أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بشار مرشد - سياسة الترف بعد الفقر.. هندسة الوعي وتغيّر الغايات














المزيد.....

سياسة الترف بعد الفقر.. هندسة الوعي وتغيّر الغايات


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 10:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة: من القهر إلى الترف

في التاريخ الحديث، لم يعد القهر يُمارس بالعصا فقط، بل أحيانًا يُدار بالسكر. الجوع يولّد الثورة، بينما الترف الجزئي يولّد الطاعة الصامتة.
حين يُغرق المجتمع في فقرٍ خانق، يُستنزف وعيه الجمعي حتى لا يرى أبعد من رغيف الخبز، ثم يُعاد إنعاشه بجرعات محسوبة من الراحة الاقتصادية، فيظن أنه استعاد حياته، بينما هو في الحقيقة استبدل الحلم بالاعتياد.

المشروع الوطني أو الحلم الجماعي يتحول إلى مطلب يومي: راتب، استقرار، حرية حركة. ليس لأن الناس خانوا أهدافهم، بل لأن وعيهم أُعيد تشكيله بعناية، لتصبح احتياجات الجسد أولوية، والعقل رهينها.


الترف كأداة للسيطرة:

السياسة هنا لا تدير الموارد فقط، بل الوعي نفسه. ضخ المال في السوق، فتح المعابر، صرف الرواتب، وتنظيم المهرجانات، لا يكون هدفه إنعاش الاقتصاد، بل إعادة بناء الولاء والطاعة.

الإعلام يعيد تعريف “النجاح” ليصبح استقرار الأسعار أو توفير الرغيف، لا تحقيق السيادة أو العدالة. الطموح يتحوّل من مشروع تحررٍ إلى مشروع استهلاك، ومن سؤال المصير إلى سؤال الدخل اليومي.


تزوير صوت الناخب:

التغيير في الأولويات يعني تزوير الصوت الحقيقي للناخب. ربط الأصوات بالمزايا المعيشية، تضخيم القضايا اليومية، وتقزيم المشاريع الوطنية الكبرى، يضمن انتخاب من يوفر "راحة آنية" بدل من يحقق الحلم الأسمى.

تتحوّل الانتخابات تحت هذه الظروف إلى انتخابات خدمية كالبلديات. لا يمكنك أن تطلب من جائع وعطشان أن يبني لك قصراً، ولا أن يقيم مؤسسات بعيدة المدى. الجسد يفرض الأولويات، والعقل مُكبَّل.



العقل والجسد والمسؤولية:

الفرق بين الكتابة والتحليل من جهة، والواقع من جهة أخرى، يكمن في أن العقل يستطيع تصور الهدف الأسمى، بينما الجسد يتطلب تلبية احتياجاته الفسيولوجية أولًا.

حين يعجز المواطن عن تلبية هذه الاحتياجات، يصبح اختياره محكومًا، وليس حرًا. المسؤولية تقع على من يملك القدرة والموارد، لا على عامة الشعب. المواطن ليس مُذنبًا؛ جسده يفرض عليه أولوياته، والعقل رهينها.


بحبوحة اقتصادية مقابل الحرية:

حين يتحقق بعض التحسن المادي، أو ما يمكن أن نسميه البحبوحة الاقتصادية، يشعر المجتمع ببعض الارتياح، لكنه ليس حراً. تتحوّل هذه البحبوحة إلى وسيلة لتثبيت الوضع القائم، وإعادة ترتيب أولويات الناس بعيدًا عن الهدف الأسمى، أي الحرية وتقرير المصير. يصبح الحصول على الراحة المؤقتة هدفًا بديلاً، بينما يُخفى عن الناس أن هذا التغيير في الأولويات جزء من هندسة السيطرة.


خاتمة: الوعي في مواجهة الزمن وتغير الأجيال

سياسة الترف بعد الفقر ليست مجرد توزيع للثروات، بل هي أداة لإدارة الوعي ولإعادة ترتيب الأولويات عبر ابتزاز المواطن بذاكرته القريبة من الفقر. تتحول الراحة النسبية إلى غاية بديلة، ويختار المواطن ما يرضي جسده قبل عقله، والمسؤولية عن هذا التزييف تقع على المتحكمين.

لكن هذه الهندسة للوعي تبقى مرحلة مؤقتة وهشة. فمتى شعر الإنسان بالبحبوحة كوضع مستقر، يبدأ سقف طموحه بالارتفاع، وتتحول مطالبه من مجرد الرغيف إلى العدالة والمشاركة. والأهم من ذلك، أن تعاقب الأجيال يقوّض هذه السيطرة؛ فالجيل الذي لم يعش قهر الفقر لا يرى في البحبوحة مَنَّة، بل حقاً مكتسباً. هذا الجيل لا يحمله الخوف، وبالتالي يمتلك وعياً متحرراً أقرب إلى الهدف الأسمى.

الدرس الأهم هو أن الحرية وتقرير المصير لا يمكن احتواؤهما للأبد. استعادة الوعي تبدأ بالإدراك أن الترف الجزئي هو وسيلة احتواء مؤقتة، وأن الزمن والتغير الاجتماعي هما أكبر محركين لتحرير العقل من رهن الجسد، ليعود البحث عن الرفاهية وسيلة لتحقيق الحرية، لا بديلًا عنها.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدفة وتعدد القباطنة... والعواصف المستمرة
- الشك الهيكلي الجماعي... وباء الاستبداد والاضطهاد
- الأمة التي تصرّ على اختراع العجلة السياسية والتنموية
- الاحتواء السياسي ومشتقاته...انتداب ووصاية جديدة
- الطريق الأقصر إلى الحضارة والتقدُّم... حين يصبح العقل هو الث ...
- وراثة الأحزاب… موت الفكرة وخلود الكرسي
- فلسطين... طائر الفينيق والبراق
- الثراء السريع… حين يصبح المال علامة استفهام
- النظام العالمي... تعدد شكلي للدول تحت مظلة الخمسة
- المؤسسات... المرآة الحقيقية للدولة
- الاستعمار بالمدافع... والاستحمار بالعقول
- فلسفة الحكم الرشيد... ترسخ العقد الوطني
- بين الفلسفة والصفات والإدراك... مسارات تكوين الشخصية والفكر
- قراءة في رحلة البحث عن الحقيقة
- الإعلام الرقمي… من منبرٍ للمعرفة إلى ساحةٍ للفوضى
- التعسف الوظيفي: كيف يحوّل المؤسسات من إنتاجية إلى ضغط؟
- حين يصبح الفاسد قديسًا... جمهورية النزاهة الوهمية
- فلسفة التنكّر والجحود… هندسة اليأس وتدمير الأمم
- الزمن الرقمي… يفضح النفاق
- الضمير والأخلاق... صمام الأمان بين التقلب الانتهازي والتكيف ...


المزيد.....




- -الميدل إيست- تُطلق -فلاي بيروت- للسفر بكلفة أقل
- -عمليات قتل خارج نطاق القضاء- تعلق تبادل معلومات استخباراتية ...
- هذه الدول تتصدر تقرير التقنيات المتقدمة والذكاء الاصطناعي في ...
- تم الكشف عن أبرز ألعاب عيد الميلاد: من -ستيتش- إلى روبوت يتح ...
- ألمانيا ترسل شرطة للقدس لدعم الأمن في المناطق الفلسطينية
- الحكومة الإسرائيلية تعلن فتح معبر زيكيم في شمال غزة أمام الم ...
- من-فتيان- إلى -برابرة-.. إرهاب المستوطنين في الضفة يربك مؤسس ...
- وزير خارجية السودان يوضح موقف الخرطوم من الرباعية
- لوتان: قلق يلازم الناجين من سكان الفاشر على أحبائهم المحاصري ...
- قطع 5 آلاف خطوة تقلل التغيرات السلبية في المخ جراء ألزهايمر ...


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - بشار مرشد - سياسة الترف بعد الفقر.. هندسة الوعي وتغيّر الغايات