أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - قراءة في قصيدة -ريتا- للشاعر محمود درويش














المزيد.....

قراءة في قصيدة -ريتا- للشاعر محمود درويش


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 02:48
المحور: قضايا ثقافية
    


‏قراءة في قصيدة "ريتا" للشاعر محمود درويش


‏---

‏أولاً: نص القصيدة

‏بين ريتا وعيوني... بندقيّة
‏والذي يعرف ريتا، ينحني ويصلّي
‏لإلهٍ في العيون العسليّة!

‏وأنا قبّلت ريتا
‏عندما كانت صغيرة
‏وأنا أذكر كيف التصقت بي، واستدارت في فمي النارُ والعطورُ البريّة

‏مرَّ عامان، ووجهُ ريتا لم يغبْ عني لحظةً
‏ولكنّها غابت عني...
‏إلى الأبد!

‏بيننا الآن ألفُ عامٍ من النومِ والنبيذِ، والبندقيّة

‏عندما صافحتُ ريتا
‏كانت الحربُ تدورُ بيننا...
‏فقلتُ:
‏"عيناكِ"
‏وقالتْ: "عيناك!"
‏ثمّ ضاع الكلمْ... في البندقيّة!



‏(من ديوان “عاشق من فلسطين”، 1966)


‏---

‏ثانياً: مدخل عام

‏قصيدة “ريتا” تُعدّ من أبرز قصائد الحبّ في الشعر العربي الحديث، لكنها تتجاوز الغزل لتصبح وثيقة شعرية عن الانقسام الوجودي بين الإنسان الفلسطيني والإنسان الإسرائيلي، وعن الاستحالة المأساوية للحبّ في زمن الاحتلال.
‏فـ"ريتا" ليست مجرد امرأة؛ بل رمزٌ للآخر الذي يفصل بينه وبين الشاعر بندقية، تلك الأداة التي تلخّص كلّ معاني الصراع.


‏---

‏ثالثاً: البعد الثقافي

‏من الناحية الثقافية، تمثّل القصيدة تصادماً بين ثقافتين:

‏الثقافة الفلسطينية الشرقية القائمة على الذاكرة والانتماء والحنين.

‏والثقافة الغربية الاستعمارية التي تجسّدها ريتا الإسرائيلية، ابنة ثقافة الاستيطان والقوة.


‏يروي درويش في مقابلاته أن "ريتا" كانت فتاةً يهودية أحبّها في شبابه، فكانت العلاقة بينهما جسرًا إنسانيًا حاول أن يتجاوز الجدار الثقافي والسياسي، لكنّ الواقع سحق هذا الجسر.
‏ومن هنا تكتسب القصيدة بعدها الحضاري: إنها صرخة إنسانية ضدّ الكراهية والحروب، ومرافعة عن حقّ الحبّ في مواجهة البنادق.


‏---

‏رابعاً: البعد الاجتماعي

‏اجتماعيًا، تعكس القصيدة حالة الانقسام المجتمعي داخل الأرض المحتلة؛
‏فالعلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين محكومة بالسياسة، مهما بلغت إنسانيتها.
‏يُظهر درويش أن الحبّ في زمن الاحتلال يصبح خيانةً محتملة للطرفين، لأنّ المجتمعين يفرضان قيودهما على الأفراد.
‏بهذا المعنى، فـ"ريتا" ليست فقط معشوقة، بل صورة للحرية الممنوعة اجتماعياً.


‏---

‏خامساً: البعد السياسي

‏سياسيًا، القصيدة تختزل المأساة الفلسطينية كلها في صورةٍ شاعرية مكثفة.
‏"البندقية" في السطر الأول ليست مجرّد أداة حرب، بل حدٌّ فاصل بين عالمين:
‏بين الضحية والجلاد، وبين الأرض المسلوبة وصاحبها.
‏يقول الناقد إدوارد سعيد في تحليله لشعر درويش (Edward Said, “Reflections on Exile”, 2000) إنّ درويش “حوّل السياسة إلى حنينٍ، والحنين إلى مقاومة جمالية”.
‏وفي “ريتا”، يظهر هذا التحويل بوضوح: فالحبّ، الذي يفترض أن يوحّد، يتحوّل إلى معركة رمزية تمثل مأساة الوطن.


‏---

‏سادساً: البعد الفني والجمالي

‏1. اللغة والصورة الشعرية:
‏لغة القصيدة بسيطة لكن مشحونة بالإيحاء.

‏الجمع بين “العيون العسلية” و”البندقية” يخلق تناقضًا دراميًا بين الجمال والموت.

‏تتكرّر مفردات الزمن (عامان، الأبد، الآن) لتعكس الانفصال الزمني والوجداني بين الشاعر وريتا.



‏2. البنية الموسيقية:
‏إيقاع القصيدة حرّ، يعتمد على التكرار والوقفات الشعورية، مما يجعلها قريبة من الغناء الحزين أكثر من الخطاب السياسي.
‏وقد لحّنها وغنّاها مارسيل خليفة، فصارت رمزًا للأغنية الفلسطينية الملتزمة.


‏3. الرمزية:

‏ريتا: تمثّل “الآخر” الذي كان يمكن أن يكون صديقًا لولا الاحتلال.

‏البندقية: ترمز إلى التاريخ الذي يحكم الحبّ، وإلى الحاجز بين الروح والجسد، بين الشرق والغرب.

‏النوم والنبيذ: رموز للغربة والنسيان، أي محاولات فاشلة للهروب من الذاكرة.





‏---

‏سابعاً: الرسالة الإنسانية والفكرية

‏تقدّم القصيدة رسالة واضحة:

‏ “لا يمكن للحبّ أن يزدهر في أرضٍ مسوّرة بالبنادق.”



‏درويش لا يهاجم ريتا، بل يهاجم الظروف التي حوّلتها من امرأةٍ إلى عدوّة.
‏إنها قصيدة عن ضياع الإنسان في صراعٍ لم يختره، وعن محاولة استعادة الوجه الإنساني وسط السياسة.
‏يقول درويش في مقابلة (مجلة الكرمل، 1984):

‏> “كنت أبحث في ريتا عن إنسانة لا عن هوية، لكن الوطن كان أسرع في تمزيقنا من الحبّ في جمعنا.”




‏---

‏ثامناً: خاتمة

‏قصيدة “ريتا” تظل من النصوص الخالدة التي جمعت العاطفة والسياسة والرمز والفن في آنٍ واحد.
‏إنها مرثية للحبّ وللوطن معًا، تكشف أن الإنسان الفلسطيني لم يُحرَم من الأرض فقط، بل من الحلم أيضًا.
‏في نهاية القصيدة، لا ينتصر الرصاص، ولا ينتصر الحبّ؛ الذي ينتصر هو الذاكرة الشعرية، لأنّ درويش حوّل فشله الشخصي إلى انتصارٍ إنساني خالد.


‏---

‏المراجع

‏1. درويش، محمود. عاشق من فلسطين. بيروت: دار العودة، 1966.


‏2. Said, Edward. Reflections on Exile and Other Essays. Harvard University Press, 2000.


‏3. عبد القادر، إحسان. البنية الرمزية في شعر محمود درويش. عمّان: دار مجدلاوي، 2005.


‏4. الجندي، عبد الرحمن. محمود درويش: جدلية الحبّ والوطن. القاهرة: الهيئة العامة للكتاب، 2010.


‏5. مجلة الكرمل، العدد 20، 1984. “حوار مع محمود درويش.”


‏6. خليفة، مارسيل. ريتا والبندقية – الأغنية والمقاومة. بيروت، 1991.





#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثر الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة لعام 2025
- ‏قراءة بلاغية وجمالية في قصيدة -لمن طلل بين الجدية والجبل- ل ...
- ‏عندما يتحول الإعلام (مهنة نبيلة) إلى إعلان (مهنة تجارية):
- ‏الظلام القادم من النور: عندما تنحرف الثورات عن مسارها ( ...
- المساحة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال
- ‏دكتاتورية المعلومات
- الفيروسات المختبر وتتحول إلى سلاح
- ‏سهرة جميلة مع حبيبتي الروبوت
- ‏من شخصنة السلطة إلى بناء الدولة: قراءة في فكر فرانسيس فوكوي ...
- ‏الاستبداد لا يقوم إلا على شعب مستعدّ له، ولا يزول إلا بشعب ...
- ‏الدمى الجنسية بين الأخلاق والضرورة
- ‏صناعة تجارة -الرقيق الأبيض-: آلياتها، دوافعها، وتداعياتها و ...
- الدنيا ملك لمن يستيقظ باكراً
- التحرش الجنسي في مرحلة الماجستير والدكتوراه
- صناعة الجوع: الجوع كنتاج للنظام لا الطبيعة
- ‏عندما تحل النوطة محل الكتاب الجامعي: انعكاسات على التعليم و ...
- ‏الوظيفة العامة بين النقد والارتباط: تحليل في أسباب التصاق ا ...
- ‏قراءة في رواية -عشيق السيدة تشاترلي- للروائي البريطاني د. ه ...
- ‏الوظيفة العامة: تنقذ من الفقر أم تقود إليه؟
- ‏قراءة في قصيدة -إذا- للشاعر روديارد كبلنغ


المزيد.....




- الكنيست يقر القراءة الأولى لمشروع قانون يُجيز إغلاق وسائل ال ...
- إسبانيا: تعرّض ضابطيْ شرطة لضربٍ وحشي أدّى لكسرٍ في الأسنان ...
- تقرير أممي: 70 ألف شخص نزحوا يوميا العقد الماضي بسبب الكوارث ...
- أمنستي تدعو نيجيريا لتبرئة 9 نشطاء أعدمتهم قبل 30 عاما
- سوريا توقع إعلان تعاون سياسي مع التحالف الدولي ضد تنظيم الدو ...
- أول تصريح لترامب عن أحمد الشرع بعد لقاء البيت الأبيض
- من الفراعنة إلى الذكاء الاصطناعي، كيف تطورت الكوميكس المصرية ...
- -نعمل مع تل أبيب على التفاهم مع دمشق-.. ترامب: نريد سوريا نا ...
- لقاء تاريخي بواشنطن .. ترامب يستقبل الشرع وسط تحولات سياسية ...
- الانتخابات العراقية تشتعل .. الإطار يدعو للمشاركة والصدر يقا ...


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - قراءة في قصيدة -ريتا- للشاعر محمود درويش