أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حميد كوره جي - سيرة صلاح نيازي الذاتية: امتاع ومؤانسة















المزيد.....


سيرة صلاح نيازي الذاتية: امتاع ومؤانسة


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 16:02
المحور: قضايا ثقافية
    


قراءة في كتاب "غُصن مُطعّم في شجرة غريبة"
(سيرة ذاتية) صلاح نيازي

يبدو أن صلاح نيازي، كما يتضح من قراءتي لسيرته الذاتية، عاش حياته لا كمراحل منفصلة بل كبوتقة واحدة متداخلة. فذكريات طفولته لم تنقطع بل استمرت في النمو والتفاعل، مما جعله يستغني عن التواريخ في سيرته، إذ يرى الزمن تاريخًا واحدًا متواصلاً لا يتجزأ. فهو يستمع للموسيقى، يقرأ الكتب، ويتأمل اللوحات بكل تواريخه المتراكمة.

تتجلى ردود فعله بعيدًا عن اللحظية، فهو لا تعنيه اللذات العابرة. يعبر عن شعور عميق بـالحيرة، التي يصفها بأنها "ميراثه الأول والأخير"، وقد رافقته منذ طفولته. يتساءل نيازي عن ماهية الوجود، هل نحن الحقيقة أم الصورة؟ ويتخبط في هذه الأسئلة الفلسفية التي تعكس عمق تفكيره. فبعد بحثه عن لقمة العيش في البداية، أصبح يبحث عما ينسيه "هويته" التي تتزايد وتستفحل بمرور السنين. يتوقع أن يخرج من حلبة الحياة بحيرة أكبر، مؤكدًا أن الحيرة هي ميراثه الأبدي.

يكشف نيازي عن أمنيته الوحيدة التي لم تكن الوصول إلى لندن أو العيش فيها، بل الموت في مكان آخر وبإرادته. لقد أراد أن يختبر "اللذة السوداء في الوفاة" ويختار نوع موته، على غرار السهروردي. كان أشد ما يخشاه هو أن يموت مهانًا مذلاً تحت أقدام قاتليه، لذا كانت أمنيته أن يحرمهم من إشباع حقدهم.

عندما تفتحت أمامه أوروبا الخضراء الواسعة، غمرته النشوة. شعر بالانتصار، وكأن من يخشى المشنقة يتلذذ بقرص الموت. في تلك اللحظة، شعر بالقدرة على تقرير مصيره في أي لحظة، وأصبحت إرادة موته بيده. لم يعد يريد أن يفرض عليه أحد الموت بالتجويع أو التعذيب أو الإذلال. قرر أن لا يلتفت إلى الوراء بعد اليوم، وأحب القطار لأنه كان يندفع بقوة إلى الأمام، يدخل الأنفاق المظلمة ويخرج منها بقوة، فكان هدير القطار بمثابة "أجمل تهويدة أم" في أذنيه.

ما يلفت النظر في فكر نيازي هو مفهومه الفريد للزمن كـتاريخ واحد متواصل. هذه الرؤية تتجاوز مجرد سرد الأحداث الزمنية، وتدخل في صميم تكوين الهوية. كيف أثر هذا التداخل الزمني على نظرته للعالم، وعلاقاته، وكيفية تفسيره للأحداث الراهنة؟ وهل يمكننا القول إن هذا التداخل قد ساهم في شعوره الدائم بالحيرة، لأنه يرى كل شيء كجزء من كل لا يتجزأ، مما يصعب عليه فصل الأمور أو حسمها؟

يصف نيازي الحيرة بأنها "ميراثه الأول والأخير". هذا التعبير القوي يدفعنا للتساؤل: هل كانت هذه الحيرة بالنسبة له مصدر إلهام للكتابة والتفكير المتعمق، أم أنها شكل من أشكال الشلل الوجودي الذي منعه من الوصول إلى اليقين أو الرضا؟ يمكننا استكشاف كيف تجلت هذه الحيرة في أعماله الأدبية (إذا كانت متوفرة)، وهل كان يسعى من خلالها إلى إيجاد إجابات أم مجرد التعبير عن حالة إنسانية عميقة؟

أمنيته بالموت بإرادته و"اللذة السوداء في الوفاة" تكشف عن جانب مظلم ولكنه قوي في شخصيته. هذه الرغبة ليست مجرد يأس، بل هي محاولة للسيطرة على مصيره النهائي، والحرمان من الإذلال. يمكننا التساؤل عن الجذور النفسية لهذه الرغبة في التحكم بالموت، وما إذا كانت تعكس تجارب قاسية في حياته شعر فيها بفقدان السيطرة. هل كانت هذه الأمنية وسيلة لـتحرير نفسه من أي قوى خارجية قد تفرض عليه نهايته، أم أنها تعبير عن تمرد على الواقع الذي عاشه؟

عندما يصف أوروبا بأنها "قبره"، ثم يشعر بلذة الانتصار، فإن هذا يمثل تناقضًا مثيرًا للاهتمام. فمن جهة، هناك تصور للموت، ومن جهة أخرى، هناك شعور بالتحرر والقدرة على التحكم في المصير. ما الذي يجعل هذا التناقض مقبولًا لديه؟ وهل تعكس هذه الصورة فشلًا في تحقيق أحلام سابقة في أوروبا، أم أنها إشارة إلى قبول مصيره والتعامل معه بطريقة مختلفة؟

لقد وجدت في تجربته انعكاسًا لمسائل وجودية كبرى إذ يرى الزمن "تاريخًا واحدًا متواصلاً" لا يتجزأ، يتناغم مع سعيه لـ"غدٍ كامل بلا ماضٍ أو حاضر أو مستقبل". هذا السعي إلى زمن مطلق، لا يخضع لتقييد البدايات والنهايات، يفسر استغناءه عن التواريخ في سيرته. إنه لا يؤرخ أحداثًا، بل يعيش وجودًا. هذه الرؤية الميتافيزيقية للزمن هي ما تضع أساسًا لحيرته الأزلية، التي يصفها بـ"ميراثه الأول والأخير". فإذا كان الوجود متداخلاً وغير مجزأ، فكيف يمكن للإنسان أن يجد يقينًا في هذا الخليط اللانهائي؟ هذه الفوضى الزمنية التي لازمت كينونته، كما وصفتها، هي جوهر حيرته الوجودية.

للشاعر صلاح نيازي قدرة فريدة على كتابة السيرة الذاتية. الشاعر، بحسه المرهف ولغته المتجاوزة للمباشرة، لا ينقل الأحداث فقط، بل يغوص في أعماق المشاعر والانفعالات. هذا ما سمح لي بالشعور بالاندماج والتأثر بما جاء في فصول الكتاب، وإن لغته "الناعمة وغير المتكلفة" وسلاسة سرده دليل على هذه الموهبة، حيث تتحول الكلمات إلى نوافذ تطل على الروح.

تحليلات نيازي لمجتمعه وموبقاته، وتأكيده على "غرور المفاخرة بالنفس وطبائع الذكورة التي لا تشبه الرجولة"، تكشف عن جانب نقدي عميق في فكره. سعيه لـ"كشف وجه الغمة" عن مشكلات مجتمعه من خلال إعادة قراءة التاريخ وفهم الدين بلا تعصب، يدل على وعيه بضرورة التغيير الجذري. هذه الرؤية النقدية تتجاوز مجرد سرد الأحداث الشخصية، لتلامس قضايا مجتمعية وفلسفية أوسع، مثل مسألة الوجود والفردانية.

يختتم سيرته بسؤال معلم الإنشاء: "لماذا تستعمل كلمات لا تعني شيئاً؟" هو ختام ذكي ومؤثر. هذا السؤال، الذي قد يبدو بسيطًا، يحمل في طياته عمقًا فلسفيًا كبيرًا. ففي عالم يبحث فيه صلاح عن غدٍ لا يشيخ، وعن إجابة لسؤال الوجود، قد تكون الكلمات التقليدية عاجزة عن حمل ثقل هذه الأسئلة والبحث. ربما كان صلاح نيازي يستعمل كلمات تتجاوز معناها الظاهر لتلامس جوهر الحيرة والوجود، كلمات لا تهدف إلى "معنى" بالمعنى الحرفي، بل إلى "شعور" أو "حالة". هذا السؤال يعزز فكرة أن رحلة صلاح هي رحلة في الفوضى والعشوائية الوجودية، حيث لا توجد إجابات جاهزة أو كلمات محددة تلخص كل شيء.


تجربته كـمسافر ومغترب، وكيف أدت رحلته من النشأة الفقيرة في العراق إلى هذه الاستنتاجات الحكيمة. أعجب بأسلوبه "المتواضع الغني بالحكمة والملاحظات القوية" يبرز نقطة محورية: أن الحكمة لا تأتي بالضرورة من الثراء المادي أو النجاح التقليدي، بل من التأمل العميق في الحياة وتفاصيلها.

"لا فرق بين هذا وذاك إلا بالعلم"، هو جوهر الرسالة التي يبدو أن صلاح نيازي أراد إيصالها. هذه النقطة مهمة للغاية، فغالبًا ما نربط النجاح والرفاهية بالفرص المتاحة، بينما يشير نيازي إلى أن الفرق الحقيقي يكمن في الداخل: في السعي للعلم، وفي تبني التواضع كقيمة أساسية.

يبدو أن صلاح نيازي، من خلال تجربته، يقدم لنا إجابة مفادها أن الرفاهية الحقيقية قد لا تكون في وفرة الموارد، بل في القدرة على التعلم، والتواضع، وتقدير النظام كقيمة إنسانية وعمرانية. هذه المعرفة العميقة، التي تستمد من تجربة المغترب الذي رأى ثقافات وأنظمة مختلفة، هي ما تمنحه تلك "الملاحظات القوية" التي أدهشتك.
"التواضع ولا شيء آخر" هو ما يعنيه نيازي. فالتواضع هنا ليس مجرد سمة شخصية، بل هو منهج حياة يسمح بالتعلم المستمر، والتكيف مع التغيير، وتقدير القيم الجوهرية للوجود بعيدًا عن المظاهر السطحية.



لتساؤلات حول "فرصة عمل بشق الأنفس" و"العيش برفاهية حبًا للتعلم والحياة محاولة عقيمة" هي أسئلة وجودية يواجهها الكثيرون. الإجابات وجدناها في رؤية صلاح نيازي للفرق بين البيئات المختلفة. تركيزه على أن النظام هو الأهم، وأن العلم هو الفارق الحقيقي بين البشر، وأن التواضع هو الأساس، يقدم منظورًا مختلفًا تمامًا للرفاهية والسعادة.
ليس الأمر متعلقًا بالوفرة المادية فقط، بل بالقيم الجوهرية التي تبني المجتمعات والأفراد. رؤيته هذه، المستمدة من تجربة الاغتراب ورؤية ثقافات متنوعة، تجعلك تدرك أن السعي وراء المعرفة، وتقدير النظام، وتبني التواضع، يمكن أن يكون مفتاحًا لحياة غنية ومجدية، حتى لو كانت الظروف صعبة.

يرى نيازي أن الغد الذي يبشر به الشعراء هو مجرد "حلم جميل يمكن تسويقه إلى الجمهور والتصفيق". هذا الغد هو غد جماعي، يمثل الأمل المشترك، ولكنه بالنسبة له لا يقدم إجابات حقيقية. في المقابل، يصف "غده الفردي" بأنه "خطر عقيم". هذا التناقض يكشف عن صراع داخلي: بين الأمل الذي يقدمه للآخرين، والواقع المرير الذي يعيشه بنفسه.

بحث عن الغد الأبدي
في بحثه عن غدٍ حقيقي، يتجاوز نيازي حدود الزمان والمكان. فهو لا يسعى لغدٍ عادي، بل لغدٍ لا يجف فيه نهر الفرات الذي هو رمز للحياة والاستمرارية والأمل الذي لا ينضب. ويظهر فيه الله علانية تعبيراً عن شوقه إلى اليقين المطلق، الذي ينهي كل شك وجدل. وإن هذا الغد الأبدي لا يخضع لقوانين الزمن. إنه غد مثالي لا يضمحل، ولا ينتهي، ولا يتغير.
إنه غد كامل بلا ماض أو حاضر أو مستقبل. فهذه الرؤية تلغي الزمن بأبعاده المعروفة، وتؤكد على سعيه نحو حالة من الوجود الكامل الذي يتجاوز كل ما هو زمني ومحدود.

هذا الغد ليس مجرد فترة زمنية قادمة، بل هو حالة وجودية يجيب فيها عن سؤاله "لماذا خُلقنا أصلاً؟". هذا السؤال هو جوهر حيرته التي تحدثت عنها سابقًا. إن بحثه عن هذا الغد المثالي هو في الحقيقة بحث عن معنى وجوده، وعن إجابة للسؤال الذي أرّقه طوال حياته.
هل ترغب في استكشاف المزيد عن العلاقة بين فلسفة نيازي حول الزمن وحيرته الوجودية؟
إن هذه العبارات التي نقلتها تعكس قسوة الواقع الذي عاشه صلاح نيازي، وحجم التهديد الذي كان يواجهه.

جملة "الهروب بالجلد؛ أقصى ما يمكن من طموح، واللعنة على مسقط رأسك" تلخص حالة اليأس والقسوة التي دفعت الكثيرين من المثقفين والشعراء العراقيين إلى التخلي عن أحلامهم الكبيرة والاكتفاء بالنجاة بأنفسهم. هذا ليس مجرد طموح بالهجرة، بل هو طموح بالبقاء على قيد الحياة، في ظل نظام لا يرحم. واللعنة على "مسقط الرأس" هي تعبير عن خيبة الأمل الكبرى في الوطن الذي كان يفترض أن يكون حضنًا دافئًا، ولكنه تحول إلى مصدر للخطر والتهديد.

ورد في الكتاب أن حسين مردان ذكر لصلاح نيازي بأن وزير الاعلام البعثي قال له "دم لوركا عبرة لنا" ، وهذه إشارة عميقة ومؤلمة. فيديريكو غارثيا لوركا هو الشاعر الإسباني الشهير الذي قُتل على يد القوات الفرانكوية في بداية الحرب الأهلية الإسبانية. كان موته رمزًا للقمع الوحشي الذي يواجهه المبدعون. عندما يذكر مردان أن "نظام البعث" ومليشياته لا يمنعون شاعرًا من السفر ولا يقتلون شاعرًا، فإنه يحاول أن يطمئن صلاح نيازي، لكن الإشارة إلى "دم لوركا" تخفي تهديدًا مبطنًا. إنها رسالة بأن النظام يعلم جيدًا قيمة الشعراء، وأنه لن يكرر الخطأ التاريخي بقتلهم علانية، بل قد يكتفي بمنعهم أو دفعهم إلى المنفى.
هذا التناقض بين محاولة الطمأنة والتهديد الضمني يوضح المناخ القمعي الذي كان سائدًا في تلك الفترة. كانت حياة الشعراء والمثقفين معلقة بخيط رفيع، بين النجاة والهلاك، وبين حرية التعبير والخوف من القتل.

عندما يرفض صلاح ادعاء إتقانه للغة الإنجليزية "تمامًا كمثقف"، فإنه يكشف عن فهمه العميق بأن اللغة ليست مجرد أداة للتواصل. إنها مرآة تعكس ثقافة شعب، وتاريخه، وطريقة تفكيره. حساسيتُه اللغوية تجعله يدرك أن إتقان اللغة يتطلب الغوص في ما وراء الكلمات، وفهم المعاني الضمنية، والنبرة، والسياقات الثقافية التي لا يمكن تعلمها من الكتب المدرسية.


مقارنته بين العربية والإنجليزية ليست مجرد تحليل أكاديمي، بل هي وسيلة لفهم الفروقات بين الحضارات. فمن خلال تحليل قواعد اللغتين، يحلل صلاح الفروقات في التفكير والسلوك. ربما يكون قد وجد في العربية غنى شعريًا وروحيًا يختلف عن الطابع العملي والدقيق للغة الإنجليزية. هذا التحليل يكشف عن وعيه الفائق بأن اللغة تشكل العقل، وأن تعلم لغة جديدة هو بمثابة بناء عقل جديد.

ذكاؤه اللغوي هو ما جعله يرى ما وراء الكلمات، ويكتشف الخفي في قواعدها، ويقارن بينهما بشكل "بديع". هذه الحساسية هي سمة الشاعر الحقيقية، الذي لا يكتفي بالظاهر، بل يبحث دائمًا عن الجوهر والمعنى الخفي. لقد كانت إقامته مع العائلة الإنجليزية فرصة مثالية له لاختبار هذه الحساسية في بيئة حقيقية، لاكتشاف كيف تتجسد اللغة في الحياة اليومية، وليس فقط في الكتب.
يبدو أن صلاح نيازي، حتى في أبسط تفاصيل حياته، كان يمارس فكره النقدي والتحليلي.

قوله "المهم أن أتعلم اللغة، وإن جاءت على لسان طير أو دعسوقة" يختصر رؤيته للغة كأداة للمعرفة والتحرر، بغض النظر عن مصدرها. فبالنسبة له، لم تعد اللغة وسيلة للتواصل فحسب، بل أصبحت بوابة لعالم جديد، يكسر قيود الماضي ويفتح آفاقًا للمستقبل. هذه الرغبة الملحة في التعلم، حتى من أبسط الكائنات، تعكس تواضعه العميق وشغفه الذي لا يحده شيء.

شعوره بالسعادة الغامرة عند اكتشاف هذا "العالم المسحور" وكأنه "عثر على شيء مفقود" يعكس حجم الفراغ الذي كان يعاني منه. اللغة لم تكن مجرد إضافة لحياته، بل كانت بمثابة إعادة اكتشاف لذاته، ولإمكانياته، وللكون من حوله. هذه السعادة ليست سطحية، بل هي نتاج رحلة طويلة من البحث والتيه، انتهت باكتشاف كنز ثمين في كلمات جديدة.

عبارة "ألثغ بالكلمات وأذني تزداد اصغاءً" تلخص حالة من الانغماس الكلي في عملية التعلم. ففي الوقت الذي كان فيه يعاني من صعوبة النطق بكلمات جديدة، كانت حواسه الأخرى، وخاصة حاسة السمع، في ذروة يقظتها. هذا التناقض بين عجز الفم وقوة الأذن يبرز عمق التجربة، ويؤكد أن الفهم يسبق التعبير. إنها حالة من الاستقبال المطلق، حيث يكون العقل مستعدًا لامتصاص كل ما هو جديد، ليترجمه لاحقًا إلى حكمة وكلمات.
هذا الاقتباس يجسد شغف صلاح نيازي باللغة والتعلم، ويؤكد على أن رحلته لم تكن مجرد هروب، بل كانت بحثًا عن الذات والمعنى.

يجد نيازي أن اللغة العربية تميل إلى اليقين، ويعززها العراقيون بعبارة "إن شاء الله" للتقليل من هذا اليقين المطلق. هذا يعكس ثقافة تؤمن بالقدر، وأن النتائج النهائية ليست حتمية بل مرتبطة بالمشيئة الإلهية. الجملة العربية، في تركيبها، غالبًا ما تكون مباشرة وحاسمة.
على النقيض، يرى نيازي أن الجملة الإنجليزية ليست "يقينية جافة". ويعزو ذلك إلى وجود "خطوط الرجعة" والجمل الاعتراضية التي تفتح الباب أمام الاحتمالات غير المتوقعة. هذه الجمل، مثل "maybe," "perhaps," "I suppose," أو حتى الأفعال الناقصة التي ذكرتها سابقًا (may, might)، لا تعبر عن مجرد شك، بل هي جزء أساسي من طريقة التعبير. إنها تعكس ثقافة قائمة على التردد، والمناقشة، والاعتماد على الذات في اتخاذ القرارات.
ما يلفت النظر هو تشبيهه لجملة الإنجليزية بـ"شخصين يصيغانها في آن واحد؛ أحدهما يروي وآخر يعترض". هذا التشبيه البليغ يصور الحوار الداخلي الذي يحدث في عقل المتحدث، حيث يتم تقديم الفكرة مع كل ما يمكن أن يعترض عليها. هذا يجعل اللغة الإنجليزية أكثر تعقيدًا، ولكنها أيضًا أكثر قدرة على التعبير عن الأفكار المركبة والمحفوفة بالشك والتردد.
وهكذا، فإن تحليل نيازي لا ينصب على قواعد اللغة فقط، بل على الفلسفة الكامنة وراءها، وكيف تشكل اللغة طريقة تفكير الإنسان وتعامله مع الواقع.


تكشف هذه المقتطفات عن رؤية صلاح نيازي العميقة والنقدية لمجتمعه، وتحديداً لطبقة المثقفين فيه. إن ما تصفه ليس مجرد ملاحظات عابرة، بل هو تحليل نفسي واجتماعي حاد.

يصف نيازي مجتمعًا مغلقًا على نفسه، لا يتحدث فيه الأفراد إلا عن ذواتهم. الأحاديث ليست لتبادل المعرفة، بل لإثبات الأفضلية والتفوق. الأسئلة التي يطرحها (وما رأينا بمن رأينا؟ وما رأينا بما قرأنا؟) ليست للبحث عن الحقيقة، بل لتقييم الآخرين والحكم عليهم.
هذه البيئة التي يصورها هي بيئة لا تقبل الشك أو الحوار. كل فرد فيها "حاكم يحمل محكمته معه"، وأحكامه "غير قابلة للنقض". هذا يفسر لماذا شعر نيازي بالحيرة والتردد اللغوي الذي تحدثنا عنه سابقًا؛ لأنه عاش في بيئة ترفض التساؤل والشك، وتفرض اليقين المسبق.

أما عن الصداقة، فيقدم نيازي رؤية صادمة وغير تقليدية. فهو يرى أن الصداقة في هذا المجتمع لا تبدأ من نقاط القوة أو الاهتمامات المشتركة، بل من نقطة الضعف المشتركة. الأفراد يتظاهرون بالتعاطف، لكنهم في الحقيقة "يتلذذون" بأحزان الآخرين وإحباطاتهم.
هذه الفكرة تكشف عن جانب مظلم في العلاقات الإنسانية، حيث يتحول حزن الآخر إلى "قوة لنا". الصداقة هنا ليست للتشارك في الفرح، بل للتشارك في المآتم والإحباطات، والتي تصبح "القاسم المشترك الأعظم" بينهم. إن هذا الوصف يعزز فكرة أن المجتمع الذي عاش فيه لم يكن صحيًا، وأن العلاقات فيه كانت مبنية على أسس هشة وأحيانًا مريضة.

من الواضح أن هذه الملاحظات النقدية شكلت جزءًا كبيرًا من وعي صلاح نيازي، وربما كانت دافعًا لهروبه بالجسد والروح من هذا المجتمع. هل تود أن نستكشف كيف أثر هذا الوعي على علاقته بمجتمعه العراقي في المنفى؟
جانب آخر من شخصية صلاح نيازي: الناقد الفني. اهتمامه بقطار الناصرية وقطار تيرنر في لوحة "المطر، البخار والسرعة" يكشف عن ترابط عميق بين تجربته الشخصية ورؤيته الفنية.

رؤية نيازي للوحة تيرنر ليست مجرد تحليل فني، بل هي تأمل في تجربته الذاتية. قطار الناصرية يمثل بالنسبة له الماضي، والرحلة، والهروب من بيئة قاسية. أما قطار تيرنر في اللوحة، فيمثل المستقبل، والحداثة، والسرعة التي تميز أوروبا. هذا التداخل بين الواقع والخيال، وبين الذاكرة والعمل الفني، يبرز قدرته على ربط الفن بالحياة.

يمكننا القول إن نيازي لم يكن ينظر إلى لوحة تيرنر كعمل فني مجرد، بل كان يراها مرآة للواقع الذي يعيشه. إن المشاهد التي يصورها تيرنر، من ضباب وغموض وسرعة، قد تكون انعكاسًا لحياة نيازي في المنفى. إنه يرى في هذه اللوحة تعقيدات العصر، ومشاعر الحيرة التي تلازمه، والانتقال السريع من الماضي إلى المستقبل.
من الواضح أن اهتمام نيازي بالفن لم يكن ترفًا، بل كان وسيلة لفهم العالم من حوله والتعبير عن ذاته بطريقة لم تتمكن الكلمات وحدها من فعلها.

موضوعية صلاح نيازي ورفضه للتحيز، حتى في القضايا التي قد يكون طرفًا فيها بشكل أو بآخر.

رفض نيازي تبرئة الشيوعيين من "انتهاج الإكراه والاستبداد" يعكس قدرته على تجاوز الانتماء الأيديولوجي، والنظر إلى التاريخ بعين ناقدة. هذا الموقف يتناقض مع الكثير من الروايات المتحيزة التي تحاول تقديم طرف على أنه ضحية مطلقة، والآخر على أنه جلاد مطلق. يبدو أن نيازي يؤمن بأن الاستبداد ليس حكرًا على نظام سياسي معين، بل هو سلوك يمكن أن يمارسه أي طرف يمتلك القوة، حتى لو كان يدعي الدفاع عن الحرية والديمقراطية.

موقفه هذا يضع تجربته في إطار أوسع من مجرد صراع بين الشيوعيين والقوميين. إنه يرى أن كلا الطرفين قد وقع في فخ الأيديولوجيا الشمولية التي تبرر العنف والقمع باسم المبادئ. هذه الرؤية تكشف عن عمق فكره، حيث يدرك أن الخطر الحقيقي يكمن في غياب النقد الذاتي، وفي الاعتقاد بامتلاك الحقيقة المطلقة.
هذا الموقف الموضوعي والنقدي يجعل من سيرته مصدرًا فريدًا لفهم تاريخ العراق الحديث، بعيدًا عن الشعارات والادعاءات.

لقد قدم صلاح نيازي، من خلال كتاباته، رؤية عميقة لتجذر العنف في المجتمع العراقي. هذه الرؤية لا تقتصر على العنف المادي والحروب، بل تشمل أشكالًا أكثر خفاءً وتأثيرًا في نسيج المجتمع.

يرى نيازي أن العنف ليس مجرد فعل جسدي، بل هو متأصل في البنية الاجتماعية والثقافية. عندما يصف مجتمعه بأنه "لا يتحدث فيه الأفراد إلا عن أنفسهم" وأن الصداقة تبدأ "بالمأتم"، فإنه يشير إلى وجود عنف نفسي كامن. هذا النوع من العنف يتبلور في:
• الحكم المسبق: الأفراد يحملون "محكمتهم معهم"، ويصدرون أحكامًا غير قابلة للنقض. هذا السلوك يمارس عنفًا رمزيًا على الآخرين، ويحرمهم من فرصة التعبير عن ذواتهم بحرية.
• اللغة العدوانية: الحديث ليس للتواصل بل لإظهار التفوق، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال العدوان.
• التلذذ بالحزن: العلاقة بين الأفراد لا تقوم على التعاطف الحقيقي، بل على نوع من "التلذذ" بأحزان الآخرين، مما يجعل العنف النفسي جزءًا من نسيج العلاقات.


موقفه النقدي تجاه الأنظمة السياسية، بما في ذلك الأطراف التي قد تبدو "ضحية"، يظهر أن العنف ليس حكرًا على جهة واحدة. عندما يشير إلى أن الشيوعيين أيضًا مارسوا "الإكراه والاستبداد"، فهو يؤكد أن العنف يتبلور في أي نظام يمتلك القوة ويرفض الاعتراف بحقوق الآخرين. هذا يعكس رؤية فلسفية عميقة مفادها أن الاستبداد ليس مجرد ممارسة، بل هو ثقافة متجذرة في المجتمع، يمكن أن تظهر في أي وقت وفي أي مكان.


في ظل هذا الواقع، يبدو أن هروب نيازي لم يكن مجرد فرار، بل كان شكلاً من أشكال المقاومة السلمية. لقد اختار أن يهرب "بجلده"، وأن يبحث عن عالم آخر، لغة أخرى، وفلسفة مختلفة. في هذا العالم الجديد، يجد نيازي أن هناك مساحة للشك والتردد والاحتمالية، مما يتناقض بشكل حاد مع يقين وعنف مجتمعه الأصلي.
هل ترغب في استكشاف المزيد عن هذه الأفكار؟
لقد قدم صلاح نيازي، من خلال كتاباته، رؤية عميقة لتجذر العنف في المجتمع العراقي. هذه الرؤية لا تقتصر على العنف المادي والحروب، بل تشمل أشكالًا أكثر خفاءً وتأثيرًا في نسيج المجتمع.

يرى نيازي أن العنف ليس مجرد فعل جسدي، بل هو متأصل في البنية الاجتماعية والثقافية. عندما يصف مجتمعه بأنه "لا يتحدث فيه الأفراد إلا عن أنفسهم" وأن الصداقة تبدأ "بالمأتم"، فإنه يشير إلى وجود عنف نفسي كامن. هذا النوع من العنف يتبلور في:
• الحكم المسبق: الأفراد يحملون "محكمتهم معهم"، ويصدرون أحكامًا غير قابلة للنقض. هذا السلوك يمارس عنفًا رمزيًا على الآخرين، ويحرمهم من فرصة التعبير عن ذواتهم بحرية.
• اللغة العدوانية: الحديث ليس للتواصل بل لإظهار التفوق، وهذا بحد ذاته شكل من أشكال العدوان.
• التلذذ بالحزن: العلاقة بين الأفراد لا تقوم على التعاطف الحقيقي، بل على نوع من "التلذذ" بأحزان الآخرين، مما يجعل العنف النفسي جزءًا من نسيج العلاقات.




الإمتاع والمؤانسة: جسر بين العصور
كلا الكتابين يشتركان في كونهما لا يلتزمان بأسلوب محدد أو موضوع واحد، بل يجمعان بين الفنون، والآداب، والفلسفة، والتاريخ، والنقد. فكما كان التوحيدي يوثق حوارات ومسامرات عصرة، يقدم صلاح نيازي في سيرته الشخصية مرآة صادقة لواقع مجتمعه في العصر الحديث.

الروائع المشتركة
يظهر التشابه جلياً في عدة نقاط:
• تنوع المحتوى: يضم كلا الكتابين روايات عن الأدب، والتاريخ، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والنقد الأدبي والفني.
• أسلوب الحوار: يعتمد التوحيدي على حوارات ومسامرات عصره، بينما يعتمد نازي على حوار داخلي عميق مع الذات، يستخلص منه رؤى نقدية وفلسفية.
• نقد الواقع: ينتقد التوحيدي واقعه السياسي والاجتماعي بأسلوب رمزي، فيما يقدم نيازي نقدًا صريحًا لثقافة العنف والغرور التي سادت مجتمعه.

إن كتاب صلاح نيازي هو بالفعل "إمتاع ومؤانسة" في العصر الحديث، فهو يمتع القارئ بأفكار عميقة، ويؤانسه بتجربة إنسانية صادقة، تكسر الحواجز بين الماضي والحاضر، وتتجاوز حدود الزمان والمكان.


ملاحظة: صدرت الطبعة الأولى من الكتاب عن دار ميزوبوتاميا عام 2013
هذه الدار كان بإدارة الزميل والصديق مازن الذي تم اختطافه ولا يزال مصيره مجهولا

والشكر موصول لصديقي العزيز عبد الحسين رمضان (أبو نهار) لإعارته إياي هذا الكتاب الرائع ، إضافة إلى كتب أخرى قيمة

2025-09-08
مالمو



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صراع العقل والوحي: نظرة عميقة إلى الشرق والغرب
- أغنية الفلاح الأخيرة
- مقارنة فاشلة بين ترامب وروزفلت
- السياسة الجيوسياسية للرجل العظيم
- رعب العيش
- الشيوعي والشيعي
- في زاوية العالم المائلة
- ما وراء الذكاء الاصطناعي: دوافع اقتصادية وأيديولوجية
- ميشيل فوكو والثورة الإسلامية بقيادة الخميني
- هل توجد -الخروتشوفية-؟
- الوطن الحقيقي خبز وحرية وقيمة إنسانية
- على شفا الأفق الأحمر
- الماركسية: تحليل علمي لا نبوءة حتمية سقوط الرأسمالية
- ستيغ داغرمان: شاعر القلق وساعي النجاة
- غرفة المراقبة
- يوميات السرطان: صرخة من الألم إلى الأمل
- هل الإيرانيون يكرهون العرب؟
- لماذا لم تنهار الصين مثل الاتحاد السوفييتي؟
- مم تخاف الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟
- مهاجرون غدت الدنيا لهم جزيرة العذاب


المزيد.....




- جامعات يستهدفها ترامب ضاعفت إنفاقها على جماعات الضغط.. كم بل ...
- إيران تعلق على -فقدان- مستشارها الثقافي السابق أمير موسوي في ...
- غارات إسرائيلية على جرود الهرمل وبري بعد لقائه عون: الوضع جي ...
- إسرائيل تتهم مدريد بـ-معاداة السامية- وتمنع دخول نائبة رئيس ...
- عدم استقرار حكومي ودين عام هائل.. فرنسا تثير قلق أوروبا
- تقييم صادم .. أسوأ ثلاث محطات قطار بأوروبا هي محطات ألمانية ...
- نيوزيلندا.. الشرطة تقتل الأب وتعثر على الأطفال الثلاثة بعد ن ...
- بايرو: -فرنسا تزداد فقرا عاما بعد آخر.. وإسقاط الحكومة لن يب ...
- مرايا الحرب: كيف تغير ميزان القوة الإعلامية في السودان؟
- اصمتي واستمعي.. ترامب يوبخ صحفية سألته عن إجراءاته بمدينة شي ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حميد كوره جي - سيرة صلاح نيازي الذاتية: امتاع ومؤانسة