نبيل محمد سمارة
(Nabil Samara)
الحوار المتمدن-العدد: 8523 - 2025 / 11 / 11 - 19:35
المحور:
قضايا ثقافية
نبيل سمارة
يبدو أننا ـ نحن العرب ـ لا نزال نعيش في زمن الصورة أكثر من الكلمة، في زمن الوجوه قبل العقول، وفي عصر الإعجاب قبل الفهم. فكل ما نحتاجه اليوم لتشعل الدنيا "تفاعلاً" هو وجه جميل، وكلمة تافهة، وابتسامة نصف مفتعلة. أما من يكتب فكرة، أو يطرح قضية، أو يدعو إلى وعي... فمصيره أن يكتب لنفسه، ويصفق لنفسه، وربما يشارك منشوره بنفسه كي لا يشعر بالوحدة!
إننا نعيش مفارقة مذهلة: فتاة تنشر جملة مثل "الصباح جميل"، فتحصد مئات التعليقات من نوع "الأجمل وجودك" و"منور الفيس" و"يا وردة الصباح". بينما المفكر الذي يكتب عن الفساد، عن التعليم، عن الكرامة، لا يجد حتى علامة إعجاب يتيمة. وكأن الوعي صار سلعة كاسدة، والجمال ـ حتى لو كان سطحيا ـ صار بضاعة رائجة.
مشكلتنا ليست في الفتاة الجميلة، بل في الجموع التي لا ترى أبعد من ملامحها. نحن الذين صنعنا من "اللاشيء" نجوماً، ومن الوعي "عبئاً ثقيلاً". نحن من نحول التافه إلى مؤثر، والمثقف إلى هامش.
في مجتمعاتنا، لا يكافأ الذكاء، بل يعاقب بالإهمال. لا يحتفى بالعمق، بل يدفن تحت طبقات من الغزل والتفاهة .
والأدهى من ذلك أننا نمارس هذه الرداءة بفخر، ثم نشكو من تخلفنا! نغرق في الإعجابات السطحية، ثم نسأل: لماذا لا يتغير شيء؟
كيف سيتغير ونحن لا نحترم الفكر، ولا نصغي للعقل، ولا نقرأ إلا ما يغازل عيوننا؟
إن فيسبوك ـ وغيره من ساحات التواصل ـ لم يفسدنا، بل كشف عوراتنا الثقافية والاجتماعية. كشف أن مجتمعاتنا مهووسة بالمظهر، مريضة بالتقليد، جائعة للانبهار.
ولعل أكثر ما يؤلم، أن الكثير من المثقفين بدأوا يقلدون التفاهة ليسمعوا أصواتهم، بعدما أدركوا أن الكلام العاقل لا يجد جمهوراً.
لقد آن لنا أن نسأل أنفسنا بصدق: هل نحن حقاً نريد التغيير، أم نريد فقط أن نبدو مثقفين أمام بعضنا؟
هل نقرأ لنفهم، أم لنتباهى؟
هل نعلق لأننا نؤمن بما نرى، أم لأننا نريد أن يرانا الآخرون؟
ربما نحن جيل يحترف الضجيج، ويخاف من الصمت، لأن الصمت يجعلنا نواجه حقيقتنا: أننا صرنا نعيش في قاع الوعي، نركض خلف كل لامع، ونهرب من كل عاقل.
#نبيل_محمد_سمارة (هاشتاغ)
Nabil_Samara#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟