أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أسامة الأطلسي - حين يفوق الإهمال قسوة البرد: رواية الناس عن شتاء غزة المتجدد














المزيد.....

حين يفوق الإهمال قسوة البرد: رواية الناس عن شتاء غزة المتجدد


أسامة الأطلسي

الحوار المتمدن-العدد: 8527 - 2025 / 11 / 15 - 21:49
المحور: القضية الفلسطينية
    


على مدى ثلاثة فصول شتاء متتالية، يقف سكان غزة أمام المشهد ذاته: برد قارس، بيوت متضررة، مخيمات تغرق بمياه الأمطار، وقيادة تبدو أبعد من أي وقت مضى عن تفاصيل الحياة اليومية للناس. وكأن السنوات تمضي دون أن تغيّر شيئاً، سوى أنها تزيد من شعور الغزيين بأنهم مكشوفون، بلا حماية، وبلا صوت يصل إلى من بيده القرار.

في الأحياء القديمة والطرق الضيقة، يمكن رؤية آثار الإهمال من النظرة الأولى. شقوق في الجدران، أسقف مائلة، ألواح خشبية مغطاة بالنايلون تشكل "أسقفاً" مؤقتة لا تصمد أمام أول موجة مطر. ورغم أن الظروف ليست جديدة، إلا أن ما يثير غضب السكان هذا العام هو الشعور الواضح بأن أحداً لا يتحرك قبل وقوع الضرر، وأن القرارات المتأخرة أصبحت جزءاً من نمط دائم.

أحد الرجال المسنين في منطقة الشجاعية قال لي وهو يشير إلى منزله المتضرر:
"نحن هنا منذ عقود، ونعرف الشتاء جيداً. لكن ما لا نفهمه هو لماذا نواجهه وحدنا. لماذا لا توجد خطة واضحة؟ لماذا نحتاج أن نخسر كل شيء مرة أخرى قبل أن يأتي من يسأل عنّا؟"
صوته لم يكن صوت شكوى بقدر ما كان صوتاً يحمل مرارة طويلة. فهو لا يطلب أكثر من الحد الأدنى: بيت يحميه، ومؤسسات تتذكر أن الناس لا يعيشون على الوعود.

أما النساء اللواتي يتحملن الجزء الأكبر من أعباء الحياة، فلهن رواية أكثر قسوة. أم أحمد، التي تعيش مع أربعة أطفال في غرفة واحدة بعد تضرر منزلها، تقول إن أكثر لحظات الخوف تأتي ليلاً حين يبدأ المطر بالتسرب.
"أجلس على الأرض طوال الليل أحاول إبعاد الماء عن الفرش. أخاف أن يمرض الأطفال، وأخاف أن ينهار السقف. لكن لا خيار أمامي."

هذه التفاصيل الصغيرة — التي تتكرر في آلاف البيوت — هي ما يجعل المشهد أكثر إيلاماً. فالمشكلة ليست في المناخ، بل في غياب الاستعداد، غياب الرؤية، وغياب الإحساس بمعاناة الناس الذين فقدوا صبرهم، وصاروا يشعرون أن القيادة تنظر إليهم من بعيد، دون أن تلمس الأرض التي يعيشون عليها.

وما يزيد الوجع هو أن الشتاء في غزة لا يأتي وحده. يأتي محمّلاً بالأعباء الاقتصادية، بارتفاع الأسعار، بانقطاع الكهرباء، وبضعف البنية التحتية. وفي ظل كل هذا، يصبح السؤال مشروعاً: كيف يمكن لمجتمع منهك أن يواصل الصمود بينما تقل الحلول وتزداد الأعباء؟
من الواضح أن غزة لا تحتاج فقط إلى مشاريع إسعافية، بل إلى رؤية تعيد للناس ثقتهم بأن هناك من يهتم. فالسكان يريدون شيئاً بسيطاً: أن تُرى معاناتهم، أن تُسمع أصواتهم، وأن يصبح حقهم في حياة بكرامة جزءاً من أولويات القيادة.

إن شتاء غزة هو مرآة للواقع كله. يفضح ما لا نريد الاعتراف به: أن الناس هنا يعيشون في حلقة مفرغة من الألم، ينتظرون حلولاً لا تأتي، ووعوداً لا تكتمل. وربما حان الوقت لنعترف بأن هذه المعاناة ليست قدراً، بل نتيجة غياب حقيقي للإدارة والاهتمام.
وحتى يتغيّر هذا الواقع، سيبقى الشتاء — بكل ما يحمله من برد وأمطار — تذكيراً مؤلماً بأن الكرامة الإنسانية ليست مطلباً ثانوياً، وأن من يعيشون هنا يستحقون حياة أكثر دفئاً، وأكثر احتراماً، وأكثر إنصافاً.



#أسامة_الأطلسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الهدنة في غزة: استراحة مؤقتة أم بداية تغيير حقيقي؟
- أصوات في غزة تعبّر عن إحباطها من الغموض ومخاوف من تجدد التصع ...
- أموال غزة بين الشعارات والمسؤولية: إلى أين تذهب المليارات؟
- نزع السلاح مقابل الإعمار: معادلة صعبة تختبر مستقبل غزة
- مياه ملوثة وأطفال عطشى… من يدفع ثمن الإهمال في غزة؟
- الغزيون يطالبون بإنهاء -الواقع الجنوني- وسط معاناة إنسانية خ ...
- الفجوة تتسع بين خطاب الفصائل وصوت الشارع في غزة
- قطر لم تعد ملاذًا آمنًا لقيادات حماس في الخارج
- من كربلاء إلى غزة: عندما تحل الأيديولوجيا الخارجية محل الواج ...
- غزة تنزف... وقياداتها تتنعم بالراحة في الخارج
- رفاهية الخارج ومعاناة الداخل: أزمة قيادة أم غياب مسؤولية؟
- سرقة المساعدات… جرح جديد في جسد غزة المنهك
- أوضاع إنسانية صعبة في غزة وسط دعوات لوقف إطلاق النار
- جدل حول الرواية السياسية: هل تستثمر حماس الاعترافات الدولية ...
- قيادة منفصلة وغضب شعبي متصاعد في غزة
- تصاعد الانتقادات ضد خليل الحية وسط تدهور الأوضاع في غزة
- فراغ قيادي يخيّم على غزة مع استمرار الحرب والتصعيد
- أصوات من الجنوب: عائلات نازحة تطالب بقبول مقترح الهدنة
- من يدفع الثمن؟ الغزيون يسألون عن مصير الأموال والمساعدات
- أرواح منسية تحت النار: متى تنتهي الحرب في غزة؟


المزيد.....




- فيديو متداول -للحظات الأولى لانفجار منطقة المزة في دمشق-.. ه ...
- من هم الأشخاص الذين ذُكرت أسماؤهم أيضاً في ملفات إبستين؟
- كيف تهدد هجمات روسية السلامة النووية في أوكرانيا وأوروبا؟
- البرازيل: آلاف الأشخاص يجوبون شوارع بيليم في مسيرة حاشدة للد ...
- إيران: الحرس الثوري يؤكد احتجاز ناقلة نفط في مياه الخليج
- وزير الإعلام الإريتري: إثيوبيا تسعى لإشعال حرب ضدنا
- نقل أحمد سعد إلى المستشفى إثر حادث سير
- سوريا ليست أفغانستان.. شاهد على التجربتين يكشف الفروق الجوهر ...
- لماذا لا ينبغي لبعض الأشخاص الجلوس بوضعية التربيع؟
- بوتين ونتنياهو يبحثان هاتفيا الوضع في غزة والشرق الأوسط


المزيد.....

- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ااختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه
- اختلاق تاريخ إسرائيل القديمة / سعيد مضيه


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - أسامة الأطلسي - حين يفوق الإهمال قسوة البرد: رواية الناس عن شتاء غزة المتجدد