أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كوره جي - بين مزيج الأمواج والذكريات














المزيد.....

بين مزيج الأمواج والذكريات


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 12:02
المحور: الادب والفن
    



– كم مضى على وجودنا معًا؟
تتأمل نورا البحر المليء بالأمواج المتلاطمة، فتجيب: سنتان ونصف.
– لا يا عزيزتي، بل سنتان وشهران. منذ منتصف آذار عندما...
تقاطعه بسرعة: كان الخريف أولاً وليس آذار.
– صحيح أننا التقينا لأول مرة في الخريف، ولكن يا أناي، أول قبلة وأول بداية لنا كانت في آذار.
تبدأ نورا في العدّ بشغف على أصابعها، متوقفة عند إصبع السبابة. خالد يلتقط خصلة شعر خفت على وجهها برقة، يمسحها عن أنفها ثم يمرر برفق ظاهر يده على وجنتها، مشيراً بأسلوبه الهادئ: أردت أن تسألي؛ أردت أن تستشعري كيف انفلتت الأشهر الأربعة الماضية.
ليس بعيدًا عن شاطئ محاط بالأشجار الكثيفة، يستند كلاهما على غطاء السيارة بينما الرياح العاتية تعصف بجنبات المكان. نورا تقترب أكثر إلى حضن خالد مستمدة منه الدفء، وخالد يرسم إحساسًا رقيقًا بدور ذراعيه حول خصرها. في نبرة مليئة بالحنين، تبدأ:
– بين لقائنا الأول وما بعده، تفصلنا أربعة أشهر. فرهاد انشغل خلالها بالتحقيقات وعزل نفسه فيها تمامًا. نحن في تلك الفترة استثمرنا أمسياتنا بنحو عشرين عشاءً مفعمًا باللحظات الهانئة وسط حيّ الورد وشارع النخيل، والتقينا كثيرًا في السينما، سبع أو ثماني مرات ربما. ومع ذلك بقيت دون محاولة منك للإمساك بيدي!
– كنت أتوق لذلك، لكنكِ لم تخفِ حيطةً واضحة.
– وفي النهاية تمكنتَ من الإمساك بها، يا حليف الوقوع بوجهك أمام الظلام!
– حينما كدتِ تسقطين في ضوء السينما الخافت، دفعتني تلك اللحظة فقط لأمسك بك، وأعتقد أنك لم تنتبهي حينها.
تفكر نورا قليلاً وتضحك برقة: كنت عالقة في حقيبة ممتلئة بالأشياء، وكنت مضطرة لطلب المساعدة منك رغم ضدي الذي يغذي شعوري تجاه تلك المسألة.
يعلق خالد بنبرة جادة، تخفي وراءها بسمة من فكاهة خافتة: "لو كنت قد تركتك تسقطين في ذلك الوقت، لكنت أدركتِ مدى حاجتك لي رغم كل غرورك. لكن لم يكن في نيتي أبدًا أن أترك تلك اللحظة تمر دون أن أعي تمامًا تأثير وجودك في هذه الشراكة."

ثم يواصل بابتسامة خفيفة تظهر على وجهه: "تذكرت شيئًا. ذلك الضابط الذي كان يستجوب فرهاد خلال تلك الجلسات الطويلة. كان يتكئ على الطاولة محاولًا أن يرسم مشهدًا منزوع الشبهات، ليُمرر رسائله دون أن يتجاوز حدًا ظاهرًا."

بين عواء الريح وصوت الأمواج المتكسرة على الشاطئ، ترتسم ضحكة مشرقة على وجه نورا. تُفاجئه بسحب ذراعها التي كان يلفها حولها، وتواجهه ببسمة واسعة وقالت بخفة: "أتذكر دائمًا تلك الليلة. عندما تعثرت على سلالم شرفة السينما، وكدت أن تقع! لم أتمالك نفسي من الضحك حينها."

غاصت نورا في نوبة ضحك تناغمت مع صوت الأمواج وهي تضرب الرمال بقوة. أما خالد، فقد بدأ يطحن أسنانه بانفعال مكتوم: "لم تكوني تعرفين شيئًا حقيقيًا عن فرهاد، أليس كذلك؟ ذلك الرياضي ذو الجسد القوي، مصارع محترف تتكدس رفوفه بالكؤوس والميداليات. لكنه بخلاف الجميع، كان قارئًا عاشقًا للكتب ومتعطشًا للتعلم بلا كلل. هل تمكنت يومًا من رؤية جوهره؟ كان نقيًا تمامًا! والآن، بعد كل شيء، هذا الشخص المميز قضى شهورًا طويلة تحت الضغوط وسُجن لعامين فقط لأنه تجرأ أن يقف بوجه عصابة تهريب الأخشاب. ماذا فعل؟ مجرد حجر صغير وضعه في طريقهم، لكنهم أعادوا هذا الحجر ليُثقل كاهله بعذابات لا حد لها."


تتحول نظرة نورا الطفولية والمبتسمة إلى جدية فجأة: في هذا الزمن، لا يمكن للإنسان أن يكون نموذجًا مثل الأسطورة. انطلقوا صباحًا من مدينة الساحل ليصلوا إلى العاصمة مساءً.
توجهوا إلى الأربعينية الخاصة بزوجة فرهاد في يوم الإفراج عن زوجها. حينها، ركضت المرأة بسعادة نحو الشرفة، لكن يدها انزلقت عن الدرابزين، لتسقط من الطابق الثالث إلى الزقاق.
في طريق العودة من البحر، كان خالد يقود السيارة ممسكًا بعجلة القيادة بيد، وباليد الأخرى يمسك بأصابع نورا. كان الوقت ظهرًا، ومع ذلك كان ضباب كثيف يخيم على ممر غابة وادي الشفق المظلم، وأضواء السيارة تخترق الصمت والضباب بشق الأنفس.
على مدار الليلتين الماضيتين، خصص فرهاد غرفة نومه لصديقه المدون أثناء إقامته المؤقتة. الغرفة تزينها صورة للأسطورة عاري الصدر معلّقة بدقة فوق السرير، مثلما أراد فرهاد أن يشعر ضيفه براحة لا تنقصها روح المكان. لم يتوانَ عن التذكير بأن عليه بذل جهدٍ لتوفير جو يبدد أي شعور بالغربة.
في الليلة السابقة، وبعد الانتهاء من العشاء، حينما أصرت نورا على غسل الأطباق، وقف فرهاد إلى جانبها ليساعدها بتجفيف الصحون. وبينما كان يعمل بجانبها، بدأ يسرد لها حكاية تحمل ألم سنين؛ قصة زوجته الراحلة التي كرّست كل يوم من عامين لتنظيف المنزل بانتظار لحظة كشف الحقيقة وإطلاق سراح فرهاد. لكن الحقيقة المُرة جاءت بشكل مختلف، فقد تحولت لحظة الحرية إلى بداية عذاب شاق. كانت تلك اللحظة حينما شهدها فرهاد وهي تقفز بسعادة وكبرياء غير موصوفين، لكنها تعثرت ممسكة بالدرابزين، قبل أن تنهار وتسقط، تاركة خلفها فراغًا ممزوجًا بفقدان دفء يدها الذي طالما انتظره خلال تلك السنوات.
حينها لم تتمالك نورا نفسها، انفجرت بالبكاء، تمسح دموعها باستخدام القفازات المطاطية وتملأ قلبها بالغضب والسخط على كل من تسببوا في تلك الفاجعة. أما فرهاد، فاكتفى بالنظر بهدوء إلى الماء المتجمع في حوض الغسيل، ثم قال بكلمات تحمل وقع اللهجة الصادقة والعزيمة الرصينة: البكاء واللعنات لن تغير شيئًا. المستنقع يخلق الوحوش، وعلينا البحث عن طريقة تُجفف هذا المستنقع للأبد.


مالمو
2025-10-21



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ركود الأغنية العربية: بين أسطورة الماضي وتحديات الحاضر
- أزمة اليسار في العالم العربي: تحديات الهيمنة القومية والليبر ...
- ضرورة تحريم التقية: بين رخصة الضرورة وخطرها على المجتمع
- اختلاف الآراء في اشتراكية الاتحاد السوفييتي السابق
- ثلاثة قرون من الجمود: كيف دفع العرب والمسلمون ثمن حظر آل عثم ...
- تآكل الليبرالية
- اعتراف دون إيقاف حرب الإبادة
- بيت ليس للتحديث
- حول موت التراجيديا في الفن المعاصر
- لتخلّد نار بروميثيوس
- هل الصين بلد اشتراكي؟
- قصيدة الشرق الأوسط
- تحولات النظام العالمي ومستقبل الغرب
- سيرة صلاح نيازي الذاتية: امتاع ومؤانسة
- صراع العقل والوحي: نظرة عميقة إلى الشرق والغرب
- أغنية الفلاح الأخيرة
- مقارنة فاشلة بين ترامب وروزفلت
- السياسة الجيوسياسية للرجل العظيم
- رعب العيش
- الشيوعي والشيعي


المزيد.....




- لماذا تراجع نفوذ مصر القديمة رغم آلاف السنين من التفوق الحضا ...
- موريتانيا تطلق الدورة الأولى لمعرض نواكشوط الدولي للكتاب
- انطلاق الدورة الرابعة من أيام السينما الفلسطينية في كولونيا ...
- سطو اللوفر يغلق أبواب المتحف الأكبر وإيطاليا تستعين بالذكاء ...
- فساتين جريئة تسرق الأضواء على السجادة الحمراء بمهرجان الجونة ...
- ورشة برام الله تناقش استخدام الذكاء الاصطناعي في غرف الأخبار ...
- أسماء أحياء جوبا ذاكرة نابضة تعكس تاريخ جنوب السودان وصراعات ...
- أنقذتهم الصلاة .. كيف صمد المسلون السود في ليل أميركا المظلم ...
- جواد غلوم: الشاعر وأعباؤه
- -الجونة السينمائي- يحتفي بـ 50 سنة يسرا ومئوية يوسف شاهين.. ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كوره جي - بين مزيج الأمواج والذكريات