|
التنين الصيني قد يغمض لكن لا ينام
حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)
الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 02:45
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تسعى الصين حاليًا إلى تعزيز تحالفاتها الدولية، مع تركيز خاص على بناء علاقات أكثر قوة وعمقًا مع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي. تهدف هذه الجهود إلى تشكيل جبهة متماسكة لمواجهة السياسات التجارية المتبعة من قبل إدارة دونالد ترامب، وخاصة في سياق الحرب التجارية التي ألقت بظلالها على الاقتصاد العالمي. يأتي هذا التحرك في أعقاب اتفاق مؤقت بين الصين والولايات المتحدة لوقف تصعيد التعريفات الجمركية لمدة تسعين يومًا، وهو ما يُعرف بخلفية وقف إطلاق النار التجاري. تسعى الصين لتقديم نفسها في هذا السياق كشريك تجاري وتنموي موثوق ومستقر، وهو ما ينطوي على محاولة للتعامل مع حالة عدم اليقين وعدم الاستقرار الناتجين عن سياسات إدارة ترامب. استضافت بكين في هذا الصدد قادة وممثلين من ثلاث وثلاثين دولة تنتمي إلى منطقة أمريكا اللاتينية والكاريبي، بما في ذلك ثلاثة رؤساء من الدول الكبرى في المنطقة. تعكس هذه اللقاءات رسالة قوية حول التحولات الجارية في العلاقات الدولية وتزايد نفوذ الصين عالميًا. إضافة إلى ذلك، تشير هذه الزيارات إلى تغييرات جوهرية في السياسة الخارجية لدول أمريكا اللاتينية، وسعيها لتحقيق توازن أكبر في علاقاتها الدولية على خلفية التنافسات العالمية بين القوى الكبرى. تظهر هذه التحركات بوضوح استراتيجية الصين طويلة المدى التي تهدف إلى توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي على الصعيد العالمي. تتمتع منطقة أمريكا اللاتينية بثروات طبيعية وفيرة، مما يجعلها شريكًا استراتيجيًا للصين. وبالتالي، فإن تعزيز العلاقات مع دول هذه المنطقة يشكل تحديًا مباشراً للولايات المتحدة التي لطالما اعتبرت أمريكا اللاتينية جزءًا من دائرة نفوذها التقليدي. قد تفضي هذه التطورات إلى إعادة تشكيل موازين القوى في المنطقة، بما يعكس صدى التغيرات الجيوسياسية الأوسع نطاقًا.
تتبع الصين نهجًا يعتمد على تنويع علاقاتها الدولية وتجنب الاعتماد المفرط على شريك واحد. يبرز هذا من خلال تعزيز العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية، بالإضافة إلى تعزيز الشراكات في قارتي إفريقيا وآسيا. وفي المقابل، يظهر سعي دول أمريكا اللاتينية لتحقيق التوازن في تحالفاتها الدولية رغبتها في تقليص الاعتماد على قوة واحدة فقط، والعمل على تنويع شركائها لتحقيق مصالحها الوطنية بصورة أكثر استقلالية واستدامة.
زيارة الرئيس لولا دا سيلفا إلى الصين
يمثل الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا بلاده في زيارة رسمية رفيعة المستوى إلى الصين، حيث يقود وفدًا يضم 11 وزيرًا وما يزيد عن 150 من رجال الأعمال والمسؤولين الاقتصاديين. تمتد هذه الزيارة لمدة أربعة أيام وتأتي ضمن مساعي البرازيل لتعزيز شراكتها مع الصين.
الهدف الأساسي من الزيارة يتمثل في توسيع علاقات التعاون الاقتصادي بين البلدين، بما يعزز مكانة الصين كشريك تجاري رئيسي للبرازيل. وفي هذا السياق، أشار لولا إلى أن العلاقات بين البلدين تمتاز بصلابة لا يمكن كسرها. خلال تصريحاته، انتقد الرئيس البرازيلي السياسات الحمائية التي تبناها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، معتبرًا أن فرض سياسات تجارية مفاجئة من قبل الولايات المتحدة على العالم غير مقبول.
تعد الصين الشريك التجاري الأكبر للبرازيل خلال السنوات الأخيرة، وتسعى البرازيل حاليًا إلى جذب استثمارات صينية ضخمة في مشاريع البنية التحتية. بالفعل، أعلنت الصين عن استثمار بقيمة 4.6 مليار دولار في قطاعات متنوعة بالبرازيل خلال اليوم الأول من هذه الزيارة.
أهمية هذا التعاون الاقتصادي تكمن في مساهمته في تنويع الشراكات التجارية للبرازيل وتقليل اعتمادها على الولايات المتحدة. كما يعكس تعزيز التعاون بين البلدين تغيرًا تدريجيًا في موازين القوى الاقتصادية العالمية. وهو دليل آخر على السعي المشترك لدول أمريكا اللاتينية لتحقيق توازن أكبر في سياساتها الدولية.
الاستثمارات الصينية المرتقبة في مشاريع البنية التحتية البرازيلية قد تؤدي إلى دفع عجلة التنمية الاقتصادية بشكل ملموس، فضلًا عن تعزيز نفوذ الصين في منطقة أمريكا الجنوبية. ومن ناحية أخرى، يشكل انتقاد لولا لسياسات ترامب موقفًا مشتركًا بين العديد من الدول النامية ضد النزعات الحمائية، ويبرز الطموح البرازيلي للعب دور أكثر فاعلية في تشكيل النظام التجاري العالمي.
في المجمل، تمثل زيارة رئيس البرازيل إلى الصين خطوة هامة نحو تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، ومن المتوقع أن تشهد تلك العلاقات مزيدًا من التوسع والتطور في الفترة المقبلة.
زيارة غوستافو بترو إلى الصين
زار رئيس كولومبيا، غوستافو بترو، الصين بالتزامن مع زيارة الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، حيث أبدى بترو تحولًا في الموقف الكولومبي تجاه السياسات العالمية، خاصةً فيما يتعلق بالولايات المتحدة والصين. صرّح بترو عن عدم رغبة بلاده في الاعتماد الحصري على الولايات المتحدة بعد الآن.
أوضح بترو أن كولومبيا تسعى بجدية نحو تعميق العلاقات مع الصين، مؤكدًا على توجهها نحو الشرق، وخاصةً الصين. كما أعلن عن انضمام كولومبيا رسميًا إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية (BRI)، ما يُعتبر تعبيرًا عن الثقة الاقتصادية المتزايدة بين كولومبيا والصين.
تعكس زيارة بترو مساعي كولومبيا لتنويع علاقاتها الدولية والحد من اعتمادها الكبير على الولايات المتحدة. وتتماشى هذه الخطوة مع سعي العديد من دول أمريكا اللاتينية لتعزيز شراكاتها مع الصين. انضمام كولومبيا إلى مبادرة الحزام والطريق يعزز نفوذ الصين المتزايد في أمريكا اللاتينية، مما قد يسفر عن تحولات في توازن القوة بالمنطقة.
من المتوقع أن يفضي انضمام كولومبيا إلى المبادرة إلى زيادة كبيرة في الاستثمارات الصينية، خصوصًا في مجالات البنية التحتية والمشاريع الاقتصادية داخل كولومبيا، مما يمكن أن يعزز من التنمية الاقتصادية فيها. تصريحات بترو تشير إلى تغيّر جوهري في السياسة الخارجية لكولومبيا التي كانت سابقًا تركز بشكل تقليدي على الولايات المتحدة. يبرز هذا التحول رغبة كولومبيا في تبني دور أكثر استقلالية على الساحة الدولية. تظهر زيارة بترو للصين تغيّرًا بارزًا في السياسة الخارجية لكولومبيا، مما يؤكد على تطلعها لتعزيز العلاقات الاقتصادية والسياسية مع الصين، ويدعم من قوة مبادرة الحزام والطريق وزيادة تأثير الصين في أمريكا الجنوبية.
زيارة غابرييل بوريتش إلى الصين تشكل خطوة بارزة في تعزيز العلاقات بين تشيلي والصين. رئيس جمهورية تشيلي، غابرييل بوريتش، وصل إلى بكين بالتزامن مع حضور قادة آخرين من أمريكا اللاتينية، حيث شارك في اجتماعات مهمة مع مسؤولين صينيين وأعضاء من مجتمع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (CELAC).
تركز زيارة بوريتش بشكل رئيسي على تعزيز التعاون الاقتصادي مع الصين. أشار بوريتش إلى رغبة بلاده في الانخراط بشكل أعمق في مشاريع مشتركة مع الصين، مع التركيز على مجالات حيوية كالمشاريع المرتبطة بالطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحديثة.
تبرز هذه الزيارة اهتمامًا متزايدًا من دول أمريكا اللاتينية بتطوير علاقاتها مع الصين باعتبارها شريكًا اقتصاديًا استراتيجيًا. تشيلي، مثل دول أخرى كالبرازيل وكولومبيا، تنظر إلى الصين كفرصة حقيقية للنمو والتنمية الاقتصادية، خاصة في ظل السعي وراء الابتكار وتحقيق تقدم مستدام.
اهتمام تشيلي بالطاقة النظيفة والتكنولوجيا الحديثة يعكس تطلعًا استراتيجيًا نحو بناء مستقبل مستدام وتعزيز العلاقات التقنية بين البلدين. الاجتماعات في إطار CELAC تسلط الضوء على أهمية هذا التكتل الإقليمي كمنصة لتعزيز الحوار وتنسيق الخطوات المشتركة بين الصين وأمريكا اللاتينية.
في حين لم يُشر مباشرة إلى تقليل الاعتماد على الولايات المتحدة، فإن التحركات نحو تنويع الشراكات الدولية تُظهر توجهات جديدة للدول في المنطقة لاستغلال إمكانيات النمو المتاحة مع شركاء آخرين مثل الصين. بوصفها قوة اقتصادية عالمية، تقدم الصين فرصًا كبيرة لتشيلي سواء في الاستثمار أو التمويل في القطاعات التي تم التركيز عليها خلال هذه الزيارة.
زيارة بوريتش إلى الصين تعكس بوضوح رغبة تشيلي في تعزيز شراكتها مع هذه القوة الاقتصادية الكبرى، مع التركيز على مجالات تعد محورًا أساسيًا للنمو المستقبلي كالتكنولوجيا والطاقة النظيفة. هذا النهج ينسجم مع توجه أوسع لدول أمريكا اللاتينية نحو تعزيز شراكتها الإقليمية مع الصين لتحقيق التنمية المشتركة.
تسعى الصين بخطوات حثيثة لتعزيز علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية، مستندة في ذلك إلى استراتيجيات وأهداف مدروسة بعناية. يعد تواجد ثلاثة رؤساء من أمريكا اللاتينية في بكين في وقت واحد دلالة جلية على الأهمية الكبيرة التي توليها الصين لهذه المنطقة، وكذلك الرغبة المتبادلة لدى الدول اللاتينية في توثيق العلاقات معها. يأتي هذا في ظل سياق عالمي يتسم بعدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، مما يوجب البحث عن شركاء جدد وتنويع أفق التعاون.
شهدت السنوات الأخيرة توسعًا ملحوظًا لوجود الصين في أسواق أمريكا اللاتينية، حيث دفعت الحرب التجارية مع الولايات المتحدة الصين إلى البحث عن أسواق بديلة ومصادر جديدة للموارد. أصبحت الصين بالفعل الشريك التجاري الأبرز للعديد من دول أمريكا اللاتينية، وهو ما يعكس الزيادة المتنامية في حجم التبادل التجاري والاعتماد المتبادل بين الطرفين. تعتبر أمريكا اللاتينية منطقة استراتيجية ضمن مسعى الصين لبسط نفوذها الاقتصادي والسياسي عالميًا.
قامت الصين بتقديم حزم استثمارية ضخمة هدفت إلى تعزيز العلاقات وتطوير البنى التحتية في دول أمريكا اللاتينية، حيث تعد مبادرة الحزام والطريق من أهم الأدوات التي تستخدمها الصين لتطوير الاتصال والبنية التحتية عبر العالم، بما يشمل هذه المنطقة.
كما لا تقتصر الجهود الصينية على الجانب الاقتصادي، بل تمتد لتشمل تعزيز الاتصال السياسي والثقافي مع دول المنطقة لخلق روابط شاملة. تعتبر تأمين الموارد الطبيعية وإيجاد أسواق لصرف المنتجات الصينية من الدوافع الرئيسية التي تحفز هذه السياسة، بالإضافة إلى السعي لتعزيز النفوذ السياسي الصينى في مواجهة التصاعد الأمريكي التقليدي في المنطقة وبناء تحالفات تدعم مواقفها على الساحة الدولية.
من ناحية أخرى، تسعى دول أمريكا اللاتينية إلى استقطاب استثمارات جديدة وتنمية قدراتها الاقتصادية من خلال شراكات متنوعة، وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة عبر الاستفادة من النمو الاقتصادي الصيني اللافت.
ومع ذلك، يواجه هذا التقارب بعض المخاوف كتزايد الديون للصين وانتقاد بعض المشاريع الصينية لأثرها البيئي والاجتماعي، فضلاً عن التنافس المستمر مع النفوذ الأمريكي القوي في المنطقة. وبشكل عام، يمثل هذا النص انعكاساً لاستراتيجية صينية واضحة ومُحكمة لتعزيز الروابط مع أمريكا اللاتينية، مستفيدة من الظروف العالمية والقدرات الاقتصادية الهائلة لهذه المنطقة. يبدو أن هذه العلاقات تظل مرشحة للتطور والنمو المستمر في المستقبل القريب، مما سيؤثر بلا شك على المشهد الاقتصادي والسياسي العالمي.
تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بتعزيز العلاقات مع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، مؤكداً التزام بلاده بتوسيع أطر التعاون مع هذه الدول. وأعلن في كلمته خططاً ترمي إلى زيادة الواردات من المنطقة، مما يعكس رغبة الصين في تعزيز التبادلات التجارية وتنمية العلاقات الاقتصادية. وأبرز الرئيس الصيني أن بلاده تعتزم التركيز على الاستثمار في قطاعات الطاقة النظيفة، والتقنيات الحديثة، والذكاء الاصطناعي، وهو ما يعكس رؤية استراتيجية طويلة الأجل للتعاون المستدام مع دول المنطقة.
وأفاد بأن تحقيق هذه الأهداف سيتم من خلال تبني استراتيجية تعاون شاملة تشمل الأمن والمعرفة بين الصين ودول أمريكا اللاتينية والكاريبي، مع إيلاء اهتمام خاص بتشجيع الاستثمارات الصينية المباشرة في رأس المال داخل هذه الدول. كما أعلن عن إنشاء خط تمويل بقيمة 26 مليار يوان (ما يعادل 9.2 مليار دولار أمريكي) لدعم المشروعات التنموية والبنى التحتية في المنطقة.
يشير التركيز على الطاقة النظيفة، وتكنولوجيا الجيل الخامس، والذكاء الاصطناعي، إلى سعي الصين لبناء شراكات استراتيجية قوية في مجالات تعد أساسية للنمو الاقتصادي المستقبلي. ويعكس إنشاء خط التمويل الكبير التزام الصين بتعزيز التنمية الاقتصادية في المنطقة، بما يعكس رغبتها في دعم الاستقرار وتعزيز التعاون المشترك على أكثر من صعيد.
ومن الواضح أن لهذه الاستثمارات والتعاون المقدم من الصين أثراً مهماً محتملاً في تعزيز التنمية الاقتصادية والتكنولوجية بدول أمريكا اللاتينية والكاريبي. ويأتي هذا الزخم المتزايد لتعزيز العلاقات الصينية-اللاتينية ضمن سياق التنافس العالمي المتنامي، حيث تعمل الصين على توسيع نطاق تأثيرها الاقتصادي والسياسي على المستوى الدولي.
بوجه عام، يمثل خطاب شي جين بينغ تعبيراً واضحاً عن التزام الصين بتطوير علاقاتها مع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، مع التركيز على التعاون الاستراتيجي والتمويل الموجه لدعم المشروعات التنموية، مما يعزز التوجه نحو شراكات مستدامة طويلة الأمد.
شهدت التجارة بين الصين ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي نموًا ملحوظًا خلال العام الماضي، حيث تجاوز حجم التبادل التجاري بينهما سقف 500 مليار دولار للمرة الأولى. تشمل الواردات الصينية من هذه المنطقة بالأساس منتجات غنية بالكربون ومصادر الطاقة مثل النفط الخام والفحم، فضلًا عن المواد المعدنية الأساسية. يتم توجيه الاستثمارات الصينية في المنطقة من خلال مبادرة الحزام والطريق، مع تركيز واضح على تطوير شبكات الجيل الخامس، وتنفيذ مشروعات البنية التحتية، وتوسيع محطات الطاقة.
يشير تجاوز حجم التجارة 500 مليار دولار إلى الأهمية الاقتصادية المتبادلة بين الصين وهذه المنطقة، ما يعكس نموًا متسارعًا يعزز من ترابط المصالح الاقتصادية ويؤدي إلى زيادة الاعتماد المتبادل. كما يكشف التركيز على المواد الخام ومصادر الطاقة المستوردة عن دور أمريكا اللاتينية كمورد أساسي لبعض احتياجات الاقتصاد الصيني. ومع ذلك، يمكن أن يؤدي توجه الصين نحو تنويع وارداتها وزيادتها إلى إعادة تشكيل هذا الدور مستقبلاً.
استخدام مبادرة الحزام والطريق كأداة لتعزيز الاستثمارات يُظهر محورية هذه المبادرة في الاستراتيجية الصينية الرامية إلى تعزيز نفوذها العالمي وتحقيق اتصال أعمق بين الدول. ويبرز تركيز الصين على مجالات الجيل الخامس والإنشاءات ومحطات الطاقة كأولويات رئيسية للتعاون المستقبلي في المنطقة.
إضافةً إلى ذلك، فإن الشراكة بين الصين ومجموعة الدول الأعضاء في مجموعة مجتمع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي (CELAC)، التي ضمت 33 دولة، في صياغة هذه الخطة التعاونية يعكس وجود إطار مؤسسي صلب لتعزيز العلاقات بين الطرفين. من شأن هذا الإطار أن يسهم في تعزيز استدامة التعاون وقوته على المدى الطويل. الإشارة إلى أن إعداد هذه الخطة تم مؤخرًا يعكس جدية الجانبين وسرعة التحرك نحو تنفيذ الاستراتيجيات المشتركة، ما يضفي طابعًا ديناميكيًا على هذه الشراكة الواعدة.
استناداً إلى التحليل الوارد أعلاه، يمكن الاستنتاج بأن السياسات التي انتهجتها الولايات المتحدة، ولا سيما خلال إدارة الرئيس ترامب، أسهمت بشكل ملحوظ في تعزيز مشاعر الارتياب والقلق لدى العديد من الدول حول العالم، ومن بينها دول أمريكا اللاتينية. وقد دفع هذا القلق هذه الدول إلى اتخاذ خطوات ملموسة للبحث عن بدائل، بما في ذلك تعزيز العلاقات مع قوى عالمية أخرى مثل الصين.
إن السياسات التي وُصفت بكونها "غير قابلة للتنبؤ" قد أدت إلى حالة من عدم الاستقرار في العلاقات الدولية، ما يجعل من الصعب على الدول الأخرى وضع خطط طويلة الأمد للتعامل مع واشنطن. كما أن التوجهات الحمائية التي تبنتها إدارة ترامب، مثل فرض تعريفات جمركية، أحدثت صدمات لدى الشركاء التجاريين للولايات المتحدة وأسفرت عن نشوب حروب تجارية امتدت آثارها إلى النظام التجاري العالمي الذي يعتمد تقليدياً على التعاون والتعددية.
علاوة على ذلك، تسعى دول أمريكا اللاتينية إلى "سد الفراغ الناتج عن سياسات ترامب"، وهو إقرار بأن تراجع دور الولايات المتحدة أو تغيّر أولوياتها في مجال السياسة الخارجية يترك مساحة فارغة تسعى قوى أخرى لاستغلالها. ومن هنا، نجد أن الجهود المبذولة من قبل هذه الدول لتوسيع علاقاتها مع الصين تعكس توجهاً نحو تخفيف الاعتماد المفرط على السياسات الأحادية الأمريكية وحركة نحو تنويع الشراكات الاستراتيجية.
كما يظهر أن دول أمريكا اللاتينية تطمح لأن تكون طرفاً فاعلاً في عملية صياغة قواعد جديدة للنظام العالمي، قواعد لا تتم صناعتها حصرياً في العاصمة واشنطن. ويُشير هذا التطور إلى شعور متنامٍ بأن الولايات المتحدة لم تعد اللاعب الوحيد أو الأكثر تأثيراً في تشكيل الأطر الحاكمة للنظام الدولي. كما أن تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ التي تفيد بأن "التسلط والهيمنة يؤديان إلى العزلة" يمكن فهمها كإشارة نقدية ضمنية للنهج الأمريكي، الذي قد يُنظر إليه على أنه أحادي الجانب أو قائم على الإكراه.
بناءً على ذلك، يبدو أن سياسات واشنطن خلال عهد إدارة ترامب كانت عاملاً دافعاً وراء تحركات دول أمريكا اللاتينية نحو إعادة النظر في علاقاتها الدولية وتنويع خياراتها لتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة. يعكس هذا تحولاً في الإدراك الدولي للنظام العالمي، حيث تعتبر بعض السياسات الأمريكية ذات تأثير سلبي على استقرار العلاقات الدولية التي تستند إلى قواعد الشراكة المتعددة الأطراف. ومع ذلك، ينبغي التنويه بأن هذا التحليل يقتصر على المعلومات المتوافرة في النص، دون الأخذ بعين الاعتبار أبعاد أو زوايا إضافية قد تغير من هذا التقييم.
#حميد_كشكولي (هاشتاغ)
Hamid_Kashkoli#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عبقرية تشيخوف في قدرته الفذة على استكشاف أبعاد النفس البشرية
-
الرأسمالية وتطبيع الاستغلال والكوارث الإنسانية
-
علاقة الفكر والعمل
-
الاستبداد الناعم
-
العواقب الوخيمة لمقولة -كيفما تكونوا، يولّى عليكم-
-
الساموراي الأخير عربيّا
-
التسريبات لا تصدم أحدا قرأ التاريخ
-
لم تكن لدى ماركس وصفات الطبخ للمستقبل
-
قراءة رواية -الأمّ- في العصر الرقمي
-
الحاكم الإله والقانون الإلهي في الشرق
-
أسباب التوهم بقوة جيوش الأنظمة الديكتاتورية
-
صناعة الاستشهاد
-
ديالكتيك الدين ورأس المال
-
ابتسامة منكسرة
-
الدور الرجعي للمفكر الإيراني علي شريعتي
-
دور الفرد في التاريخ، ترامب وبوتين نموذجاً
-
رواية مدام بوفاري نقد لاذع للمجتمع البرجوازي الفرنسي
-
الرياضة وتوجيهها المعادي للقيم الإنسانية
-
الصين تزيح الولايات المتحدة عن عرشها كقائد عالمي في البحث ال
...
-
جريمة القتل -الوحشي- وجريمة القتل -المتحضّر-2
المزيد.....
-
-مفاجأة-.. بشأن-نسخة- وثيقة -ماغنا كارتا- في كلية هارفارد لل
...
-
واشنطن تؤكد انفتاح القيادة السورية الجديدة على التطبيع مع إس
...
-
وزير خارجية أمريكا: إيران قريبة جدا من امتلاك سلاح نووي.. ون
...
-
تحليل لـCNN: ترامب يتخلى عن انعزالية سياسة -أمريكا أولا- خلا
...
-
ما هي أبرز مواقف كييف وموسكو في محادثات السلام الأوكرانية؟
-
5 شهداء جنوب طوباس وتجريف واعتداءات للمستوطنين بشمال الضفة
-
موجة جديدة من كوفيد تضرب آسيا.. هل يعود الفيروس؟
-
ألمانيا: ارتفاع بنسبة 45% في حالات منع الدخول عبر الحدود بعد
...
-
عباس يطالب بتحرك دولي لوقف -جرائم- إسرائيل بغزة في فعالية أم
...
-
عدوى الانفصال.. لماذا تنقسم أرض الصومال إلى كيانين؟
المزيد.....
-
الحرب الأهليةحرب على الدولة
/ محمد علي مقلد
-
خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية
/ احمد صالح سلوم
-
دونالد ترامب - النص الكامل
/ جيلاني الهمامي
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4
/ عبد الرحمان النوضة
-
فهم حضارة العالم المعاصر
/ د. لبيب سلطان
-
حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3
/ عبد الرحمان النوضة
-
سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا-
/ نعوم تشومسكي
-
العولمة المتوحشة
/ فلاح أمين الرهيمي
-
أمريكا وأوروبا: ملامح علاقات جديدة في عالم متحوّل (النص الكا
...
/ جيلاني الهمامي
-
قراءة جديدة للتاريخ المبكر للاسلام
/ شريف عبد الرزاق
المزيد.....
|