أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - أنين الجبال: صرخة الهوية في ممر الزمن














المزيد.....

أنين الجبال: صرخة الهوية في ممر الزمن


بوتان زيباري

الحوار المتمدن-العدد: 8535 - 2025 / 11 / 23 - 09:36
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


في قلب الجبال التي لا تُسبر أغوارها، حيث يتشابك نسيج الأرض مع نسيج الروح، وحيث تُنسج الحكايات على حواف الوديان قبل أن تُكتب على صفحات الكتب، هناك تنبض حياة مختلفة. ليست مجرد تنوّع عرقي أو لغوي، بل وعيٌ جماعي عميق، نبضه ليس في القلوب فحسب، بل في تراب التلال، وفي همس النسيم بين الصخور المتشققة. هناك، حيث لا تصل أصوات المدن إلا كشائعات بعيدة، يعيش شعبٌ لم تُطفئ السنون لهيب تماسكه، ولم تُضعف السياسات من سطوع بصمته.

الدولة، بمؤسساتها الوافدة من الغرب البعيد، تظهر كظلٍ غريب يتحرك فوق هذه الأراضي، لا يلامسها حقًا، بل يمرّ من خلالها وكأنها أرضٌ بلا أصحاب. موظفوها، وضباطها، ومعلموها، يقيمون في مدنهم الجديدة، خلف أسوار المدارس الرسمية ونادي الضباط، يتحدثون لغةً لا يفهمها الأطفال في الصفوف الأمامية، ويقرؤون قوانين لا تعني شيئًا في قرى تُحكمها العادات والعشائر والأولياء. إنها إدارةٌ تشبه الاستعمار في هيكلها، وإن لم تكن استعماراً بالاسم؛ فهي تُدير المنطقة كما لو كانت مستعمرة داخل الوطن، تُفرض عليها وحدة لا تُشعر بها، وتُطالبها بالاندماج في هوية لا تُنتمي إليها.

لكن في هذا السياق، لا تختنق الروح. بل تتجلى في الانتخاب، لا كممارسة ديمقراطية بحتة، بل كفنٍ من فنون البقاء. فالناخب الكوردي لا يختار حزبًا أيديولوجيًا، بل يُفاوض الواقع بذكاءٍ تاريخي. يوزّع صوته بين الأحزاب، لا انقسامًا، بل توازنًا. يستخدم الحزب المركزي كدرع، والحزب البراغماتي كوسيلة، ولا يُسلم نفسه لأحد تمامًا. إنه لا يبحث عن سلطة، بل عن وجود. وجودٌ يُرفض أن يُمحى تحت ركام «التتريك»، أو أن يُختزل في مشاركة انتخابية لا تعكس حقيقته.

وتكشف لنا إحدى المدن الحدودية، حيث تلتقي العربية بالكوردية كنهرٍ يتدفق في وادٍ قديم، نموذجًا أعمق للتداخل الإنساني؛ ففيها تختلط الأغلبية السكانية العربية بالريف الكوردي المحيط، والذاكرة بالأمل، فيصير المرشح نفسه شخصيتين: واحدة هنا، وأخرى هناك. يقدم نفسه عربيًا في السوق، وكورديًا في البرلمان، أو يُخفى أصله ليكسب الثقة، بينما يُصرّ آخرون على إظهاره ليؤكدوا أن الانتماء لا يُستورد. كل ذلك يكشف عن مشهدٍ سياسي ليس من وضع الدولة، بل من صنع الشعب، الذي يقاوم الإلغاء بفنونه الصامتة، وبذكائه الجمعي.

والسدود التي تُبنى، والطرق التي تُشق، والقواعد العسكرية التي تُقام، كلها لا تُعيد رسم الخريطة، بل تُفاقم الشقوق. فالتنمية تأتي من الخارج، وتُدار من المركز، وفوائدها تذهب إلى القادمين الجدد، بينما يُهجّر الفلاح، ويُفقد الراعي مرعاه. وهكذا، تتحول المشاريع إلى أدوات تهميش، لا تقدم.

لكن الأهم هو أن الهوية لا تموت. إنها لا تُعلن نفسها دائمًا بالشعارات، بل تنبعث من خلال الطريقة التي يمشي بها الرجل على جبله، وكيف يُغني الطفل في حقله. إنها في اللغة التي لا تُدرّس، ولكن تُورث. وفي اللحظة التي يرفض فيها القائممقام الشاب أن يفهم أن السيطرة ليست بالسلاح، بل بالاحترام، فإن الجبل يُسجل اسمًا جديدًا في سجل المقاومة.

إن «تركيا الموحّدة» ليست حقيقة مسلّمًا بها، بل مشروعٌ متعثر. و«التتريك» ليس حلًا، بل جرحًا مفتوحًا. أما الحرية، فهي ليست مطلبًا سياسيًا فقط، بل ضرورة وجودية. لأن الإنسان لا يمكن أن يُصنع هوية له، كما لا يمكن للنهر أن يُجبر على التدفق عكس المنحدر. وكلما طال الزمن، زادت حتمية أن تُسمع الأصوات من الجبال، لا كتهديد، بل كنداء إنساني: نحن هنا، وسنبقى.



#بوتان_زيباري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سِرُّ القَلبِ الكورديِّ فِي مَهَبِّ الرِّيَاحِ التُّركِيَّةِ
- نداء الوجدان: حين ينسج المصير خيوطه بين إمرالي وشرق الفرات
- نحو وعيٍ يعبر فوق حدود الطائفة
- طقوس الانحناء في معبد السياسة
- قرنٌ من رماد: تأملات في جرح الإمبراطورية ووميض الروح الحرة
- نردد نشيد الحرّية في صمت الجبال الكوردية
- في حضرة المرايا المكسورة: رقصة السلاطين على أنغام الصحراء وا ...
- حكمة الصخر ورنين الروح: في مقام الكينونة الكوردية ونداء السل ...
- حجر الواقع ووهم الأمة الديمقراطية: صرخة الوجدان الكوردي في ل ...
- النار لا تُحرر… إن لم تكن في يد واعية!
- سجال القيادة وسيف السجن: أي فجر ينتظر كُردستان؟
- رقصة النار والماء: الأكراد وسوريا، بين الفلسفة الجريحة وبلاغ ...
- صرخة المعرفة في زمن الغياب
- شعلة نوروز: فلسفة الوجود ووجع النكران
- صوت الشلومية الذي لم يهن: مزكين حسكو وسرمدية الروح الكوردستا ...
- أن تكون كوردياً: شهادة لا تُمحى على جبين التاريخ
- أنقرة والخوف من الظل الكوردي
- رقصة الأقنعة على رمال الشرق المتحركة
- رؤية في دهاليز السياسة: حينما يصبح الحل هو الُمشكل
- صدى الروح في ميزان الشرق: جدل السياسة والإنسان


المزيد.....




- السعودية.. ترامب ينشر فيديو عن محمد بن سلمان بعد زيارته ويثي ...
- البيت الأبيض: جنوب أفريقيا تقوض المبادئ التأسيسية لمجموعة ال ...
- بعد مقتله بحادث معرض دبي الجوي.. ماذا نعلم عن الطيارالهندي ب ...
- سوريا.. فيديو جملة ورد أحمد الشرع على هتافات ترحيبيه يشعل تف ...
- ترامب يقول إن خطته لإنهاء حرب أوكرانيا ليست -عرضه النهائي-، ...
- واشنطن: مقترحات إنهاء حرب أوكرانيا ليست -أمنيات روسية-
- بوادر تحرك أميركي وشيك ضد فنزويلا وشركات طيران تعلّق رحلاتها ...
- واشنطن تستعد لإطلاق عمليات عسكرية جديدة ضد فنزويلا
- ترامب: خطة السلام الأمريكية لأوكرانيا -ليست عرضي النهائي-
- جرحى فلسطينيون باعتداءات للمستوطنين والاحتلال بالضفة


المزيد.....

- اشتراكيون ديموقراطيون ام ماركسيون / سعيد العليمى
- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - بوتان زيباري - أنين الجبال: صرخة الهوية في ممر الزمن