|
|
القاص الرائد ذنون أيوب/ قبل عام 1954 في قصة من وحي الانتخابات عنوانها ((رشوة))
سالم روضان الموسوي
الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 21:02
المحور:
الفساد الإداري والمالي
القاص الرائد ذنون أيوب/ قبل عام 1954 في قصة من وحي الانتخابات عنوانها ((رشوة)) وصلتني هدية ثمينة من إدارة مجلة الثقافة الجديدة العدد الرابع الصادر عام 1958 الذي صدر بعد أيام قليلة من ثورة 14 تموز، ووجدت فيها قصة للأديب والقاص العراقي المرحوم ذنون أيوب عنوانها(رشوة) وكتب عنوانها وفي الصفحة 110 بانها قصة من وحي الانتخابات، ومن المؤكد انها كتبت في ظل الحكم الملكي لان العدد كان معد للتوزيع وتم طبعه عام 1954، الا ان الظروف السائدة آنذاك منعته من الصدور حتى سنحت الفرصة بعد ثورة 14 تموز، وهذا ما ورد في مقدمة العدد التي كتبت بقلم رئيس التحرير المرحوم الدكتور صلاح خالص، وكانت المقدمة وكأنها تستشرف ما نحن عليه الان، او انها تقرير لواقع كان سائد وان القدر أعاد انتاجه لنا بصورة مطابقة له تماما، وجاء في المقدمة ما يرسم هذا الواقع وانقل بعض منها فيقول (نجد مقاليد الحكم في أيدى طغمة كريهة، لا تعنى بغير الدفاع عن مصالحها والتشبث بامتيازاتها وتوسيع ثرائها على حساب الاكثرية الساحقة من أبناء الشعب؛ نری هذه الاكثرية لا تملك من أمرها شيئا، ولا تتصرف بمصيرها الا بقدر ما يسمح لها به حكامها المفسدون؛ فلها الحق في أن تتألم وتشقى وتقاسي صنوف العذاب، على أن لا تجهر بالشكوى ولا تتبرم، على ان لا تمتعض ولا تحتج، بل وعلى ان ترقص طربا وتسبح بحمد حكامها الجشعين وشكرهم ، وتدعو لهم بطول البقاء وحسن الجزاء)، ثم يسترسل فيقول (أما الألسن الحرة، أما الصحف الشريفة، أما وسائل التعبير المخلصة الصادقة التي تظهر الفكر العراقي المتطور على حقيقته دون مسخ او تشويه ، فقد كتمت أنفاسها وسدت امامها السبل ووضعت دونها الحدود والقيود ووجهت اليها أشد الطعنات وأقوى الضربات، وشمخ الطغاة بأنوفهم وصعروا خدودهم وظنوا أنهم قضوا على الفكر العراقي ووأدوه ، فاطمأنوا الى وريقاتهم الصفراء واغدقوا عليها المال وبذلوا ما بذلوا لإتقان طباعتها وتزويق صفحاتها، ظانين انهم قد بلغوا الاوج ونالوا المرام) ثم يشير الكاتب الى النتيجة الحتمية فيقول (ولكن الفكر العراقي لم يمت ، كما لم يستطع شكل المجتمع المزيف أن يفرض نفسه على مضمونه المتطور، وان يصوغه بالشكل الذي ينسجم معه؛ بل انه سرعان ما تحطم و تناثرت اجزاؤه تحت تأثير التنامي المطرد في محتوى المجتمع العراقي الاقتصادي والاجتماعي والفكري ، واذا بالمجتمع العراقي يأخذ الشكل الطبيعي الذي ينسجم مع تكوينه وتركيبه) ثم يضيف المرحوم صلاح خالص بان هؤلاء الحكام الطغاة وخلال سنوات حكمهم حاولوا ارغام انوف الاحرار ويقول (لم يترك فيها الخونة سلاحا الا شهروه، ولا طريقا للشر الا سلكوه، ولا وسيلة من وسائل الاضطهاد والتنكيل الا استعملوها ثم أغمضوا عيونهم وخيل لهم أن الرقاب قد انحنت أمام جبروتهم وأن الظهور قد التوت تحت سياطهم، وأن الركب تخاذلت من ضرباتهم، فاستهتروا ما شاء لهم الاستهتار وملأوا الارض فسقا وفجورا ولصوصية وظلما) ويسرد لنا النتيجة التي آل اليها مصيرهم فيقول (بينما هم سادرون في احلامهم واذا بالشعب الجبار ينتفض واذا بالقيود تتداعى من انتفاضته الرهيبة واذا ببنائهم الذي تخيلوه شامخا متينا يتداعى بضربة من ضربات هذا العملاق الجبار وينتثر كالهشيم، أو كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف، واذا بالحرية تسحق الاستعباد، واذا بالحق يطارد الباطل، واذا بالخير يهزم الشر، واذا بالعدالة تعصف بالظلم، واذا بالفجر يبزغ فتتداعى امامه الظلمات وينكشف طريق المستقبل منيرا براقا امام الشعب) وعند الربط بين هذه المقدمة والمواد التي احتواها هذا العدد من المجلة، ومنها هذه القصة المعبرة عن واقع كان فيما مضى ثم ظهر مجددا في وقتنا الراهن، نجد إنها عبرت عن صورة تكاد تتطابق أسبابها ونتيجتها بينهما، ولأننا في أجواء الانتخابات البرلمانية وددت ان اعيد نشرها ليطلع عليها القراء ممن لم يتسنى لهم الحصول على المجلة، مع أني تصرفت قليلاً جداً عندما استبدلت اسم جهة أشار اليها القاص بحرف رمزي حتى لا يفسر على انه من باب الترويج لجهة على حساب أخرى في ظل بازار الانتخابات الحالي سالم روضان الموسوي قاضٍ متقاعد
قصة عراقية/ من وحي الانتخابات ((رشوة)) بقلم: ذنون أيوب ارسلت النجوم خيوطا واهية من النور وسط الزقاق الضيق والقى القمر بقعا بيضاء على أعلى الجدران السامقة. وكانت الجدران غير المنسقة قد اعطت بطونا كادت تتلامس، ومالت رؤوسها حتى لتكاد أن تتناطح ، وكانت تتعالى بين الفينة والفينة أصوات خفق نعال، سار ، يرن صداها في ذلك الزقاق المقفر . وكانت « قنطرة الجان » قد فغرت فاها في منتهى الزقاق كزحاف خرافى يلتهم السابلة التهاما في جوفه المظلم المكرب وانشق باب واطىء، عن رجل هرم، وكان لانشقاقه صوت صدى أجش ، جوابا على طرق ملح على صفحة ذلك الباب المتداعى ، ونظر الساكن الذى انسل من الباب الى الطارق بعينين كليلتين فأبصر عملاقا لم يترك الظلام مجالا لتبين قسمات وجهه ، ولكن العقال والعباءة والقنباز تحتهما كانت تدل على الوجاهة والنعمة، وتنحنح العملاق وبادأ بالسلام فأجاب الشيخ المتهدم ، وعليكم السلام ورحمة الله » . وعلاصوت العملاق «احوالك يا عم حسينو ، ارجو أن تكون بخير . الاحوال صعبة في هذه الايام » ! الرزق بيد الله يا اخي» وكان دماغ حسينو قد بدأ يعمل بنشاط محاولا استطلاع كنه الرجل وتبين مقصده. لا ريب أنه يعرفه، ولكن لعنة الله على الظلام، وعلى عينيه الكليلتين . انهما لا تسعفانه، الصوت غير غريب عليه، أهو رزق ساقه الله اليه جوابا على دعائه بعد صلاة الافطار ؟ فليمض بالحديث خطوة أخرى لعل الامر يزداد وضوحا هكذا ترى يا أخي شوارع الفقراء مظلمة كالقبور. ان مخصصات البلدية تصرف على العناية بشوارع الاغنياء، وانت تعلم ان هؤلاء يستطيعون التملص من الضرائب بسهولة لا نعرفها نحن العوام ، . (ستتحسن أحوالكم يا عم حسينو اذا ما انتخبتم نوابا يقضون لكم مصالحكم ، اذا كان لهم عند البلدية نفوذ وجاه) ولمع شيء في ذهن حسينو الكليل، وقال في نفسه « لقد أمسكت رأس الخيط . داعية للانتخاب ۰۰۰۰۰ ولكن ترى الى أي فريق يدعو ان البلد قسمان قسم من الوجهاء أصحاب النفوذ الذين تسندهم السلطات المحلية، والآخرون مع الافندية المتهمين بال (ش) الذين يهدد مخاتير المحلات من ينتخبهم بالسجن ويتوعدونهم بغضب الحكومة. و انفرج فمه الادرد عن ابتسامة وقال «لا حديث للناس الا الانتخابات لقد ماج الناس في المقهى اليوم ، وكلهم يدعون الى انتخاب النواب الذين يسمونهم نواب الشعب . لقد رمى شاب ورقة في بيتي اليوم ، فيها أسماء مرشحي الشعب . لقد قرأها علاوى جارى وافهمني ان احوالنا لا تتحسن اذا لم ننتخب من يدافع عن مصالحنا، ويغار على مصالح البلد» «ماذا؟ عم حسينو احذر دعاة السوء. ان هؤلاء ال (ش) هدامون كذابون، وعدا ذلك فأنت رجل فقير على باب الله، ما انت وهؤلاء. اظنك لم تعرفني؟ أنا حامد. أنت شيخ محنك فكيف تنطلي عليك مثل هذه الدعايات»؟ ودب نشاط في جسم الشيخ حسينو وبرقت عيناه . حامد ، أجل كيف لا يعرف حامداً ٠٠٠ ما أعظم مشيئة الله . حامد يطرق بابه ليلاً راجياً تأييد قريبه المرشح. واعتدل الظهر المتقوس وأطبق الفكان وضح الامر. جاء الوجيه الأبي الى باب الفقير يطلب منه حاجة، يريد منه أن ينتخب سعدوناً أبا على الذى لا ينسى قط کیف مر به يوما منتشياً ورآه يهين صديقه فليح بصفعة على قفاه مداعباً وكيف أخذ يسخر منه وسط صغار الحمالين في السوق ... ان هؤلاء الافندية (ش) لا يتسلون بالسخرية بالناس على الاقل، لا في أيام الانتخابات ولا في بقية أيام السنة ... أترى سعدون أحسن من هؤلاء حقاً؟ واشتد صوته «لقد تجشمت مشقة كبيرة في القدوم الى حينا الحقير، وطرق بابي الهرم مثلي. كان الأحرى بجاهك أن تقابلني نهارا.» وصقع الرجل بتلك اللهجة القوية المتتالية، ولعن قريبه ساعة طلب منه أن يدور على سكان الحي من الفقراء ليشتري اصواتهم ولم يكتم غضبه بل انفجر يقول « ليس لهذا أتيت فقط ، ان سعدونا يوزع الصدقات في رمضان كما تعلم وقد جئت بحصتك، فأنت شديد الحاجة اليها كما تعلم هذه حصتك أبو العشرة » وقرقعت الورقة من فئة عشرة الدنانير في يده، واتاه الجواب دون أن تمتد يد لتلاقي يده حصتي كبيرة اذا يا حامد، والسبب هو انى أتمتع بسمعة بين أبناء المحلة. انهم يثقون بي، يلبون ما ادعوا اليه اليس كذلك؟ » « حسينو ذكي كما عهدته تفضل خذ العشرة ، والايام بيننا . » اسمع یا سید حامد اتعلم ان دخلي اليوم كان درهما واحدا فقط ؟ وانني قد افطرت مع امرأتي على خبز وبصل وماء وبضعة خيارات ؟ وانى لا اذوق اللحم فى الشهر أكثر من مرة ؟ أعلم كل ذلك واعلم فوق ذلك بأن حسينو الذي يهين اصدقاءه السكيرين من الوجهاء بصفعهم على قفاهم لا يبيع صوته بدراهم كما يشترى الوجهاء والاشراف هذه الاصوات . ضع دراهمك في جيبك وقل لابن عمك سعدون ان ضمائر الناس لا تشترى بالدراهم. » وقرقع صوت الرجل العملاق ضاحكا «حسينو تعلم الخطابة من (ش). سترجع الى عقلك عندما يسوقك الشرطة الى المركز بالجلاليق» وومضت عينا حسينو غضباً، وابرقت فكرة في رأسه، فصاح بأعلى صوته « جنابك جاي ترشوني لأخذ صوتي . وفوق ذلك تهددني. يا ناس. يا أهل المحلة. ما هم هؤلاء الذين يدعون الوجاهة لا يكتفون بإزعاجنا ليلا بل يريدون اذلالنا بدراهمهم فاذا ما أبينا أهانونا» وانشقت تلك الجدر عن أناس كالجان، وكأنهم خرجوا من الجدران بسحر ساحر، وكثر اللغط واعتلى حسينو دكة في الطريق ومضى يتكلم، واتاه علاوي ابن جاره الطالب بفانوس. وشعر حسينو بأنه سينتقم لمذلة عمر بكامله. لقد أدرك أنه انسان ذو قيمة، وأنه يعرف السياسة، وان له صوتا وتطاولت قامته، وارتفع صدره وانهالت الكلمات من فيه، وكانت وجوه جيرانه تنظر اليه واجمة ذاهلة. وما عرف ما قال، ولم يصح الا على صوت هتاف علاوي وتصفيق جيرانه وسمعوا صافرة الديدبان، فتسللوا إلى بيوتهم وهم يلغطون ، واطبقت الجدران مرجعة السكينة والخنوع اليها ، بادية في التواءاتها وانكساراتها وفى جوها المظلم الخافت الكتيب ، وما كان ثمة من يعرف ما تحويه من قوة لا تغلب الا ذلك الراشي الذى هرول هارباً خوفا من تألب جمهور الصعاليك عليه ، وهو يردد في نفسه «لعنة الله على النيابة التي يتحكم بها وبنتائجها أمثال هؤلاء الصعاليك الملاعين»
#سالم_روضان_الموسوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عندما تسهم الدولة بسرقة اموالها
-
زعماء السلطة المستبدون وحواشيهم التابعين والخانعين (الطاهر ب
...
-
الا تعد الأموال المتحصلة بالكسب غير المشروع سوء سلوك؟ قراءة
...
-
هل يجوز توجيه النقد الى القضاء؟
-
التخارج بين العوز التشريعي والاجتهاد القضائي المتباين ـ دراس
...
-
ضحايا احتجاجات تشرين، أرواح منسية وجناة طلقاء
-
أحسنوا اختيار رئيس الجمهورية لتضمنوا تكليف الأنسب لمنصب رئيس
...
-
تمنح الامتيازات لأصحاب المناصب لضمان عدم انحرافهم، عذرٌ تسبب
...
-
النزاهة جوهر المقاومة الشهيد نصرالله انموذجاً
-
اثبات الوصية التمليكية بين قواعد الاثبات في النصوص القانونية
...
-
هل قيدت او عطلت مدونة الاحكام الشرعية صلاحية محكمة التمييز ا
...
-
قراءة في قرار المحكمة الاتحادية العليا حول مركز التسوية والت
...
-
حوار قضائي بنكهة فقهية ، قراءة في تعقيب الزميل فضيلة القاضي
...
-
قانون تعديل قانون الأحوال الشخصية لا يسري على الوقائع السابق
...
-
هل يجوز ان تنفذ الاحكام القضائية جبرا بواسطة الدائن؟ تسليم ا
...
-
انعدام التسبيب في قرار المحكمين يكون سببا لنقضه، قراءة في ضو
...
-
ثعلب الشاعر احمد شوقي في فترة الانتخابات
-
المركز القانوني مدونة الاحكام الشرعية للفقه الجعفري والاثر ا
...
-
هل رجعت المحكمة الاتحادية العليا الى فكرة سلب المبادرة التشر
...
-
معيار التفريق بين الكسب المشروع وغير المشروع عند أصحاب النفو
...
المزيد.....
-
بالنص والفيديو.. شريهان تستعيد مشاركتها التاريخية في احتفالي
...
-
مصدر يوضح لـCNN تفاصيل مساعي إدارة ترامب للدفع بقرار أُممي ب
...
-
ميرتس: لا أساس قانوني لبقاء السوريين وأدعوهم للعودة لإعادة إ
...
-
رونالدو يعلن اقتراب اعتزاله ويستعد للفصل الأخير من مسيرته
-
ماكرون يعلن إطلاق سراح فرنسيين كانا محتجزين في إيران منذ عام
...
-
غوتيريش: مجلس الأمن مرجعية أي كيان ينشأ لغزة وحان وقت السلام
...
-
وفاة ديك تشيني أحد أبرز مهندسي غزو العراق عن 84 عاما
-
بدء محاكمة لافارج الفرنسية بتهمة -تمويل الإرهاب- في سوريا
-
صحف عالمية: تقارير تكشف جرائم الدعم السريع بالفاشر ودعوات لت
...
-
للحد من الاحتباس الحراري.. ماسك يخطط لـ-حجب الشمس-
المزيد.....
-
The Political Economy of Corruption in Iran
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|