أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - التنافر المعرفي .. تقديس ما كان يُرفض بالأمس














المزيد.....

التنافر المعرفي .. تقديس ما كان يُرفض بالأمس


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 11:08
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة:
في حياة الإنسان والمجتمع، كثيرًا ما نواجه تناقضات غريبة في السلوك والفكر؛ حيث يعارض الفرد أو الجماعة أسلوبًا أو فكرةً معينة اليوم، ليجد نفسه في الغد يتبنى ذات الأسلوب أو الفكرة ويبررها باعتبارها الصواب. هذه الظاهرة، التي يمكن تسميتها بـ"التنافر المعرفي"، ليست مجرد تصرفات عابرة، بل هي انعكاس لصراع داخلي بين القيم والمبادئ السابقة وبين الواقع العملي أو الرغبات الشخصية. التنافر المعرفي يكشف عن قدرة الإنسان على تزيين ما كان يرفضه بالأمس، وتحويله إلى معيار للحق أو الفضيلة، وكأن ما كان خطأً أو مرفوضًا يتحول فجأة إلى تقديس واستحسان.

التنافر المعرفي على مستوى الفرد والجماعة والدولة:
النقطة الجوهرية ليست في تغيير الأسلوب أو تبني نهج جديد، فـالتكييف البراغماتي أمر طبيعي ومفهوم. لكن المعضلة الحقيقية تظهر في كيفية التعامل مع الماضي والمواقف المتضادة التي اتُّخذت فيه.

السيناريو الأول: عندما يكون الأسلوب القديم سليمًا وقد انتقدته سابقًا، ثم تتبناه لاحقًا، يتحول من كان قد انتهجه أصلاً إلى ضحية للتشويه والتقليل من شأنهم، بينما تقدس الآن ما كنت قد رفضته بالأمس.

السيناريو الثاني: بالمقابل، إذا تبنيت أسلوبًا خاطئًا اليوم، رغم أنك كنت على صواب في الماضي، فإنك بذلك تشوه الحقيقة السابقة وتقدس الخطأ الحالي، وتربك الأجيال التي كانت تعتبر مواقفك السابقة نموذجًا للحق والصواب.

على المستوى الفردي والجماعي اوالدولي، كثيرون ينتقدون أسلوبًا أو نهجًا ما في الماضي، ثم يتبنونه لاحقًا ويقدسونه، وفي الوقت نفسه يُشوهون من انتهجوه أصلاً، أو يبررون اليوم خطأً كانوا قد رفضوه بالأمس، ليصبح الصواب والخطأ مرهونين بالموقف الجديد لا بالحقائق السابقة.
هذا التنافر المعرفي يخلق حلقة من التشويه والتقديس المزدوجين، حيث لا يُسمح للماضي بأن يُنظر إليه بموضوعية، ولا يمكن تقييم الحاضر إلا من منظور البراغماتية، مما يؤدي إلى فقدان المعايير الأخلاقية والفكرية تماماً، سواء على المستوى الفردي أو على مستوى الجماعات والدول.

أهمية التغيير التدريجي:

التغيير السليم يجب أن يكون متدرجًا وعلى فترة زمنية مناسبة، لا هرولة أو اندفاعًا سريعًا وراء جاذبية الوضع الجديد. التدرج يسمح بـالاستيعاب الواقعي للتغييرات، ويجنب الوقوع في التناقض الحاد بين الماضي والحاضر، كما يضمن أن يكون التكيف واعيًا ومستندًا إلى قيم ومعايير واهداف واضحة، لا مجرد محاكاة أو تقليد عابر.

الخاتمة:
في نهاية المطاف، يكشف هذا التنافر المعرفي عن هشاشة المواقف حين تُترك غير مرتبطة بالحقائق والقيم، ويبرز أثرها المدمر على الثقة بالنفس وبالآخرين، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي أو الدولي. تشويه الماضي أو تقديس الخطأ الحالي لا يؤدي إلا إلى إرباك الأجيال، وإضعاف معايير الصواب والخطأ، وتحويل التجارب السابقة إلى أدوات لتزيين الحاضر بدلاً من التعلم منها. الاعتراف بالجمود السابق وفهم أسباب الخطأ والتغير، مع اعتماد التدرج في التغيير، هو السبيل للحفاظ على المصداقية والعدالة الفكرية، ولضمان أن يكون التغيير براغماتيًا دون أن يتحول إلى أداة لتزييف الحقيقة.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المطبخ السياسي... طريقة التحضير وأنواع الطهاة
- المطبخ العربي للسياسة… تَمَنٍ دون إعداد
- ياسر عرفات... الزعيم الذي صاغ الذاكرة الفلسطينية
- القوة في الحق والحرية... والضعف في العبودية والبطش
- أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض
- نبض الصبر الفلسطيني.. صمود الموظفين والعمال رغم كل شيء
- سياسة الترف بعد الفقر.. هندسة الوعي وتغيّر الغايات
- الدفة وتعدد القباطنة... والعواصف المستمرة
- الشك الهيكلي الجماعي... وباء الاستبداد والاضطهاد
- الأمة التي تصرّ على اختراع العجلة السياسية والتنموية
- الاحتواء السياسي ومشتقاته...انتداب ووصاية جديدة
- الطريق الأقصر إلى الحضارة والتقدُّم... حين يصبح العقل هو الث ...
- وراثة الأحزاب… موت الفكرة وخلود الكرسي
- فلسطين... طائر الفينيق والبراق
- الثراء السريع… حين يصبح المال علامة استفهام
- النظام العالمي... تعدد شكلي للدول تحت مظلة الخمسة
- المؤسسات... المرآة الحقيقية للدولة
- الاستعمار بالمدافع... والاستحمار بالعقول
- فلسفة الحكم الرشيد... ترسخ العقد الوطني
- بين الفلسفة والصفات والإدراك... مسارات تكوين الشخصية والفكر


المزيد.....




- شاهد الرئيس الفنزويلي مادورو يرقص على أنغام خطابه -لا للحرب ...
- ممداني لم يغير موقفه بشأن ترامب -الفاشي-
- سينيسا كاران المدعوم من دوديك يفوز برئاسة صرب البوسنة
- تقرير: سرّ معالجة أزمة المناخ قد يكمن في التربة
- بالتفصيل.. تعديلات أوروبية على خطة ترامب للسلام في أوكرانيا ...
- جريمة بشعة في الهند.. رجل يقتل ستينية لسبب -غريب-
- الداخلية السورية: هدف -جريمة زيدل- بحمص إثارة -فتنة طائفية- ...
- سياسيون بلا حراس في نيجيريا.. قرار أمني بسبب ظاهرة -خطيرة-
- زيلينسكي يرد على -انتقادات ترامب- بأسلوب يثير التساؤلات
- قتلى بهجوم انتحاري استهدف مقر شرطة حدود باكستان


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - التنافر المعرفي .. تقديس ما كان يُرفض بالأمس