أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حميد كوره جي - الأهمية المستمرة لكتاب -رأس المال- في عصر الرقمنة















المزيد.....


الأهمية المستمرة لكتاب -رأس المال- في عصر الرقمنة


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8514 - 2025 / 11 / 2 - 20:12
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


كتاب *رأس المال* للمفكر كارل ماركس لا يزال يحتفظ بمكانته البارزة وأهميته الاستثنائية، وذلك لأسباب عديدة تظل قائمة رغم التحولات الجذرية التي طرأت على النظام الرأسمالي الحديث، ورغم انهيار الأنظمة السياسية التي زعمت في مراحل مختلفة من التاريخ تبنيها للماركسية. هذه الأهمية الفكرية للكتاب لا تنبع فقط من كونه نصًا تأسيسيًا، بل من قدرته على صياغة إطار نقدي شامل لتحليل الديناميكيات الداخلية للرأسمالية، مما يجعله مرجعًا أساسيًا لفهم تطور الفكر الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.

تتجلى قوة هذا العمل في تحليله المعمق للنظريات الأساسية التي أسهمت في تشكيل الفكر الماركسي وتأثيرها المستمر حتى اليوم على الحركات الاجتماعية والسياسية العديدة حول العالم. ورغم التحولات الجذرية التي شهدها النظام الرأسمالي الحديث مقارنةً برأسمالية القرن التاسع عشر التي تناولها ماركس بالدراسة، إلا أن الآليات الأساسية والتناقضات العميقة التي ركز عليها الكتاب ما زالت قائمة. هذه الرؤى التحليلية تسهم بشكل كبير في فهم السياقات التاريخية والسياسية خلال القرن الماضي، من نشأة الحركات العمالية والنقابية إلى بروز الأنظمة الشيوعية وسقوطها.

رأس المال ليس مجرد كتاب اقتصادي بحت؛ بل هو نموذج فكري متكامل لتحليل الأنظمة الاقتصادية الكبرى. المنهج الذي اعتمده ماركس في تفكيك آليات الإنتاج الرأسمالي يظل موضع تقدير كبير، بدءًا من تفسير عملية تراكم رأس المال مرورًا بنقد الأزمات الاقتصادية الدورية وصولاً إلى تحليل إنتاج فائض القيمة. هذا المفهوم الذي يوضح كيف ينتج العمال قيمة إضافية تُستغل من قبل الطبقات الرأسمالية بشكل غير عادل لا يزال يمثل أساسًا للعديد من النقاشات الأكاديمية، وأداة حيوية لفهم الأسواق الحديثة وتحليل تناقضاتها المعقدة.

يناقش الكتاب مفهوم الاغتراب أو الاستلاب، وهو موضوع يتمتع بحضور قوي حتى في سياق القضايا الحديثة، خصوصًا مع بروز النماذج الاقتصادية الجديدة مثل اقتصاد العمل المؤقت والعمالة المرتبطة بالمصانع الرقمية. تساهم هذه الأنظمة الاقتصادية في تعزيز شعور العامل بالعزلة عن المنتج النهائي لعمله، مما يعيد إحياء هذا المفهوم من منظور ماركسي يتناسب مع الظروف المعاصرة. في المجمل، يبقى كتاب رأس المال واحدًا من أبرز النصوص الفكرية وأكثرها تأثيرًا، صامدًا أمام تحولات الزمن وتعقيدات النظام الاقتصادي الحديث.
من جانب آخر، فإن الالتباس الذي يعيشه بعض الشباب بين الماركسية والاشتراكية الديمقراطية يشكّل دافعًا إضافيًا لضرورة دراسة كتاب رأس المال. من المهم التوضيح أن الماركسية تختلف جوهريًا عن الاشتراكية الديمقراطية أو الليبرالية الاشتراكية المعتمدة في دول الشمال الأوروبي.
الاشتراكية العلمية، كما قدمها ماركس، تهدف إلى الوصول إلى مجتمع لا طبقي ولا دولة (الشيوعية). في المقابل، تركز الاشتراكية الديمقراطية على إصلاح الرأسمالية وجعلها أكثر إنسانية مع تقليل الفوارق الاجتماعية. كما أن وسائل التغيير تختلف بين النظامين؛ ففي الماركسية يعتمد التغيير على الثورة بقيادة الطبقة العاملة، بينما تقوم الاشتراكية الديمقراطية على الإصلاح التدريجي ضمن إطار نظام ديمقراطي. أما اقتصاديًا، فإن النظام الماركسي يقوم على ملكية جماعية لوسائل الإنتاج وإلغاء السوق الخاصة، في حين تعتمد الاشتراكية الديمقراطية على اقتصاد مختلط يجمع بين سوق رأسمالية قوية وسياسات دولة رفاه شاملة.
فهم الأسس النظرية لكارل ماركس يمكّن الطلاب من التمييز بوضوح بين النقد الجذري الذي يقدمه كتاب رأس المال تجاه النظام الرأسمالي وبين نموذج دول الرفاه الاجتماعي الأوروبية التي تعمل ضمن إطار رأسمالي وديمقراطي بدلاً من معارضته. تبقى أهمية كتاب رأس المال كامنة في كونه نقدًا تاريخيًا عميقًا أكثر منه وصفة جاهزة للواقع الحالي.
يبقى كتاب رأس المال عملًا مركزيًا لفهم الأنظمة الاقتصادية المعقدة والعلاقات الاجتماعية التي تنشأ داخل المجتمعات الرأسمالية. ورغم عدم تحقق التنبؤات الماركسية بانهيار النظام الرأسمالي الحتمي، إلا أن الكتاب يظل ذا صلة كبيرة بالخطاب الأكاديمي والتحليل السياسي العملي في الوقت الراهن.

يُعد كتاب رأس المال لكارل ماركس مرجعًا مهمًا لفهم ظاهرة التفاوت الاقتصادي العالمي في القرن الحادي والعشرين، إذ يقدم إطارًا تحليليًا يعكس الآليات الجوهرية للرأسمالية التي تؤدي بطبيعتها إلى تركيز الثروة وزيادة الفجوات الاقتصادية.

يُستخدم الإطار الفكري الماركسي اليوم من قبل العديد من الاقتصاديين والمحللين الاجتماعيين، سواء كانوا منتمين إلى الفكر الماركسي أم لا، لتحليل القضايا المعاصرة. يُنظر إلى التوسع الكبير في القطاع المالي على أنه نموذج متسارع لتراكم رأس المال يخدم مصالح أقلية محدودة. كما تُفسَّر أزمات الديون السيادية التي تعاني منها الدول النامية باعتبارها جزءًا من العملية الأوسع للاستغلال الرأسمالي العالمي.

يُعد كتاب "رأس المال" أداة تحليلية محورية لفهم التفاوتات الاقتصادية ودراسة بنيتها الأساسية، حيث يوضح أن هذا التفاوت ليس مجرد خطأ عرضي في النظام، بل هو نتيجة حتمية لطبيعة وآليات عمل الرأسمالية.

في ظل الانتقال إلى عصر الرقمنة والذكاء الاصطناعي، شهدت آليات إنتاج فائض القيمة وفق النموذج الماركسي تحولات جذرية. ورغم هذه التغيرات، فإنها تُعزز بشكل لافت مبدأ التراكم والاستغلال الذي يُعد جوهر النظام الرأسمالي. يبقى مفهوم فائض القيمة كما صاغه ماركس أساسًا لتفسير الديناميكيات الاقتصادية، فهو يتمثل في الفرق بين القيمة التي يخلقها العامل من خلال عمله وقيمة قوة عمله التي تُحدد بالأجر المدفوع، وهو الفارق الذي يتحول إلى أرباح للرأسمالي.

التقدم في الذكاء الاصطناعي وزيادة الأتمتة يسهمان في رفع إنتاجية العمل البشري، ما يؤدي إلى تعظيم فائض القيمة النسبي. فالتقنيات الحديثة والأنظمة المؤتمتة تُنفذ المهام بفعالية وسرعة أكبر من قدرة الإنسان وحده، الأمر الذي يخفض تكلفة إنتاج السلع والخدمات المستخدمة لإعالة العمال. بالتالي، ومع انخفاض وقت العمل المطلوب لإنتاج تلك السلع مقابل الأجور المدفوعة، تصبح الفرصة مواتية أمام الرأسمالي لاستخلاص فائض قيمة أكبر خلال نفس الفترة الزمنية للعمل. كما أن الأتمتة عبر الذكاء الاصطناعي تقلل من الاعتماد على العمالة البشرية في المهام الروتينية لصالح الآلات، مما يوجه القوى العاملة إلى أدوار أكثر تعقيدًا أو إشرافية. ومع ذلك، تؤدي هذه العملية إلى ضغط الأجور بسبب توسع "الجيش الاحتياطي من العمال"، وهي نقطة يُعمّق فيها الاستغلال داخل النظام الرأسمالي.

وفقًا لما يطرحه ماركس، تعمل الرأسمالية بناءً على "قانون التراكم"، حيث يُعاد استثمار فائض القيمة لتعظيم الأرباح باستمرار. هذا الاتجاه يؤدي إلى تركز رأس المال بيد عدد محدود من الشركات والأفراد، وهو شيء يمكن ملاحظته بشكل واضح في الاقتصاد العالمي اليوم. ويؤدي هذا التراكم إلى تعزيز عدم المساواة بين الدول والمجتمعات، حيث تزداد الفجوة بين الدول ذات الاقتصادات المسيطرة (مراكز الرأسمالية) وتلك التي تعتمد على الاقتصادات الأضعف (الأطراف).

يشكل مفهوم فائض القيمة أساساً محورياً في فهم ديناميات النظام الرأسمالي، حيث يوضح آلية تحقيق الأرباح من خلال استغلال الجهد البشري. ومع توسع العولمة، لجأت الشركات متعددة الجنسيات إلى نقل الإنتاج نحو الدول ذات تكاليف العمالة المنخفضة، مما يمنحها فرصة لزيادة فائض القيمة بشكل كبير. ولكن هذه الممارسات تؤدي إلى تفاقم الاختلالات الاقتصادية، عبر توسيع فجوة الأجور وتعميق الفوارق الاقتصادية بين الدول الغنية والفقيرة.

إلى جانب ذلك، يُستخدم مفهوم فائض القيمة لفهم التفاوت المتزايد داخل الدول المتقدمة نفسها. فارتفاع التوظيف في الأعمال المؤقتة وغير المستقرة يعكس شكلاً من أشكال تخفيض التكاليف على حساب العمال، حيث تُعزز أرباح المستثمرين بينما تنعدم للطبقة العاملة ضمانات الاستقرار الوظيفي والاجتماعي.

وقد قدم ماركس تصوره لما يُعرف بـ "جيش العمال الاحتياطي" كجزء من الهيكل العملي للاقتصاد الرأسمالي، ويشير إلى شريحة العمال العاطلين أو العاملين جزئياً الذين يُبقون ضمن النظام لهدفين أساسيين. الهدف الأول هو تعزيز المنافسة على الوظائف، مما يؤدي إلى استمرار الضغط على الأجور ودفعها للانخفاض نتيجة وفرة العمال مقارنة بالطلب. أما الهدف الثاني فهو ضمان مرونة السوق، حيث تُصبح القوى العاملة متاحة عند الحاجة لتوسيع الإنتاج أو تلبية متطلبات النمو الصناعي والتجاري.
في القرن الحادي والعشرين، توسع مفهوم العمالة ليشمل جيشاً احتياطياً عالمياً نتيجة الزيادة في الهجرة وسهولة التنقل عبر الحدود، بالإضافة إلى انتشار نماذج الاستعانة بالمصادر الخارجية. هذه التحولات لم تقتصر على تعزيز المنافسة العالمية بين العمال من مختلف الدول، بل أتاحت أيضاً ضغطاً مستمراً على مستويات الأجور، سواء في الدول المتقدمة أو النامية. والنتيجة المباشرة كانت تفاقم الفجوة في توزيع الثروات بين أصحاب رأس المال، الذين يستفيدون من فائض القيمة، وطبقة العمال التي تعاني من تراجع الاستقرار المالي والاجتماعي.

اليوم بات الإطار الفكري الماركسي أداة تحليلية يعتمد عليها العديد من الاقتصاديين والاجتماعيين – حتى وإن لم يكونوا ماركسيين بالضرورة – لدراسة المشكلات الحديثة. يُعزى النمو السريع للقطاع المالي إلى شكل مكثف لتكديس رأس المال يحقق أرباحاً للنخب على حساب الأغلبية. كما تُفسَّر أزمات الديون السيادية في الدول النامية كجزء من عملية أوسع للاستغلال الرأسمالي العالمي.

من هذا المنطلق، يُعتبر "رأس المال" أداة نقدية لا غنى عنها لفهم الطبيعة البنيوية للتفاوت الاقتصادي، حيث لا يُنظر إلى هذا التفاوت باعتباره مجرد خلل داخل النظام، بل كنتيجة حتمية وآلية جوهرية لطريقة عمله.

لا تزال مسألة فائض القيمة الماركسي تحتفظ بمركزيتها في فهم كيفية تراكم الثروة الحديثة. فالشركات الرأسمالية تسخِّر التكنولوجيا لتعظيم الفجوة بين ما يدفعونه للعمال – سواء كانوا بشريين أو رقميين – وبين القيمة التي يخلقونها. ومع ذلك، يحتدم النقاش الأكاديمي حول أصل القيمة؛ فهل يظل العمل البشري المصدر الوحيد؟ أم أن البيانات والعمل الرقمي أصبحا مساهمين جديدين في إنتاج القيمة الاقتصادية؟

إن التحولات المرتبطة بتطور الرقمنة والذكاء الاصطناعي تُحدث تغييراً جذرياً في آليات استخلاص فائض القيمة بالطريقة التي تناولها ماركس، لكنها في الوقت ذاته تُعمق مبادئ التراكم والاستغلال الرأسمالي. يبقى فائض القيمة، وفقاً لفهم ماركسي، هو ذلك الفارق الذي ينتجه العمل البشري والذي يفوق تكلفة قوة العمل المدفوعة كأجور، ليتم الاستيلاء عليه كربح من قِبل الرأسماليين.


تُعد البيانات التي يُنتجها المستخدمون عبر التفاعلات الرقمية، مثل عمليات البحث أو الإعجابات والتفضيلات، شكلاً جديداً من "العمل غير المأجور" الذي يُطلق عليه عمل البيانات. يستخدم ماركسيون معاصرون هذا المفهوم لفهم كيفية مساهمة النشاط الرقمي اليومي، مهما كان بسيطاً كالتصفح أو التفاعل، في توليد قيمة هائلة للشركات التقنية دون أن يحصل المستخدمون على أي تعويض مباشر.

إضافة إلى ذلك، تستخدم الشركات الذكاء الاصطناعي كأداة لمراقبة العمال رقمياً، مثل سائقي التوصيل أو عمال المستودعات، لتحديد إيقاع العمل ومستوى الإنتاج بدقة غير مسبوقة. هذا الاستخدام يمثل شكلاً جديداً من التحكم والهيمنة على العمالة، مما يؤدي إلى تعظيم استخلاص فائض القيمة بطريقة أكثر إحكاماً من ذي قبل. وبذلك تتحوّل الآلات وتقنيات الذكاء الاصطناعي في يد الرأسمالي من مجرد وسيلة لزيادة الإنتاجية إلى أدوات تضغط على العمال وتتسبب إما في تسريحهم أو إخضاعهم لإيقاع عمل أكثر صرامة يتماشى مع آليات الإنتاج الحديثة.

من منظور نظرية قيمة العمل الماركسية، يُعتبر العمل البشري المصدر الوحيد للقيمة الجديدة. وإذا تم استبدال العمل البشري بشكل شبه كامل بآلات تعتمد على الذكاء الاصطناعي، فإن هذه الآلات، بصفتها "رأس مال ثابت"، لا تُضيف أي قيمة جديدة لكنها فقط تنقل جزءاً من قيمتها الأصلية إلى المنتج النهائي. نتيجة لذلك، على الرغم من زيادة الإنتاجية والثروة بمعنى القيم الاستعمالية، ستصبح السلع "عديمة القيمة نسبياً" وفقاً للتصور الماركسي، مما يؤدي إلى أزمة جوهرية في نظام اقتصادي يعتمد أساساً على استخلاص فائض القيمة من العمل البشري.
يُعتبر مفهوم الاغتراب الذي تناوله ماركس أداة تحليلية هامة لفهم فقدان العامل السيطرة على عمله ونتائجه في ظل الرأسمالية الصناعية. واليوم، يكتسب هذا المفهوم أهمية متزايدة بالنظر إلى أنماط العمل في البيئة الرقمية واقتصاد المنصات.

حدد ماركس أربعة أشكال رئيسية للاغتراب، وما زالت هذه الأشكال تظهر بوضوح في ظروف العمل الرقمي المعاصرة. ففي المصانع التقليدية، كان العامل ينتج سلعة لا يملكها ولا يتحكم بها. أما في الاقتصاد الرقمي، فإن هذا النموذج يتجسد في عمالة المنصات، حيث لا يمتلك العامل المستقل أو سائق التوصيل المنتج النهائي لعمله، سواء كان خدمة أو بيانات العميل. عوضًا عن ذلك، تسيطر الخوارزميات والمنصات الوسيطة بينه وبين المستفيد النهائي على هذا المنتج.

إلى جانب ذلك، يشارك العمال والمستخدمون في إنتاج كميات هائلة من البيانات أثناء تفاعلهم مع تلك المنصات. ورغم أن هذه البيانات تعد المنتج الرئيسي ذي القيمة الأكبر، فإنها تكون مملوكة بالكامل للشركات التقنية التي تستغلها لجني الأرباح دون أي دور أو عائد للمستخدم أو العامل كمنتج أصلي لهذه البيانات.

فيما يتعلق بالاغتراب عن عملية العمل أو النشاط الإنتاجي، نجد أن العامل يُجرد من حرية الإبداع والسيطرة على كيفية أداء عمله، ويتحول إلى مجرد جزء في نظام الإنتاج. وفي بيئة العمل الرقمي، يستبدل المشرف البشري بالذكاء الاصطناعي والخوارزميات التي تتحكم في وتيرة وسرعة العمل وتحدد الأهداف وتراقب الأداء، ما يقلل استقلالية العامل ويجعله خاضعًا لنظام آلي صارم.

تُجزأ المهام المعقدة إلى عمليات بسيطة ومتكررة– مثل إدخال البيانات أو تصنيف الصور– مما يجعل العامل فاقدًا للإحساس بالهدف العام لوظيفته ومجرد مُنفذ للمهام دون رؤية واضحة للأثر النهائي لما يقوم به. هنا يتعزز الشعور بأن العمل ليس تعبيرًا عن الإمكانات أو الإبداع الشخصي للعامل، بل هو مجرد وسيلة للبقاء الاقتصادي. في اقتصاد الأعمال المؤقتة، تتحول قيمة الفرد إلى مجرد سلعة يتم تداولها واستبدالها باستمرار، مما يؤدي إلى تهميش الهوية المهنية وإفقاد العمل جوهره الإنساني.

على صعيد العلاقات الاجتماعية، يعمق النظام الرأسمالي عزلة العمال وينقلهم من حالة التضامن الجماعي إلى التنافس الفردي. وفي العمل الرقمي، تتفاقم هذه العزلة بسبب الجغرافيا والتنظيم الافتراضي، حيث يعمل عمال المنصات بشكل منفرد دون وجود تواصل حقيقي بينهم. كما تعزز المنصات المنافسة المباشرة بينهم عبر أنظمة التقييم والتصنيفات المستمرة، مما يجعل بناء التضامن صعبًا ويزيد من شعور كل عامل بأنه كيان فردي معزول.

تؤكد الرؤية الماركسية أن التكنولوجيا، بدلًا من أن تكون وسيلة لتحرير الإنسان، أصبحت أداة فعالة في حرمان العمال من السيطرة على عملهم ونتاجه. وهكذا يعود مفهوم الاغتراب للظهور مجددًا، ولكن في سياق يناسب ديناميكيات الرأسمالية الرقمية الحديثة.


صحيح أن انتقادات كارل ماركس لظروف العمل في القرن التاسع عشر ليست قابلة للتطبيق المباشر على واقع عربة طعام في بيئة رأسمالية منظمة حديثة، كما أن توقعاته بانهيار الرأسمالية العالمية تم تجاوزها بطرق متعددة من قبل الرأسماليين. لكن أهمية كتابه اليوم لا تكمن في كونه خطة عمل فورية لمجتمعنا المعاصر، بل بوصفه دراسة تاريخية لفهم تطور الرأسمالية والثغرات التي سعت الحكومات إلى معالجتها، مثل حقوق العمال، قوانين الحد الأدنى للأجور، وشبكات الحماية الاجتماعية، كاستجابة مباشرة للمشكلات التي أشار إليها ماركس.

في زمن يتزايد فيه التفاوت الاقتصادي بين الأغنياء والفقراء وتتكدس الثروات في قطاعات تكنولوجية محددة، ما زالت أفكار ماركس حول آليات التراكم الطبقي تلقى صدى وتحفز نقاشًا مثيرًا للجدل.

كتاب رأس المال لم يعد ذا قيمة لكونه يقدم تنبؤات دقيقة أو حلولاً قابلة للتطبيق الفوري، بل يُعتبر ضرورة تاريخية لفهم العالم الحديث وإطارًا تحليليًا يساعد في نقد بعض ممارسات الرأسمالية. كما يمثل مرجعًا لفهم الفرق الجوهري بين الاشتراكية الماركسية ونماذج الاشتراكية الديمقراطية الليبرالية.

قدَّم ماركس تحليلاً يتعمق في آليات تراكم رأس المال والاستغلال، مركِّزًا على التناقضات الداخلية التي تسهم في تفاقم عدم المساواة وتُفضي إلى أزمات اقتصادية متكررة. لا تزال هذه التحليلات تُطبق اليوم لفهم الفروقات الاقتصادية والصراعات الطبقية المتزايدة.
يركز منهج المادية التاريخية لماركس على تأثير الهياكل الاقتصادية في تشكيل المجتمع بكامل أبعاده، بما يشمل السياسة والثقافة. ويُعد الصراع الطبقي في هذا السياق المحرك الأساسي للتاريخ، وهو مفهوم يظل حاضرًا بقوة في النقاشات عن الحركات الاجتماعية، حقوق العمال والنشاط السياسي.
الحجة التي طرحها ماركس بخصوص أن قيمة السلعة تُحدد بوقت العمل الضروري اجتماعيًا تواصل تغذية النقاشات حول الأجور العادلة، حقوق العمال، والتقييم الحقيقي للعمل في النظم الاقتصادية الحالية.
كما أن تحليل ماركس للإمبريالية والتوسع الرأسمالي يوفر منظورًا شاملًا لفهم العلاقات الاقتصادية العالمية الحديثة وتأثير الشركات متعددة الجنسيات والسياسات النيوليبرالية على هذه الديناميات. وبالإضافة إلى ذلك، تبنى الماركسيون حديثًا أفكار ماركس لانتقاد العلاقة بين الرأسمالية والبيئة، مشيرين إلى أن السعي لتحقيق الأرباح غالبًا ما يكون على حساب الاستدامة البيئية.
رؤى ماركس حول الأيديولوجيا تزودنا أيضًا بفهم عميق لدور الثقافة والإعلام في تعزيز وحماية الهياكل الاقتصادية والاجتماعية القائمة، مما يجعلها أداة أساسية لتحليل الاستهلاكية والتأثير الإعلامي في الدراسات الثقافية الحالية.



مالمو
2025-11-02



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشوفينية الفارسية أمام تحديات العقلانية والأممية
- حقبة الركود السوفيتية
- بين مزيج الأمواج والذكريات
- ركود الأغنية العربية: بين أسطورة الماضي وتحديات الحاضر
- أزمة اليسار في العالم العربي: تحديات الهيمنة القومية والليبر ...
- ضرورة تحريم التقية: بين رخصة الضرورة وخطرها على المجتمع
- اختلاف الآراء في اشتراكية الاتحاد السوفييتي السابق
- ثلاثة قرون من الجمود: كيف دفع العرب والمسلمون ثمن حظر آل عثم ...
- تآكل الليبرالية
- اعتراف دون إيقاف حرب الإبادة
- بيت ليس للتحديث
- حول موت التراجيديا في الفن المعاصر
- لتخلّد نار بروميثيوس
- هل الصين بلد اشتراكي؟
- قصيدة الشرق الأوسط
- تحولات النظام العالمي ومستقبل الغرب
- سيرة صلاح نيازي الذاتية: امتاع ومؤانسة
- صراع العقل والوحي: نظرة عميقة إلى الشرق والغرب
- أغنية الفلاح الأخيرة
- مقارنة فاشلة بين ترامب وروزفلت


المزيد.....




- إنترسبت: اليسار الأميركي يتدرب على السلاح دفاعا عن النفس
- إنترسبت: اليسار الأميركي يتدرب على السلاح دفاعا عن النفس
- المغرب وجبهة البوليساريو: هل يحل قرار مجلس الأمن قضية الصحرا ...
- COP 30 or COP 525?
- Truth on Life-support: The Lie Is the Weapon
- People In the US Go Hungry as Trump Spends Millions To Invad ...
- Displacement Governance and the Illusion of Integration: A R ...
- جمعية البستان سلوان تشارك في المنتدى الاجتماعي بتايلاند
- البوليساريو: لن نكون طرفا في أية مفاوضات لا تحترم حق الشعب ا ...
- تراجع موقف مممداني بشأن فلسطين وأزمة اليسار الاصلاحي


المزيد.....

- كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2 ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة / رزكار عقراوي
- كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حميد كوره جي - الأهمية المستمرة لكتاب -رأس المال- في عصر الرقمنة