أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض














المزيد.....

أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 10:45
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


مقدمة:
الظلم غالبًا ما يبدأ بفعل فردي بسيط أو كلمة جارحة، أو قرار أو استغلال، أو إساءة يمارسها شخص على آخر. في هذه المرحلة، يمكن اعتباره سلوكًا معزولًا يمكن رده بالضمير أو القانون. لكن الخطر الحقيقي يكمن في صمت المحيط؛ فحين يجد الفاعل غطاء القبول المجتمعي، يبدأ الظلم بالتمدد والتحوّل من فعل محدود إلى ظاهرة أكبر تتجاوز الشخص نفسه. إنها سلسلة من التنازلات، أولها ترك الثور الأبيض يُؤكل.



التبرير يحويل الخوف إلى نظام:

عندما يُرى الظلم ويُسكت عنه، يبدأ المجتمع في خلق تبريرات عقلانية له: "الأمر أعقد مما نظن"، "هذا لصالح النظام"، أو "هذا لا يعنيك طالما لم يصبك". هذه التبريرات تحوّل ردود الفعل الأولية من خوف إلى عادة عقلية، ويبدأ الأفراد بتكييف سلوكهم وفق الظلم بدل مقاومته. هنا، يتحول الصمت من مجرد خوف إلى تواطؤ نفسي يعيد إنتاج الظلم ويكرسه. الأساس الحقيقي للظلم ليس الفعل الفردي وحده، بل غياب المحاسبة وتطبيق القانون على الضعيف فقط، مع السماح للقوي بالإفلات من العقاب.
وهكذا يتسع نطاق الظلم تدريجيًا، فلا يبقى حبيس العلاقات الفردية أو الاجتماعية، بل يتحوّل إلى منظومة تمتد على مستوى المؤسسة، والدولة، بل والعالم بأسره، حين تتواطأ المصالح أو تُعطل العدالة الدولية. الظلم، في كل مستوياته، يبدأ من غياب المبدأ الواحد: العدالة المتساوية للجميع.


من التماهي إلى التجسيد المؤسسي للظلم:

مع استمرار حالة الصمت والتبرير، يكتمل التحوّل الخطير، فيتحوّل الخوف الفردي إلى دفاع جماعي عن الظالم نفسه. ما كان همسًا بالأمس يصبح اليوم تصفيقًا ودفاعًا علنيًا، اعتقادًا من الأفراد بأنهم يحمون النظام أو يحفظون أمنهم. عند هذه النقطة، يتجاوز الظلم الفعل الفردي ليصبح شبكة اجتماعية متكاملة لا يشارك فيها الجلاد وحده، بل المساعدون والمؤيدون والمتفرجون المتواطئون. هذا التواطؤ يمنح الظلم الشرعية، فتُستثمر وتجير القوانين والإعلام لتثبيته، ليتحول إلى بنية مؤسسية أو حتى دولية يصعب كسرها ما لم تنهض الضمائر لكشفها ومحاسبتها.


قانون الثور الأبيض: فخ القوة ونهاية الظالم

الحكمة الشعبية "أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض" تلخص هذا المسار كاملاً. من يسكت اليوم عن الظلم يفتح الباب للطغيان غدًا. ومن يشارك في تبريره يصبح جزءًا من شبكته. لكن يجب ألا يغفل أحد عن الدرس المتمم للقصة: الظالم نفسه ليس بمنأى عن هذا القانون.
إن قوة الظالم اللحظية تغريه وتغره، وتنسيه أن نهاية كل طغيان هي الهلاك، وإن لم يكن الآن فـ "حين يشاء الخالق". فالأسد الذي التهم الثيران بتواطؤها، سيأتي عليه يوم يجد نفسه وحيدًا بلا سند أو حماية، يُتركه ضعفه وهلاكه فريسة لشماتة حيوانات الغابة. إن قانون الظلم، الذي يعتمد على مبدأ التفكيك، سيأكل الظالم نفسه عاجلًا أم آجلًا، فلكل شيء نهاية.

مقاومة الظلم: استعادة المناعة الأخلاقية
مقاومة الظلم تبدأ بخطوات صغيرة وبمواقف فردية شجاعة: قول الحقيقة، رفض الكذب، حماية الضعيف، وعدم التواطؤ. هذه المقاومة لا تعني التمرد على القانون، بل الالتزام به وتطبيقه على الجميع بلا استثناء، ومعالجة الغياب الذي يسمح للقوي بالظلم على الضعيف.
لكن هذه الخطوات الفردية يجب أن تمتد بدورها إلى مستوى المؤسسات والدول، إذ لا معنى لعدالة جزئية في عالم يسكت عن ظلم شامل. السكوت عن الظلم في مكان هو تمهيد لتمدده في كل مكان. العدالة تبدأ بالمواقف اليومية قبل أن تصبح قضية عامة، والمجتمع يتعافى حين يدرك أفراده أن السكوت ليس حيادًا، بل شريك فعّال في الظلم. هذه الممارسات الصغيرة تصنع صمام أمان ضد تمدد القهر، وتعيد للمجتمع مناعته الأخلاقية المفقودة.

خاتمة ونداء أخير
الظلم لا يبدأ مجتمعًا، بل بفعل محدود عابر. لكن التبريرات العقلانية والخوف والصمت تحوّل هذا الفعل إلى قوة جماعية مستمرة، تعيد إنتاج نفسها عبر المؤسسات والعادات. درس الثور الأبيض واضح وحاسم: الكرامة الجماعية مسؤولية كل فرد. وكل مجتمع يدرك أن الظالم لا يمكن أن يستمر إلا بتواطؤ المحيط، وأن قوته اللحظية ما هي إلا وهم زائل يحكمه قانون الفناء ذاته، ويكون قادرًا على كسر دورة الطغيان قبل أن تبتلع أفراده.
فالظلم الذي يبدأ بفرد قد ينتهي بإمبراطورية، لكنه أيضًا قد يُهزم بكلمة حق واحدة. العدالة تبدأ بموقف شجاع، وتستمر حين يرفض الجميع أن يتحول الظلم إلى ظاهرة جماعية تهدد الفرد، والمؤسسة، والدولة، والعالم بأسره.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نبض الصبر الفلسطيني.. صمود الموظفين والعمال رغم كل شيء
- سياسة الترف بعد الفقر.. هندسة الوعي وتغيّر الغايات
- الدفة وتعدد القباطنة... والعواصف المستمرة
- الشك الهيكلي الجماعي... وباء الاستبداد والاضطهاد
- الأمة التي تصرّ على اختراع العجلة السياسية والتنموية
- الاحتواء السياسي ومشتقاته...انتداب ووصاية جديدة
- الطريق الأقصر إلى الحضارة والتقدُّم... حين يصبح العقل هو الث ...
- وراثة الأحزاب… موت الفكرة وخلود الكرسي
- فلسطين... طائر الفينيق والبراق
- الثراء السريع… حين يصبح المال علامة استفهام
- النظام العالمي... تعدد شكلي للدول تحت مظلة الخمسة
- المؤسسات... المرآة الحقيقية للدولة
- الاستعمار بالمدافع... والاستحمار بالعقول
- فلسفة الحكم الرشيد... ترسخ العقد الوطني
- بين الفلسفة والصفات والإدراك... مسارات تكوين الشخصية والفكر
- قراءة في رحلة البحث عن الحقيقة
- الإعلام الرقمي… من منبرٍ للمعرفة إلى ساحةٍ للفوضى
- التعسف الوظيفي: كيف يحوّل المؤسسات من إنتاجية إلى ضغط؟
- حين يصبح الفاسد قديسًا... جمهورية النزاهة الوهمية
- فلسفة التنكّر والجحود… هندسة اليأس وتدمير الأمم


المزيد.....




- ما قصة الجدل حول خطة عقارية مثيرة ترتبط بترامب في صربيا؟
- تصوير طائرة مسيرة يظهر بوكروفسك وسط صراع روسيا وأوكرانيا على ...
- روسيا تشن هجومًا واسع النطاق على شبكة الطاقة الأوكرانية مع ت ...
- ارتفاع مهول في رفض لجوء السوريين في ألمانيا
- كوريا الشمالية تهدد باعتماد نهج -هجومي أكبر- عقب انتقادات لإ ...
- مناوي يحذر من تقسيم السودان والجيش يتصدى لمسيّرات الدعم السر ...
- إصابة مزارعين وصحفيين ومتضامنين أجانب بهجمات مستوطنين في الض ...
- القبض على مسؤول أمني بنظام الأسد متهم بجرائم ضد المدنيين
- صحف عالمية: مصير مقاومي رفح ما زال عالقا وإسرائيل تقتل أطفال ...
- انتقادات للحكومة وجدل في البرلمان التونسي لمناقشة الموازنة


المزيد.....

- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض