أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏المجتمع مرآة أخلاقية للسلطة ‏














المزيد.....

‏المجتمع مرآة أخلاقية للسلطة ‏


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 02:53
المحور: قضايا ثقافية
    


‏المجتمع مرآة أخلاقية للسلطة

‏---

‏المقدمة

‏يشكّل مفهوم العلاقة بين السلطة والمجتمع أحد المحاور الجوهرية في الفكر السياسي والاجتماعي. فالسلطة ليست مجرد أداة للحكم أو الإدارة، بل هي منظومة قيم وسلوكيات تنعكس بصورة مباشرة أو غير مباشرة على المجتمع الذي تخضعه. وحينما تُمارس السلطة وفق معايير أخلاقية، يصبح المجتمع أكثر استقرارًا وعدلاً، بينما يؤدي فساد السلطة إلى انحلال القيم وتفكك النسيج الاجتماعي. ومن هنا يبرز القول المأثور بأن “المجتمع مرآة أخلاقية للسلطة”، أي أن صورة الدولة في ضمير الناس ليست إلا انعكاسًا لصورة حكّامها في سلوكهم وتوجهاتهم.


‏---

‏أولاً: الأساس الفلسفي للعلاقة بين الأخلاق والسلطة

‏تعود جذور هذه الفكرة إلى فلاسفة السياسة منذ أفلاطون وأرسطو، الذين ربطوا بين العدالة في الدولة والفضيلة في الحاكم. ففي الجمهورية، يرى أفلاطون أن الدولة الفاضلة لا يمكن أن توجد إلا إذا كان حكامها فلاسفة يتحلّون بالحكمة والاعتدال. كما أكّد أرسطو أن السياسة هي فرع من الأخلاق، وأن الغاية من الحكم هي تحقيق الخير العام لا المنفعة الخاصة.
‏وفي العصور الحديثة، ناقش ماكيافيللي في الأمير مفهوم السلطة المنفصلة عن الأخلاق، مما أثار جدلاً واسعًا حول إمكانية أن تكون السياسة مستقلة عن القيم. إلا أن المفكرين اللاحقين مثل جان جاك روسو وهيغل أعادوا الاعتبار إلى الأخلاق بوصفها أساسًا لشرعية السلطة.


‏---

‏ثانياً: انعكاس السلطة على سلوك المجتمع

‏حين تكون السلطة فاسدة، تُصبح القيم الاجتماعية انعكاسًا لهذا الفساد. فالمسؤول الذي يمارس المحسوبية أو الكذب يشرعن هذه الممارسات ضمنياً، ويجعلها “ثقافة مقبولة” في المجتمع. وهكذا، يتحول الفساد من ظاهرة معزولة إلى منظومة قيمية جديدة.
‏وبالعكس، حين تكون القيادة قدوة في النزاهة والتقشف واحترام القانون، تنعكس هذه الصفات على المواطنين وتصبح جزءًا من السلوك الجمعي. لذلك يرى عالم الاجتماع ماكس فيبر أن “الأخلاق العامة هي نتيجة لأنماط القيادة السائدة”، وأنّ “السلطة الشرعية هي التي تولّد الطاعة بدافع الإيمان لا الخوف”.


‏---

‏ثالثاً: السلطة الرمزية ودور الإعلام في تكريس الصورة الأخلاقية

‏يبيّن بيير بورديو في نظريته عن السلطة الرمزية أن القوة لا تمارس فقط بالقهر المادي، بل أيضاً من خلال إنتاج المعاني والقيم التي يتبنّاها المجتمع. فحين تهيمن السلطة على الخطاب الإعلامي والثقافي، فإنها تحدد ما يُعتبر أخلاقياً أو غير أخلاقي، وتعيد تشكيل الوعي الجمعي.
‏ومن هنا، يصبح الإعلام وسيلة إما لترسيخ القيم النزيهة عبر القدوة، أو لتبرير الانحراف الأخلاقي تحت غطاء “المصلحة العامة”.


‏---

‏رابعاً: دروس وعبر

‏لا يمكن بناء مجتمع أخلاقي في ظل سلطة غير أخلاقية.

‏إصلاح الدولة يبدأ من إصلاح القيم الحاكمة لا من تغيير الأشخاص فقط.

‏العلاقة بين المواطن والدولة علاقة تربوية متبادلة، تقوم على القدوة لا على القهر.

‏التاريخ يثبت أن الدول التي انهارت أخلاقيًا قبل أن تنهار اقتصاديًا، كانت ضحية فساد سلطوي مستشري (كما في روما، والأندلس في أواخر عهدها، والاتحاد السوفييتي قبيل تفككه).



‏---

‏الخاتمة

‏إنّ المجتمع لا يملك أن يكون أفضل من حكّامه إلا بقدر ما يملك من وعيٍ وقدرةٍ على المساءلة. فحين يرى الناس في الحاكم قدوة، فإنهم يتخلقون بأخلاقه، وحين يجدونه نموذجاً للفساد، فإنهم يبررون لأنفسهم الانحراف. إنّ السلطة في النهاية ليست سوى مرآةٍ يرى فيها الشعب نفسه، فإن صفت، صفا، وإن عكرت، تعكر.


‏---

‏المراجع

‏1. أفلاطون. الجمهورية. ترجمة فؤاد زكريا، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986.


‏2. أرسطو. السياسة. ترجمة أحمد لطفي السيد، دار المعارف، القاهرة، 1979.


‏3. ماكيافيللي، نيقولا. الأمير. ترجمة عبد الله العروي، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، 1997.


‏4. روسو، جان جاك. العقد الاجتماعي. ترجمة عادل زعيتر، دار المعارف، القاهرة، 1954.


‏5. Weber, Max. The Theory of Social and Economic Organization. Free Press, 1947.


‏6. Bourdieu, Pierre. Language and Symbolic Power. Harvard University Press, 1991.


‏7. هيغل، جورج فيلهلم. فلسفة الحق. ترجمة إمام عبد الفتاح إمام، دار التنوير، بيروت، 1983.






#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أنماط الدولة الحديثة: المركزية، اللامركزية، الفيدرالية، والك ...
- قراءة في قصيدة -ريتا- للشاعر محمود درويش
- أثر الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة لعام 2025
- ‏قراءة بلاغية وجمالية في قصيدة -لمن طلل بين الجدية والجبل- ل ...
- ‏عندما يتحول الإعلام (مهنة نبيلة) إلى إعلان (مهنة تجارية):
- ‏الظلام القادم من النور: عندما تنحرف الثورات عن مسارها ( ...
- المساحة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال
- ‏دكتاتورية المعلومات
- الفيروسات المختبر وتتحول إلى سلاح
- ‏سهرة جميلة مع حبيبتي الروبوت
- ‏من شخصنة السلطة إلى بناء الدولة: قراءة في فكر فرانسيس فوكوي ...
- ‏الاستبداد لا يقوم إلا على شعب مستعدّ له، ولا يزول إلا بشعب ...
- ‏الدمى الجنسية بين الأخلاق والضرورة
- ‏صناعة تجارة -الرقيق الأبيض-: آلياتها، دوافعها، وتداعياتها و ...
- الدنيا ملك لمن يستيقظ باكراً
- التحرش الجنسي في مرحلة الماجستير والدكتوراه
- صناعة الجوع: الجوع كنتاج للنظام لا الطبيعة
- ‏عندما تحل النوطة محل الكتاب الجامعي: انعكاسات على التعليم و ...
- ‏الوظيفة العامة بين النقد والارتباط: تحليل في أسباب التصاق ا ...
- ‏قراءة في رواية -عشيق السيدة تشاترلي- للروائي البريطاني د. ه ...


المزيد.....




- حصريا لـCNN: بريطانيا تعلق التعاون الاستخباراتي مع أمريكا بش ...
- مستوطنون إسرائيليون يشعلون حريقا في بلدة بالضفة الغربية مع ت ...
- الحزب الشعبي الإسباني يعقد أول اجتماع له في مليلية ويقول إنه ...
- إسبانيا: مطالب بمساءلة الحكومة حول -مركزي احتجاز مهاجرين- في ...
- دراسة مموّلة من ألمانيا: الجيش الموريتاني -شديد التسييس- ودو ...
- الشرع في واشنطن.. الغولف بعد السلة؟
- الجيش الإسرائيلي يعتقل مستوطنين بعد هجمات واسعة على قرى فلسط ...
- رئيس كولومبيا: أمرت أجهزة استخبارات إنفاذ القانون بتعليق جمي ...
- حقوقيو تونس يطلقون -صرخة فزع- بعد تعليق نشاط 17 منظمة
- إيران تفكك شبكة تجسس مرتبطة بالولايات المتحدة وإسرائيل


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏المجتمع مرآة أخلاقية للسلطة ‏