أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - المرأة بين الرفض والتمرد في ديوان نزار قباني -يوميات امرأة لا مبالية- ‏















المزيد.....

المرأة بين الرفض والتمرد في ديوان نزار قباني -يوميات امرأة لا مبالية- ‏


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8525 - 2025 / 11 / 13 - 01:16
المحور: قضايا ثقافية
    


‏المرأة بين الرفض والتمرد في ديوان نزار قباني "يوميات امرأة لا مبالية"


‏---

‏🔷 الملخّص:

‏يشكّل ديوان يوميات امرأة لا مبالية (1968) للشاعر السوري نزار قباني إحدى العلامات البارزة في مسيرته الشعرية، لما يتضمنه من موقفٍ وجوديٍّ واجتماعيٍّ من قضايا المرأة العربية. في هذا الديوان تتحوّل الأنثى إلى رمزٍ للتمرّد على الواقع، وصوتٍ للاحتجاج على ثقافة القهر الذكوري والتقاليد الجامدة. يحاول هذا المقال قراءة الديوان من منظورٍ تحليليٍّ فنيٍّ وفكريٍّ، من خلال تتبّع أبرز سماته الموضوعية واللغوية، ورصد الشواهد الشعرية الدالة على تحوّل صورة المرأة من "موضوع للحب" إلى "فاعلٍ للحرية".

‏الكلمات المفتاحية: نزار قباني، المرأة، يوميات امرأة لا مبالية، الشعر العربي الحديث، الخطاب النسوي.


‏---

‏🔷 المقدمة:

‏يُعدّ نزار قباني (1923–1998) أحد أبرز الشعراء الذين أحدثوا ثورةً في الخطاب الشعري العربي الحديث، خصوصًا في تناوله لقضايا المرأة والحب والحرية. فقد جعل من المرأة مركزًا للكون الشعري، لا بوصفها تابعًا، بل ككائنٍ يعبّر عن ذاته.
‏ويأتي ديوانه يوميات امرأة لا مبالية (1968، منشورات نزار قباني، بيروت) كمرحلةٍ ناضجةٍ في مشروعه الشعري؛ إذ ينتقل فيه من الغزل التقليدي إلى خطابٍ وجوديٍّ–اجتماعيٍّ أكثر عمقًا، حيث تتخذ الأنثى موقع الراوي والمتكلم، معلنةً تمرّدها على الشرق الذكوري والعادات المكبِّلة.


‏---

‏🔷 أولاً: المرأة بين السجن والحرية

‏تبدأ البطلة الشعرية في هذا الديوان بإعلان انتمائها إلى عالمٍ مكبَّلٍ بالقيود. ففي قصيدة "يوميات امرأة لا مبالية"، يقول قباني على لسانها:

‏> «أنا أنثى... أنا أنثى، نهار أتيتُ للدنيا
‏وجدتُ قرارَ إعدامي... ولم أرَ بابَ محكمتي»
‏(نزار قباني، يوميات امرأة لا مبالية، ص 14)



‏هذا الافتتاح الصادم يعكس شعور المرأة بالظلم البنيوي منذ لحظة ميلادها، إذ يتحوّل وجودها ذاته إلى جريمةٍ تستوجب الإدانة. ويتكرّر هذا الإحساس في قصائد أخرى حيث تخاطب المجتمع قائلةً:

‏> «لكل سجينةٍ تحيا معي
‏في سجني الأكبرْ»
‏(المصدر نفسه، ص 27)



‏يستثمر قباني هنا تقنية الاعتراف الشعري، التي تُعبّر عن وعيٍ ذاتيٍّ متألمٍ بقدرٍ من السخرية، وكأن المرأة تسجّل يومياتها في معتقلٍ اجتماعيٍّ قاسٍ.


‏---

‏🔷 ثانياً: التمرّد على الشرق الأبوي

‏يتحوّل الديوان من الاعتراف إلى الثورة. فالشاعرة لا تكتفي بالبوح، بل تدعو إلى التحرر والتمرد على الشرق الذي وصفه قباني مرارًا بأنه "شرق الخرافة والحرملك". تقول في قصيدة "ثوري":

‏> «ثُوري! أحبّكِ أن تثوري...
‏ثُوري على شرقِ السبايا والتكايا والبخورِ
‏ثُوري على التاريخِ، وانتصري على الوهم الكبيرِ»
‏(يوميات امرأة لا مبالية، ص 39)



‏في هذه المقاطع يضع قباني المرأة في موقع المخلِّص من بنى القهر، فالثورة لا تكون ضد الرجل وحده، بل ضد البنية الحضارية التي جعلت من الأنثى ظلاً للآخر.
‏ويُلاحظ أن الشاعر يستعمل ألفاظًا مشحونة بالإيحاء الديني–التاريخي (السبايا، التكايا، البخور) لتصوير سجن المرأة في التاريخ الروحي للشرق، ثم يدعوها لتجاوز هذا الإرث عبر الوعي والفعل.


‏---

‏🔷 ثالثاً: الجسد والهوية الشعرية

‏لم يكن خطاب الجسد في شعر نزار قباني دعوةً إلى الإغراء، بقدر ما هو استعادةٌ لملكية الجسد بعد أن صادرها المجتمع الذكوري. ففي إحدى القصائد تقول المتكلمة:

‏> «على دفترٍ سأجمعُ كلّ تاريخي على دفترْ
‏سأكتبُ لا يهمّ لمن
‏سأكتبُ هذه الأسطرْ...»
‏(المصدر نفسه، ص 56)



‏يصبح "الدفتر" هنا رمزًا للذات الأنثوية الكاتبة، التي تمتلك قلمها وتعيد كتابة تاريخها بيدها، لا بأقلام الرجال.
‏إنه إعلانٌ عن ميلاد الذات الأنثوية الكاتبة، وهي النقطة التي جعلت النقاد (مثل نازك بدير، الخطاب النسوي في شعر نزار قباني، مجلة الآداب، 2011) يعدّون هذا الديوان من أول النصوص التي أسّست للخطاب النسوي العربي في الشعر.


‏---

‏🔷 رابعاً: البنية اللغوية والصورة الشعرية

‏يمتاز الديوان بلغةٍ مكثفةٍ تجمع بين البساطة والتوهج الرمزي. فالأنثى تتحدث بضمير الأنا، لكن هذه الأنا لا تنغلق على ذاتها، بل تتجاوزها إلى ما هو جمعيّ.
‏يقول قباني:

‏> «إنّ عقاربَ هذه الساعة
‏كحوتٍ أسود الشفتينِ... يبلعني»
‏(المصدر نفسه، ص 61)



‏الصورة هنا تدمج الزمن بالجسد، والاختناق بالزمنية؛ فالوقت نفسه يتحوّل إلى وحشٍ يبتلع الكائن الأنثوي في دوامة من العجز الوجودي.


‏---

‏🔷 خامساً: الديوان بين الشعر والبيان النسوي

‏يُعدّ يوميات امرأة لا مبالية نقلة نوعية في خطاب نزار قباني، لأنه ينقل الأنثى من موضوع القصيدة إلى ذات القصيدة.
‏فبعد أن كانت المرأة في دواوينه الأولى موضوعًا للغزل أو الرغبة، أصبحت هنا ذاتًا واعية، تتكلم وتثور وتدين.
‏وهذا ما أشار إليه الباحث ناصر الدين الأسد في دراسته (نزار قباني وتجديد الخطاب الغزلي، مجلة المجمع الأردني، ع 53، 1980):

‏> «في (يوميات امرأة لا مبالية) تتحول الأنثى إلى ضميرٍ شعريٍّ يتحدّى الذكر لا كعاشقٍ بل كممثلٍ للسلطة».



‏وهكذا يكتسب الديوان قيمة أدبية وثقافية مزدوجة: فنيّة من حيث التحديث الشعري، وفكرية من حيث جرأته في طرح قضية المرأة في مجتمعٍ محافظٍ في ستينيات القرن الماضي.


‏---

‏🔷 الخاتمة:

‏يمثل ديوان يوميات امرأة لا مبالية ذروة التعبير القبّاني عن همّ الأنثى في بعدها الوجودي والاجتماعي. فالمرأة فيه ليست موضوعًا للجمال أو المتعة، بل هي فعل مقاومة ضد مجتمعٍ يخنقها ويصادر صوتها.
‏من خلال هذا الديوان يعلن نزار قباني انحيازه الصريح إلى حرية المرأة وحقها في قول "لا"، في مواجهة شرقٍ ما زال يعيش في أسر التقليد والتسلّط.
‏لقد تحوّل الشعر هنا إلى بيانٍ نسويٍّ بامتياز، وصار صوت نزار قباني لسان كل امرأةٍ حرةٍ تحلم بالتحرر والحياة.


‏---

‏🔷 المراجع:

‏1. قباني، نزار. يوميات امرأة لا مبالية. بيروت: منشورات نزار قباني، 1968.


‏2. الأسد، ناصر الدين. "نزار قباني وتجديد الخطاب الغزلي". مجلة المجمع الأردني للغة العربية، العدد 53، 1980.


‏3. بدير، نازك. "الخطاب النسوي في شعر نزار قباني". مجلة الآداب، بيروت، 2011.


‏4. عنب بلدي. "لا صوت يعلو على صوت الأنثى: قراءة في يوميات امرأة لا مبالية". 1 أيار 2022.


‏5. موقع نزار قباني الرسمي: https://www.nizarq.com


‏6. موقع كلمات: "يوميات امرأة لا مبالية – نزار قباني" (klmat.com).



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏الأسلحة البيوتقنية... إلى أين؟ ‏
- ‏قراءة في نص نزار قباني: -حبيبتي تتعطر بالنفط-
- ‏المجتمع مرآة أخلاقية للسلطة ‏
- أنماط الدولة الحديثة: المركزية، اللامركزية، الفيدرالية، والك ...
- قراءة في قصيدة -ريتا- للشاعر محمود درويش
- أثر الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة لعام 2025
- ‏قراءة بلاغية وجمالية في قصيدة -لمن طلل بين الجدية والجبل- ل ...
- ‏عندما يتحول الإعلام (مهنة نبيلة) إلى إعلان (مهنة تجارية):
- ‏الظلام القادم من النور: عندما تنحرف الثورات عن مسارها ( ...
- المساحة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال
- ‏دكتاتورية المعلومات
- الفيروسات المختبر وتتحول إلى سلاح
- ‏سهرة جميلة مع حبيبتي الروبوت
- ‏من شخصنة السلطة إلى بناء الدولة: قراءة في فكر فرانسيس فوكوي ...
- ‏الاستبداد لا يقوم إلا على شعب مستعدّ له، ولا يزول إلا بشعب ...
- ‏الدمى الجنسية بين الأخلاق والضرورة
- ‏صناعة تجارة -الرقيق الأبيض-: آلياتها، دوافعها، وتداعياتها و ...
- الدنيا ملك لمن يستيقظ باكراً
- التحرش الجنسي في مرحلة الماجستير والدكتوراه
- صناعة الجوع: الجوع كنتاج للنظام لا الطبيعة


المزيد.....




- بعضها يكلف 40 ألف دولار في الساعة.. ما الأصول العسكرية التي ...
- -العالم يراقب الأمريكيين في سفرهم-.. سياسات ترامب تلاحقهم خا ...
- -سأموت خلال يومين-.. خطة إسرائيلية تثير ذعر ذوي مرضى فلسطيني ...
- إيطاليا تطبق أول نظام رقابة رقمية للتحقق من العمر قبل الدخول ...
- مصادر: سيمنس الألمانية وجنرال إليكتريك الأمريكية تتفاوضان مع ...
- الحكومة الهندية: انفجار نيودلهي -حادث إرهابي-
- موسكو مستعدة لتبحث مع واشنطن اتهامات ترمب في شأن تجارب نووية ...
- مقتل 42 مهاجرا جراء غرق قارب قبالة سواحل ليبيا
- ?90 في المئة من الأسر الأفغانية تعاني من الجوع أو الدين
- وصول صنصال إلى برلين قادما من الجزائر بعد العفو عنه


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - المرأة بين الرفض والتمرد في ديوان نزار قباني -يوميات امرأة لا مبالية- ‏