أسامة الأطلسي
الحوار المتمدن-العدد: 8464 - 2025 / 9 / 13 - 23:18
المحور:
القضية الفلسطينية
أثار سعيد زياد، المحلل السياسي المقرّب من حركة حماس، جدلاً كبيراً بعد ظهوره الأخير على قناة الجزيرة، حيث صرّح بأن أي اجتياح إسرائيلي لمدينة غزة سيشكّل "أم المعارك"، في إشارة إلى مواجهة حاسمة قد تجرّ وراءها دماراً واسعاً.
غير أن هذه الكلمات لم تُستقبل بترحيب في الشارع الغزّي، بل أثارت موجة من الغضب والاستياء. فالغزيون الذين أنهكتهم سنوات الحصار والحروب لا يرون في هذه التصريحات سوى تأكيد جديد على أن القيادات السياسية بعيدة كل البعد عن آلام الناس اليومية. الناس هنا يتساءلون بوضوح: لماذا يجب أن نكون وقوداً للمعارك؟ لماذا يُطلب منا أن ندفع ثمن القرارات الفصائلية بدمائنا وأرواح أطفالنا؟
المواطن البسيط في غزة يعيش بين خيارين أحلاهما مرّ: إما البقاء في بيوته تحت خطر القصف المتواصل، أو النزوح إلى أماكن مكتظة تفتقر لأدنى مقومات الحياة. وفي كلتا الحالتين، يجد نفسه محاصراً بالموت. وبينما تتصاعد الخطابات السياسية عن "الكرامة والمقاومة"، تزداد طوابير الناس على الخبز والماء، وتعلو صرخات الأمهات اللواتي فقدن أبناءهن تحت الأنقاض.
ما قاله زياد ليس مجرد تصريح عابر، بل هو انعكاس لرؤية سياسية ترى في غزة ساحة مواجهة مفتوحة، لا مجتمعاً مدنياً يضم أكثر من مليوني إنسان يطمحون لحياة طبيعية. هذا الخطاب يعيد إنتاج عقلية تُقدّم "المعركة" على حساب حياة المدنيين، ويُحوّل الناس إلى أرقام في تقارير الحرب بدلاً من كونهم بشراً يستحقون الأمان.
الغزيون لم يعودوا يبحثون عن "أم المعارك"، بل عن أمٍّ حقيقية تحتضن أطفالها، عن بيتٍ آمن لا ينهار فوق رؤوس ساكنيه، وعن مستقبل لا يُرسم بالدمار والركام. رسالتهم واضحة: كفى شعارات، كفى وعوداً بالنصر، كفى استخداماً للأرواح البريئة كأوراق تفاوض.
إن استمرار الهوة بين خطاب القيادات السياسية وصوت الشارع الغزّي ينذر بانفجار اجتماعي داخلي لا يقل خطورة عن العدوان الخارجي. فحين يفقد الناس الثقة بمن يتحدث باسمهم، ويشعرون أنهم مجرد وقود لمعركة لا نهاية لها، فإنهم سيبحثون عن بدائل تعيد لهم حقهم في الحياة قبل أي شيء آخر.
#أسامة_الأطلسي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟