أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد كوره جي - مم تخاف الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟















المزيد.....

مم تخاف الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 15:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تجد في إسرائيل أو أمريكا مصدرًا لخوفها الأساسي، وإنما ينبع قلقها الحقيقي من منطق التحول الذي يُفرض بتوالي الزمن وتغيراته المتسارعة. إنها تخشى مواجهة فكرة التغيير وما يترتب عليه من زعزعة للهيكل الذي بُنيت عليه منذ انطلاق الثورة. فالمؤسسات التي تبدو ثابتة وكأنها محصنة، تُدرك بصمت أن ما يُمثلها الآن ليس كما كان عليه الحال قبل خمسة وأربعين عامًا. إلا أنها تتردد في الاعتراف الصريح بذلك، لأن هذا الاعتراف يتطلب منها إعادة النظر في منطق وجودها ذاته، مما يدفعها لإيجاد نظرية جديدة أو سردية تستند إليها لبناء شرعية استمرارها.

تواجه الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحديًا أساسيًا لا يتعلق بالخوف من قوى خارجية مثل إسرائيل أو أمريكا، بل بقلق أعمق ينبع من منطق التحول الذي يفرضه الزمن وتغيراته المتسارعة. إنها تخشى مواجهة فكرة التغيير وما يترتب عليها من زعزعة للهيكل الذي تأسست عليه الثورة.
إن الجمهورية الإسلامية والمؤسسات، حتى تلك التي تبدو راسخة، تدرك ضمنًا أنها تختلف اليوم عما كانت عليه قبل 45 عامًا. ومع ذلك، تتردد في الاعتراف الصريح بذلك، لأن هذا الاعتراف يتطلب منها إعادة تقييم جوهر وجودها، مما يستلزم بناء سردية جديدة تبرر استمراريتها. إذا لم تواجه هذه الحقيقة وتضع منطقًا جديدًا لوجودها المتغير، فإنها ستفقد حضورها تدريجيًا، مما يفتح الباب أمام تراجع قد يصل إلى الانهيار. الاستمرار دون إعادة تعريف الذات يؤدي في النهاية إلى تفكك المؤسسة، وهو تحدٍ يتطلب شجاعة الاعتراف بالانفصال بين ما كان وما يجب أن يكون.
إن إعادة تعريف الذات ليست مهمة سهلة، خاصة للمؤسسات التي ورثت السلطة. الانفصام الذي يخلقه الزمن بين البداية والوضع الحالي يفرض ضرورة قبول الانفصال عن الصورة الأولية التي تشكل بها الكيان. هذا القبول لا يغير الحاضر فحسب، بل يعيد تمحيص الماضي ونقده، مما يؤدي إلى "كسر التمثال الرمزي" الذي جسّد لحظة النشوء الأولى.

عند هذا المفترق، يمكن للمؤسسات أن تشهد نهضة جديدة وميلادًا يتوافق مع متطلبات العصر الحديث، مما يوفر لها أساسًا قويًا للاستمرار. أما إذا رفضت مواجهة هذه المتطلبات وتمسكت بعدم تعريف ذاتها بما يتناسب مع تحولات الواقع، فإن مصيرها سيكون الركود والفساد الذي يخترق أركان وجودها ببطء، مما يؤدي إلى تآكل يصعب إيقافه.

من زاوية أخرى، تُستخدم القوى الخارجية، مثل الولايات المتحدة وإسرائيل، ليس كعناصر تبعث على الخوف بذاتها، بل كذريعة لتبرير تأجيل التغيير الداخلي الضروري. في ظل الظروف الاستثنائية التي تُفرض بسبب تأثير هذه القوى، تُرجأ مواجهة الاستحقاقات الأساسية المرتبطة بالتحول الداخلي. هذا التأجيل يعمق وتيرة الانهيار التدريجي بدلًا من تصحيحه. وبهذا، لا تصبح هذه القوى مصدر تهديد مباشر فحسب، بل تتحول إلى أداة غير مباشرة تُستخدم لإطالة أمد تجاهل الأزمات الجوهرية المتمثلة في ضرورة التحول وإعادة بناء الأسس السياسية والاجتماعية بما يتماشى مع متطلبات العصر.

القلق الحقيقي الذي يواجه الجمهورية الإسلامية ينبع من التحدي الداخلي المرتبط بمنطق التغيير والتحول. هذا التخوف يرتبط بإدراك أن الواقع الحالي لم يعد مماثلًا لما كان عليه عند بداية الثورة. التغيير الحاصل ليس مجرد مسار طبيعي تأخذه الأحداث، بل هو تحول عميق يمس الهيكل الأساسي للدولة ويهدد وجودها بصورتها التقليدية. مصدر القلق يكمن في العجز، أو ربما الإحجام المتعمد، عن الإقرار الواضح بهذا التحول وتبعاته.

إذا اعترفت الجمهورية الإسلامية علنًا بأن الوضع الراهن يختلف جذريًا عن البدايات التي أُنشئت عليها، فإن ذلك سيجبرها على إعادة صياغة منطق جديد، وتنظير مختلف، ورواية محدثة لتبرير وجودها. هذا التحدي يتطلب قدرًا كبيرًا من الشجاعة لإعادة تعريف الهوية، وهي خطوة معقدة وصعبة حتى على مستوى الفرد، فما بالك عندما يتعلق الأمر بمؤسسات اجتماعية وسياسية متجذرة.

القيادات الحالية قد تفتقر إلى جرأة المؤسسين، وتفضل التشبث بالممارسات التقليدية والوضع الراهن الذي قد يؤدي إلى التدهور في نهاية المطاف. غياب منطق جديد لدعم واقع انتهى بالفعل يمكن أن يؤدي إلى فقدان الهوية وانهيار الكيان نفسه، حيث يصبح بلا تعريف واضح أو أساس قوي أو هدف محدد. هذا الغموض يفتح المجال لانتشار الفساد في بنية المؤسسات السياسية والاجتماعية، مما يؤدي إلى تآكل تدريجي لأركانها.

دروس من التاريخ

هذا التحليل لا يقتصر على الجمهورية الإسلامية، بل هو نموذج سلوكي ينطبق على نطاق واسع على أي كيان يسعى للبقاء والاستمرارية في بيئة متغيرة. لننظر إلى بعض الأمثلة:

كانت كوداك (Kodak) رائدة في صناعة التصوير الفوتوغرافي التناظري، حتى أنها اخترعت الكاميرا الرقمية عام 1975. لكنها ترددت في تبنيها بشكل كامل خشية أن تقوض مبيعاتها من أفلام التصوير. بدلًا من احتضان التكنولوجيا الجديدة وإعادة تعريف هويتها كشركة رائدة في التصوير الرقمي، تمسكت كوداك بنموذج عملها القديم. النتيجة كانت إعلان إفلاسها عام 2012، في حين ازدهرت شركات أخرى مثل سوني وكانون التي كانت أكثر مرونة في التكيف مع العصر الرقمي. لم توفر كوداك "منطقًا جديدًا لوجودها" في الحقبة الرقمية، ففقدت نفسها.

الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي مثال لدولة أو نظام سياسي يخشى "الإعلان الصريح عن أن ما هو موجود الآن ليس كما كان". بعد عقود من الحكم، أصبحت الأيديولوجية البلشفية جامدة وغير قادرة على تلبية احتياجات المواطنين أو مواكبة التطورات العالمية. تمسك الحزب بنفس الرواية والمنطق الذي تأسس عليه، ورفض الاعتراف بالانفصام بين الأيديولوجيا والواقع المعيش. كانت التهديدات الخارجية (الحرب الباردة) تُستخدم أحيانًا كذريعة لتوحيد الصفوف وتأجيل الإصلاحات الداخلية الجذرية. أدى هذا الجمود إلى تراكم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وتفشي الفساد، وفقدان الشرعية، مما أدى في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفيتي نفسه.

إن التحدي الأكبر أمام الجمهورية الإسلامية اليوم يتمثل في قدرتها على التكيف مع متطلبات العصر الحديث والتجرؤ على إعادة ابتكار هويتها، بدلًا من الاستمرار في التركيز على الخلافات والتهديدات الخارجية التي قد تخفي الحاجة الملحة لذلك التحول. إن أي كيان، سواء كان تجاريًا أو سياسيًا أو اجتماعيًا، يواجه خطر التآكل والانهيار إذا فشل في الاعتراف بالحاجة إلى التحول، وامتلاك الشجاعة لإعادة تعريف نفسه وتقديم "منطق جديد لوجوده" يتناسب مع تغيرات الزمن. التمسك بالماضي خوفًا من "كسر تمثال البدء" يؤدي حتمًا إلى "الركود بلا تعريف، بلا قاعدة، بلا معنى". الشجاعة الحقيقية تكمن في مواجهة الحقيقة الصعبة وإعادة تعريف الذات لتظل ذات صلة وفعالية في عالم دائم التغير.



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مهاجرون غدت الدنيا لهم جزيرة العذاب
- حين يترشح متهمون بجرائم الحرب لجائزة السلام
- مراجعة نقدية لمقال -أي شرق أوسط جديد يخدم مصالح شعوب المنطقة ...
- الأوليغارشيا الروسية في التسعينيات: طبقة مستحدثة أم امتداد ل ...
- الرسائل المطوية في خطاب -النصر- للمرشد الأعلى خامنئي
- وجه الحرب الحقيقي: دعوة إلى الصمت والتأمل
- الاقتصاد السوفيتي: نموذج فريد يتجاوز التصنيفات التقليدية
- مثقفات ايرانيات والصراع بين الكوجيتو والوحدة في زمن الحداثة، ...
- الهولوكوست الجديد لنتنياهو: من الإبادة الجماعية المباشرة في ...
- كيف ينبغي أن يكون موقف الحزب الشيوعي والشيوعيين من الأدب وال ...
- إرث رضا شاه: لوحة معقدة من التناقضات
- عنف لم نألفه في لوس أنجلوس
- هل الإعلام مرآة للواقع أم أداة لتشكيله؟
- أسباب الفظائع وتجريد الإنسان من إنسانيته
- كيف يحتفل القوميون بانتصار الحقبة السوفيتية التي يمقتونها؟
- هل المترجم إنسان؟
- لماذا لم تحقق الولايات المتحدة أهدافها في أوكرانيا؟
- الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق: تحديات الرأسمالية العالمية و ...
- ألف ليلة وليلة: نافذة الشرق الساحرة على الخيال الغربي
- دمية أحمد: قصة أمل وحب متجدد


المزيد.....




- منها مدينة عربية.. قائمة بأكثر المدن كلفة بأسعار السلع والخد ...
- وقف إطلاق النار في السويداء.. العشائر تنسحب وتُحذّر وباراك ي ...
- من -الأم اليائسة- إلى الجواسيس الإسرائيليين.. حضانة طفلتين ت ...
- عمان بين مشهدين
- انتخابات مجلس الشيوخ في اليابان تهدد سلطة رئيس الوزراء وسط ا ...
- انتخابات يابانية اليوم تنذر برحيل رئيس الوزراء
- السلطات في شرق ليبيا ترحل 700 مهاجر سوداني
- مسؤول أميركي: انتقاد إسرائيل قد يحرم الأجانب من الدراسة بالو ...
- أسكتلندا تحث لندن على التعاون لإنقاذ أطفال غزة
- متظاهرون في برلين يطالبون الحكومة الألمانية بوقف توريد الأسل ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - حميد كوره جي - مم تخاف الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟