أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل














المزيد.....

يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل


محمد علي محيي الدين
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8516 - 2025 / 11 / 4 - 14:58
المحور: سيرة ذاتية
    


في دروب الحلة العتيقة، حيث يتعانق الطين مع ضوء الفجر، ويمشي النخل شاهقًا كأنه يحرس القصيدة، ولد يحيى حسن حسين الربيعي عام 1946 في محلة الطاق، وتفتّح وعيه على إيقاع جبران والرصافي والسيّاب، لكنه اختار منذ البدء طريقًا لا يعبده المجاز، بل تعبّده الرؤيا، وتظلّله نخلة حزينة تسمى العراق.
لم يكن يحيى شاعرًا طارئًا في زمن الشعر، بل كان ابنًا شرعيًا لمدرسة غنية بالعنفوان والموقف، فدراسته للأدب في جامعة بغداد أواخر الستينيات، التي كانت آنذاك ميدانًا للفكر والتجريب، مكّنته من التماس المباشر مع أساتذة كبار، مثل >ز عبد الرزاق محيي الدين، شفيق الكمالي، ومدني صالح، وأحمد مطلوب، فغُذّي بحبر الكلاسيك والحداثة معًا. وعلى مقاعد الدرس، كان زملاؤه شعراء المستقبل، ومنهم جبار الكواز، وعائد خصباك، وموفق أبو خمرة، فأصبحت قاعة الدرس بحدّ ذاتها صالونًا أدبيًا فريدًا، يتنفس القصيدة، ويشتبك مع قضايا الأمة.
الصحفي الذي عشق القصيدة
قبل دخوله كلية الآداب، قصد القاهرة، وفيها نال دبلومًا في الصحافة من المعهد الدولي، وركّز دراسته في السياسة الدولية، وكأنّه منذ البداية يريد أن يجعل من الشعر مرآةً للأحداث، ومن القصيدة سلاحًا للموقف، لا ملاذًا للعزلة. وقد عرف في هذه الفترة بانخراطه المبكر في الحياة السياسية، حيث انتمى للفكر القومي الناصري، وكان لالتزامه أثر كبير في مسيرته الأدبية والمهنية، إذ تعرّض للاعتقال أكثر من مرة بسبب مواقفه التي لم تكن تُساوم، ولا تُوارب.
لم تكن القصيدة لدى الربيعي مساحة ترف جمالي، بل كانت أرضًا للصراع، ومنبرًا للحق. وقد حمل هموم وطنه مثلما يحمل العاشق وردة محترقة، لا تنطفئ مهما اشتدت العواصف. كتب عن العراق، لا بوصفه جغرافيا، بل بوصفه كائنًا حيًا يُجلد ويُهان ويُقاوم ويُغنّى.
إشراقات شاعر منفي
لعل أبرز ملامح تجربة يحيى الربيعي الشعرية تتجلى في سلسلته الشعرية الفريدة التي عنونها بـ"الإشراقات"، وهو عنوان ليس عابرًا، بل مكثفٌ لرؤيته في الكتابة والحياة. ففي:
*"إشراقات بابلية" (2006)، عاد إلى الحلة روحًا وتاريخًا، واستنطق ماضيها ليعيد للحاضر جذوره.
*وفي "إشراقات الدينونة" (2007)، حمل لغة النبوءة، مستلهمًا التوراة والقرآن والآلام الإنسانية، في شعرية تقف عند تخوم القيامة.
*أما في "إشراقات عراق الأزل" (2008)، فقد كتب نشيدًا طويلًا لوطن ينزف، ووطن لا يموت، محمّلاً القصيدة بنَفَسٍ ملحمي حزين.
*وفي "إشراقات شجرة المنتهى" (2008)، بلغت صوفيته ذروتها، حيث اختلط المأساوي بالروحي، والسياسي بالميتافيزيقي، فكانت قصائده كمن يُصلي على أطلال وطن، وفي قلبه قبس من رجاء.
منفى الجسد وحضور الروح
في السنوات الأخيرة من حياته، رحل يحيى إلى جورجيا، بلد ناءٍ لا يجيد لغة روحه، لكنه اختاره مرغمًا، كما يختار الشاعر منفاه حين تضيق عليه اللغة، ويضيق به الوطن. وهناك أسلم الروح عام 2019، ودفن بعيدًا عن نخيله ونهره وأزقته. لكن جسده الغريب لم يمنع روحه من الحضور. فقد أقام اتحاد أدباء وكتاب بابل أمسية استذكارية له، استعاد فيها أصدقاؤه سيرته، وقرأوا نصوصه، وتحدثوا عن مكانته بين شعراء العراق.
قال عنه أحد النقاد في تلك الأمسية: "كان يكتب بقلب سياسي ولسان صوفي، ويُسكب الوطن في قصائده كما يُسكب الحزن في كؤوس الزاهدين." وقال آخر: "يحيى الربيعي من أولئك الشعراء الذين لا تعنيهم الحداثة شكلاً، بل تعنيهم جوهرًا، فكان يعجن رموزه بالدم والملح والتراب."
مكانته بين الشعراء
لم يكن الربيعي شاعرًا يبحث عن صدارة أو يركض خلف الجوائز، بل ظلّ طيلة حياته وفيًا لقصيدته كما هو وفيٌّ لمبادئه. لذا حظي باحترام كبير من مجايليه، الذين رأوا فيه شاعرًا مختلفًا، لا يكرر أحدًا، ولا يتبع مدرسة، بل يشكّل عالمه الشعري الخاص، حيث تلتقي "البابلية" بالحلم القومي، وتتمازج الغنائية العذبة بالرؤية النقدية المريرة.
وقد كتب بعض النقاد عنه بأنه "من الشعراء القلائل الذين حافظوا على حرارة الانتماء دون أن يضحّوا برهافة الشعر."، فيما شبّهه آخرون بـ"سادن الحزن العراقي"، لما في شعره من صدق عاطفي ونبرة وداع لا تنتهي.
إشراقات لم تُطفأ
يحيى الربيعي لم يمت في جورجيا، بل وُلد هناك مرة أخرى، بوصفه شاعر المنتهى، الذي حمل صوته حتى آخر الجغرافيا، ودفن جسده ليبقى صوته. كان يكتب كما يصلّي، ويهتف كما يبكي، وفي كل قصيدة له ظلٌّ من وطن، ودمعةٌ من نخلة، ودمٌ من شهيد.
لقد ترك لنا ديوانًا من الحنين، ودفترًا من النبوءة، وصوتًا لا يزال يردد في المنفى:
"يا عراق، إن متُّ في المنفى... فاحملوني إليك... ولو على أجنحة القصيدة."



#محمد_علي_محيي_الدين (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- محمد حسين حبيب صوت نقدي بصري يُضيء المسرح العربي
- بابل تنتخب مجلس إدارة اتحاد أدباء بابل عرس ثقافي باسم ناجح ا ...
- علي شاهين الشاعر الذي غرس صوته في شجرة المعنى
- كامل حسين المقيم على حافة الجمال
- مرثية جيلٍ ومدينة قراءة في قصيدة -بغداد- لحسين نهابة
- سناء الأعرجي القصيدة التي مشت على ضفاف الفرات
- الفنان سمير يوسف بابل تمدّ يدها إلى اللون
- موفّق محمد الناي الصادح بالحقيقة
- هلال الشيخ علي حين تهمس القصيدةُ باسم الأرض
- سلام القريني القاص الذي كتب بالمجهر أدبًا، ونفخ من روحه في ا ...
- علي بيعي سادن القصيدة الشعبية الحديثة وظلالها الحزينة
- علي لفتة سعيد الشاعر الذي لا يغادر شعبه، والرائي الذي يسكنه ...
- سعد جاسم: بين الغربة والقافية — رحّالةٌ في الشعر والحلم
- صادق باقر.. شاعر يسكنه القلق وتضيئه الكلمات
- علي الطائي بين مشرط الطب ومبضع القصيدة
- زهير المطيري خمسون عاماً من المسرح والحرف
- عبد الحسين العبيدي القاص الذي يفتّش عن المعنى في ظلّ العنكبو ...
- الدكتور عامر عبد زيد بين التاريخ والحداثة، في رحاب الفلسفة و ...
- طه التميمي.. شاعر الضمير الشعبي وصوت الطبقة الكادحة
- رائد النافعي السارد الذي اختزن بابل في قلبه وحررها على الورق


المزيد.....




- ما قد لا تعلمه عن زهران ممداني أول مسلم يفوز بانتخابات عمدة ...
- أسوان كما لم ترها من قبل..مصري يرصد تجربة تراثية فريدة في سو ...
- من هو زهران ممداني، المسلم الذي انتخب عمدة لمدينة نيويورك؟
- زيارة بن سلمان لواشنطن .. هل تنجح السعودية في نيل ما تريد؟
- نيويورك تختار زهران ممداني في فوز يظهر الطريق -لهزيمة- ترامب ...
- زهران ممداني يفوز بمنصب رئيس بلدية نيويورك
- 5 أسباب وراء فوز ممداني عمدة لنيويورك
- أمريكا.. ارتفاع عدد ضحايا تحطم طائرة UPS في كنتاكي
- بخطاب النصر.. ممداني يرد على ترامب ومهاجمته لأنه مسلم بعد تو ...
- أول مسلمة تصل المنصب.. غزالة هاشمي تفوز بسباق نائب حاكم فرجي ...


المزيد.....

- أعلام شيوعية فلسطينية(جبرا نقولا)استراتيجية تروتسكية لفلسطين ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - محمد علي محيي الدين - يحيى الربيعي شاعر المنتهى وإشراقات الأزل