أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - المال هو الإله الحقيقي للعصر الحديث!














المزيد.....

المال هو الإله الحقيقي للعصر الحديث!


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 20:12
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


بقلم : د ادم عربي

لم يعد المال مجرد وسيلة لتيسير الحياة، بلْ أصبح الإله الحقيقي للحياة الدنيا، المعشوق الأكبر الذي يخضع له البشر في كل زمان، وبشكل خاص في زمننا هذا. وإنْ وجد استثناء هنا أو هناك، فهو لا ينفي القاعدة بلْ يؤكدها. حتى المتدينون، مهما أخلصوا لعقائدهم، لا يستطيعون التخلص من سحر المال؛ غايتهم فقط أنْ يوفّقوا بين الدين والدنيا، وأنْ يبرروا حبهم له بما يسمونه التمييز بين الحلال والحرام في جمعه وإنفاقه.

رغم أنَّ الورقة النقدية لا تحمل في ذاتها أي قيمة اقتصادية حقيقية، فإنها تمثل وعداً رسمياً بالقدرة على تملّك ما يقابلها من بضائع وخدمات. إنها رمز لـلحق في التملك، ولذلك اكتسبت قوة سحرية، لأنها تفتح أمام صاحبها أبواب كل شيء. في عالم التسلع الكامل، لا شيء يعجز المال عن شرائه. إنه القوة الشاملة التي تحكم البشر، حتى أنَّ مَنْ يعجز عن الحصول بها على ما يريد يلجأ إلى القوة والقمع والإرهاب ليأخذ ما لم ينله بالمال.

لقد سحر المال الناس حتى صار صنماً يُعبد. كثيرون يعيشون عمرهم في جمعه وتكديسه دون أنْ يستمتعوا به، يخافون إنفاقه كما يخاف المؤمنون من الخطيئة، ويتحدثون عن اليوم الأسود الذي لا يريدون أنْ يفاجئهم وقد نقصت خزائنهم. لذّتهم المطلقة في الجمع، وأَلمهم الشديد في الإنفاق.

ومع تزايد المال، يتسع التسلع إذْ يتحول ما هو غير قابل للبيع إلى سلعة تُقاس بالمال. وكلما توسعت السوق، اشتدت الحاجة إلى مزيد من المال، في دائرة لا تنتهي.

أما أباطرة الاستثمار، فبينما يعيش الملايين في عالم تحكمه قوانين الجوع، تُخترع لهم حاجات تافهة فقط لامتصاص فوائضهم المالية. تُخلق الأسواق لخدمتهم، وتُنتج السلع خصيصاً لهم، لأنَّ النظام لا يحتمل أنْ تبقى ثرواتهم راكدة.

ولكي يهدئ هؤلاء ضمائرهم، يوزعون فتات موائدهم على الفقراء، فيمارسون الإحسان والبر لا حباً بالعدالة، بل حباً براحة الضمير. وهكذا يصبح الفقر في نظرهم داءً يعالج بالصدقة، لا بالبنية الاقتصادية التي أنتجته.

أغلب الأثرياء يرون ثرواتهم مشروعة ونظيفة ، سواء جمعوها بأنفسهم أو ورثوها عن آبائهم. وهم على يقين أنَّ العدالة ما هي إلّا ما يتفق مع مصالحهم. الدجاجة التي تبيض لهم ذهباً ليست في نظرهم سرقة، بلْ مشروع استثماري ناجح.

إنسانيتهم أيضاً مشوهة؛ تراها أوضح في رفقهم بالحيوان منها في تعاملهم مع الإنسان. فكثير منهم ينفق على كلب منزلي أكثر مما تنفق عائلات بأكملها على معيشتها.

لم يعد المال زينة الأفراد فحسب، بلْ زينة الحياة السياسية نفسها. فالوصول إلى المال أصبح الغاية الخفية لكل من يدخل الخدمة العامة. والمبدأ الذي يسود هو الغاية تبرر الوسيلة ؛ والمهم ألا تُفتضح السرقة، لا أنْ تُمنع.

أما المال العام، فيُنظر إليه باعتباره مالاً بلا صاحب، يحق لكل نافذ أنْ يقتطع منه نصيبه. وهكذا يتحول الصراع السياسي إلى صراع على الغنيمة. تُطلق الحملات ضد الفساد، لا للقضاء عليه، بلْ لإعادة اقتسامه. لذلك لا تضعف أنظمة الفساد، بلْ تزداد قوة بعد كلِّ حملة تطهير!

المال السياسي هو أقبح صور المال، لأنه يشتري الضمائر والعقول. يُستخدم لتأليف القلوب وشراء الولاءات ، الناخب بصوته، الصحافي بقلمه، القاضي بعدالته، رجل الدين بفتواه، الفنان بفنه. إنه المال الذي يُفسد كلَّ القيم حين يجعل البشر أنفسهم سلعة في سوق السياسة.

ولأنَّ الفساد أصبح نمط حياة، انقسم المجتمع إلى فئتين ، من فسد وأفسد، ومن ينتظر دوره في الفساد! أما مَنْ يرفض أنْ يُشترى فيُهدد، يُرغم، أو يُقمع، حتى يخضع أو يصمت.

ذلك المال الشيطاني يجد غطاءه في المال الخيّر، الصدقات والتبرعات والإحسان. لكن هذه السياسة ليست علاجاً للفقر، بلْ وسيلة لتكريسه. فهي تُشبع الجائع اليوم ليجوع غداً، وتُبقي الفقراء في أماكنهم لأنَّ شروط فقرهم الاقتصادية والاجتماعية لم تتغير.

إنَّ الإحسان في جوهره أنانية متخفّية في ثوب الرحمة؛ لأنه يريح ضمير الغني دون أنْ يغيّر واقع الفقير. وكرم الأثرياء في الحقيقة أقرب إلى البخل، لأنَّ المقياس ليس في مقدار ما يعطون، بلْ في نسبته إلى ما يملكون. فكم من فقير أعطى القليل وكان أكرم من غني أنفق الكثير!

ومن السذاجة أنْ نصدق أنَّ ثراءهم ثمرة عمل أو ذكاء. فلو كان العمل طريق الثراء، لما وُجد فقراء يعملون وأثرياء لا يعملون. ولو كان الذكاء هو المعيار، لكانت الأغلبية الذكية من الفقراء ، فأكثر الناس ذكاءاً هم الفقراء !

بلْ إنَّ التاريخ الاقتصادي نفسه تجاوز الحاجة إلى الأثرياء، إذْ انفصلت الملكية عن الإدارة. أصحاب الثروة الكبرى يملكون ولا يديرون، تماماً كما تملك الملكة ولا تحكم.

يبقى السؤال الجوهري هو كيف يمكن للمجتمع أنْ يستغني عن ملكية الأثرياء لوسائل الإنتاج دون أنْ يتراجع التطور الاقتصادي، بلْ أنْ يرتفع منسوبه؟ الجواب لا يكمن في الشعار، بلْ في التفكير العملي الواقعي. يجب البحث عن صيغ جديدة تحقق التوازن بين الاستغناء عن الملكية الخاصة الكبرى، والحفاظ على مكتسبات التقدم الاقتصادي وتطويرها.

وربما يكون الحل في براغماتية تاريخية جديدة في هذه المقاربة ، أثرياء يحتفظون بحق الانتفاع بثرواتهم، لا بحق تملكها. عندها فقط يمكن للمال أن يعود إلى مكانه الطبيعي ، خادمٌ للإنسان، لا إله يُعبد.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدولة ومدنيتها!
- هل الرأسمالية مثالاً يُحتذى به؟
- مراثي النسيان!
- إرث الاشتراكية: قراءة في مرحلة ما بعد الانهيار!
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (5) والأخير
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (4)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (3)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية (2)
- في ثورة أكتوبر الاشتراكية(1)
- طريقة فهم المنهج الجدلي!
- على شاطئ السماء!
- ديموقراطية طوباوية!
- ميكانيكا الكم والجدل الماركسي!
- سوسيولوجيا -الآلة-
- حرية التعبير.. حق أم وهم؟
- متى ينقشع ضباب التدين عن صراعنا الواقعي؟
- الوطن ليس قطعة أرض فحسب،بل فكرة تتبدل!
- مقال قديم لاينشتاين!
- في الإرادة!
- الحياةُ هي أيضاً فلسفة!


المزيد.....




- الكشف عن قيمة المسروقات من متحف اللوفر
- -مسار الأحداث- يناقش أسباب زيارة دي فانس وكوشنر وويتكوف لإسر ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. إسرائيل تفحص جثتي أسيرين وحماس تؤكد ...
- البرلمان التركي يقر تمديد إرسال قوات إلى العراق وسوريا
- فرنسا تعلن قيمة -كنوز اللوفر- المسروقة.. وتوجه تحذيرا إلى ال ...
- ترامب عن لقاء بوتين: -لا أريد أن أضيع وقتي-
- نتنياهو يُقيل تساحي هنغبي: خلافات غزة والرهائن تُطيح بمستشا ...
- كيف وجد الرئيس ساركوزي نفسه وراء القضبان، ومن هو الملياردير ...
- بين شهادة المرحوم مصطفى البراهمة و مسلسل “حين يرونا”: خاطرة ...
- شاهد..برشلونة يحقق مكاسب بالجملة بعد الفوز على أولمبياكوس


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ادم عربي - المال هو الإله الحقيقي للعصر الحديث!