نبيل محمد سمارة
(Nabil Samara)
الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 18:42
المحور:
الادب والفن
من بين عشرات الكتب التي خطها والدنا المرحوم الأديب محمد سمارة على مدى أكثر من أربعة عقود، يظل كتاب واحد منها الأقرب إلى القلب، والأعمق حضوراً في الذاكرة. كتاب لم تطبع حروفه إلا بعد أن غاب مؤلفه إلى مثواه الأخير، وكأنّ القدر أراد له أن يكون آخر رسائل الروح قبل أن تودع الجسد.
ذلك الكتاب حمل عنوان "أجنحة الروح"، وكان في حياة والدنا مجرد مسودة يحتفظ بها بين أوراقه، لم تسعفه صحته المتدهورة يومها أن يراها تنبض حياةً على الورق. كنت أراها بين رفوف مكتبته، حروفها غافية تنتظر وعداً بالاكتمال، ووعدي لها كان أن لا تبقى حبيسة الأدراج.
بعد سنواتٍ من البحث والجهد والمراجعة، استطعت أن أستعيد تلك المسودة، أُنقّيها من غبار الوقت، وأُدخلها عالم التقنية لتتحول إلى قرصٍ مدمج (CD) يحمل بين طياته صوت الروح الذي أراده أبي أن يبقى خالداً.
وفي لحظة امتنان عميقة، حملت ذلك القرص إلى الاتحاد العام للأدباء والكتّاب في العراق، حيث استقبلني الشاعر الأستاذ عمر السراي بابتسامةٍ تليق بروح الثقافة. تسلم القرص ووعدني بأن يكون طباعة الكتاب على نفقة الاتحاد، وفاء لذكرى الأديب الذي ترك أثراً في المشهد الثقافي العراقي.
وحين رنّ الهاتف بعد مدة، كان صوت يحمل بُشرى طال انتظارها:
“النسخ جاهزة... تفضّل لاستلامها.”
في تلك اللحظة، شعرت أنّ أبي لم يمت تماماً، بل عاد بين صفحات كتابه، يطير بأجنحة روحه من جديد، يهمس لنا أن الكلمة لا تموت، وأن الأدب حين يُكتب بصدق، يظل حيّاً حتى بعد أن يرحل صاحبه.
ذلك اليوم الذي ذهبت فيه إلى الاتحاد لاستلام نسخ الكتاب لم يكن يوماً عادياً... كان يوماً التقت فيه الذاكرة بالحياة، والوفاء بالمعنى، والابن بروح أبيه التي حلقت في فضاء الأدب.
#نبيل_محمد_سمارة (هاشتاغ)
Nabil_Samara#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟