أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - المساحة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال














المزيد.....

المساحة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8520 - 2025 / 11 / 8 - 02:38
المحور: قضايا ثقافية
    


‏المساحة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال

‏المقدمة

‏شهدت الدراسات الاتصالية خلال العقود الأخيرة تطورًا نوعيًا في مناهجها ومفاهيمها، بحيث لم تعد تنحصر في الإطار العلمي البحت أو الجمالي الإبداعي وحده، بل أصبحت تتقاطع ضمن ما يمكن تسميته المساحة المشتركة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال. هذه المساحة تمثل حقلًا خصبًا للدراسة، لأنها تجمع بين البعد الجمالي والتعبيري الذي يعبر عن روح الإبداع الفني، والبعد العلمي والمنهجي الذي يدرس الاتصال كعملية اجتماعية ونفسية وتكنولوجية قائمة على أسس موضوعية.
‏إن فهم هذه المساحة لا يقتصر على المقارنة بين "الفن" و"العلم"، بل يتعداها إلى بحث كيفية اندماجهما في بناء الرسالة الاتصالية، سواء في الإعلام أو الإعلان أو الفنون البصرية أو التواصل الرقمي الحديث.


‏---

‏أولًا: فنون الاتصال – البعد الإبداعي والجمالي

‏فنون الاتصال هي التعبير الإنساني الحر عبر الوسائط المختلفة: الصورة، الكلمة، الصوت، الحركة، والإيماءة. وهي تسعى إلى إحداث التأثير الوجداني والمعنوي في المتلقي.
‏يظهر هذا البعد في مجالات مثل السينما، المسرح، التصميم الجرافيكي، الإعلان، الخطاب الإعلامي، والفن الرقمي، حيث يُبنى الاتصال على أسس الإبداع الجمالي والتأثير الرمزي.
‏تتميز فنون الاتصال بأنها تُخاطب الخيال والعاطفة والحس الجمالي، وتعتمد على أساليب البلاغة البصرية واللغوية، وعلى بناء الرموز الثقافية المشتركة التي تخلق المعنى وتربط المرسل بالمتلقي.

‏> يشير رولان بارت (Roland Barthes) إلى أن الصورة الاتصالية ليست مجرد نقل للواقع، بل «إعادة صياغة للواقع في ضوء رؤية المبدع» (Barthes, 1977)، ما يجعل الفن الاتصالي مجالًا للتأويل والتفاعل لا للنقل الحرفي.




‏---

‏ثانيًا: علوم الاتصال – البعد المنهجي والعلمي

‏أما علوم الاتصال فهي المجال الذي يدرس العملية الاتصالية بمنهجية علمية، من حيث عناصرها (المرسل، الرسالة، الوسيلة، المستقبل، التغذية الراجعة)، وأنماطها (اللفظية وغير اللفظية، الجماهيرية، الشخصية، الرقمية)، وتأثيراتها في المجتمع.
‏تهدف علوم الاتصال إلى فهم القوانين والأنماط والآثار التي تحكم عملية الاتصال، مستفيدة من علم النفس والاجتماع والسياسة والتكنولوجيا.
‏ويرى شانون وويفر (Shannon & Weaver, 1949) في نموذجهم الشهير أن الاتصال عملية يمكن تحليلها كمياً ونوعياً، مما يجعلها قابلة للقياس والتجريب، على عكس الفن الذي يُدرك بالحدس والانفعال.


‏---

‏ثالثًا: المساحة المشتركة بين الفن والعلم في الاتصال

‏تتجلّى المساحة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال في نقطة الالتقاء بين الإبداع والموضوعية، وبين التأثير والقياس.
‏فعندما يصمم الفنان إعلانًا تلفزيونيًا أو حملة توعوية، فهو يستخدم أدوات فنية (الألوان، الإيقاع، الرموز)، لكنه يستند أيضًا إلى دراسات علمية حول الجمهور، ونظريات في الإقناع والتأثير والسلوك.
‏وهكذا يصبح الاتصال فنًا مدعومًا بالعلم، وعلمًا لا يكتمل إلا بالإبداع.
‏في الإعلام المعاصر، ولا سيما في بيئة الوسائط الرقمية التفاعلية، تزداد هذه المساحة وضوحًا، إذ يعمل المصمم والمحرر والمبرمج والباحث في فضاء واحد يوحّد الفن والتكنولوجيا والنظرية الاتصالية.

‏> يقول ماكلوهان (McLuhan, 1964): "الوسيلة هي الرسالة"، أي أن الوسيط الفني نفسه – بخصائصه الجمالية والتكنولوجية – أصبح جزءًا من مضمون الاتصال، وهو ما يجعل الفن والعلم متداخلين في جوهر العملية الاتصالية الحديثة.




‏---

‏رابعًا: تطبيقات عملية للمساحة المشتركة

‏1. الإعلام المرئي والمسموع: يتطلب المزج بين الجمالية البصرية والتحليل العلمي للجمهور.


‏2. الإعلان التجاري والاجتماعي: يجمع بين فن الإقناع وعلوم السلوك الاستهلاكي.


‏3. التصميم الجرافيكي والرقمي: يمزج بين الجمال الفني ونظريات الإدراك البصري.


‏4. الاتصال السياسي والثقافي: يوظف الرموز الفنية المدروسة علميًا لتحقيق أهداف التأثير والتعبئة.


‏5. التواصل عبر وسائل التواصل الاجتماعي: يعتمد على المحتوى الإبداعي المدعوم بخوارزميات الذكاء الاصطناعي والتحليل البياني.




‏---

‏الخاتمة

‏المساحة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال ليست مجرد منطقة تداخل، بل مجال ديناميكي لإعادة تعريف الاتصال ذاته. فالاتصال في جوهره نشاط إنساني يجمع بين الفكر والإحساس، بين المنهج والإبداع.
‏إن التقدم التكنولوجي المتسارع جعل هذه المساحة أكثر اتساعًا، بحيث أصبح الباحث والمبدع يعملان معًا لإنتاج اتصال مؤثر، مدروس، وجمالي في آنٍ واحد.
‏ومن هنا، فإن مستقبل الدراسات الاتصالية يتجه نحو تكامل الفن والعلم بوصفهما وجهين لعملة واحدة هي "الإنسان المبدع والمتلقي العاقل".


‏---

‏المراجع

‏1. Barthes, R. (1977). Image, Music, Text. London: Fontana Press.


‏2. McLuhan, M. (1964). Understanding Media: The Extensions of Man. New York: McGraw-Hill.


‏3. Shannon, C. & Weaver, W. (1949). The Mathematical Theory of Communication. Urbana: University of Illinois Press.


‏4. Fiske, J. (1990). Introduction to Communication Studies. London: Routledge.


‏5. Littlejohn, S. W., & Foss, K. A. (2011). Theories of Human Communication. Long Grove: Waveland Press.


‏6. Craig, R. T., & Muller, H. L. (2007). Theorizing Communication: Readings Across Traditions. Thousand Oaks: Sage Publications.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏دكتاتورية المعلومات
- الفيروسات المختبر وتتحول إلى سلاح
- ‏سهرة جميلة مع حبيبتي الروبوت
- ‏من شخصنة السلطة إلى بناء الدولة: قراءة في فكر فرانسيس فوكوي ...
- ‏الاستبداد لا يقوم إلا على شعب مستعدّ له، ولا يزول إلا بشعب ...
- ‏الدمى الجنسية بين الأخلاق والضرورة
- ‏صناعة تجارة -الرقيق الأبيض-: آلياتها، دوافعها، وتداعياتها و ...
- الدنيا ملك لمن يستيقظ باكراً
- التحرش الجنسي في مرحلة الماجستير والدكتوراه
- صناعة الجوع: الجوع كنتاج للنظام لا الطبيعة
- ‏عندما تحل النوطة محل الكتاب الجامعي: انعكاسات على التعليم و ...
- ‏الوظيفة العامة بين النقد والارتباط: تحليل في أسباب التصاق ا ...
- ‏قراءة في رواية -عشيق السيدة تشاترلي- للروائي البريطاني د. ه ...
- ‏الوظيفة العامة: تنقذ من الفقر أم تقود إليه؟
- ‏قراءة في قصيدة -إذا- للشاعر روديارد كبلنغ
- ‏اللامرئي في مهنة التعليم: التعب الإدراكي لدى المدرس
- ‏استعمال -لغة الطهر- لتبرير -أفعال القهر-
- العلم لا يموت والعالم لا يُحال إلى التقاعد، والعقول العظيمة ...
- ‏مؤتمر الأقليات في الشرق الأوسط: الأهداف الاستراتيجية لإسرائ ...
- ‏مفهوم التنويم المغناطيسي واستحضار الأرواح في مسرحية الدكتور ...


المزيد.....




- فستان الترتر البسيط.. القطعة الأبرز في عالم الموضة
- السودان.. ما هي الدول الـ4 المتهمة بالتدخل بصراعه الدموي وفق ...
- الصراع على مستقبل غزة: لماذا يعجز الجميع عن الاتفاق على إعاد ...
- السر وراء صعوبة التركيز عند الأطفال
- رسميا...أمريكا تشطب الرئيس السوري من قائمة الإرهاب قبل أيام ...
- أفغانستان تقر بفشل محادثات السلام مع باكستان للتوصل إلى وقف ...
- هجوم روسي كبير على البنى التحتية للطاقة بأوكرانيا
- رئيس لجنة المفقودين للجزيرة نت: غزة تحولت لأكبر تجمع مقابر ف ...
- صربيا تسرّع إزالة مبنى تاريخي لبناء فندق فخم بدعم من كوشنر
- واشنطن تتولى الإشراف على مساعدات غزة وتضغط لخروج مقاتلين من ...


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - المساحة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال