهذه الطريقة الساذجة لأنها بطيئة جداً (تخيل ضرب مليار في مليار عبر الجمع المتكرر!). بدلاً من ذلك، يستخدم الحاسوب التمثيل الثنائي للأعداد لإجراء عملية الضرب عبر خوارزميات "الإزاحة والجمع" (Shift and Add).
تتكون عملية الضرب في وحدة الحساب والمنطق من دمج ذكي بين "الجامع" (Adder) و"مسجل الإزاحة" (Shift Register). عند ضرب عددين ثنائيين، يقوم المعالج بمسح بتات "المضروب فيه" (Multiplier) واحداً تلو الآخر من اليمين إلى اليسار:
إذا كان البت الحالي هو 1، يتم أخذ نسخة من "المضروب" (Multiplicand)، وإزاحتها لليسار بمقدار خانة، ثم إضافتها إلى المجموع التراكمي (Accumulator).
إذا كان البت الحالي هو 0، لا يتم إجراء عملية الجمع، بل تقتصر العملية على الإزاحة فقط (لأن الضرب في صفر يساوي صفراً).
هذه الآلية، المعروفة بضرب الإزاحة والجمع، تعني أن الدوائر المنطقية المسؤولة عن الضرب هي في الحقيقة "جامعات" (Adders) تقليدية تعمل بالتنسيق مع دوائر توقيت للإزاحة. لا توجد عملية "ضرب" كظاهرة فيزيائية مستقلة داخل السيليكون، بل هو نمط معقد من الجمع المتسلسل.3 في المعالجات المتقدمة، يتم استخدام خوارزميات أكثر تعقيداً مثل "خوارزمية بوث" (Booth s Algorithm) لتسريع العملية، خصوصاً مع الأعداد السالبة، لكن المبدأ يظل ثابتاً: الضرب هو تسريع لعملية الجمع.

ثانياً: الطرح كجمع للنقيض (Subtraction as Adding the Complement)

لعل أكثر الابتكارات عبقرية في تاريخ علوم الحاسوب هو طريقة التعامل مع الأعداد السالبة وعملية الطرح. لو حاول مهندسو الحاسوب بناء دوائر "طرح" تقليدية، لكان عليهم تصميم آليات للتعامل مع "الاستلاف" (Borrowing) من الخانات المجاورة، وهو أمر يختلف هيكلياً عن آليات "الحمل" (Carry) المستخدمة في الجمع. هذا كان سيعني مضاعفة الدوائر المنطقية.
الحل العبقري جاء عبر نظام "المتمم الثنائي" (Two s Complement). في هذا النظام، يتم استغلال الطبيعة الدورية للأعداد في السجلات المحدودة (Registers).
يتم تعريف عملية الطرح (-$-A - B-$-) رياضياً على أنها جمع للنقيض (-$-A + (-B)-$-). ولكن كيف نمثل (-$--B-$-) في الحاسوب؟
في نظام المتمم الثنائي، يتم الحصول على سالب العدد عن طريق خطوتين بسيطتين جداً:
العكس (Inversion): قلب كل بتات العدد -$-B-$- (الصفر يصبح 1 والواحد يصبح 0). هذا يتم عبر بوابات NOT البسيطة.
إضافة واحد (Adding One): إضافة الرقم 1 إلى النتيجة.
بذلك، يتحول العدد الموجب إلى تمثيله السالب. والمفاجأة المذهلة هنا هي أن جمع هذا "العدد السالب" مع أي عدد آخر باستخدام دائرة الجمع (Adder) العادية يعطي نتيجة الطرح الصحيحة تماماً، بما في ذلك التعامل مع الإشارات.2
مثال: لطرح 5 من 7 (في نظام 8-بت):
الرقم 5 هو 00000101.
نقلب البتات: 11111010.
نضيف 1: 11111011 (هذا هو تمثيل -5).
نجمع (7) 00000111 + (-5) 11111011.
النتيجة ستكون 00000010 (وهو 2) مع تجاهل الحمل الأخير.
هذا يثبت هندسياً أن الطرح ليس عملية مستقلة، بل هو وجه آخر للجمع في ظل نظام تمثيل عددي ذكي.

ثالثاً: القسمة كطرح متكرر (Division as Non-Restoring Addition)

القسمة هي العملية الأكثر تعقيداً وتكلفة حسابية (Computationally Expensive)، لكنها أيضاً تعود في أصولها إلى الجمع (عبر الطرح). بينما الضرب هو جمع متكرر، القسمة هي طرح متكرر.
في العتاد الصلب، تُستخدم خوارزميات مثل "القسمة غير المستعادة" (Non-restoring Division). تعتمد هذه الخوارزمية على سلسلة من عمليات الطرح والإزاحة. ولكن، كما أثبتنا للتو، الطرح هو "جمع المتمم".
في كل خطوة من خطوات القسمة، يتم طرح المقسوم عليه من الجزء المتبقي من المقسوم (Partial Remainder).
إذا كانت نتيجة الطرح موجبة، يتم وضع 1 في ناتج القسمة.
إذا كانت النتيجة سالبة، وبدلاً من "إعادة" القيمة السابقة (Restoring) التي تستهلك وقتاً، تقوم الخوارزمية بوضع 0 في الناتج ثم إضافة المقسوم عليه في الخطوة التالية لتصحيح المسار.6
العملية برمتها عبارة عن رقصة دقيقة من الجمع والطرح (الذي هو جمع) والإزاحة. لا يوجد "قاسم" فيزيائي داخل المعالج، بل يوجد "جامع" يقوم بدور القاسم عبر تكرار عمليات الجمع للمتممات.
جدول 1: البنية المختزلة للعمليات الحسابية في وحدة الحساب والمنطق (ALU)
العملية الحسابية
التمثيل الرياضي في ALU
المكونات المادية (Hardware)
العلاقة بالجمع
الجمع (-$-A+B-$-)
جمع مباشر للبتات (-$-A -oplus B-$-) مع ترحيل الفائض (Carry).
Full Adders, Half Adders
هي الأساس.
الطرح (-$-A-B-$-)
تحويل -$-B-$- إلى المتمم الثنائي (-$--bar{B} + 1-$-) ثم جمع الناتج مع -$-A-$-.
Inverters (NOT gates) + Full Adders
جمع مع النقيض.
الضرب (-$-A -times B-$-)
جمع متكرر للمضروب مع إزاحات (Shifting) لليسار بناءً على بتات المضروب فيه.
Adders + Shift Registers
جمع تراكمي مع إزاحة مكانية.
القسمة (-$-A / B-$-)
طرح متكرر (أو جمع المتمم) للمقسوم عليه من الباقي الجزئي مع إزاحات.
Adders + Subtractors (Adders) + Shifters
طرح متكرر (جمع عكسي).


1.2 البوابات المنطقية: الذرات المكونة للجمع

إذا كان الجمع هو أساس العمليات الحسابية العليا، فإن البوابات المنطقية (Logic Gates) هي الذرات الأولية التي تشكل مادة الجمع ذاتها. لا يمكن فهم عمق الجمع دون النظر إلى تنفيذه الفيزيائي على مستوى الترانزستورات.
الوحدة الأساسية للجمع في الحاسوب تسمى "الجامع الكامل" (Full Adder). هذه الدائرة مسؤولة عن جمع ثلاث خانات ثنائية: بت من الرقم الأول (-$-A-$-)، بت من الرقم الثاني (-$-B-$-)، وبت "الحمل" القادم من الخانة السابقة (-$-C_{in}-$-).
تنتج هذه الدائرة مخرجين: المجموع (-$-Sum-$-) والحمل الجديد (-$-C_{out}-$-).
المعادلات المنطقية لهذه الدائرة هي:
-$-Sum = A -oplus B -oplus C_{in}-$- (حيث -$--oplus-$- تعني XOR).
-$-C_{out} = (A -cdot B) + (C_{in} -cdot (A -oplus B))-$- (حيث -$--cdot-$- تعني AND و -$-+-$- تعني OR).
هنا تظهر المفاجأة الفلسفية والهندسية: كل هذه البوابات (XOR, AND, OR) يمكن بناؤها جميعاً باستخدام نوع واحد فقط من البوابات يسمى "البوابة الشاملة" (Universal Gate)، وهي بوابة NAND (نفي "و") أو بوابة NOR. نظرياً، وعملياً في تصنيع الرقائق، يمكن اختزال كل العمليات الحسابية المعقدة في الكون الرقمي، من ألعاب الفيديو ثلاثية الأبعاد إلى نماذج الذكاء الاصطناعي، إلى ترتيبات هائلة التعقيد لبوابة NAND التي لا تفعل شيئاً سوى قول "لا" عندما يتفق المدخلان على "نعم".9
هذا يعني أن "الجمع" ليس خاصية جوهرية للمادة، بل هو "نمط منبثق" (Emergent Pattern) ينشأ من تنظيم مليارات العمليات المنطقية البسيطة. الجمع هو الهيكل الذي نبنيه فوق فوضى الإشارات الكهربائية لنخلق منها معنى.

1.3 تعقيدات الفاصلة العائمة (Floating Point): عندما يصبح الجمع أصعب من الضرب

بينما يبدو جمع الأعداد الصحيحة (Integers) عملية مباشرة، فإن جمع الأعداد الحقيقية الممثلة بنظام "الفاصلة العائمة" (Floating Point) - وهو النظام المعتمد في الحواسيب لتمثيل الكسور والأعداد الكبيرة جداً حسب معيار IEEE 754 - يكشف عن وجه آخر لتعقيد الجمع.
في الواقع، يعتبر مهندسو المعالجات أن جمع الأعداد ذات الفاصلة العائمة أصعب وأكثر تعقيداً من ضربها.11
لماذا؟
في ضرب الأعداد العائمة (-$-X -times Y-$-)، نقوم ببساطة بضرب الأجزاء العشرية (Mantissa) وجمع الأسس (Exponents).
أما في الجمع (-$-X + Y-$-)، فلا يمكننا جمع الأجزاء العشرية مباشرة إلا إذا كانت الأسس متساوية. تخيل محاولة جمع -$-1.23 -times 10^5-$- مع -$-4.56 -times 10^2-$-. لا يمكن جمع 1.23 مع 4.56. يجب أولاً "إزاحة" العدد الأصغر ليتوافق مع الأكبر (تسمى هذه العملية Alignment)، ليصبح -$-0.00456 -times 10^5-$-، ثم نجمعه مع -$-1.23-$-.
هذه العملية تتطلب خطوات معقدة جداً في العتاد:
مقارنة الأسس وتحديد الفرق.
إزاحة الجزء العشري للعدد الأصغر بمقدار الفرق (مما قد يؤدي لفقدان الدقة).
جمع الأجزاء العشرية.
إعادة معايرة الناتج (Normalization) وإدارة التقريب (Rounding).12
هذا التعقيد يؤكد أن الجمع، رغم بساطته المفاهيمية، يتحول إلى تحدٍ هندسي هائل عندما نتعامل مع مقاييس (Scales) مختلفة، مما يعزز فكرة أن الجمع يتطلب "تجانساً" في المرتبة (Order of Magnitude) قبل حدوثه.

الفصل الثاني: الأسس المنطقية وبناء اللانهاية

بالانتقال من العتاد الصلب (Hardware) إلى الرياضيات البحتة والمنطق الرمزي، نجد أن الجمع يلعب دوراً محورياً وتأسيسياً في تعريف ماهية "العدد" وبناء مفهوم اللانهاية. هنا، لم يعد الجمع مجرد عملية حسابية تجرى على أرقام موجودة سلفاً، بل هو الآلية التي "تولد" الأعداد وتمنحها وجودها.

2.1 بديهيات بيانو: دالة التابع تخلق الوجود

في أواخر القرن التاسع عشر، واجه الرياضيون أزمة أسس: ما هو العدد الطبيعي؟ وكيف نثبت خصائصه؟ قدم عالم الرياضيات الإيطالي جوزيبي بيانو (Giuseppe Peano) حلاً عبقرياً من خلال مجموعة من البديهيات عرفت باسم "بديهيات بيانو" (Peano Axioms).
الحجر الأساس في هذا البناء ليس الأعداد ذاتها (1, 2, 3...) ككيانات مستقلة أفلاطونية، بل "دالة التابع" أو "اللاحق" (Successor -function-)، ويرمز لها بـ -$-S(n)-$- أو -$-n+1-$-.
تعرف بديهيات بيانو العدد 0 (أو 1 في بعض النسخ القديمة) كبداية مسلم بها، ثم تعرف كل عدد لاحق بأنه ناتج تطبيق دالة التابع على العدد السابق.
العدد 0 موجود.
العدد 1 هو -$-S(0)-$-.
العدد 2 هو -$-S(S(0))-$-.
وهكذا دواليك.14
هنا يظهر العمق الفلسفي للجمع: الجمع ليس عملية تجرى على الأعداد، بل الأعداد هي نتائج متجمدة لعملية الجمع المتكرر للوحدة (Unit). تعريف الجمع في حساب بيانو لا يتم بشكل اعتباطي، بل يتم تعريفه استقرائياً (Recursively) اعتماداً على دالة التابع:
الأساس: -$-a + 0 = a-$-
الخطوة الاستقرائية: -$-a + S(b) = S(a + b)-$-
هذا التعريف يعني أن العملية -$-2 + 1-$- هي في الحقيقة سلسلة من التحولات المنطقية:
-$-2 + 1 = 2 + S(0) = S(2 + 0) = S(2) = 3-$-.
هذا البناء يربط جوهرياً بين الجمع وبين توليد الأعداد. فبدون عملية "إضافة تالي"، لا توجد أعداد طبيعية.

2.2 برينسيبيا ماثماتيكا: لماذا 1+1=2 ليست بديهية؟

في العمل الضخم "مبادئ الرياضيات" (Principia Mathematica) الذي ألفه برتراند راسل وألفرد نورث وايتهيد في أوائل القرن العشرين، حاول المؤلفان اشتقاق كل الحقائق الرياضية من المنطق الخالص. المثير للدهشة أن إثبات صحة القضية "1+1=2" لم يظهر إلا في الصفحة 379 من المجلد الأول (وفي طبعات أخرى في المجلد الثاني)، وتطلب مئات الصفحات من الرموز المنطقية المعقدة لتعريف الوحدات والمجموعات قبل الوصول لهذه النتيجة.16
لماذا هذا التعقيد؟ لأن راسل كان يحاول تعريف العدد ليس كحدس، بل كفئة من الفئات (Class of Classes). الرقم 1 هو "فئة كل المجموعات التي تحتوي على عنصر واحد". والرقم 2 هو "فئة كل المجموعات التي تحتوي على عنصرين". الجمع هنا هو عملية دمج مجموعات منفصلة (Disjoint Sets) وإثبات أن اتحاد مجموعة أحادية مع مجموعة أحادية أخرى (بشرط عدم تطابقهما) ينتج مجموعة تنتمي لفئة "الاثنينية".17
هذا العمل الشاق يبرهن أن بساطة الجمع هي "بساطة مخادعة"؛ فهي تخفي تحتها طبقات كثيفة من المنطق ونظرية المجموعات.

2.3 الجمع كمحرك للانهاية (Addition Represents Infinity)

النقطة الجوهرية التي أشار إليها الاستعلام حول أن "لكل ن هنالك ن+1" تمثل جوهر اللانهاية في الرياضيات وتعرف ببديهية اللانهاية (Axiom of Infinity) في نظرية المجموعات (ZFC).
دالة التابع (-$-n+1-$-) تضمن أن سلسلة الأعداد الطبيعية لا تتوقف أبداً. هذا المفهوم نقل البشرية من "اللانهاية الكامنة" (Potential Infinity) التي تحدث عنها أرسطو - حيث يمكننا دائماً إضافة عدد آخر ولكن لا يمكننا الوصول إلى الكل المكتمل - إلى "اللانهاية الفعلية" (Actual Infinity) التي صاغها جورج كانتور.19
في فلسفة أرسطو، اللانهاية هي عملية (Process) وليست كائناً (Object). يمكننا أن نعد إلى الأبد، لكننا لن نصل أبداً إلى "مجموعة لانهائية".
جاء كانتور ليقلب الطاولة، مستخدماً مفهوم الجمع وتناظر المجموعات ليثبت أننا يمكننا التعامل مع اللانهاية ككيان مكتمل (Set).
في نظرية المجموعات الحديثة، يتم تعريف اللانهاية بوجود مجموعة استقرائية (Inductive Set): هي مجموعة تحتوي على المجموعة الخالية -$--emptyset-$- (التي تمثل الصفر)، وتكون مغلقة تحت عملية التابع (أي إذا كانت -$-x-$- تنتمي للمجموعة، فإن -$-x -cup -{x-}-$- تنتمي إليها أيضاً).21
الصفر = -$--emptyset-$-
الواحد = -$--{ -emptyset -}-$-
الاثنان = -$--{ -emptyset, -{ -emptyset -} -}-$-
هنا، الجمع هو عملية "احتواء" تراكمي. كل رقم جديد "يجمع" كل الأرقام السابقة داخله. هذه المجموعة اللانهائية (-$--omega-$-) هي تجسيد لاستمرار عملية الجمع إلى الأبد. وبدون هذه القابلية الدائمة للجمع (-$-+1-$-)، ينهار هيكل الرياضيات الحديثة وتتلاشى اللانهاية.

الفصل الثالث: إشكالية الهوية والتطابق (الميتافيزيقا)

يشير الاستعلام بذكاء عميق إلى أن الجمع يتطلب "تطابق الأشياء" (تفاحتان متطابقتان) وليس اعتباطياً. هذا يفتح باباً واسعاً في فلسفة الرياضيات والميتافيزيقا حول طبيعة "الواحد" و"الوحدة"، وحول العلاقة بين الرياضيات والواقع.

3.1 التجريد وفقدان التفرد: ضريبة الجمع

عندما نقول "تفاحة + تفاحة = تفاحتان"، فنحن نمارس عملية تجريد (Abstraction) عنيفة للواقع. في العالم الفيزيائي المادي، لا توجد تفاحتان متطابقتان تماماً في الوجود. تختلف التفاحتان في عدد الذرات، في الترتيب الدقيق للجزيئات، في اللون، في الوزن، والأهم من ذلك: تختلفان في الموقع المكاني والزماني.
لكي نتمكن من جمعهما رياضياً، يجب علينا أن نتجاهل هذه الفروقات الفردية (Idiosyncrasies). يجب أن نسقط التفاصيل الدقيقة لكي نصنفهما تحت مفهوم عام مشترك ("تفاحة").
يقول الفيلسوف وعالم المنطق غوتلوب فريغه (Gottlob Frege) في كتابه "أسس الحساب" أن العدد ليس صفة لشيء فيزيائي (مثلما اللون الأحمر صفة للتفاحة)، بل هو صفة لـ "مفهوم" (Concept). العدد 2 ليس صفة للتفاحات المادية المتناثرة، بل هو خاصية للمفهوم "تفاح موجود على الطاولة الآن". الجمع إذن يحدث بين المفاهيم وليس بين الأشياء المادية.23
عملية الجمع تفترض وتتطلب "التجانس" (Homogeneity). لا يمكننا جمع "1 تفاحة + 1 فكرة حرية" رياضياً ونخرج بنتيجة ذات معنى (مثل 2)، إلا إذا صعدنا بمستوى التجريد إلى فئة عليا تشملهما (مثلاً: "شيئان تم ذكرهما في الجملة"). كلما زاد الاختلاف بين الأشياء، زادت صعوبة عملية الجمع وتطلب الأمر تجريداً أعلى يفقد الأشياء هويتها الخاصة.25 الجمع هو عملية "نسيان" للفروقات من أجل الوصول إلى "الكم".

3.2 مبدأ هوية اللامتميزين (Identity of Indiscernibles)

هنا نصل إلى مفارقة فلسفية عميقة صاغها لايبنتز (Leibniz) وتعرف بـ "مبدأ هوية اللامتميزين". ينص هذا المبدأ على أنه لا يوجد شيئان في الكون متطابقان تماماً في كل الخصائص وإلا لكانوا شيئاً واحداً (نفس الشيء).27
تخيل تفاحتين متطابقتين في كل شيء: نفس الذرات، نفس الشكل، نفس الطعم... إذا كانت لهما نفس الخصائص، يجب أن يكونا في نفس المكان والزمان. ولكن إذا كانا في نفس المكان والزمان، فهما تفاحة واحدة وليست اثنتين!
إذن:
إذا كان التطابق تاماً -$--leftarrow-$- النتيجة 1 (تفاحة واحدة).
إذا كان هناك اختلاف (ولو في الموقع) -$--leftarrow-$- يمكن الجمع ليصبحوا 2، لكن الجمع هنا قام على أساس الاختلاف وليس التطابق التام.
هذا يعني أن شرط الجمع هو "التشابه مع التمايز" (Similarity with Distinction). نحتاج أن تكون الأشياء متشابهة بما يكفي لتنتمي لنفس الفئة، ولكن مختلفة بما يكفي لتكون وحدات متعددة.

3.3 ميكانيكا الكم وتلاشي الفردية

تتجلى هذه المعضلة الفلسفية بشكل عملي ومذهل في الفيزياء الحديثة. في العالم الكلاسيكي، يمكننا دائماً تمييز كرتي بلياردو عن بعضهما بمسارهما. لكن في ميكانيكا الكم، الجسيمات الأولية (مثل الإلكترونات أو الفوتونات) من نفس النوع هي "غير قابلة للتمييز" (Indistinguishable) بشكل جوهري.
إذا كان لدينا نظام يحتوي على جسيمين من نوع "بوزون" (Bosons)، فإن تبديل أماكنهما لا يغير الحالة الفيزيائية للنظام. هذا يؤدي إلى طريقة "عد" و"جمع" مختلفة تماماً عن عد التفاح.
في الإحصاء الكمي (Bose-Einstein statistics)، احتمالية وجود جسيمين في نفس الحالة تختلف عن الإحصاء الكلاسيكي. "جمع" الجسيمات هنا لا يتبع قواعد الجمع البسيطة للأشياء المتمايزة (Maxwell-Boltzmann). الطبيعة نفسها تخبرنا أن "جمع" الأشياء يعتمد جوهرياً على هويتها الأنطولوجية: هل هي قابلة للتمييز أم لا؟.29

الفصل الرابع: الجمع في عالم غير يقيني (الاحتمالات والمنطق الضبابي)

النقطة الأكثر عمقاً وتعقيداً في الاستعلام هي أن "الاختلاف يغير القيمة الاحتمالية (أكثر أو أقل من 2)". هذا ينقلنا من الرياضيات الحتمية (Deterministic Mathematics) التي تدرس في المدارس، إلى الرياضيات الاحتمالية والمنطق الضبابي (Fuzzy Logic) التي تحكم العالم الحقيقي والذكاء الاصطناعي الحديث.

4.1 مفارقة الكومة والحدود الضبابية (Sorites Paradox)

في العالم الحقيقي، الحدود بين الأشياء ليست صارمة (Crisp) كما هي في الأعداد الصحيحة. متى تصبح مجموعة من حبات الرمل "كومة"؟
هذه هي "مفارقة الكومة" (Sorites Paradox) القديمة.31
حبة رمل واحدة ليست كومة.
إضافة حبة رمل لشيء ليس كومة لا يجعله كومة.
إذن، مهما أضفنا من الرمل، لن نحصل على كومة!
الخلل هنا ليس في الجمع الحسابي، بل في تعريف "الكومة". في المنطق الضبابي، الانتماء لمجموعة "الكومة" ليس (0 أو 1)، بل قيمة متصلة بينهما.
إذا طبقنا هذا على الجمع: لنفترض أننا نجمع "تفاحات". إذا كانت لدينا تفاحة كاملة (درجة انتمائها لمفهوم التفاحة = 1) وتفاحة نصف مأكولة أو فاسدة جزئياً (درجة انتمائها = 0.6).
في الرياضيات التقليدية: 1 + 1 = 2 (نعتبر النصف مأكولة تفاحة).
في المنطق الضبابي (Sigma Count): "العدد القياسي" (Scalar Cardinality) لهذه المجموعة هو مجموع درجات الانتماء: -$-1 + 0.6 = 1.6-$-.
هنا، نتيجة الجمع ليست عدداً صحيحاً، بل قيمة تعكس "كمية التفاحية" (Appleness) الموجودة. الجمع تحول من عد للأشياء إلى قياس للخصائص.33

4.2 الجمع الاحتمالي: عندما يكون 1+1 توزيعاً إحصائياً

إذا اعتبرنا أن "التفاحة" في العالم الفيزيائي ليست وحدة ثابتة بل "متغير عشوائي" (Random Variable) يتبع توزيعاً معيناً (مثلاً توزيع الوزن أو الحجم)، فإن عملية الجمع تأخذ منحى مختلفاً كلياً.
جمع متغيرين عشوائيين مستقلين (-$-X + Y-$-) لا يتم بجمع قيمهما المفردة (لأننا لا نعرفها بدقة)، بل يتم عن طريق عملية تسمى "الطي" (Convolution) لدوال الكثافة الاحتمالية (PDFs) الخاصة بهما.
النتيجة ليست رقماً واحداً، بل "توزيع احتمالي" جديد للمجموع.
القيمة المتوقعة (Mean): -$-E = E[X] + E-$- (المتوسط يجمع خطياً).
التباين (Variance): -$-Var(X+Y) = Var(X) + Var(Y)-$- (التباين يزداد!).
هذا يعني أننا كلما جمعنا أشياءً غير متطابقة تماماً (فيها نسبة من عدم اليقين أو الاختلاف)، فإن "الضبابية" أو "الشك" في النتيجة يزداد. مجموع تفاحتين متوسطتي الحجم هو 2، لكن "اليقين" حول الوزن الكلي أقل من اليقين حول وزن تفاحة واحدة.
هذا يفسر بدقة عبارة "الاختلاف يغير القيمة الاحتمالية". في نظرية المعلومات (Information Theory)، جمع بيانات غير متطابقة أو مشوشة يزيد من الإنتروبيا (Entropy) ويقلل من دقة التنبؤ.36

4.3 الأنظمة التآزرية (Synergy): 1+1 > 2

في الأنظمة البيولوجية والكيميائية المعقدة، الجمع الخطي غالباً ما يفشل في وصف الواقع. هذه الظاهرة تعرف بالانبثاق (Emergence).
ذرة أكسجين + ذرتي هيدروجين -$--neq-$- خليط غازات. بل = ماء (سائل بخصائص جديدة كلياً لا توجد في الغازات المكونة له).
هنا، الجمع أدى لظهور خصائص نوعية جديدة لم تكن موجودة في الأجزاء. وظيفياً، القيمة الناتجة "أكبر" من مجرد مجموع الأجزاء. هذا النوع من "الجمع غير الخطي" هو ما يحكم الحياة والوعي، وهو يختلف عن الجمع الحسابي البسيط الذي يفترض استقلال الوحدات.39

الفصل الخامس: اللانهاية والصراع بين الكمون والفعل

الجمع ليس مجرد أداة للعد، بل هو البوابة نحو المجهول. العلاقة بين الجمع واللانهاية كانت ساحة معركة فلسفية ورياضية لقرون.

5.1 أرسطو واللانهاية الكامنة (Potential Infinity)

لفترة طويلة من تاريخ الفكر البشري، سيطرت رؤية أرسطو التي ترفض "اللانهاية الفعلية". بالنسبة لأرسطو، عملية الجمع (-$-n+1-$-) تخلق "لانهاية كامنة" (Potential Infinity). هذا يعني أنك تستطيع الاستمرار في الجمع إلى الأبد، لكنك لن تصل أبداً لشيء اسمه "مجموعة لانهائية". اللانهاية هي "اتجاه" وليست "مكاناً" أو "شيئاً". كانت هذه النظرة وسيلة لتجنب المفارقات المنطقية.20

5.2 كانتور واللانهاية الفعلية (Actual Infinity)

في القرن التاسع عشر، تجرأ جورج كانتور (Georg Cantor) على تحدي هذا المفهوم. باستخدام نظرية المجموعات، تعامل كانتور مع اللانهاية كـ "شيء مكتمل" (Actual Infinity).
الابتكار العظيم لكانتور كان إثبات أن "اللانهايات" ليست متساوية، وأن عملية الجمع والضرب لها قواعد غريبة في عالم اللانهاية (Transfinite Arithmetic).
في عالم كانتور: -$--aleph_0 + 1 = -aleph_0-$- (إضافة واحد للانهاية لا يغير حجمها).
لكن -$--aleph_0 + -aleph_0 = -aleph_0-$-.
بينما -$-2^{-aleph_0} > -aleph_0-$- (مجموعة القوى أكبر من المجموعة الأصلية).
الجمع هنا يفقد خاصيته البديهية في زيادة الكمية. إنه يتحول إلى نوع من الامتصاص. هذا يوضح أن بديهيات الجمع التي نألفها (مثل أن الكل أكبر من الجزء) تنهار عند عتبة اللانهاية، مما يؤكد أن الجمع عملية مشروطة بالسياق (Finitude).19

الفصل السادس: الأساس البيولوجي والعصبي للجمع

أخيراً، لكي نفهم لماذا يبدو الجمع "بسيطاً" لنا رغم كل هذا التعقيد، يجب أن ننظر إلى "العتاد" البيولوجي الذي يقوم به: الدماغ البشري. هل الجمع مهارة لغوية مكتسبة أم غريزة بيولوجية؟

6.1 الحس العددي (Number Sense)

أظهرت أبحاث علم الأعصاب الإدراكي، بقيادة باحثين مثل ستانيسلاس ديهاني (Stanislas Dehaene)، أن البشر (وبعض الحيوانات وحتى الطيور) يولدون مزودين بـ "حس عددي" (Number Sense) فطري. هذه القدرة لا تعتمد على اللغة أو التعليم، بل هي غريزة تتيح للكائن تقدير الكميات ("هذه الشجرة فيها تفاح أكثر من تلك").
تشير دراسات التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) إلى أن هذه القدرة تتركز في منطقة محددة جداً من الدماغ تسمى "التلم داخل الجداري" (Intraparietal Sulcus - IPS) في الفص الجداري. هذه المنطقة تنشط عندما نقوم بعمليات جمع، سواء كانت تقريبية أو دقيقة.43

6.2 الجمع كلغة أم كمكان؟

هناك جدل علمي مثير حول علاقة الجمع باللغة.
الجمع التقريبي: يعتمد على الـ IPS وهو مستقل عن اللغة (يمكن للأطفال والحيوانات فعله).
الجمع الدقيق (-$-13 + 18-$-): يعتمد جزئياً على مناطق اللغة في الفص الجبهي، لأننا تعلمنا جداول الجمع كحقائق لغوية ("اثنان زائد اثنان يساوي أربعة" هي جملة محفوظة).
المثير للاهتمام هو أن الدماغ يربط الجمع بـ "المكان" (Space). توجد ظاهرة تسمى "تأثير سنارك" (SNARC effect) تظهر أننا نمثل الأعداد عقلياً على خط يمتد من اليسار لليمين (في الثقافات الغربية). عملية الجمع هي حرفياً "حركة" انتباهية نحو اليمين على هذا الخط الذهني.
هذا يفسر عصبياً لماذا يتطلب الجمع "تطابقاً": لكي يدمج الدماغ شيئين، يجب أن يمثلهما على نفس الخريطة المكانية العصبية. إذا كانت الأشياء مختلفة جداً (تفاحة وصوت)، فإنها تنشط مناطق متباعدة جداً في الدماغ يصعب دمج إشاراتها في عملية جمع واحدة فورية.45

الخاتمة: الجمع كنسيج للواقع

في ختام هذا التقرير، نخلص إلى أن وصف عملية الجمع بأنها "بسيطة وسهلة" هو خداع بصري معرفي ناتج عن ألفتنا الشديدة معها واختباء آلياتها المعقدة خلف كفاءة أدمغتنا وحواسيبنا. في الحقيقة، الجمع هو العملية الأكثر جوهرية وغموضاً في آن واحد:
في عالم الحاسوب: هو "اللغة الآلة" (Machine Code) للكون الرقمي؛ فكل ما نراه من ذكاء اصطناعي وعوالم افتراضية هو نتاج سرعة هائلة في جمع الواحدات والأصفار (والطرح والضرب والقسمة والفاصلة العائمة ما هم إلا ظلال وتنويعات للجمع).
في عالم الرياضيات: هو المولد (Generator) للانهاية وبنية الأعداد الطبيعية عبر دالة التابع، وهو الأساس الذي يتطلب مئات الصفحات لإثباته منطقياً.
في عالم الفلسفة والفيزياء: هو عملية تجريدية قسرية تتطلب فرض "هوية" مصطنعة على أشياء مختلفة (Heterogeneous) لتصبح قابلة للعد، مما يثير إشكاليات عميقة حول الهوية والتطابق (كما في ميكانيكا الكم ومبدأ لايبنتز). وكما قال آينشتاين: "بقدر ما تشير قوانين الرياضيات للواقع، فهي غير مؤكدة؛ وبقدر ما هي مؤكدة، فهي لا تشير للواقع".47
في عالم الاحتمالات: الجمع هو عملية تقديرية (Estimation) تخضع لقوانين الشك والمنطق الضبابي، حيث -$-1+1-$- نادراً ما تساوي 2 بدقة مطلقة، بل تساوي توزيعاً احتمالياً، أو قيمة ضبابية، أو كلاً تآزرياً جديداً.
إن الجمع، بهذا المعنى الشامل، هو المحاولة البطولية للعقل (سواء كان عقلاً بيولوجياً أو سيليكونياً) لفرض النظام، والوحدة، والاتساق على عالم يتسم في جوهره بالفوضى، والتفرد، والتغير المستمر.



#امير_وائل_المرعب (هاشتاغ)       Amir_Wael_Abdulamir_Murib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاقة حقيقة الوحي باثار الهلال الخصيب العراق والشام
- الحتمية البايوكيميائية لانفلاق التناظر الفائق العظيم
- مناشدة انقذوا السودان الحبيب
- التجريد السير وراء ظل الاشياء ( مقال مشترك)
- التجاوريات وسرعة الهدم
- ميزان العدالة في كونٍ تحكمه الفوضى
- وهم الامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة
- الشروك واعادة رسم المشهد السياسي العراقي بعد 2003
- هل كانت توجد امة عربية حقا
- سؤال الوجود دالة ام علاقة؟
- انتخابات العراق
- من سومر الى عرب الاهوار
- نقد الفكرة غير نقد الشخص
- تحت مشرط النقد
- رحل وعي من لينين الى نظرية الوتار والوعي الكمي للمادة
- حلزون الوجود - نص تاملي
- “الصورة التي غيّرت كل شيء”
- صفقة تيك توك: تحليل استراتيجي للسيطرة على السردية في الساحة ...
- خطة لتطوير العراق
- الرياضيات اصلها عدم وهي اكتشاف وليس ابتكار


المزيد.....




- تطبيق للذكاء الاصطناعي يُتيح للمستخدمين إنشاء صور -هولوغراف- ...
- فيديو لـ-مغامرة هجومية بمروحية للجيش السوداني على مواقع الدع ...
- سجناء ومنفيون.. صحفيون فائزون بجائزة دولية غابوا عن حفل تكري ...
- وسط صعوبة الانتشال ورفض إسرائيلي بإدخال المعدات.. جثث تحت أن ...
- لا تمنع الأطفال من العد بالأصابع.. العلم يؤكد فائدته في تعلّ ...
- ساعة ذهبية توقّف عندها الزمن في مأساة -تيتانيك- تنتقل من أعم ...
- ملعب كامب نو يعيد فتح أبوابه وجماهير برشلونة تعود بعد 2 عام ...
- باريس تكتسي حلة بيضاء من الثلوج
- البرازيل: حاول -كسر السوار الإلكتروني-...هل سعى الرئيس الساب ...
- عمان توقع اتفاقا مع إيرباص لإطلاق أول قمر صناعي للاتصالات


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - امير وائل المرعب - ميتافيزيقا الجمع: من البوابات المنطقية إلى مفارقات اللانهاية وعدم اليقين