نبيل محمد سمارة
(Nabil Samara)
الحوار المتمدن-العدد: 8498 - 2025 / 10 / 17 - 17:28
المحور:
الادب والفن
في قلب بغداد، هناك نبض لا يخفت أبداً، مهما تغيّرت الوجوه وتبدلت الأزمنة. بين الشورجة وشارع المتنبي، وأزقة أبو سيفين وقمبر علي وأبو دودو، تسكن روح المدينة القديمة، متلألئة كخيط شمس ينساب بين جدران الطين والدكاكين العتيقة.
هناك، يمشي البغدادي بخطوات يعرفها الرصيف كما يعرفه الباعة الفارشون أمام محالهم. أصوات المناداة تختلط برائحة الشاي والقهوة، وصدى الأحاديث الدافئة يعيدك إلى معنى الحياة البسيطة التي لا تبهت.
في الشورجة، تفوح رائحة التاريخ ممزوجة بالبهارات. تتراءى أمامك أكياس الهيل والزعفران، وألوان الأقمشة المعلقة مثل رايات فرح في سوق لا ينام. التجار يتبادلون المزاح بلهجة بغدادية صافية، والعابرون يحملون وجوها متعبة ولكنها راضية، كأن الرضا هو سر البقاء في هذه المدينة التي تتحدى النسيان.
وحين تصل إلى شارع المتنبي، تشعر بأن الكتب تنظر إليك. هنا تتحدث الحروف، وتتنفس القصائد. في المقاهي القديمة يتبادل المثقفون فناجين الشاي على إيقاع الحكايات، وكأن كل طاولة تحفظ ذاكرة جيل مضى وأمل جيل قادم.
أما الأزقة الضيقة في أبو سيفين وقمبر علي وأبو دودو، فهي ممرات الذاكرة. هناك تلتقي الجدران المتعبة بضحكات الأطفال، وتتعانق روائح الخبز الساخن مع بخار الشاي العدني. المطاعم الشعبية ما زالت تقدم وجباتها البسيطة بروح الكرم العراقي — صحن باقلاء بالدهن أو مخلمة وعدس، وخبز .
في بغداد القديمة، لا يشيح الجمال. فحتى الزحام فيها له موسيقى، وحتى الغبار يلمع تحت الشمس كأنه غبار من ذهب. إنها المدينة التي تحبك دون أن تتجمل، وتدهشك دون أن تتصنع.
من يمشي في شوارعها اليوم لا يرى فقط الماضي، بل يرى جمال الحاضر وهو يتنفس بين العتيق والجديد... بين نداء البائع وضحكة طفل، بين صوت المؤذن ورنين فناجين الشاي.
بغداد، بكل ما فيها، ما زالت تنبض بالحياة — مدينة تتقن فن البقاء، وتعرف كيف تعلمنا أن الجمال لا يغيب، بل يتجدد كل صباح.
#نبيل_محمد_سمارة (هاشتاغ)
Nabil_Samara#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟