أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏الاستبداد لا يقوم إلا على شعب مستعدّ له، ولا يزول إلا بشعب يرفضه














المزيد.....

‏الاستبداد لا يقوم إلا على شعب مستعدّ له، ولا يزول إلا بشعب يرفضه


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 02:25
المحور: قضايا ثقافية
    




‏---

‏المقدمة

‏الاستبداد ليس مجرد فعل سياسي يصدر عن حاكم متسلط، بل هو منظومة متكاملة من القيم والعلاقات والمصالح التي تُنتج وتُعيد إنتاج نفسها عبر قبول الناس بها، أو سكوتهم عنها. إنّ كل نظام استبدادي يجد في رعيّته قاعدة أخلاقية واجتماعية تُمكّنه من الاستمرار، لأنّ الطغيان لا يعيش في الفراغ، بل يتغذّى من ثقافة الخضوع والخوف. ومن هنا يمكن القول إنّ الاستبداد لا يقوم إلا على شعب مستعدّ له، ولا يزول إلا بشعب يرفضه — وهي حقيقة أثبتها التاريخ الإنساني من أقدم العصور إلى يومنا هذا.


‏---

‏أولاً: الأساس النظري لفكرة الاستبداد

‏تعرّض عدد من المفكرين الكبار لمفهوم الاستبداد بوصفه ظاهرة نفسية قبل أن يكون ظاهرة سياسية. فقد رأى عبد الرحمن الكواكبي في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد أن الحاكم المستبد لا يخلق الاستبداد وحده، بل يجد في الشعب من يبرر له ويخافه ويطيعه طاعة العبد لسيده. واعتبر أن “الاستبداد يقلب المفاهيم فيجعل المظلوم يهاب الظالم، والجاهل يقدّس الجاهل الأكبر”.
‏كما رأى مونتسكيو في روح القوانين أن الاستبداد هو نظام يقوم على الخوف، والخوف لا يترسخ إلا في بيئة نفسية خانعة. أما ألكسيس دو توكفيل فحذّر من “الاستبداد الناعم” الذي ينشأ حين يتخلى المواطنون طوعًا عن مسؤولياتهم السياسية طلبًا للراحة والأمن.


‏---

‏ثانياً: ثقافة الخضوع وأسباب الاستعداد للاستبداد

‏يستند استعداد الشعوب لقبول الاستبداد إلى جملة من العوامل:

‏1. الخوف من الفوضى: إذ يفضّل كثيرون سلطة قاهرة على حرية قد تجرّهم إلى اضطراب مجهول.


‏2. الجهل السياسي: حين يفتقر المواطنون إلى الوعي بحقوقهم، يصبح الطغيان مقبولًا بل ومطلوبًا.


‏3. الاعتماد الاقتصادي: إذ تُستخدم الحاجة وسيلة للسيطرة، فـ“من لا يملك قوته لا يملك حريته”.


‏4. الخطاب الديني الموجّه: حين يُستعمل لتبرير الخضوع واعتباره طاعةً لله لا للحاكم.


‏5. التربية السلطوية: فالمجتمع الذي يربّي أبناءه على الطاعة العمياء لا يستطيع أن ينجب مواطنين أحرارًا.



‏ويؤكد عالم الاجتماع إريك فروم في كتابه الخوف من الحرية أن الإنسان قد يهرب من الحرية لأنّها تحمّله مسؤولية قراراته، فيلجأ لا شعورياً إلى سلطة قوية تفرض عليه الاتجاه والسلوك.


‏---

‏ثالثاً: الشعب الفاعل شرط زوال الاستبداد

‏الحرية لا تُمنح بل تُنتزع. فكل تحول ديمقراطي في التاريخ بدأ بإرادة جماعية رافضة للاستعباد. لم تسقط الديكتاتوريات في أوروبا الشرقية، أو في جنوب أفريقيا، أو في أمريكا اللاتينية إلا حين قرر الناس أن يكونوا فاعلين لا مفعولاً بهم.
‏ويرى غرامشي في دفاتر السجن أن الهيمنة لا تُهدم إلا حين يعي الشعب آلياتها الفكرية والثقافية، أي حين يتحول الوعي إلى فعل. فالاستبداد لا يزول بالخطاب بل بالثقافة المقاومة التي ترفض الخضوع، وتنشر قيم المواطنة والمساءلة والكرامة.


‏---

‏رابعاً: الاستبداد في ضوء علم الاجتماع السياسي

‏يؤكد علماء الاجتماع أن النظام السياسي هو انعكاس لبنية المجتمع نفسه. فإذا سادت فيه قيم العصبية والطاعة العمياء والمحسوبية، فإن الحكم المستبد يصبح نتيجة طبيعية. أما إذا ترسّخت قيم المشاركة والشفافية والمساءلة، فإنّ السلطة تضطر للتكيّف مع تلك القيم.
‏ويذهب بيير بورديو إلى أن السلطة لا تفرض هيمنتها إلا حين يقتنع الناس بأنها “شرعية وطبيعية”، بينما يكشف هابرماس أن التحرر يبدأ حين يدخل الناس في “فضاء حوار عمومي حر”، يتبادلون فيه النقد والمعرفة بلا خوف.


‏---

‏الخاتمة

‏الاستبداد ليس لعنة تهبط من السماء، بل هو علاقة متبادلة بين حاكم يخاف من شعبه وشعب يخاف من حاكمه. إنّ زوال الاستبداد لا يتحقق بالانقلابات ولا بالخطابات، بل بوعيٍ جمعيّ جديد يرفض الخضوع وينبذ ثقافة الخوف. فحين يرفض الناس الظلم، يضطر المستبد إلى الرحيل، لأن قوّته في النهاية مستمدة من خنوعهم. وكما قال الكواكبي: “لو علم المظلوم ما في الظلم من ذلّ لهان عليه الظلم، ولثار على الظالم.”


‏---

‏المراجع

‏1. الكواكبي، عبد الرحمن. طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد. دار الهلال، القاهرة، 1902.


‏2. مونتسكيو، شارل دي. روح القوانين. ترجمة عادل زعيتر، دار المعارف، القاهرة، 1954.


‏3. توكفيل، ألكسيس دو. الديمقراطية في أمريكا. ترجمة محمد بدران، المنظمة العربية للترجمة، بيروت، 2010.


‏4. فروم، إريك. الخوف من الحرية. ترجمة مجدي وهبة، دار المعارف، القاهرة، 1989.


‏5. Gramsci, Antonio. Selections from the Prison Notebooks. International Publishers, 1971.


‏6. Bourdieu, Pierre. Language and Symbolic Power. Harvard University Press, 1991.


‏7. Habermas, Jürgen. The Structural Transformation of the Public Sphere. MIT Press, 1991.





#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏الدمى الجنسية بين الأخلاق والضرورة
- ‏صناعة تجارة -الرقيق الأبيض-: آلياتها، دوافعها، وتداعياتها و ...
- الدنيا ملك لمن يستيقظ باكراً
- التحرش الجنسي في مرحلة الماجستير والدكتوراه
- صناعة الجوع: الجوع كنتاج للنظام لا الطبيعة
- ‏عندما تحل النوطة محل الكتاب الجامعي: انعكاسات على التعليم و ...
- ‏الوظيفة العامة بين النقد والارتباط: تحليل في أسباب التصاق ا ...
- ‏قراءة في رواية -عشيق السيدة تشاترلي- للروائي البريطاني د. ه ...
- ‏الوظيفة العامة: تنقذ من الفقر أم تقود إليه؟
- ‏قراءة في قصيدة -إذا- للشاعر روديارد كبلنغ
- ‏اللامرئي في مهنة التعليم: التعب الإدراكي لدى المدرس
- ‏استعمال -لغة الطهر- لتبرير -أفعال القهر-
- العلم لا يموت والعالم لا يُحال إلى التقاعد، والعقول العظيمة ...
- ‏مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط: الأهداف الاستراتيجية لإسرائ ...
- ‏مفهوم التنويم المغناطيسي واستحضار الأرواح في مسرحية الدكتور ...
- ‏عبق من ذكراه....فواز أذكي منارة علم للأجيال
- الدكتور فاوستوس وتجسيد فكره في السياسة الدولية
- قراءة نقدية شاملة لقصيدة «مايا» – نزار قباني
- نيكولو باغانيني: عازف الكمان الإيطالي الذي باع روحه للشيطان ...
- الربيع العربي من البلطجية إلى الشبيحة إلى الدبيحة: تاريخ موج ...


المزيد.....




- قضاة محافظون بالمحكمة العليا الأمريكية -ينتقدون بشدة- رسوم ت ...
- الفلبين تعلن حالة الطوارئ بسبب الإعصار -كالمايغي-
- سقوط الفاشر وأثره على سياسة واشنطن بالسودان
- تحقيق يكشف تمويل شركة -إكسون- حملات تضليل مناخي
- غزة بعد الحرب.. تفاصيل العيش في خيم
- سوريا.. جملة -انا استخبارات ولاك- بفيديو رجل يهدد شرطي تشعل ...
- الفلبين: أكثر من 140 قتيلا عقب إعصار -كالمايغي- ورئيس البلاد ...
- السلطات الأوروبية تُفكك شبكة احتيال بالعملات المشفرة
- -هجمات الدببة- تثير ذعرا.. واليابان تنشر قوات من الجيش
- -صقور ترامب- نحو إسقاط مادورو.. وروسيا تلوّح بالصواريخ


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏الاستبداد لا يقوم إلا على شعب مستعدّ له، ولا يزول إلا بشعب يرفضه