أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - الدور التركي في الترتيبات الامريكية لما بعد الحرب على غزة















المزيد.....

الدور التركي في الترتيبات الامريكية لما بعد الحرب على غزة


هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي

(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 03:34
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ترجح عدة مؤشرات، كالتي وردت في تقرير “واشنطن بوست” بشأن قناعة الرئيس الأميركي دونالد ترامب بضرورة إشراك تركيا في جهود وقف إطلاق النار وإعادة إعمار غزة، وجود تحوّل ملموس في المقاربة الأميركية لادارة نفوذها في الشرق الأوسط بعد الحرب على القطاع. فادارة ترامب تبدو بصدد اختبار ترتيبات جيوسياسية مختلفة، تتجاوز ثنائية الحلفاء التقليديين وتراهن على قوى إقليمية تمتلك قدرة تنفيذية وتأثيرًا مباشرًا على الأطراف الفاعلة في الميدان، وفي مقدمتها تركيا. فهذا الانفتاح الأميركي على الدور التركي لا يمكن قراءته بمعزل عن جملة من المتغيرات التي أعادت خلط الأوراق في الإقليم، حيث ظهرت بجلاء مستويات تعثر الردع الإسرائيلي المنفرد، وتراجع الهيمنة الأميركية الأحادية، مقابل اتساع مساحة الحركة الروسية والإيرانية، وبروز الصين كلاعب سياسي واقتصادي. في ظل هذه المتغيرات، تبدو واشنطن مدفوعة إلى إعادة هندسة علاقاتها الإقليمية عبر مزيج من البراغماتية والانسحاب المدروس، بحيث تحتفظ بالنفوذ دون تحمّل كلفة المواجهة المباشرة.

فالإدارة الأميركية تعي أن حروب الإبادة في غزة قوّضت الصورة الأخلاقية لإسرائيل وأضعفت قدرتها على قيادة النظام الأمني الإقليمي بالنيابة عن واشنطن. كما أن الانقسام السياسي الداخلي في إسرائيل، وتصاعد النزعات الدينية والقومية، جعلا منها حليفًا مرهقًا يصعب الاعتماد عليه لإدارة ملفات التهدئة وإعادة الإعمار. لذلك تبحث واشنطن عن “وسيط وظيفي” بديل قادر على التواصل مع جميع الأطراف دون أن يُفهم تدخله بوصفه تحديًا مباشرا للغرب. ويبدو في هذا السياق ان الرهان الامريكي قد وقع على تركيا، التي تجمع بين عضويتها في الناتو وصلاتها الوثيقة بحركات المقاومة الفلسطينية.

فتاريخيًا، كانت العلاقة الأميركية–التركية تمر بمرحل مد وجزر تبعًا لتبدّل أولويات كل طرف. غير أن الحرب في غزة أعادت تقريب المصالح على نحوٍ غير متوقع. فواشنطن ترى في أنقرة فاعلًا قادرًا على ملء الفراغ السياسي في الملفات التي لم تعد إسرائيل قادرة على إدارتها، من التهدئة الميدانية إلى ترتيبات إعادة الإعمار وضبط العلاقة مع حماس. وتركيا بدورها ترى في هذا التقاطع فرصة لاستعادة موقعها كقوة مركزية في العالم الإسلامي، وتوظيف انفتاحها على واشنطن لتوسيع هامش المناورة إزاء روسيا وإيران في سوريا والبحر الأسود والقوقاز. هذا التبادل البراغماتي يُعيد صياغة التحالف لا على أساس الولاء، بل على أساس توزيع الأدوار ضمن منظومة مصالح مرنة.

ورغم الاعتراض الإسرائيلي الصريح على أي دور تركي في غزة، إلا أن موقف واشنطن يعكس إدراكًا متزايدًا لحدود القدرة الإسرائيلية على فرض معادلاتها القديمة. فإسرائيل باتت في موقع الدفاع الاستراتيجي، وتواجه على ما يبدو أزمة ثقة غير مسبوقة مع الإدارة الأميركية. أما تركيا، فرغم الخلافات المزمنة حول قضايا شرق المتوسط، فقد أثبتت خلال العقد الأخير قدرتها على الجمع بين الخطاب الديني العاطفي والسياسة الواقعية، مستفيدة من شبكة علاقاتها الاقتصادية والعسكرية الواسعة. وفي هذا الإطار، يبدو الموقف الأميركي الجديد أقرب إلى “تجريب النموذج التركي” كوسيط مستقر نسبيًا، بدل الرهان الحصري على مصر أو قطر، اللتين أصبحتا أقل تأثيرًا بعد تصاعد حدة الاستقطاب الإقليمي.

كما يجد الاهتمام الأميركي بالدور التركي تفسيره أيضًا في حاجة واشنطن إلى طرف يمتلك شرعية ميدانية في غزة دون أن يكون محسوبًا بالكامل على محور المقاومة. فتركيا، بحكم علاقتها التاريخية بحماس واحتضانها قياداتها السياسية، قادرة على التأثير في الحركة أكثر مما تستطيع القوى العربية الموالية للغرب، لكنها في الوقت نفسه لا تشكل تهديدًا للمصالح الأميركية. هذا الموقع الوسيط يسمح لأنقرة بلعب دور “الناقل الآمن” للتهدئة، ويفتح الباب أمام إعادة النظر في ترتيبات سياسية جديدة لا تفقد واشنطن ورقة الانقسام الفلسطيني وتُفرغ اي مقاومة من مضمونها العسكري من دون مواجهتها علنًا. وهي مقاربة تتناغم تمامًا مع التفكير الاستراتيجي الأميركي الذي يسعى إلى تحويل الصراع من مسار تحرري إلى مسار إداري–أمني يخدم استقرار منظومة السيطرة الغربية في المنطقة.

كما أن الانفتاح الأميركي على تركيا يأتي ضمن تصور أوسع لإعادة توزيع الأدوار الإقليمية بما يخفف الضغط عن واشنطن ويعيد إنتاج شكلٍ جديد من الوكالة السياسية. فالدبلوماسية التركية في السنوات الأخيرة برهنت على براعة في “إدارة التناقضات” بين الأطراف المتنازعة، من وساطتها في الأزمة الأوكرانية إلى أدوارها في ليبيا والقوقاز. وهذه القدرة على المناورة تمنحها شرعية عملية في أي ترتيبات لاحقة لملف غزة. لذلك، حين رعت القاهرة مؤخرًا لقاء ممثلي فتح وحماس، كان الحضور التركي غير المباشر جزءًا من شبكة التنسيق التي ترعاها واشنطن نفسها لتقاسم النفوذ بين حلفائها دون إظهارها كتحالف صريح. فالسياسة الأميركية لم تعد تُدار عبر التحالفات المعلنة بل عبر “إدارة التوازنات المتحركة” التي تُبقي كل طرف محتاجًا إلى الآخر.

غير أن الرهان الأميركي على تركيا لا يخلو من تناقضات. فأنقرة، رغم حاجتها إلى تعزيز موقعها الدولي، لا تستطيع تهميش البعد العاطفي–الرمزي في سياستها تجاه فلسطين، لأن شرعيتها الإقليمية تقوم جزئيًا على هذا الخطاب. كما أن تعقّد العلاقة مع إسرائيل يجعلها غير قادرة على أداء دور الوسيط المحايد بالكامل. ومع ذلك، فإن واشنطن تراهن على براغماتية القيادة التركية وقدرتها على التكيف مع أي توازن جديد إذا ما ضمنت مكاسب اقتصادية واستراتيجية، خصوصًا في ملفات الطاقة وإعادة الإعمار. من هذا المنظور، فإن دعم ترامب المعلن للدور التركي ليس خروجًا عن منطق السياسة الأميركية، بل استمرارًا له في شكل جديد يقوم على “التعاقد الوظيفي” مع القوى الإقليمية القادرة على التنفيذ.

وفي الجوهر، يمكن القول إن واشنطن تسعى إلى إعادة إنتاج نموذج “القوة بالوكالة” الذي اعتمدته منذ نهاية الحرب الباردة، ولكن بصيغة أكثر مرونة وأقل كلفة. فهي تدرك أن صورتها الأخلاقية تآكلت بسبب دعمها المطلق لإسرائيل، وأن أي عملية إعادة إعمار لغزة دون مشاركة تركية أو عربية ذات صدقية ستُعدّ استمرارًا للاحتلال بأدوات جديدة. لذلك تتجه السياسة الأميركية إلى تلطيف حضورها من خلال واجهات إقليمية مقبولة جماهيريًا، مع احتفاظها بالتحكم المالي والسياسي في مجمل العملية.

من جهة أخرى، يوفّر الانخراط التركي فرصة لإعادة ترميم العلاقة المتوترة بين أنقرة وواشنطن بعد أزمة شراء صواريخ “إس-400” الروسية، ويفتح أمام تركيا باب العودة التدريجية إلى محور الغرب دون أن تتخلى كليًا عن استقلالية قرارها الخارجي. وهذا ما يفسّر حماس إدارة ترامب لتصوير التعاون مع تركيا كجزء من “سلام إقليمي جديد” يمنح الولايات المتحدة مظهر الوسيط الإيجابي بدل الراعي المنحاز.

من هنا يتضح أن اهتمام واشنطن بالدور التركي في الشرق الأوسط لا ينفصل عن إعادة تعريف وظيفة الحلفاء في حقبة ما بعد الحرب على غزة. فالولايات المتحدة لم تعد قادرة على إدارة الإقليم مباشرة، لكنها لا تريد تركه لقوى صاعدة كروسيا أو الصين أو إيران. ومن ثمّ فإنها تعيد تشكيل شبكة النفوذ عبر وكلاء إقليميين ذوي هوية مزدوجة: مقبولين جماهيريًا، ومنضبطين سياسيًا. وتركيا، بما تملكه من مؤهلات دبلوماسية واقتصادية وموقع جغرافي، تبدو المرشح الأمثل لهذا الدور، ما دامت تلتزم بالسقف الأميركي ولا تحاول ترجمة نفوذها إلى مشروع موازٍ.

في الخلاصة النهائية يمكن القول ان هذا الخيار الامريكي يفضي إلى الجمع بين ثلاثة أهداف: الحد من انكشاف واشنطن الميداني، احتواء تآكل الردع الإسرائيلي، وتوظيف القوى الإقليمية الصاعدة في تثبيت هندسة أمنية جديدة لا تقوم على السيطرة المباشرة بل على التفاهمات المتغيرة. وفي هذا الإطار، يُمكن اعتبار الانفتاح على أنقرة ليس مجرد خطوة تكتيكية تخص غزة، بل مقدمة لإعادة توزيع السلطة الرمزية والسياسية في الشرق الأوسط. فالدور التركي في هذه الرؤية ليس بديلًا عن إسرائيل أو مصر أو السعودية، بل حلقة في شبكة مركّبة تسعى واشنطن من خلالها إلى إنتاج “نظام ما بعد الهيمنة” الذي يبقيها حاضرة في كل الملفات دون أن تكون مكشوفة في أي منها.
هاني الروسان/ استاذ الجيوبوليتيك والاعلام في جامعة منوبة



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السلام الامريكي للشرق الاوسط في معادلة الصراع على الهيمنة
- بعد مرور عامين على حرب الابادة في غزة: ماذا بقي من النظام ال ...
- اذا رغبت السعودية استطاعت
- الفيتو الامريكي السادس: واقعية القوة واعادة انتاج الهيمنة
- بيان قمة الدوحة: الادانة الشديدة وانعدام الاليات
- قطر بين صدمة الواقع والرهان على الوهم
- صدقية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رهين بحماية السلطة ووقف حر ...
- نفس الاهداف ونفس النتائج: منع تأشيرة الرئيس ابو مازن يعيد لل ...
- اسرائيل ابنة الكذبة لا تستمر في البقاء الا بقتل الحقيقة
- هل يكفي التسويق الكلامي التركي للعب دور اقليمي؟؟
- ضرورات ما بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية
- اسرائيل لن توقف الحرب على غزة التي تدحرجت من انتقامية الى تأ ...
- هل تكون السويداء مخبر القادم؟؟
- سوريا الشرع في اذربيجان قد لا تكون سوريا ما ثبلها .
- التحالفات الروسية بين سردية التخلي والانكفاء الواعي
- لماذا يصر ترامب على تسويق ضرباته لمنشآت ايران النووية على ان ...
- اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي ...
- بين تفادي مواجهة واشنطن وتصعيد الصراع مع إسرائيل: قراءة في ا ...
- الهجوم الاسرائيلي على إيران: استنزاف استراتيجي يهدد استقرار ...
- جريمة -جيت- اخر فصل من فصول الانهيار الأخلاقي للجيش الإسرائي ...


المزيد.....




- من عبدالناصر إلى مرسي والسيسي.. علاء مبارك يشعل تفاعلا بحديث ...
- شاهد.. إسرائيل تتسلم جثمان جندي قُتل في غزة خلال حرب 2014 مع ...
- الحكم بالسجن المؤبد على ممرض ألماني قتل 10 مسنين لتخفيف عبء ...
- ترامب ينتصر في مجلس الشيوخ.. وديمقراطيون يتمرّدون على قيادة ...
- من لوائح الإرهاب إلى البيت الأبيض.. لقاء تاريخي يجمع اليوم ب ...
- البحرينية دعاء العجمي تتوج بلقب سفير الإنسانية والسلام العال ...
- روتو يتحدث للجزيرة عن الاحتجاجات والسلطة وديمقراطية كينيا
- فنزويلا تعتقل مشتبها به في تفجير طائرة بنمية عام 1994
- المبتسم المُحيِّر.. كيف نفهم السياسي الإيراني محمد جواد ظريف ...
- الاتحاد الأفريقي يدعو لتحرك دولي لمواجهة الأزمة بمالي


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - الدور التركي في الترتيبات الامريكية لما بعد الحرب على غزة