أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امير وائل المرعب - التجريد السير وراء ظل الاشياء ( مقال مشترك)















المزيد.....

التجريد السير وراء ظل الاشياء ( مقال مشترك)


امير وائل المرعب
ماجستير هندسة كهرباء جامعة بغداد ومهتم بالادب والشعر والفلسفة والعلوم والرياضيات

(Amir Wael Abdulamir Murib)


الحوار المتمدن-العدد: 8509 - 2025 / 10 / 28 - 00:39
المحور: الادب والفن
    


التجريد... السير وراء ظل الأشياء



يتشكـّل مفهوم مبتسر في أذهان الناس عامة والمتعلمين خاصة أن التجريد يقتصرفقط على العمل الفني ( اللوحة ) الخالية من الشكل والفاقدة صلتها بالواقع , أي التي تعتمد على أستخدامات اللون وتوزيع الكتل واحداث تسطحات ناتئة على وجه القماش ـ الكارتون ـ صفائح الخشب أو الأستعانة بمواد أخرى أو التي تحوي على قصاصات لملصقات ( كولاج ) , أن هذا فهم مجتزأ ينم عن قصور في مدركات الرائي أو المتلقي بحقيقة ما تعنيه مفردة أو مصطلح ( التجريد ) الذي هو ضرورة أبتدعها العقل البشري منذ أول حضارة في سفر الوجود الأنساني .
أن ( التجريد ) هو في حقيقته عملية أختزال أو تكثيف للواقع أي بمعنى تشذيبه من المعلومة الفائضة عنه والتي لا تؤثـّر على أطاره العام , وهو يتراوح بنسب ومقادير متفاوتة تصل أحيانا الى حالة التجريد المحض أو نقطة اللاعودة التي يتم فيها فقدان المعنى تماما كما هو حاصل في اللوحة التي أشرنا اليها آنفا والتي يستعيض فيها الفنان عن المعنى بأبراز مهارته في التحكم بالتجاورات اللونية وأستغلال الفضاءات ومعالجة السطوح .
كما يصل ألينا من بعض النصوص الشعرية أو حتى المقالات النقدية أو القصص أحيانا التي يجد القاريء نفسه ازائها وقد التبس عليه الفهم أو أستيعاب مقاصد أو مرامي الكاتب .
اذن علينا أن نفتح بعضا من بوابات المعرفة كي نطل منها على التنوعات العديدة للأنشطة الحياتية التي جرت وتجري عليها عمليات أختزال وتجريد وتأثير ذلك على مجمل أبداعات العقل الأنساني .
يقول ( جون ماكليش ) أستاذ الرياضيات في جامعة كامبرج ( أن الأبتكار المذهل الذي أبتدعه السومريون في بلاد ما بين النهرين لشكل ( العدد ) وتجريده من الواقع يعتبر أهم أبتكار في تأريخ الرياضيات ) , أي بدلا من أن يرسم الأنسان شجرتين للدلالة عليها يرسم ( 2 ) وبدلا من أن يرسم ثلاث تفاحات يرسم ( 3 ) وهكذا ... أن شكل ورمز العدد هو عملية أختزال خطيرة لمفردات الواقع أي تجريدها من شكلها المتعارف عليه ( شجرة , تفاحة ) , ويضيف ( ماكليش ) ( وأن ثاني أهم أكتشاف في التأريخ العلمي قام به السومريون أيضا هو أيجاد خانة الآحاد والعشرات والمئات ... الخ
التي أختزلت الأعداد الى رقم ( 6 ) ومضاعفاتها وهو أعلى رقم كان لديهم اذ لم يكونوا قد أعتمدوا النظام العشري بعد ) , وبالمناسبة أن الحضارة الفرعونية في وادي النيل أندثرت دون أن تصل الى أبتكار رمز وشكل للعدد , لذا نجد ما تركوه من ( رليفات ) أي المنحوتات البارزة على جدران قصورهم واللقى الهيروغليفية مكتضة بالشواخص الآدمية والحيوات الأخرى دون أي أشاره الى رقم أو عدد يختزل هذا الكم .
أن التراكم المعرفي الذي أدّى الى الأختراعات العلمية وصولا الى الثورة المعلوماتية والتقنية التي نتمتع بفضائلها الأن هو في حقيقة الأمر تراكم عمليات الأختزال والتجريد والتخلص من المعلومة الفائضة , فمثلا أن أختزال العمليات الحسابية ( الجمع والطرح والضرب والقسمة ) الى عملية جمع فقط هو الذي مهّد السبل لأختراع ( الكومبيوتر ) الذي لا يفهم سوى عمليات الجمع مثال ذلك :
(+5)+(-3)= (+2)
(+5)x (+2)=(+5)+(5)
(+4)-(+2)=(+4)+(-2)=(+2)

وكذلك أختزال الترددات الصوتية وكبسها عن طريق التقنية الرقمية هو الذي أدّى الى أختراع الهاتف النقال ( الموبايل ) فبدون هذا الأختزال يحتاج كل فرد الى جهاز بدالة معقد بحجم غرفة كاملة . وكما جرى على صعيد التصوير , حيث أن تحويل الصورة من حجم كبير الى حجم أصغر يتم عن طرق أختزال القيم البينية أو النقاط الصورية (PIXEL ) الذي أدّى الى أختراع الكاميرا الرقمية التي تعتبر ثورة علمية هائلة في عالم التصوير .
أن سرعة الزمن وألأيقاع المتسارع للحياة هي التي أوجدت ضرورات الأختزال والتكثيف وبالتالي التجريد الذي أنعكس على مجمل الأنشطة الأبداعية للأنسان , فهو يجعل المتلقي يدخل باللاوعي في علاقة جدلية مع العمل الفني أو الأدبي لتعويض القيم المفقودة التي أستلبت من الأصل , كما يرتقي بالعمل نفسه الى تجاوز المباشرة والمحاكاة والتماثل للواقع المعاش ,
فالقصة القصيرة مثلا هي نوع من التجريد نسبة للرواية التي هي بدورها تجريد نسبة للواقع , أذ أن القاريء لا يرى اشخاص الرواية ولا الأمكنة
ولا يسمع الأصوات ولا يشعر بالبرد وبالحر حسب فصولها , اذن على القاريء أن يتصوّر ويتخيّل الصورة والصوت وكل شيء حسب أفرازات لاوعيه , وهذا بطبيعة الحال يختلف من قاريء الى آخر , وتلك لعمري هي الفضيلة الكبيرة التي تنتجها عمليات الأختزال والتجريد .
من جانب آخر أن الصورة الفوتغرافية بالأبيض والأسود هي مجرّدة عن الواقع الذي نراه بالألوان , لذلك نجد الكثيرين وخاصة النخب ذوي الوعي الخاص يفضلونها لأنّها تحفـّز خيالاتهم ليتصوّروا الألوان وفق ما يرغبون وما يشتهون .
أن الفعاليات الأبداعية التي تتماهى مع مدارك الأنسان غير المحسوسة والمرئية تتفاوت نسب التجريد فيما بينها فمثلا في التشكيل , بأمكان الفنان أن يستغني عن الشكل تماما أي أن يصل الى درجة التجريد المحض أي يستعيض عن الشكل بالألوان والكتل كما أسلفنا , وفي الفنون السمعية عندما يؤلف الفنان قطعة موسيقية لوحدها يكون فيها الفعل التجريدي واضح كما في السمفونيات , لكنه اذا لحن أغنية أي هناك كلام يصاحب الأيقاع واللحن عند ذاك تكون نسبة التجريد قليلة وغير محسوسة , لكن الأشكالية الكبيرة عندما يتعلق الأمر بالنص المكتوب سواء ككتاب أو نص مسرحي أو سيناريو للسينما , الذي من الصعب أن يتصوّره القاريء أو الرائي وقد تجرّد تماما كما في اللوحة الفنية .. أن الخطاب الفني في الأدب ( الشعر , القصة , الرواية , النقد , المقالة .. وغيرها ) لابد أن يصل شيئا منه الى مدارك القاريءوبعكسه يفقد معناه وتبريرات وجوده .
وبأمكاننا في ختام هذا الأستعراض السريع لماهية التجريد والأختزال وتكثيف المعنى أن نورد بعض ممّا تسعفنا به الذاكرة من نصوص قصيرة تختزل موضوعا كبيرا وشائكا ... يقول أودنيس :

عش ألقا وأكتب قصيدة وأمضي
زد سعة الأرض

أو كما يقول بلند الحيدري وهو يكثف حالة الموت الفاجعة بهذا الشكل :

وهوت يد
فأذا الصباح مفازة والموعد
لا كنت ياهذا الصباح
لا كنت ياهذا الصباح الأسود
لا كنت ياهذا الغد

ويقول أحمد مطر في واحدة من أجمل مقاطعه الشعرية :

باب في وسط الصحراء
مفتوح لفضاء مطلق
ليس هناك أي بناء
كل محيط الباب هواء
مالك مفتوح يا أحمق
أنا أعرف أن الأمر سواء
لكنـّي أرفض أن أغلق
هنا تظهر قدرة الشاعر بأستعارته الباب كدلالة موجزة ليفتحها على موضوع أنساني شائك ومعقد وهو يستثير أصحاب العقول السالبة المغلقة
كي تنفتح على المحيط والحياة .
وكما يقول الجواهري الكبير :
وأن من حكمة أن يجتني الرطبا فرد بجهد ألوف تعلك الكربا
لقد تناول في هذا البيت لوحده قضية الصراع الطبقي وأستغلال الأنسان لأخيه الأنسان وموضوع فائض القيمة وكل ما جاءت به النظرية الماركسية
ويقول في مكان آخر :
لثورة الفكر تأريخ يحدثنا بأن ألف مسيح دونها صلبا
وقد اختزل في هذا البيت كل الثورات عبر التأريخ وكل شهداء الفكر والكلمة .
لذلك نجد أن النص الأدبي أو الفني الذي يختزل الصور والملامح ويكثف المعنى ويختصر المسافات هو الذي يثير الأنتباه والمراجعة , اذ أن عملية التجريد بعد أن تفعل فعلها في العمل الأبداعي أيّا كان نوعه تسير به الى حيث يجد له مكانا رحبا في ذاكرة الأنسان.
أخيرا .. أن النظر الى ظل الأشياء يستثير مخيلة الرائي أكثر من النظر الى الأشياء نفسها .



#امير_وائل_المرعب (هاشتاغ)       Amir_Wael_Abdulamir_Murib#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التجاوريات وسرعة الهدم
- ميزان العدالة في كونٍ تحكمه الفوضى
- وهم الامة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة
- الشروك واعادة رسم المشهد السياسي العراقي بعد 2003
- هل كانت توجد امة عربية حقا
- سؤال الوجود دالة ام علاقة؟
- انتخابات العراق
- من سومر الى عرب الاهوار
- نقد الفكرة غير نقد الشخص
- تحت مشرط النقد
- رحل وعي من لينين الى نظرية الوتار والوعي الكمي للمادة
- حلزون الوجود - نص تاملي
- “الصورة التي غيّرت كل شيء”
- صفقة تيك توك: تحليل استراتيجي للسيطرة على السردية في الساحة ...
- خطة لتطوير العراق
- الرياضيات اصلها عدم وهي اكتشاف وليس ابتكار
- الوعي مراة كاربونية معقدة للتناظرات الرياضية للكون
- التردد الكهروكيميائي والديالكتيك الدماغي وانعكاس وصراع الفكر ...
- السيمفونية الكونية: تحقيق في التناغم الفيثاغوري ونظرية الأوت ...
- العدد - ملخص كتاب بروفيسور جون ماكليش


المزيد.....




- محاضرة في جمعية التشكيليين تناقش العلاقة بين الفن والفلسفة ...
- فلسطينيون يتجمعون وسط الأنقاض لمشاهدة فيلم -صوت هند رجب-
- مونيكا بيلوتشي تشوق متابعيها لفيلم 7Dogs بلقطة مع مع أحمد عز ...
- صورة الصحفي في السينما
- تنزانيا.. سحر الطبيعة والأدب والتاريخ في رحلة فريدة
- -في حديقة الشاي- لبدوي خليفة.. رواية تحاكي واقعا تاريخيا مأز ...
- -أوبن إيه آي- تدرس طرح أداة توليد موسيقى
- محمد بن راشد يفتح -كتاب تاريخ دبي-.. إطلاق -دار آل مكتوم للو ...
- حبيب الزيودي.. شاعر الهوية والوجدان الأردني
- -ذهب أسوان-..هكذا تحوّل فنانة واجهات المباني إلى متحف مفتوح ...


المزيد.....

- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - امير وائل المرعب - التجريد السير وراء ظل الاشياء ( مقال مشترك)