أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - نحو وعيٍ يعبر فوق حدود الطائفة














المزيد.....

نحو وعيٍ يعبر فوق حدود الطائفة


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 10:01
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في مساءٍ تتداخل فيه أضواءُ المدينة مع أصداءُ الزمن، أطلّ على ساحة السياسة رجلٌ من عوالم الصُغر والنماء، ليزرع في «أمّ المدن» بذور غدٍ، يقف أمام يافطات الهوية القديمة ليقول: ليس بقدرِ ما أنتَ من أيّ جماعةٍ تُصنّفُهُ، بل بما تقدّمه للإنسان جمعاء، تُنتخبُ وترتقي. هذا الدرس الذي جاء به الفوزُ الذي حقّقهُ المسلمُ زهران ممداني في مدينةٍ ذات غالبيةٍ مسيحية ويهودية، ليس لأجل زوجةٍ سوريةٍ أو لقربه من البُلدان أو العشائر — بل لأسبابٍ أهمّ وأعمق.

فحين قلّل البحثُ المعنيّ بتوزّع الأعراق والديانات في مدينةٍ كبرى من دور العدد الطائفي، حين أشارت البياناتُ إلى أن المسلمين لا يُشكّلون سوى نسبة ضئيلة، فإنّ انتخابَ هذا المرشّح ليس انتصاراً للطائفة، بل لبرنامجٍ واضح، وعملٍ ميداني يُعنى بالناس أولاً. فالمسلم ليس باختياره دليلاً على وزنٍ طائفي، بل حركةُ إنسانٍ يرتقي بها الوعيُ الجامِعُ أنّ المواطنة لا تُقاس بعددٍ أو بنكهةٍ عرقية، بل بالإنجازِ والإحساسِ بالمسؤولية.

في هذا السياق، يظهر جليّاً أنّ المشروعَ الاقتصاديّ والعدالةَ الاجتماعية، حَظيا في هذا الفوز بأسبقيةٍ على التعبيرات الطائفية أو الإنتمائية. فحين يُطرح السؤال: لماذا انتخبوه؟ كانت الإجابة: لأنه قدّم برنامجاً لحياةٍ أفضل، لإدامة عدالة نحو من لم تُصغّرهم قسمةٌ، ولمن لم يشدّوا على فكرة «نحن الأغلبية». إذ إنّ حكم الأغلبية ليس مرادفاً للإنجاز، وإنّ صوت الأقلّية ليس بالضرورة هامشاً إذا ارتبط بالمشروع.

إنها رسالةٌ لكلّ من يبحث عن بناء دولةٍ رشيدة في فضاءاتٍ مُعقّدةٍ بخلافاتها،٬ ففي هذه النتيجة عبرةٌ: أنّ الوعيَ الديمقراطيّ حين يرتكز على المشروع، لا على الانتماء الطائفي، يمتلك قوّةً لا تُقاس بخريطةٍ سُكانيّة، بل بمدى قدرةِ الإنسان على الحُكم واستنهاضِ الجماعة نحو الكُلّ. وإن رأينا في ذلك تجاوُزاً للطائفة، فليس لأنّ الطائفة بلا قيمة، بل لأنّ المشروعَ الإنسانيّ يُشبِع هُوّياتٍ أكثرَ وأشمل، يتجاوز التعبيرات الضيّقة، ويُعلّي روحَ المساءلةُ والمواطَنةِ والشراكة.

أما السوريّون — أو الكورد في تفكيرنا الوجدانّي — فإنّ الدرس واضحٌ: لا تنتخبوا من أجل أنتماءٍ أو نسبٍ أو لونٍ، بل من أجل من يحمل مشروعاً يُحرّك الحياة ويُعيدُ كرامةَ المواطن. ولابدّ لنا من أن نضع لأنفسنا هدفاً: أن نمضي نحو مستوىٍ من الوعي والنضج الذي أدركتهُ بعضُ المجتمعاتُ، فلم تُعد تُقاسُ الديمقراطيّةُ بتركيبةٍ طائفية، بل بابتكارٍ للجُمهور، وبقيامٍ للحرّ في أن يختار من يؤازره بإنسانيّته لا بطائفيّته.

إنّنا لسنا بإمّاويّين نبتغي حكومةَ الأكثريةِ فحسب، ولا نحن أيضاً بمنهجٍ يقتصرُ على العدالة الشعائريّة أو التعبير الرمزيّ. فالحقيقة الأولى التي لا بدّ أن نعيها: أنّ انتخابَ الإنسان الصالح على أساسِ مشروعٍ هو الغايةُ، وأنّ التأسيسَ الديمقراطيّ لا يُبنى إلا حين تتجاوز المفاهيمُ الموروثةَ «أنني أُنتخب لأنّني من جماعتنا» إلى «أُنتخب لأنّه يعنيني ويعنى نهاجَي».

فضلًا عن الوضعِ الخاصّ للمواطن السوري، علينا أن نبدأ من الآن نُعلّم أنفسَنا تلك اللغةَ: لغةُ المشروع، لغةُ الوطن، لغةُ الإنسان الحرّ في وطنه. فما عدَمنا أن نعود إلى الوراء بأن نفخّرَ في الانتماءاتِ أو نصدّقَ مغالطاتٍ تقول إنّ الأغلبية وحدها تستحق الحكم. لا! بل يستحق الوطنُ أن يُحكم ممن يحمل أدباً للعيشِ معاً، ومن يرتبطُ بالضمير العالمي، لا بقدرٍ من الأغلبية أو بنِسبٍ من الأقلّية.

لهذا، هذه الكلماتُ التي أردت أن أرسلها إلى الشعب السوري — وإلى أيّ شعب ينشدُ أن ينهضَ — هي نداءٌ إلى أنّ انتقاءَ الحكم ليس عمل طائفيّاً أو عِرقياً بل هو تعبيرٌ عن عقدٍ إنساني: أن يقفَ الكوردُ والعربُ والإسلاميّون والمسيحيّون والعلويّون والدروزُ على قدمِ المساواة، لا في الخطابِ فحسب، بل في الجوهر، في المشروع، وفي الروح. فلنُؤسِّسْ مجلسًا من الوعي، لا من الحصص، ولننتخِبْ على أساسِ البرنامج لا الحَمولَة، على أساسِ الكفاءة لا العدد، على أساسِ الإنسان لا الطائفة.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- طقوس الانحناء في معبد السياسة
- قرنٌ من رماد: تأملات في جرح الإمبراطورية ووميض الروح الحرة
- نردد نشيد الحرّية في صمت الجبال الكوردية
- في حضرة المرايا المكسورة: رقصة السلاطين على أنغام الصحراء وا ...
- حكمة الصخر ورنين الروح: في مقام الكينونة الكوردية ونداء السل ...
- حجر الواقع ووهم الأمة الديمقراطية: صرخة الوجدان الكوردي في ل ...
- النار لا تُحرر… إن لم تكن في يد واعية!
- سجال القيادة وسيف السجن: أي فجر ينتظر كُردستان؟
- رقصة النار والماء: الأكراد وسوريا، بين الفلسفة الجريحة وبلاغ ...
- صرخة المعرفة في زمن الغياب
- شعلة نوروز: فلسفة الوجود ووجع النكران
- صوت الشلومية الذي لم يهن: مزكين حسكو وسرمدية الروح الكوردستا ...
- أن تكون كوردياً: شهادة لا تُمحى على جبين التاريخ
- أنقرة والخوف من الظل الكوردي
- رقصة الأقنعة على رمال الشرق المتحركة
- رؤية في دهاليز السياسة: حينما يصبح الحل هو الُمشكل
- صدى الروح في ميزان الشرق: جدل السياسة والإنسان
- الصواريخ لا تُنبئ بالسلام.. والدم الكردي ليس وقوداً للهيبة
- نحو وطنٍ لا يُبنى على أنقاض الهوية: بين فيدرالية الحقوق وخيا ...
- صدى الدم في قاعة الانتخابات: عندما تُكتب الديمقراطية بدموع ا ...


المزيد.....




- السودان- مفوض أممي: الفاشر تشهد فظائع مروعة والأطفال يموتون ...
- الكنيست يقر القراءة الأولى لمشروع قانون يُجيز إغلاق وسائل ال ...
- إسبانيا: تعرّض ضابطيْ شرطة لضربٍ وحشي أدّى لكسرٍ في الأسنان ...
- تقرير أممي: 70 ألف شخص نزحوا يوميا العقد الماضي بسبب الكوارث ...
- أمنستي تدعو نيجيريا لتبرئة 9 نشطاء أعدمتهم قبل 30 عاما
- سوريا توقع إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي ضد تنظيم الدو ...
- أول تصريح لترامب عن أحمد الشرع بعد لقاء البيت الأبيض
- من الفراعنة إلى الذكاء الاصطناعي، كيف تطورت الكوميكس المصرية ...
- -نعمل مع تل أبيب على التفاهم مع دمشق-.. ترامب: نريد سوريا نا ...
- لقاء تاريخي بواشنطن .. ترامب يستقبل الشرع وسط تحولات سياسية ...


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - نحو وعيٍ يعبر فوق حدود الطائفة