أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - هل المترجم إنسان؟















المزيد.....


هل المترجم إنسان؟


حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)


الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 02:42
المحور: الادب والفن
    


ترجمة من السويدية: حميد كشكولي

رحلة في أعماق فن الترجمة
في دهاليز اللغة، حيث تتراقص الظلال بين الأصيل والمحوَّل، يشرق صوت إبا هوغستروم، متسائلاً عن جوهر المترجم: هل هو مجرد صدى، أم روحٌ تنفخ الحياة في الكلمات؟ إنها تدعونا لارتداء زي ذهني خاص، زيٌّ يمنح المترجم المهني وشاح التميز ، أسمى الأوصاف لفنٍّ يعيد تشكيل العوالم بين ضفتي اللغات. ح.ك

أولى النبضات في عالم الترجمة: صدى اللامبالاة
لا تزال ذاكرتي تحتفظ بوهج تلك الزيارة الأولى لمعرض الكتاب، حين كنتُ "أخطو" خطواتي الأولى في دروب الترجمة. أضع "أخطو" بين قوسين، فما كان ذلك إلا وميضًا خادعًا لبداية لم تكن حقيقية بعد، ولم يكن عالم الخيال الأدبي مسرحها. بيد أنني كنتُ قد منحتُ الروح لكتابٍ، رأيتُ نسخة منه تتلألأ في أحد الأجنحة. اقتربتُ من شابٍّ هناك، وسألته عن مصير الكتاب، هل هو للبيع؟ "لا أعلم"، كان رده، كأنه صدى للامبالاة. حينها، أعلنتُ، وكأنني أكشف سرًا عظيمًا: "أنا من ترجم هذا الكتاب". لم أرَ في حياتي نظرةً أقل اهتمامًا، وكأنها تهمس في الفضاء: "ومن يكترث؟" سؤالٌ يطرح نفسه، بلا شك.

جائزة كويرية وكاحلٌ مكسور: المترجمُ تجسيدٌ من لحمٍ ودم
في أواخر أكتوبر من عام 2023، تسللت إليّ أنباء ترشيحي لجائزة أدبية تحتفي بالأعمال الكويرية. كنتُ حينها أحملُ في أحشائي جنينًا، في شهره السابع. وبعد شهر، عندما أُبلغتُ بفوزي، لم أكن قد تقدمتُ في حملي فحسب، بل كنتُ أرزح تحت وطأة كسرٍ في كاحلي الأيمن، وساقي حبيسة دعامة طبية تشبه حذاء التزلج.
هذه ليست قصة عن الترجمة والجسد، بل هي مجرد إشارة زمنية: كتبتُ هذه الكلمات في حقبةٍ كان فيها المترجمون كائناتٍ بشرية، قادرة على الإنجاب، ومعرضة للكسور. أجل، كنا هنا، نحن المترجمين من لحمٍ ودم، بقدرتنا على الخلق ومفاصلنا التي قد تخذلنا. ولكن، إلى متى سيستمر هذا الوجود؟

مفارقة الجائزة الأدبية للمترجم: لغزُ الإبداع المنسوب
إن نيل جائزة أدبية كمترجم يحمل في طياته مفارقة غريبة. أتذكر كيف أن صديقًا مقربًا، اشتهر بقلة إطرائه، قال لي شيئًا يشبه: "لا أفهم لماذا أنتِ تحديدًا من يحصل على الجائزة." كان قصده واضحًا: فأنا لم أكتب الكتاب. وكانت لديه فكرة منح جائزة لمترجم عن عمل مترجَم أمرًا غريبًا. ربما كان بوسعي أن أرد بحدة: "هناك من قد يدّعي أنني من كتبتها"، وربما فعلت، لا أذكر تمامًا. لكنني ما كنت لأستطيع إضفاء الكثير من الثقل على كلماتي، فقد فهمت وجهة نظره تمامًا.

فمنح جائزة لعمل مترجم يعني بالضرورة، إلى حد ما، تكريمًا للعمل الأصلي ومؤلفه، إلا في حالات استثنائية جدًا. يكفي أن نلقي نظرة على الكتب التي تُرشح عادة لجائزة "ترجمة العام" في السويد، أو جائزة بوكر الدولية. إنها دائمًا نوع معين من الكتب. فجوائز الترجمة لا تُمنح فقط للترجمات الممتازة، بل تُمنح حتمًا لترجمات جيدة لكتب يُعتقد أنها جيدة أيضًا.


"المتقن": وصفٌ لترجمةٍ تتجاوز الإبداع المباشر
إن تحديد ما يجعل الترجمة "جيدة" ليس بالأمر الهين، ولا التمييز بين ترجمةٍ تأسر الألباب وأخرى لا تتجاوز حدود القبول. يبدو أن معظم نقاد الأدب يعجزون عن تحديد ذلك بدقة. أحيانًا يساورني الشك في أنهم يغمضون أعينهم ويختارون وصفًا عشوائيًا بعد نظرة سريعة إلى اسم المترجم.

قبل بضع سنوات، استوقفتني مراجعة لكتاب مترجم، وُصفت ترجمته بـ المتقنة . هذا الوصف، الذي يتردد صداه في القاموس السويدي بمعنى المهارة مع قلة الابتكار أو الاستقلالية ، أرى فيه تجسيدًا مثاليًا لما يجب أن تكون عليه الترجمة حقًا. إنه ليس وصفًا عابرًا، بل هو جوهر الاحترافية في هذا الفن.

عندما نتحدث عن الترجمة، نجد أن المسألة ليست سهلة، سواء تعلق الأمر بالمعايير أو بالمفردات. ربما يمكن القول إن ترجمة الأدب العظيم هي عمل أكثر تعقيدًا، مما يجعل ترجمات هذا النوع من الأدب أكثر قيمة وجدارة بالتقدير مقارنة بترجمات متقنة لأعمال أقل جودة حسب الرأي السائد. ولكن إذا كنا بالفعل نطمح لتحرير الترجمة كفن مستقل، ألا يجدر بنا أحيانًا منح الجوائز لترجمات كتب سيئة للغاية، حيث نجحت الترجمة في الحفاظ على "سوء الكتابة" دون تغيير؟ بالطبع، أمزح. لكن الفكرة تستحق التأمل والنظر في المعايير التي نستخدمها وكيف نتعامل معها عندما يتعلق الأمر بتقييم جودة الترجمة. كما أننا بحاجة إلى القدرة على الدفاع حتى عن ما يبدو لنا أنه أمر بديهي.

"بريزما" والكتاب "الكويري": جدلُ التأويل وغياب الضمائر
الجائزة الأدبية التي حظيت بها، وهي جائزة "بريزما" الأدبية، تُعد تكريمًا أدبيًا تتجلى فيه الثقافات الكويرية، وهو ما يضيف بعدًا آخر معقدًا للمسألة. الكتاب الذي نلتُ الجائزة بسببه يحمل عنوان "كل هذا الآن"، واسمه الأصلي "das alles hier, jetzt"، وهو من إبداع الكاتبة السويسرية آنا شتيرن. يُعتبر الكتاب شهادة فريدة عن فترة الشباب، ويتسم بلغة شعرية آسرة، ويُشكل مرثاة حزينة لصديق راحل. لقد أحببتُ هذا الكتاب حقًا. ما يميز هذا العمل الأدبي هو خلوه من أي ضمائر تشير إلى الجنس، وهو ما كان على الأرجح السبب الجوهري لترشيحه لجائزة بريزما.

تجدر الإشارة إلى أن غياب الضمائر الجنسية لا يحتم بالضرورة تصنيف النص ككويري. هذا تأويلٌ واحدٌ فحسب، بيد أن آفاق التأويل تتسع لتشمل رؤى أخرى. خلال رحلتي مع ترجمة الكتاب، همستُ لصديقٍ بأنني أنكبُّ على ترجمة كتاب عن الحزن الكويري ، ولعل هذا كان تأويلي الشخصي للنص، وإن لم يترك أثرًا بيّنًا على مسار الترجمة ذاتها.

لقد ترجمت الكتاب بالطريقة التي أعتقد أنني دائمًا أترجم بها، وكانت النتيجة نصًا حصل على جائزة أدبية مخصصة للأعمال الكويرية. لكن لم أستطع منع نفسي من الشعور بأنني لم أكن أستحق الجائزة. ليس لأن ترجمتي لم تكن جيدة، فأنا أرى أنها كانت كذلك. لكن، أولًا: هناك ترجمات كويرية حقيقية، مثل تلك التي تعيد قراءة ومعالجة شكسبير بزاوية مختلفة، ومثال حديث في السويد هو عمل توا جيرج بعنوان السوناتات الذي حصل على جائزة بريزما للترجمة لعام 2024، أو تلك التي تعيد تقديم النصوص الإغريقية القديمة بشكل مبتكر (وهو على الأرجح ليس بالأمر الصعب كثيرًا). أنا لم أفعل شيئًا من هذا القبيل. لم أقم بإضفاء الطابع الكويري على النص، لم يكن ذلك ضروريًا أصلاً، فقد جاءت أي سمات كويرية محتملة مع الترجمة بشكل طبيعي. شعرت أن الجائزة كانت للكتاب نفسه، وليس لي.

أسبوع في أوسترغوتلاند: سيمفونية الطبيعة والعمل الخفيف
كانت الجائزة، على أي حال، عبارة عن إقامة لمدة أسبوع في مقاطعة أوسترغوتلاند الساحرة. وهكذا، شددتُ الرحال أنا وابني، الذي كان قد بلغ من العمر ستة أشهر، ووالده إلى قرية بوركهولت الجميلة في تلك المقاطعة، حيث حططنا الرحال في بيت ضيافة رائع. استمتعنا بسيمفونية النهر المتدفق، وسرنا بين غاباتها الساحرة، وسبحنا في بحيراتها الهادئة. ربما عملت قليلاً خلال الإقامة، فقد كان ذلك هو الهدف الأساسي منها، ولكن بقدر ما سمحت به الظروف. الفوز بجائزة أدبية كويرية والذهاب إلى بلدة صغيرة في أوسترغوتلاند لمدة أسبوع. يبدو وكأنه صدفة مذهلة وغير متوقعة. وفي النهاية، كان ذلك أسبوعًا جميلًا سأحتفظ له بذكريات دافئة طيلة حياتي. أود أن أغتنم هذه الفرصة لأوجه شكرًا كبيرًا لفريق بريزما الذي وجد ذلك المكان الرائع. أحسنتم حقًا.

"خيانة لا تغتفر": ضميرٌ يثير عاصفة في عالم الترجمة
في العدد 119 من مجلة MAO، خطت لو ماتيي، إحدى مؤسسي جائزة بريزما الأدبية، مقالًا تناول في جزء منه ترجمتي الفائزة. تسلل ضمير شخصي – "هو" – إلى النص بشكل غير مقصود. شعرت بإحباط طفيف عندما قرأت ذلك – يا للأسف! خطأ تدقيق مأساوي. وصفت ماتيي هذا الضمير المتسلل بأنه "خيانة لا تغتفر"، "صادم" و"مرعب"، وأشارت إلى أنها كانت تختلف مع لجنة التحكيم حين تم منحي الجائزة. أستطيع فهم مصطلح "الخيانة"، فأنا على دراية بهذا التوصيف المجازي في سياق الترجمة. إنه تصوير شائع. على سبيل المثال، هناك المثل الإيطالي الشهير: "Traduttore, traditore" أي "المترجم خائن". أو – للحفاظ على الجناس – ربما "المترجم متغلّب". لكن "لا يُغتفر"، "مرعب"، "صادم"؟ الأمر يبدو مبالغًا فيه.

"مهمة المترجم الكويري": بين الهوية والحياد
ذكرت ماتيي أيضًا، ولا أعرف كيف توصلت إلى ذلك، أنني فعلت ذلك عن عمد لأنني فضلت ما أسمته "التزامن في الفعل الموصوف". لا أفهم ما الذي تقصده بهذا تمامًا. أن أضيف جنسًا بدون مبرر في نص محايد جنسيًا كان سيكون قرارًا غير مفهوم. أفترض أن باقي لجنة التحكيم أدركت أن ذلك كان خطأ تدقيق، وإلا فلن أتمكن من فهم كيف يمكن لأحدهم أن يدافع عن منحي جائزة ترجمة، سواء كانت كويرية أم لا.

ومع ذلك، أريد التركيز على نقطة أخرى هنا. عنوان مقال ماتيي هو "مهمة المترجم الكويري". المترجم الكويري؟ حسنًا، نادرًا ما يضع الكاتب عنوان مقاله بنفسه. وبالتأكيد سيغتنم أي فرصة للإشارة إلى النص الكلاسيكي لوالتر بنيامين. لكن استوقفني الأمر قليلاً. هل يُفترض بالمترجم أن يكون كويريًا بالضرورة؟ ثم هناك إشارة عابرة إلى "التجربة الحياتية". أشتمّ هنا رؤية للترجمة لا أتعاطف معها كثيرًا.

مقال ماتيي يجادل بأن النصوص الكويرية تتطلب التزامًا خاصًا من مترجميها، وأنني قد فشلت في هذا الالتزام. وقد أشارت إلى تحديات المصطلحات الكويرية باعتبارها مثالًا على الصعوبات الخاصة بهذه النصوص. لكنني لست مقتنعة تمامًا بحجتها: محاولة إعادة إنتاج لهجة أو مصطلحات اجتماعية معينة والحرص على استخدام المصطلحات الصحيحة ليست سوى جزء من العمل المعتاد لأي مترجم، بغض النظر عن طبيعة النصوص أو الشخصيات التي يتم تناولها.

هل الخبرة المتخصصة ضرورة مطلقة في الترجمة؟
في نص جوليا جيلبرغ في MAO 112، الذي تستشهد به ماتيي كمثال، أُرى مترجمة تؤدي وظيفتها بأمانة وتأخذ مسؤوليتها كمترجمة تجاه النص الذي تعمل على ترجمته، وذلك من خلال استشارة خبير، وهو إجراء يُعد جزءًا شائعًا للغاية من عملية الترجمة كما تشير جيلبرغ نفسها. ومع ذلك، عندما تصل جيلبرغ إلى استنتاج مفاده أن "بعض النصوص التي تتناول تجارب معينة تتطلب خبرة متخصصة تتجاوز المؤهلات المهنية والأكاديمية" (مع الإشارة إلى أن كلمة "ربما" وردت في الجملة قبل الاقتباس المذكور)، أجدني شخصيًا لا أستطيع الاتفاق معها تمامًا. ليس لأن ما تقوله غير صحيح؛ ففي بعض الحالات، لابد بالطبع من التشاور مع شخص يملك خبرة مباشرة في بيئة معينة أو ضمن دوائر محددة للحصول على الأسلوب والتعبير المناسبين لتلك النصوص. وهذا ما قامت به جيلبرغ بالفعل. ولكن، ما لا يبدو واضحًا لي هو الفرق المبدئي بين تفاعلها مع إدوارد سامنان بخصوص المصطلحات اللغوية وبين استشارة شخص عمل، على سبيل المثال، في قسم الطوارئ الطبي للحصول على التعبيرات والمصطلحات الصحيحة الخاصة بتلك البيئة. في الحقيقة، لا أرى أي فارق جذري بين الحالتين.

"لا يهم من هو المترجم": جدلٌ يتجاوز الحدود
تشير جيلبيرغ أيضًا إلى نص كتبه كريستوفر لياندوير بشأن الجدل حول من ينبغي أن يترجم أعمال أماندا غورمان. يلخص جيلبيرغ رأي لياندوير بالقول إنه كتب أن "لا يهم من هو المترجم أو تجربته"، معتبرًا أن هذا تبسيط مفرط. لكنني أعتقد أن جيلبيرغ هو من يتبسط الأمور هنا. فما الذي كتبه لياندوير فعليًا في هذا النص؟ كان من بين ما كتبه: "إذا لم يُمنح المترجم الثقة بقدرته على تحويل المختلف، فهذا يعني أن القارئ أيضًا لا يمكن أن يُمنح هذه الثقة، لأن العملية العقلية في الأصل واحدة. كما لو أن التشابه فقط يمكنه فهم التشابه. ووفقًا لهذا المنطق، لن يتبقى الكثير من الكتب على الأرفف. وبالتأكيد، لن توجد أي ترجمات". عندما قرأت نص لياندوير، كنت أتصور أن النقاش لا بد أن ينتهي عند هذا الحد. فلا يمكن لأحد أن يعترض على هذا الكلام، أليس كذلك؟ لكن يبدو أنه استمر.

أخطاء الترجمة وتجانس المجال: رؤية نقدية معمقة
قرأت أيضًا مقال فاليري كييونو باكستروم في العدد 109 من مجلة MAO، وهو نص تستشهد به جيلبيرغ بإيجابية، ولاحظت أن نص لياندوير اقتُبس هناك أيضًا، بما يشمل جزءًا مما اقتبسته هنا، تلاه سؤال بلاغي يتساءل عن كيف يمكن أن تحتوي الترجمات السويدية لكتب تناولت حياة السود (في هذه الحالة الأميركيين) على أخطاء. قد يعتبر البعض أن الإجابة على سؤال بلاغي أمر غير لائق، لكنني سأقوم بذلك على أي حال: لأن كل الترجمات تحتوي على أخطاء. إذا تم فحص عدد من الترجمات كما فعلت كييونو باكستروم، فبالطبع سيُعثر على أخطاء، ومواضع مشكوك فيها، والكثير من الفقرات التي يمكن مناقشتها. لكن اعتبار ذلك نتيجة لـ"قلة اهتمام" من المترجمين وأن هذه القلة نابعة من "تجانس المجال" هو تفسير يصعب قبوله. كما أفترض أن الترجمات من الإنجليزية، وخاصة الإنجليزية الأميركية، تحتوي عمومًا على أخطاء أقل مقارنة بالترجمات من لغات أخرى.

من جهة، يعود السبب إلى الهيمنة الثقافية للأنجلو-أمريكية، ومن جهة أخرى، إلى أن المترجمين من الإنجليزية يتحصلون دائمًا على دعم محرر متمكن من اللغة المصدر. هذا الأمر بعيد كل البعد عن كونه قاعدة عامة بالنسبة للبقية منا. هنا تكمن فجوة معرفية كبيرة تؤثر بشكل ملحوظ على اختيار الكتب التي يتم نشرها أساسًا: فعدد قليل من الأشخاص يتقنون لغة أجنبية أخرى غير الإنجليزية. بالمناسبة، لن أقع في قراءة تفتقر إلى الأمانة أو التأني. الجزء الذي أوردته للتو كان مقتطفًا من أسئلة بلاغية، ونص كييوني باكستروم يعتمد إلى حد كبير على هذا النوع من الأسئلة. وهذا أمر متوقع وطبيعي، كونه مقالًا في الأساس. ولكن الإشكالية في مثال أماندا غورمان تتمثل في أن ما كان يجب أن يكون سؤالًا بلاغيًا أو عنوانًا لنقاش في ندوة ما تم تقديمه كإجابة قطعية ليصبح عقيدة. لنتذكر هنا المترجم الكتالوني الذي فقد وظيفته بسبب ذلك (ولم يكن هو الوحيد).


تطور علم الترجمة: من الوصف إلى الاشتراط
عادة ما يُقال إن علم الترجمة تطور من كونه وصفيًا (هكذا ينبغي أن تتم الترجمة!) إلى كونه تحليليًا (كيف تبدو الترجمات؟ كيف يعمل المترجمون؟). لكن ماذا يمكن أن نطلق على اشتراطات أن يفي المترجم بمعايير معينة؟ هل هي السوسيولوجيا الوصفية للترجمة؟ أعتقد أن هذا يمثل جوهر المشكلة: هناك فجوة كبيرة بين النظرية والتطبيق في مجال الترجمة، ولابد أن نتعامل مع هذا الفارق عند الكتابة عن الموضوع، خصوصًا إذا لم يكن الشخص مترجمًا بنفسه أو يملك خبرة عملية في المجال. الترجمة ليست مجرد استعارة مفيدة لكل شيء (مثلما يمكن لكل شيء أن يكون استعارة للترجمة) وموضوعًا يمكن التنظير حوله من كل الزوايا الممكنة، بل هي ممارسة وفي نفس الوقت مهنة لبعض الناس. وأحد الأمور التي شعرت بغيابها في النقاشات كان الاعتراف بهذا البعد بين النظرية والتطبيق واحترام المهارات المهنية للمترجمين.

في صحيفة إكسبرسن (13 أبريل 2021)، كتبت أماندا سفينسون بشكل ساخر عن "الرجال البيض الكبار الذين ترجموا أعمال شكسبير"، موجهة انتقادها على الأرجح للمترجم الكتالوني المذكور سابقًا، فيكتور أوبيلس، الذي ترجم بالفعل العديد من أعمال شكسبير. وعلى الرغم من أن أوبيلس كان رجلًا أبيض، إلا أنه في هذا السياق، ألا يُعتبر أكثر أهمية أنه كان مترجمًا إلى الكاتالونية، وهي لغة أقلية؟ وإذا كان يُنظر إلى ترجمة أعمال شكسبير كعائق وليس كميزة قوية، أليس هذا خروجًا عن المسار الصحيح؟ وأخيرًا، لماذا في نقاش يتعلق بقضايا اللغة والسلطة والتمثيل، لم يرَ أحد (حسبما استطعت أن أجد) الترجمة الاستعجالية لقصيدة جومان الوطنية كمثال ساطع على القوة الناعمة الأمريكية؟ كان الهيمنة هو الكلمة المناسبة.

المترجم: زيٌّ ذهنيٌّ وحيادٌ فنيّ
في الجزء السابق من هذا النص، بالغت قليلاً في التعبير عن كوني إنسانًا. الآن أفكر في التراجع عن ذلك. لأنه بطريقة ما، عندما أترجم، لا أكون مجرد إنسان. بالطبع، أنا إنسان، لكنني أؤدي دور المترجم في المقام الأول. دعوني أوضح ذلك بمقارنة. عملت لسنوات طويلة في مجال الخدمات، في متجر حيث نرتدي زيًا موحدًا. من يرتدي زيًا موحدًا يفهم سريعًا الفائدة من ارتدائه. عندما ترتدي الزي، تدخل في شخصية معينة وتشعر بتغييرات جسدية مصاحبة لذلك. في بعض الأحيان، يكون الأمر مريحًا. فتتغير القواعد قليلاً عن حياتك الشخصية، مثل تقبل أكبر لسلوكيات الناس الغريبة وحتى تصرفاتهم غير اللطيفة. إذا كان الزبون مزعوجًا قليلاً، يمكنك التغاضي عنه لأنك تمارس دورك. قد تضحك قليلاً على نكات زبون مملة – بسبب دورك. تستخدم أسلوبًا معينًا في التعبير وحركات اليد ونبرة صوت محددة - هذه هي الشخصية التي تلعبها في العمل. بالطبع، أنا من يقوم بكل ذلك، لكن بالزي الموحد، أمثل شيئًا آخر غير ذاتي.

بصفتي مترجمة، لا أرتدي زيًا موحدًا كما هو حال بعض المهن، ولكن المبدأ يبقى متماثلًا. عندما أقوم بترجمة نص، ألتزم بمجموعة من القواعد والمعايير. الترجمة، من وجهة نظري، تتمثل في التنقل بين سؤالين أساسيين: "ما الذي تريده النصوص؟" و"ما الذي تسمح به النصوص؟". وبين هذين المحورين أعمل على تحقيق التوازن أثناء الترجمة. بطبيعة الحال، هناك مساحة معينة من الحرية ضمن هذه الحدود، ولا شك أن الترجمة نشاط إبداعي دون منازع. ومع ذلك، فهي ليست مجرد اختيار كلمات جميلة أو استبدال ألفاظ كما لو كان المرء يلتقط حبات لؤلؤ من وعاء ويرتبها بشكل عشوائي على لوحة. إنها عملية مختلفة تمامًا.

أما فيما يخص وصف المترجم بأنه "مترجم كوير" أو "مترجم أبيض" أو أي تصنيف آخر يتم إضافته، فإن هذا لا يصبح ذا معنى إلا إذا افترضنا أن المترجم يعمل بناءً على ذاته وذوقه الشخصي وحده. غير أن هذا ليس جوهر مهمة الترجمة على الإطلاق. عندما أوقع على عقد لترجمة كتاب، بناءً على الاتفاقية القياسية (Standardavtalet)، أتعهد بأن تكون الترجمة متسقة مع المعايير المتعارف عليها في مجالي. كما أنني ألتزم بتقديم ترجمة دقيقة من الناحيتين الأسلوبية والموضوعية.

دقة الترجمة: مطابقة أم تحويل؟
لكن ماذا يعني أن تكون الترجمة دقيقة؟ وفقًا لما يورده قاموس اللغة السويدية (SAOL)، فإن المصطلح يدل على التطابق الكامل، والدقة، والموضوعية.

لا يمكن لأي ترجمة أن تكون مكافئة تمامًا للنص الأصلي، وإلا لما كانت ترجمة على الإطلاق. ولكننا نتنقل دائمًا انطلاقًا من نقطة محددة، وهي النص الأصلي، الذي يمثل الإطار المرجعي الأساسي في عملية الترجمة. وهذا ما يميز الترجمة عن الكتابة. وعلى الرغم من النقاشات المستمرة حول دور المترجم وتأثيره، تظل الترجمة بطبيعتها مختلفة عن الكتابة، حتى وإن كانت شكلاً من أشكالها. الاختلاف هنا لا يعني التقليل من قيمة الترجمة أو اعتبارها أقل أهمية، وإنما يبرز فقط الاختلاف الجوهري بين المجالين.

لا شك أن المترجم يترك بصمته على النص المترجم بطريقة أو بأخرى، وهذه مسألة شديدة التعقيد ودقيقة في ذاتها. ومع ذلك، أجد نفسي مترددة إزاء فكرة تسليط الضوء بشكل مبالغ فيه على شخصية المترجم وإبرازه. الإفراط في التركيز على المترجم ودوره قد يؤدي بنا إلى سوء فهم للعملية الترجمية. يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن المترجم لا يعمل بصفته الشخصية المطلقة، بل ينخرط في عملية تتطلب شكلاً من أشكال الحياد والالتزام، يمكننا أن نشبهها بارتداء زي رسمي خلال أداء المهمة، حيث تتراجع الذاتية أمام متطلبات النص ومعاييره.

المترجم: منخل، مصفاة، أم مخرب؟
في نص لو ماتيس يوجد مقطع مثير للاهتمام حيث يُقال: "النظر إلى الترجمة باعتبارها شفافة والمترجم كغير موجود، بلا جسد ووعي، يتكرر باستمرار. لكن المترجم هو أشبه بمنخل، مصفاة تمر عبرها النصوص الأصلية، يتم تشكيلها وتشويهها، تكتسب جسدًا لغويًا جديدًا وتجد طريقها إلى قراء جدد". أفترض أنها تعني أن هذا ينطبق على جميع النصوص، وليس فقط النصوص الكويرية. "المنخل" و"المصفاة" هما مجازان مثيران للاهتمام. في كلا الحالتين يُشار إلى أن المترجم يزيل شيئًا. "تشويه" هي أيضًا كلمة مثيرة. كلمة قوية وسلبية تمامًا. فالنص يمر (بشكل حيادي)، يُشكّل (بشكل حيادي) لكن يُشوّه (بشكل سلبي). هنا تكمن فكرة المترجم كمخرب يقوم بالعبث بالنص. أنا على دراية بهذا الفهم المجازي أيضًا (لكنني لست من المعجبين به). هل كانت هذه الفكرة هي التي جعلت ماتيس يسارع إلى استنتاج أن الخطأ في ترجمتي كان خيارًا متعمدًا، وأنني عمدًا أضفت ضمير جنس للنص؟ هل كنت المترجم المخرب المطلوب لتحقيق هذا التصور العنيف؟ ربما. لكن يجب أن أقبل أنني، الذي يُقال عن ترجمتي إنها "ذات طابع فني واضح وناجح" (كما ورد في مبررات جائزة بريزما) – أوه حسناً! – أُنسب أيضًا لأعمل مدمر. الفنان المترجم والمخرب المترجم هما وجهان لعملة واحدة، لا يمكن أن تكون واحدًا دون أن تكون الآخر. لكن لدي شعور بأن بعض القوة والتسريب اللذان ينسبان لي في الحالتين قد لا يكونا بالضرورة ... ملائمين لي.

فكرة جريئة: اختفاء المؤلفين وتفوق الترجمة
فكرة: بدلًا من تسليط الضوء على المترجمين، لماذا لا نعكس الأمر ونُخفي المؤلفين؟ لنتوقف عن إبرازهم؛ بل ولنواجههم بعدم اكتراث شديد، كعدم الاكتراث الذي واجهني به الشاب أثناء معرض الكتاب. أعتقد أن هذا قد يكون مفيدًا للأدب.

أنا شخصيًا أقدر فكرة خفاء المترجم. أرى أن من أجمل جوانب الترجمة هو العمل في الكواليس، أن تكون خلف الستار، دون أن تصبح وجهًا معروفًا أو حتى اسمًا مألوفًا، باستثناء عدد محدود من الزملاء. هذا الأمر جعلني أتساءل عما إذا كنت أستحق جائزة الترجمة التي حصلت عليها، أو إن كان بإمكان أي مترجم أن يستحق مثل هذه الجائزة من الأساس. ربما إذا كانت الجائزة تُمنح عن مجمل أعمال الترجمة، ولكن عن عمل واحد؟ ثم ماذا لو كان شخص آخر قد ترجم الكتاب الذي حصلت بسببه على الجائزة؟ هل يمكنني بيقين تام أن أقول إن فرصته في الحصول على الجائزة كانت ستكون أقل؟ أشك في ذلك، ولا أعتقد أن شكوكي هذه ناجمة عن طبيعة استثنائية في تقليل الأنا أو الذات.

الترجمة: ليست بديلًا، بل قيمة جوهرية
علينا، نحن المترجمين، أن نتقبل حقيقة أننا لسنا كائنات لا غنى عنها. فغالبًا ما تكون فكرة أن هوية المترجم لا تهم مجرد حقيقة لا رأيًا. إن رفض مترجم لمهمة ما يعني ببساطة أن الناشر سيلجأ إلى غيره. ورغم وجود استثناءات، حيث تتشابك أقدار بعض المؤلفين بمترجميهم، وحيث قد ينتظر الناشر مترجمًا مشغولًا لغياب ضغوط السوق، إلا أنني أؤكد بوضوح تام: لا أكن أي اعتراض على جوائز الترجمة، بل أحتفي بها! لكنني أرى أن روح الترجمة تتجلى في الظل، بعيدًا عن وهج الأضواء. وبكل صراحة أقول: لا نبتغي جوائز تُمنح لقلة، بل نطمح لظروف أفضل. ارفعوا أجور المترجمين. امنحوا الترجمة القيمة التي تستحقها. وأكرر، حاشا لله أن يعني هذا أن المترجمين بلا أهمية. ما أرمي إليه هو: الترجمة جوهرية. المترجمون ضروريون. لكنني، كفرد، لست بتلك الأهمية الكبرى. وهذا، في تقديري، هو ميزان الأمور الطبيعي.

إبا هوغستروم
Ebba Högström

تم نشر المقال في العدد 121 من مجلة Med andra ord لسان حال مركز المترجمين السويديين.



#حميد_كشكولي (هاشتاغ)       Hamid_Kashkoli#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا لم تحقق الولايات المتحدة أهدافها في أوكرانيا؟
- الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق: تحديات الرأسمالية العالمية و ...
- ثأثير ألف ليلة وليلة على الأدب والفن العالمي
- دمية أحمد: قصة أمل وحب متجدد
- فارس الروح
- الخليج الفارسي أم العربي، ليست تلك هي المسألة
- التنين الصيني قد يغمض لكن لا ينام
- عبقرية تشيخوف في قدرته الفذة على استكشاف أبعاد النفس البشرية
- الرأسمالية وتطبيع الاستغلال والكوارث الإنسانية
- علاقة الفكر والعمل
- الاستبداد الناعم
- العواقب الوخيمة لمقولة -كيفما تكونوا، يولّى عليكم-
- الساموراي الأخير عربيّا
- التسريبات لا تصدم أحدا قرأ التاريخ
- لم تكن لدى ماركس وصفات الطبخ للمستقبل
- قراءة رواية -الأمّ- في العصر الرقمي
- الحاكم الإله والقانون الإلهي في الشرق
- أسباب التوهم بقوة جيوش الأنظمة الديكتاتورية
- صناعة الاستشهاد
- ديالكتيك الدين ورأس المال


المزيد.....




- المخرجة السورية وعد الخطيب.. طفولة وأمومة صاغتا عدسة -من أجل ...
- رفع التمثيل الدبلوماسي بين باكستان وأفغانستان.. ماذا بعد؟
- كيف تحول التراث الشعبي المغربي إلى ركيزة ثقافية في المجتمع؟ ...
- هونغ كونغ ترحب بإقامة حفلات للموسيقيين الروس
- ما الذي يمنح السلطة شرعيتها؟ كتاب يفتح الباب لمقاربة فلسفية ...
- هذا ما قاله مُطلِق النار على الممثل جوناثان جوس للشرطة
- منشطات ومهدئات و-نشوة أوباما-: محاكمة شون -ديدي- كومز نافذة ...
- استقبل تردد قناة روتانا سينما 2025 وشاهد أحلى وأحدث الأفلام ...
- التهويدة.. ما سرّ تأثير هذا النوع من الغناء على الرضيع؟
- الطّاهريّ يناقش أطروحته عن أعشقني لسناء الشّعلان بعد ترجمتها ...


المزيد.....

- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كشكولي - هل المترجم إنسان؟