أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ادم عربي - شيئان لمْ نتعلّمهما بعد ... أنْ نقول -لا- وأنْ نسأل -لماذا؟-














المزيد.....

شيئان لمْ نتعلّمهما بعد ... أنْ نقول -لا- وأنْ نسأل -لماذا؟-


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8517 - 2025 / 11 / 5 - 18:54
المحور: قضايا ثقافية
    


بقلم : د . ادم عربي

ما الذي يجعل أمةً تتقدّم وأخرى تتأخر؟
ليس غياب الموارد أو ضعف الذكاء، بل غياب أمرين بسيطين في الظاهر، عميقين في الأثر هما القدرة على قول "لا"، والقدرة على طرح الأسئلة.
هاتان الكلمتان القصيرتان في اللفظ، الطويلتان في المعنى تختصران مأزقنا الحضاري، نحن العرب، في التربية والفكر والعلم.

الأمم لا تتقدّم عندما تبالغ في تمجيد نفسها، ولا عندما تبالغ في جلد ذاتها. فكلا الطرفين مرضٌ يعكس غياب الوعي.
نحن بحاجة إلى النقد الذاتي لا إلى جلد الذات، فالتقدّم يبدأ من الاعتراف بأخطائنا، لا من إنكارها أو جلد أنفسنا بسببها.
إنَّ أخطر ما قد نُصاب به هو العمى عن رؤية عيوبنا، لأن من لا يرى ضعفه لا يستطيع أن يتجاوزه.

نحن أمة تقول "نعم" أكثر مما تقول "لا"

كم مرة كان علينا أنْ نقول "لا" ولم نفعل؟
كم مرة خنقنا الكلمة في صدورنا، رغم اقتناعنا بأن قولها كان الصواب؟

نحن في الغالب أمة "نعم"، بالمعنى السلبي. نقولها خجلاً أو خوفاً أو مجاملة، لأننا لم نتعلّم في بيوتنا ومدارسنا كيف نرفض بأدب، أو كيف نتمسّك بما نراه حقاً.

خذ مثالاً بسيطاً:
لو كنت منشغلاً بعمل مهم وجاءك ضيف بلا موعد، هل تستطيع أن تقول له بأدب: "أعتذر، أنا مشغول الآن"؟
أم أنك ستترك كل شيء وتضحّي بوقتك حتى لا تُتَّهم بالوقاحة؟

وماذا لو كنت صاحب عمل وجاءك شخص ذو نفوذ يطلب منك توظيف من لا يستحق؟
هل تستطيع أن تقول له "لا" بوضوح؟
غالباً لا. لأننا لم نتعلّم أنْ نرفض. لقد رُبّينا على الطاعة لا على الموقف، وعلى المجاملة لا على الصراحة.

إنّ التربية التي لا تزرع فينا الجرأة على قول "لا" تخرّج أجيالاً خاضعة، لا قادرة على التغيير.
وتعلّم "لا" لا يعني الرفض الأعمى، بلْ يعني أنْ نعرف متى وكيف نقولها. إنها مهارة أخلاقية قبل أنْ تكون موقفاً شخصياً.


إذا كانت "لا" هي مفتاح الكرامة الشخصية،فهناك أيضاً "لماذا" هي مفتاح التقدّم العقلي.
فالأمم التي لا تسأل لا تعرف، لأنَّ السؤال هو أول الطريق إلى العلم.

السؤال درجات: نبدأ بـ "متى" و"أين" و"كيف"، ونصل إلى القمة عندما نسأل "لماذا".
ومن هذه الكلمة القصيرة وُلدت الفلسفة والاكتشاف والعلم.

كل الناس شاهدوا التفاحة تسقط، لكن نيوتن وحده سأل:
"لماذا تسقط إلى الأسفل وليس إلى الأعلى؟"
ومن هذا السؤال وُلد قانون الجاذبية.

خذ أي حقيقة بديهية اليوم مثل أنَّ الأرض تدور حول الشمس واسأل:
"لماذا الأرض هي التي تدور وليس العكس؟"
هذا هو الفارق بين من يكرّر المعلومة، ومن يكتشفها.

حتى في الصحافة، الخبر وحده لا يكفي.
يجب أنْ نسأل: لماذا حدث؟ ولماذا الآن؟ ولماذا بهذه الطريقة؟
هكذا ننتقل من نقل المعلومة إلى تحليل الواقع.

السؤال هو ما يجعل الصحفي مفكّراً، والعالم مكتشفاً، والمجتمع حيّاً.
أما غيابه فيحوّلنا إلى أمة من المقلّدين، نحفظ الإجابات دون أنْ نفهم الأسئلة.

وهناك مشكلة لا تقل خطورة عن سابقتها وهي أننا نعيش في أمّة الأجوبة الجاهزة.
نملك لكل قضية جواباً مسبقاً، ونظن أنَّ كل ما يكتشفه الآخرون هو في الأصل "اختراع عربي قديم"!
بهذا الوهم، نُغلق باب المعرفة ونُخدّر عقولنا بشعور زائف بالعظمة.

كيف نتقدّم إذا كنا نعتقد أننا نعرف كل شيء؟
وكيف نبتكر إذا كنا نرى في كل جديدٍ "دليلاً" على أننا كنّا أول من عرفه؟

لقد آن الأوان أنْ نكفّ عن عبادة "الإجابات المطلقة"، وأنْ نتحوّل إلى أمة السؤال.
أنْ نملأ عقولنا بشكٍّ إيجابي، كالذي تحدّث عنه ديكارت، ونقتدي بتواضع سقراط حين قال:

"كل ما أعرفه أنني لا أعرف شيئاً."

المعرفة التي تبقى ثابتة رغم تغيّر الزمان والمكان ليست علماً، بلْ جموداً.
العلم هو تحديد وتخصيص وسؤال دائم.

فلنتعلّم أنْ نقول "لا" عندما يجب أنْ نرفض،
وأنْ نسأل "لماذا" عندما يُطلب منا أنْ نسكت.

بهاتين الكلمتين، يبدأ طريق النهضة الحقيقي.

ليست الحضارة أبراجاً تُبنى ولا شعاراتٍ تُرفع، بلْ هي طريقة في التفكير والسلوك.
وحين تعلّم الأمة أبناءها أنْ يقولوا "لا" للخطأ، وأنْ يسألوا "لماذا" عن كل ما يُفرض عليهم،
فإنها تكون قد وضعت أول حجر في بناء نهضتها الحقيقية.

إنّ الأمم لا تنهض بالتصفيق للحاكم، ولا بتكرار ما قاله الأجداد،
بلْ بطفلٍ صغيرٍ يرفع يده في الصفّ ويسأل: "لماذا؟"،
وبرجلٍ راشدٍ يجرؤ أنْ يقول: "لا" حين يكون الجميع صامتين.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الضرورة والصدفة جدلياً!
- البيروقراطية وشرورها!
- المال هو الإله الحقيقي للعصر الحديث!
- الدولة ومدنيتها!
- هل الرأسمالية مثالاً يُحتذى به؟
- مراثي النسيان!
- إرث الاشتراكية: قراءة في مرحلة ما بعد الانهيار!
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (5) والأخير
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (4)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (3)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (2)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية(1)
- طريقة فهم المنهج الجدلي!
- على شاطئ السماء!
- ديموقراطية طوباوية!
- ميكانيكا الكم والجدل الماركسي!
- سوسيولوجيا -الآلة-
- حرية التعبير.. حق أم وهم؟
- متى ينقشع ضباب التدين عن صراعنا الواقعي؟
- الوطن ليس قطعة أرض فحسب،بل فكرة تتبدل!


المزيد.....




- ممداني يرد على انتقاد خطاب حملته بشأن غزة: -آخذ معاداة السام ...
- ممداني يحقق فوزاً لافتاً، لكن ما التحديات الحقيقية التي تنتظ ...
- كيف تخبرنا فضلات الأطفال حديثي الولادة عن صحتهم في المستقبل؟ ...
- بعد تصريحات ترامب.. بوتين: روسيا ستفكر في استئناف التجارب ال ...
- سوريا: إسرائيل تجدد توغلها في بلدة جباتا الخشب بريف القنيطرة ...
- مشاركة عزاء للرفيق الدكتور خلدون الجعافرة بوفاة والدته
- من الشفرات إلى البطارية.. دليلك لاختيار ماكينة الحلاقة الرجا ...
- هل يعني إعلان الحكومة السودانية للتعبئة رفضها للهدنة الإنسان ...
- كيف يؤثر سقوط الفاشر على مستقبل الحرب في السودان؟
- تسلُّم جثامين 15 أسيرا فلسطينيا من الاحتلال الإسرائيلي


المزيد.....

- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - ادم عربي - شيئان لمْ نتعلّمهما بعد ... أنْ نقول -لا- وأنْ نسأل -لماذا؟-