بوتان زيباري
الحوار المتمدن-العدد: 8536 - 2025 / 11 / 24 - 00:25
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
في زوايا السياسة، حيث تتقاطع الأقدام وتتعانق الأضداد، لا يكون الحراك صدفة، ولا التحول نزوة، بل هو دائمًا تجلٍّ لصراعاتٍ خفية، تُحاك في الخفاء، وتُعلن في العلن بأقنعة مختلفة. اليوم، بينما تُطرق أبواب سجن إمرالي، ليس طلبًا للحرية، بل سعيًا وراء لعبة أكبر، لعبة السلطة التي لا تعرف ربيعًا إلا حين تذبح الربيع.
لقد أصبحت الزيارة إلى سجينٍ على جزيرة منسية مسرحًا يُعرض فيه مستقبل أمة. فبينما يعلن بعضهم عن عزمهم على السير نحو ذلك المكان، يرفض آخرون الخطوة، ليس خوفًا من السجين، بل خوفًا من الشعب الذي قد يستيقظ يومًا ويتساءل: لماذا كنا نكذب؟ لماذا قتلنا باسم الوحدة، ونحن نعلم أن الشروخ بدأت من داخل الجدار؟
لكن الحقيقة الباقية هي أن كل هذه الحركات ليست حول كورد أو ترك، ولا حول سلام أو حرب، بل حول صراع بين اثنين: واحدٌ يحمل اسمًا وآخر يحمل ظلًّا. فالرئيس الذي بنى عرشَه على أنقاض الدستور، والزعيم الذي يسحب الخيوط من خلف الستار، كلاهما يستخدم القضية كوسيلة، لا كهدف. فحين يقول "سأذهب إلى إمرالي"، إنما يُشهر سيفَ التمرد على من كان يظن أنه سيادته. وحين يرفض الآخرون، فإنهم لا يرفضون الحوار، بل يرفضون أن يُكتب لهم دور الضحية في مسرحية ليست من صنعهم.
ومن هنا، تبدأ المعجزة المزيفة: الحديث عن حل، في بلدٍ لم يعد يعرف معنى القانون. كيف نحل مشكلة الهوية في دولةٍ فقدت هويتها؟ كيف نتحدث عن الديمقراطية، بينما المحاكم تمزق أحكام القضاء، والبرلمان يصمت أمام تجاوزات تنقض كل ما هو دستوري؟ لقد كانت هناك لحظة، قبل أعوام، أشرقت فيها شمس الأمل، فوقف السلاح، وانحنى العسكر، وتكلّم السجين من داخل الزنزانة. لكنها انتهت بدماء، ومكر، وخيانة. واليوم، يُعاد ذات المشهد، ولكن بوجوه جديدة، ونفس النية القديمة.
إن ما يحدث اليوم ليس سوى مرآة تعكس وجه الدولة: متشظية، متلونة، تبحث عن بقاء، لا عن عدالة. وكل خطوة تُخطى باسم السلام، هي في الحقيقة خطوة نحو الإمساك بالسلطة. أما الشعب، فيظل خارج اللعبة، يراقب، ويتألم، ويتساءل: متى سنخرج من هذه الدائرة التي لا تنتهي؟
فالحرية الحقيقية ليست في زيارة سجين، بل في عودة الضمير إلى الحياة.
#بوتان_زيباري (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟