أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏قراءة في نص نزار قباني: -حبيبتي تتعطر بالنفط-















المزيد.....

‏قراءة في نص نزار قباني: -حبيبتي تتعطر بالنفط-


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8524 - 2025 / 11 / 12 - 03:24
المحور: قضايا ثقافية
    





‏النص

‏ للمرة الأولى .. أشتري زجاجة بترول .. وأهديها لحبيبتي..
‏وللمرة الأولى .. تأخذ حبيبتي الهدية باعتزاز.
‏وتضع قطرة نفط تحت الأذن اليمنى..
‏وقطرة نفط تحت الأذن اليسرى..
‏وتشكرني لأنني أعدت إليها الثقة بأنوثتها ..
‏أهديتها عطرها المفضل : النفط.
‏الأنوثة العربية، بعد حرب تشرين، تخلت عن أدوات التواليت القديمة..
‏نسيت عطر لانفان، وديور، وشاليمار، وروشا،
‏وأصبحت تتعطر بعطر كركوك، والظهران، والأحمدي، وليبيا، والجزار، وأبو ظبي، والبحرين، وقطر..
‏حبيبتي ، بعد حرب ٦ تشرين ، تفضل أن تستعمل عطراً قومياً..
‏وأنا أحبها بشكل أعنف ، لأن رائحتها صارت مختلطة برائحة وطني المقاتل..
‏هل حدث لكم أن أحببتم امرأة في زمن الحرب؟
‏...
‏أوروبا ترتعش من البرد..
‏وهولاندا تلطم خديها كامرأة مات زوجها في عز الشتاء..
‏وحبيبتي تلعب بقارورة النفط التي أهديتها إليها.. وتغني ..
‏بالنيابة عنها رسائل شكر إلى الملك فيصل، والشيخ صباح السالم الصباح، والرئيس هواري بومدين، والرئيس أحمد حسن البكر، والرئيس القذافي، وحاكم أبو ظبي، وأمير البحرين ، وأمير قطر..
‏وها أنذا أنفذ رغبة حبيبتي ، التي تتمدد على إيوانها العربي الوثير .. وتغني..
‏فيا ليت غناء حبيبتي يطول...




‏---

‏أولاً: ملامح النص وموقعه في مسيرة قباني

‏ينتمي هذا النص إلى المرحلة السياسية الناضجة في شعر نزار قبّاني، التي تلت حرب تشرين 1973، حيث انتقل الشاعر من الغزل الفردي إلى الغزل الوطني، ومن الأنثى الجسد إلى الأنثى الوطن. النص ليس قصيدة تقليدية بل قطعة نثر شعري مكثّفة بالرموز الاقتصادية والسياسية والجمالية، تحوّل فيها النفط إلى عطر قومي، والعطر إلى هوية وطنية.

‏نُشر النص في منتصف السبعينيات ضمن كتاب “قصتي مع الشعر”، ثم أُدرج لاحقًا في بعض مختاراته مثل “أحاديث نزار قباني” و*“الأعمال النثرية”*، حيث يمزج بين السخرية السياسية والرمز الأنثوي في قالب شعري.


‏---

‏ثانياً: الصورة الشعرية والبلاغة

‏يبني قباني صوره على المفارقة:
‏أن يُهدى النفط – رمز المادة والسياسة – كعطر للأنثى – رمز الجمال والرقة. هذه المفارقة البلاغية تؤسس للنص بالكامل. فالمجاز هنا يقوم على استبدال أدوات الزينة بـ"النفط"، أي استبدال "الترف الغربي" بـ"الكرامة العربية".

‏ «تخلت عن عطور ديور وشاليمار، وأصبحت تتعطر بعطر كركوك، والظهران...»



‏الصورة هنا تمتد أفقياً من العطر إلى الجغرافيا، إذ تتحول المدن النفطية إلى زجاجات عطر قومية. وتكتسب البلاغة عند قباني بعداً سياسيًا، إذ يُعيد بناء الأنوثة العربية لتكون رمزًا للمقاومة لا للترف.

‏ومن الصور البارزة:

‏تشبيه الحرب بالعطر: "أحبها أكثر لأن رائحتها مختلطة برائحة وطني المقاتل".

‏الاستعارة المكنية: "العراقية والمغربية قصيدة على فم الشام".

‏الكناية: "السيف لا يأخذ إجازة" — رمزٌ للاستمرار في النضال.



‏---

‏ثالثاً: المؤثرات الخارجية في النص

‏1. حرب تشرين (أكتوبر 1973) كانت الحدث المحوري، إذ فجّرت لدى قباني إحساس الانتماء العربي.


‏2. أزمة النفط العالمية (1973) حين استخدم العرب سلاح النفط للضغط السياسي على الغرب، فصار البترول رمزًا للقوة بعد أن كان مجرد سلعة.


‏3. التحولات الاجتماعية بعد الحرب، حيث صعد الخطاب القومي مجددًا، وارتبطت الأنثى – في شعره – بصورة الأمة الناهضة.



‏هكذا يصبح النفط رمزًا مزدوجًا: عطرًا للحب وسلاحًا للتحرر.


‏---

‏رابعاً: الرياضيات في النص

‏قد يبدو الشعر بعيدًا عن الرياضيات، لكن قباني يوظف التقابل والتوازي البنائي في صياغة النص، وهو ما يشبه التماثل الرياضي:

‏الثنائية: الأذن اليمنى / الأذن اليسرى

‏التضاد: الأنوثة / الحرب

‏التوازن التركيبي: «قطرة هنا، وقطرة هناك»

‏التكرار الإيقاعي: «هل حدث لكم أن...» (يُستخدم خمس مرات لخلق متتالية حسابية صوتية).


‏بهذا المعنى، نجد أن النص مبني على نظام رياضي إيقاعي داخلي، حيث تتكرّر البنى اللغوية بنظام صارم، يمنح النثر موسيقى خفية أقرب إلى متتالية هندسية لفظية.


‏---

‏خامساً: الشطرنج في النص

‏يتعامل نزار قباني مع المشهد العربي كـ"رقعة شطرنج كبرى" بعد حرب تشرين:

‏اللاعب: الغرب (أوروبا "ترتعش من البرد")

‏القطع: الدول النفطية (السعودية، قطر، ليبيا...)

‏الملكة: الحبيبة العربية المتعطرة بالنفط – رمز للأنوثة والسيادة.

‏الملك: الوطن العربي الجريح الذي ينهض من هزيمته.


‏في هذا السياق، حين يقول:

‏> «حبيبتي تلعب بقارورة النفط التي أهديتها إليها»
‏فإن "اللعب" هنا ليس تسلية، بل حركة استراتيجية على رقعة الصراع العالمي، حيث تحولت قارورة النفط إلى قطعة شطرنج قاتلة تتحكم في مصير أوروبا "المرتعشة من البرد".



‏بهذا التوظيف الذكي، يجعل قباني من الأنثى – التي كانت تُستخدم رمزًا للجمال – رمزًا للذكاء السياسي والتحكم في اللعبة الدولية.


‏---

‏سادساً: جماليات النص

‏الدمج بين الغزل والسياسة: فنادرًا ما جمع شاعر بين "العطر" و"النفط" بهذا التوازن بين الرومانسية والواقعية.

‏الأسلوب الساخر: يدمج بين نبرة الحلم والتهكم، كما في:

‏> «أوروبا تلطم خديها كامرأة مات زوجها في عز الشتاء...»



‏الوطن أنثى: الوطن لم يعد خريطة بل وجه الحبيبة، والعشق لم يعد غريزيًا بل قوميًّا.



‏---

‏سابعاً: عبقرية نزار قباني

‏عبقرية قباني في هذا النص تكمن في تحويل حدث اقتصادي (النفط) إلى رمز جمالي وإنساني.
‏لقد نقل اللغة الشعرية من ضيق العاطفة الفردية إلى رحابة الانتماء الجمعي دون أن يفقدها أناقتها الموسيقية.
‏يُعيد قباني تعريف “العطر” بوصفه هوية وطنية، و“الحب” كفعل سياسي، و“المرأة” كرمز للتحرر.


‏---

‏المراجع

‏1. قباني، نزار. قصتي مع الشعر. دار نزار قباني، بيروت، 1975.


‏2. قباني، نزار. الأعمال النثرية الكاملة. دار العودة، بيروت، 1980.


‏3. فاضل، إحسان عباس. اتجاهات الشعر العربي الحديث. دار الثقافة، بيروت، 1981.


‏4. غالي شكري. المنتمي: دراسة في أدب نزار قباني. دار الفكر المعاصر، 1982.


‏5. الجندي، محمد. الصورة الشعرية في شعر نزار قباني. دار المعارف، القاهرة، 1995.


‏6. نوفل، خالد. نزار قباني بين الأنثى والوطن. مجلة الفكر العربي، العدد 44، 2002.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏المجتمع مرآة أخلاقية للسلطة ‏
- أنماط الدولة الحديثة: المركزية، اللامركزية، الفيدرالية، والك ...
- قراءة في قصيدة -ريتا- للشاعر محمود درويش
- أثر الإغلاق الحكومي في الولايات المتحدة لعام 2025
- ‏قراءة بلاغية وجمالية في قصيدة -لمن طلل بين الجدية والجبل- ل ...
- ‏عندما يتحول الإعلام (مهنة نبيلة) إلى إعلان (مهنة تجارية):
- ‏الظلام القادم من النور: عندما تنحرف الثورات عن مسارها ( ...
- المساحة بين فنون الاتصال وعلوم الاتصال
- ‏دكتاتورية المعلومات
- الفيروسات المختبر وتتحول إلى سلاح
- ‏سهرة جميلة مع حبيبتي الروبوت
- ‏من شخصنة السلطة إلى بناء الدولة: قراءة في فكر فرانسيس فوكوي ...
- ‏الاستبداد لا يقوم إلا على شعب مستعدّ له، ولا يزول إلا بشعب ...
- ‏الدمى الجنسية بين الأخلاق والضرورة
- ‏صناعة تجارة -الرقيق الأبيض-: آلياتها، دوافعها، وتداعياتها و ...
- الدنيا ملك لمن يستيقظ باكراً
- التحرش الجنسي في مرحلة الماجستير والدكتوراه
- صناعة الجوع: الجوع كنتاج للنظام لا الطبيعة
- ‏عندما تحل النوطة محل الكتاب الجامعي: انعكاسات على التعليم و ...
- ‏الوظيفة العامة بين النقد والارتباط: تحليل في أسباب التصاق ا ...


المزيد.....




- خارجية أمريكا ترد على -لقاء كوشنر وأبو شباب قائد الميليشيا ا ...
- الاتحاد الأوروبي يسعى لتأجيل قانون إزالة الغابات
- مجموعة السبع تبحث بكندا أزمات غزة والسودان والكاريبي وأوكران ...
- العلاج الحراري المنزلي ربما يكون الحل الأمثل لخفض ضغط الدم
- روسيا تتصدى لمسيّرات وأوكرانيا تؤكد تدهور الأوضاع في زاباروج ...
- نشأة وتطور التصوير الفوتوغرافي في القدس
- علاج جديد يحمي الخلايا العصبية المتضررة من مرض العصبون الحرك ...
- فيديو.. تركيا تعلن مقتل 20 عسكريا في -كارثة الطائرة-
- وثائق سرية تكشف -مخاوف مكبوتة- من إمكانية انهيار اتفاق غزة
- بعدما خدعت 128 ألف شخص.. القضاء يقرر عقوبة -ملكة الكريبتو-


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏قراءة في نص نزار قباني: -حبيبتي تتعطر بالنفط-