أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل محمود - جورجيا ميلوني .. امرأة هزت عرش أوروبا














المزيد.....

جورجيا ميلوني .. امرأة هزت عرش أوروبا


عادل محمود
محامِ مصري

(Adel Mahmoud)


الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 15:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تمثل جورجيا ميلوني ، رئيسة وزراء إيطاليا منذ أكتوبر 2022 ، واحدة من أكثر الظواهر السياسية إثارة للتأمل في أوروبا المعاصرة . ليست مجرد أول امرأة تتولى رئاسة الحكومة في بلاد صاغت فكر النهضة الحديثة ، بل هي أيضا زعيمة أول حكومة يمينية متطرفة تصل إلى الحكم منذ سقوط نظام موسوليني قبل ثمانية عقود .
صعودها لا يمكن فهمه كحالة داخلية تخص إيطاليا وحدها ، بل كعرض متقدم لأزمة أعمق في الضمير الأوروبي : عودة الأسئلة القديمة حول الهوية والسيادة والخوف من "الآخر" ، في لحظة ظن فيها الغرب أنه تجاوزها .

ولدت ميلوني في حي شعبي بروما اسمه "غارباتيلا" ، وسط أسرة من الطبقة العاملة . غاب والدها مبكرا، فشبت في بيئة قاسية صاغت فيها الانتماء كوسيلة للبقاء . في سن الخامسة عشرة انضمت إلى "جبهة الشباب" ، الذراع الطلابي للحركة الاجتماعية الإيطالية التي أنشأها أتباع موسوليني بعد الحرب تحت شعار "الاستمرار في التقاليد" . منذ تلك اللحظة ، كان مسارها السياسي محددا : من الهامش الفاشي إلى قلب البرلمان .

عام 2008 ، دخلت الحكومة كأصغر وزيرة في تاريخ الجمهورية ، لتتولى حقيبة الشباب في حكومة برلسكوني الرابعة . لكنها لم تكن مجرد وجه شاب في سلطة هرمة ، بل إشارة إلى أن اليمين الجديد قرر خوض معركته داخل مؤسسات الدولة لا خارجها .
وفي عام 2012 ، أسست حزب "إخوة إيطاليا" مع رفيقيها لا روسا وكروسيتو ، لتعيد ترتيب بيت اليمين على أساس قومي محافظ ، وتنتزع له المشروعية الشعبية التي افتقدها منذ سقوط موسوليني .
ثماني سنوات فقط ، وكانت ميلوني قد نقلت حزبها من الهامش إلى القمة ، لتفوز في انتخابات 2022 بأغلبية واضحة وتجلس على مقعد موسوليني نفسه ، ولكن تحت علم الاتحاد الأوروبي .

لكن لفهم صعودها لا بد من تفكيك خطابها أولا .
خطاب ميلوني يقوم على ثلاث ركائز متشابكة :

أولا - المحافظة الاجتماعية المتشددة :
ترفض الإجهاض والموت الرحيم وزواج المثليين ، وتعيد تعريف الأسرة بوصفها "تحالفا مقدسا بين رجل وامرأة" . في خطابها الشهير صاحت : "نعم للعائلة الطبيعية ، لا لجماعات الضغط المنحرفة ..!" ، جملة تكفي - من وجهة نظر أوروبية - لإعادة إيطاليا نصف قرن إلى الوراء .

ثانيا - العداء للهجرة والتعددية الثقافية :
تحذر من "الغزو الأفريقي والإسلامي" ، وتطالب بفرض حصار بحري على ليبيا ، في إعادة فجة لصورة البحر المتوسط كسور يفصل "أوروبا المتحضرة" عن "الجنوب المتخلف" .

ثالثا - الشك في أوروبا والولاء للغرب :
انتقدت بروكسل طويلا باسم "السيادة الوطنية" ، لكنها حين اقتربت من الحكم عدلت لغتها ، دعمت أوكرانيا في مواجهة روسيا ، ومالت إلى واشنطن أكثر من أي حكومة إيطالية سابقة . تكتيك ذكي ، لكنه يكشف جوهر المعادلة : يمين متشدد داخليا ، وذراع أطلسي خارجيا .

يبقى السؤال الأكثر إلحاحا : هل تجاوزت ميلوني ماضيها الفاشي فعلا ؟
الحزب الذي تقوده يحمل شعار "اللهب ثلاثي الألوان" ذاته الذي تبنته الحركة الاجتماعية الإيطالية وريثة موسوليني ، وهي نفسها مجدت في شبابها الديكتاتور القديم علنا . وعندما أشادت سنة 2020 بجورجيو ألميرانتي ، أحد رموز الفاشية ، بدا وكأنها لا تزال تعيش ازدواجية تاريخية : تنفي التهمة بيد ، وتصافح الماضي بالأخرى .
تقول : "الفاشية من الماضي ، وليست في برنامجنا" ، لكن النقاد يرون في ذلك مجرد "غسيل أيديولوجي" ضروري لتمرير حزب قديم بأدوات جديدة .
تحاول أن تظهر وجها ديمقراطيا منضبطا ، فتلغي التحية الرومانية وتحظر الشعارات المتطرفة ، غير أن ذلك لا يلغي الحقيقة : جذور حزبها ضاربة في تربة لم تجف دماؤها بعد .

وحين نغادر الداخل الإيطالي إلى ساحات السياسة الخارجية ، نجد ميلوني تقدم نفسها بوصفها حليفة أمينة للولايات المتحدة وحامية "للغرب" . انسجامها مع ترامب ليس خافيا ، وحتى حين تجاوز الأخير حدود اللياقة في التعليق على مظهرها أثناء قمة شرم الشيخ ، اكتفت بالصمت . صمتها لم يكن ضعفا ، بل حسابا بارعا ، فالإهانة العابرة لا تساوي خسارة دعم واشنطن .
أما في الشرق الأوسط ، فقد بدت أكثر انحيازا لإسرائيل من أي حكومة إيطالية سابقة ، قبل أن ترغمها صور المجازر في غزة على تليين خطابها قليلا . حتى ذلك لم يحمها من دعوى قضائية أمام المحكمة الجنائية الدولية تتهمها "بالتواطؤ في الإبادة" .
الشارع الإيطالي رد بمظاهرات حاشدة أعادت السياسة إلى الشارع ، وأعادت السؤال إلى الواجهة : من تمثل ميلوني حقا ؟ الأمة أم تحالف المصالح ؟

ميلوني ليست مجرد زعيمة وطنية ، إنها اختبار مفتوح أمام الديمقراطيات الغربية كلها .
تقدم نفسها كحارسة للهوية الوطنية ، لكنها تخفي تحت هذا القناع قلقا أعمق : خوف أوروبا من التعدد ، من المهاجر ، من الفوضى الاقتصادية ، من المستقبل نفسه .
ولذلك فإن نجاحها لا يعني فقط صعود حزب يميني إلى السلطة ، بل شرعنة هذا الخوف كمصدر جديد للشرعية السياسية .
بهذا المعنى ، تتحول إيطاليا اليوم إلى مختبر لما قد تكون عليه أوروبا غدا : ديمقراطية ليبرالية تعيد تدوير الفاشية بأدوات برلمانية .

تجربة ميلوني تضع الديمقراطية الإيطالية أمام امتحان عسير : هل تستطيع احتواء اليمين المتطرف دون أن تنقلب إلى صورته ؟
نجاحها في الحكم - حتى الآن - لا يلغي هشاشة الأساس الذي تقوم عليه ، بل يكشفها . فكل خطوة تتخذها باسم "الإصلاح" تحمل شحنة من الخوف ، وكل خطاب عن "الوطن" يخفي وراءه استبعادا للآخر .
هي ابنة عصر فقد ثقته في نفسه ، فملأ فراغه بخطاب عن الهوية والانضباط والتقاليد.
لكن التاريخ - كما يعرف الإيطاليون جيدا - لا يستدعى بلا ثمن .
جورجيا ميلوني ليست استثناء ، بل علامة .
علامة على أن اليمين الجديد لم يأت من فراغ ، بل من رحم قلق اجتماعي واقتصادي وفكري يصيب الغرب كله .
وإيطاليا - كما كانت دوما - تعلن المرض قبل أن يعترف به الآخرون .






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- -مستقبل الثقافة في مصر- ..بين أسطورة التنوير وأزمة النهضة ال ...
- متى تشعر الأنظمة الديكتاتورية بالقلق؟ .. الصراع الداخلي على ...
- التأشيرة والثورة .. جوستافو بيترو يهز عرش الإمبراطورية
- -ورقة جمعية- ...الأمهات اللواتي يصنعن العالم ثم يغيبن في صمت
- -ولاد الشمس- ... محمود حميدة وموسيقى الشر السيمفوني
- -قهوة المحطة- .. تراجيديا معاصرة في فضاء القهوة المظلم
- -6 أيام- .. سينما العاشق المتأخر
- عروستي .. حين يتوه الإبداع في متاهات الترفيه السهل
- فوز ممداني .. انعطافة سياسية في عاصمة المال الأمريكي
- مؤتمرا شرم الشيخ : سلام حقيقي أم حلقة مفرغة ؟ قراءة في استمر ...
- ن أجل زيكو : حين يضحكك الفقر وتخفى الحقيقة
- الأسرة في مرآة الشاشة ... من حلم جماعي إلى عزلة وجودية ، قرا ...
- العبودية المختارة .. الكتاب الذي هز عرش الطغاة
- قراءة في كتاب -الثورة المضادة في مصر
- العلاقة الاردنية السورية والقلق المشترك
- حوار مع الشاعر والكاتب المسرحي مهدى بندق
- الحضارة الشرقية غنية بأشكال ما قبل المسرح


المزيد.....




- -نريد السلام-.. الكرملين يُعلّق على جهود إدارة ترامب في محاد ...
- أروى جودة تتألق بفستان لؤلؤي وعقد ماسي ضخم في زفافها
- مادورو يظهر علنًا وسط فنزويلا ويحشد أنصاره بعد شائعات حول فر ...
- البابا لاون ينهي زيارة تاريخية الى لبنان.. شاهد ما رصده مراس ...
- فيديو متداول لـ-تحطيم أطباق الستلايت والتلفزيون في سوريا-.. ...
- اليابان: بيع سمكة -هاماتشي- بسعر قياسي يتجاوز 22.000 يورو في ...
- استمرار في سياسة الضم.. مسؤولون إسرائيليون يدعون لبناء مدينة ...
- كنز استخباراتي سيأخذ لبنان إلى مرحلة جديدة إذا وقع بيد حزب ا ...
- بنعبد الله يهنئ السيد خالد العلمي الهوير مناسبة انتخابه كاتب ...
- حزب البديل ـ من يكون الرجل الغامض الذي تحدث مثل هتلر؟


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عادل محمود - جورجيا ميلوني .. امرأة هزت عرش أوروبا