أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمد سمارة - في حضن دجلة… حكايات لا تنتهي














المزيد.....

في حضن دجلة… حكايات لا تنتهي


نبيل محمد سمارة
(Nabil Samara)


الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 17:13
المحور: الادب والفن
    


حين تسير في بغداد، تشعر أن كل خطوة تضعها على أرصفتها هي حكاية منسية ترويها الحجارة بصوت خافت، وكأنها تخشى أن يوقظها صخب الحاضر من حلمها القديم.
لا مدينة تشبه بغداد، فهي ليست مجرد عاصمة تعاقبت عليها العصور، بل روح تمتد من الماضي إلى الحاضر، كخيط من نور .

في بغداد، يتقاطع التاريخ مع التفاصيل اليومية، فتجد نفسك تمشي في شارع الرشيد وكأنك تسير في ذاكرةٍ مفتوحة على ألف عام. شارع الرشيد، الذي لا يزال رغم تعب السنين يحتفظ برائحة القهوة القديمة المنبعثة من المقاهي، وبصوت المذياع العتيق الذي يصدح بأغاني ناظم الغزالي، وبظل الأرصفة التي شهدت أولى خطوات المثقفين والسياسيين والشعراء.

ذلك الشارع الذي عرف صخب المظاهرات وهدوء العشاق، وبات مرآةً لكل ما مر على العراق من أفراح وانكسارات.

وحين تواصل المسير نحو شارع المتنبي، هناك، حيث الكتب تملأ الأرصفة وتفيض بالحياة، تشعر أن بغداد ما زالت تقرأ نفسها رغم كل ما مر بها. تقف قرب تمثال المتنبي، تتأمل ملامحه التي جمدها البرونز لكنها ما زالت تنطق بالكبرياء ذاته:
"أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كلماتي من به صممُ"
تغدو تلك الساحة عالما آخر، تتقاطع فيها أصوات الباعة مع رائحة الورق القديم، وصدى الشعراء الذين يتلون قصائدهم وكأنهم يستعيدون روح بغداد التي لا تموت.

كل زاوية من هذا المكان تروي قصة: عن كتاب نجا من النسيان، عن مثقف يبيع مؤلفاته ليشتري خبزه، عن طالب وجد بين الكتب معنى الحياة.

ومن هناك، حين تتجه بعينيك نحو نهر دجلة، ترى النوارس تحوم بخفة فوق الماء، تلتقط فتافيت الخبز التي يرميها الناس بفرح طفولي. لحظة عابرة لكنها تختصر معنى الحياة في بغداد: بساطة، ودفء، وشيء لا يُقال بالكلمات.

الماء يمضي بهدوء، كما لو أنه سمع كل شيء من قبل؛ همس العشاق، صرخات التاريخ، ضحكات الأطفال، وأناشيد الجنود، وأغاني النساء على ضفافه.

دجلة في بغداد ليس مجرد نهر، بل شريان الذاكرة، وصوت الأبد الذي لا يتوقف.
ولبغداد فروع كثيرة، كأنها شجرة وارفة الجذور، تمتد من الكرخ إلى الرصافة، ومن الأعظمية إلى الكاظمية، ومن الباب الشرقي حتى البتاوين والكرادة. في كل فرع من فروعها عبق مختلف، ولهجة خاصة، ونكهة حياةٍ لا تتكرر.

في أزقة الفضل والشيخ عمر، تشم رائحة التاريخ القديم الممزوجة بعطر الخبز الطازج، وفي الكاظمية ترى الإيمان يمشي على الأرض بخطوات الناس المتعبين الذين يجدون في الدعاء راحة تشبه السلام.

أما الكرادة، فهي الوجه الآخر لبغداد، حديثة ومفعمة بالحياة، لكنها تحتفظ في عمقها بروح المدينة القديمة التي لا تنسى ماضيها مهما تزيّنت بالحاضر.

بغداد مدينة تعلمك الصبر والجمال معا. قد تتعبك، لكنها لا تتركك، لأنك ما إن تحاول مغادرتها حتى تشعر أن جزءًا منك بقي هناك، عالقًا بين جسر الشهداء ومقهى الشابندر، بين ضوء الغروب فوق دجلة وصوت المؤذن في الأفق.
هي المدينة التي يُكتب عنها الكثير، لكن لا أحد يستطيع أن يصفها حقا، لأن بغداد لا تروى بالكلمات… بل تعاش بالقلب.



#نبيل_محمد_سمارة (هاشتاغ)       Nabil_Samara#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عامان على إبادة غزة.. صمود يفضح العجز الدولي .
- من يضمن أن إسرائيل ستلتزم بما جاء في المقترح؟
- كتاب- أجنحة الروح - وفرحة الروح بعد انجازه
- نظمي حزوري .. كلمات على قدر المحبة
- ابي و الوطن و الدرس
- بين عمو بابا ولميعة عباس عمارة
- في رحاب والدي .
- متى الغد يا عراق ؟
- لصوص نهاريون ؟
- الفقر في العراق يدفع الامهات برمي اطفالهن في النهر ؟
- اليوم الذكرى الاولى لرحيل امي . رحيلك اطفأ كل انوار العالم ف ...
- وباء كورونا . انضج عقولنا واكتشف لنا امور كثيرة
- وباء كورونا . وفقراءنا ؟.
- لماذا الدكتور محمد توفيق علاوي . بقلم نبيل محمد سمارة
- الشهيد ابراهيم الخياط يتعرض الى ثلاث طعنات في ظهره ؟
- رسالة الى ملك الموت . رثاء الى امي
- يخرب بيت التطور والساعة الي دخل علينا . نبيل محمد سمارة
- رسالة الى رئيس وزراء العراق .. لتجنب وقوع فواجع اخرى
- شاي بالنعناع مع ابو مطاع
- - لوكي - القطة التي اصبحت احدى افراد عائلتي ؟ . بقلم نبيل مح ...


المزيد.....




- -الحافلة الضائعة-.. فيلم يعيد الفتى الذهبي ماثيو ماكونهي إلى ...
- -منتدى أصيلة- يسلم الإيفوارية تانيلا بوني جائزة -تشيكايا اوت ...
- هل يمكن فصل -التاريخ- كما جرى عن -التأريخ- كما يُكتب؟ الطيب ...
- لازلو كراسناهوركاي.. الكاتب الذي عبر من الأدب إلى السينما وص ...
- صورة المعلم في الرواية العربية: دراسة نقدية منهجية تطبيقية ت ...
- أسماء أطفال غزة الشهداء تقرأ في سراييفو
- الكاتب المجري لاسلو كراسناهوركاي يفوز بجائزة نوبل للأدب
- تامر حسني يعيد رموز المسرح بالذكاء الاصطناعي
- رئيس منظمة الاعلام الاسلامي: الحرب اليوم هي معركة الروايات و ...
- الدكتور حسن وجيه: قراءة العقول بين الأساطير والمخاطر الحقيقي ...


المزيد.....

- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت
- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نبيل محمد سمارة - في حضن دجلة… حكايات لا تنتهي