أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - حميد كوره جي - إرث رضا شاه: لوحة معقدة من التناقضات















المزيد.....


إرث رضا شاه: لوحة معقدة من التناقضات


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8374 - 2025 / 6 / 15 - 19:04
المحور: الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني
    


يمثل إرث رضا شاه لوحة متعددة الأبعاد تعكس التناقضات الصارخة التي ميزت فترة حكمه. فمن ناحية، أسست جهوده في تحديث البنية التحتية للدولة وإنشاء مؤسسات مدنية حديثة قفزة نوعية نحو بناء دولة عصرية، انسجامًا مع تطلعات شريحة كبيرة من الإصلاحيين الإيرانيين. ومن ناحية أخرى، لا يمكن التغاضي عن التكلفة الإنسانية والسياسية الباهظة التي رافقت هذه التحولات، إذ تم فرضها عبر منظومة صارمة من القمع السياسي وتجاهل واضح للمُثل الديمقراطية، مما يثير تساؤلات جوهرية حول طبيعة وأبعاد هذا الإرث المثقل.

تحدي النفوذ الديني وتأسيس العلمانية البهلوية

لقد شكلت قرارات رضا شاه بتقييد تأثير الدين على الحياة العامة وتجريد المؤسسات الحكومية من سيطرته التقليدية مرحلة محورية في تاريخ إيران الحديث. يُعدّ فصل الدين عن الدولة، المعروف بـ"علمانية رضا شاه"، علامة فارقة في حكمه، حيث حدّ بشكل كبير من نفوذ المؤسسة الدينية وأحدث تحولًا كبيرًا في بنية السلطة والعلاقات الاجتماعية. ومع ذلك، اختلفت هذه العلمانية عن النسخة الديمقراطية التي سعت النخب المثقفة لتحقيقها؛ فلم تستند إلى قيم تحرير المجتمع، بل ارتبطت بسياسات فردية اتسمت أحيانًا بالاستبداد.

السياق التاريخي لصعود رضا شاه ومشروعه التحديثي

لفهم أعمق لإرث رضا شاه والتحولات الكبرى التي جرت خلال فترة حكمه، من الضروري العودة إلى الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي مهدت لهذه المرحلة. يضيف التحليل الواعي لهذه الخلفيات بعدًا مكثفًا لفهم التغيرات التي جلبها رضا شاه وتأثيرها الواسع على مختلف جوانب الحياة الإيرانية، ليس فقط على مستوى الحكم، بل على النسيج المجتمعي برمته.

لعب السياق التاريخي دورًا حاسمًا في صعود رضا شاه. فالحرب العالمية الأولى وما أعقبها من تحولات جيوسياسية واجتماعية في المنطقة والعالم، وفرت بيئة مواتية للتغيير في إيران. موجة التحديث التي اجتاحت العديد من الدول خلال تلك الحقبة وضعت إيران ضمن سياق التحولات العالمية.

الإلهام الإقليمي والدولي: تركيا وأفغانستان
منحت إيران فرصة للتحرر من الهيمنة الروسية التقليدية بعد سقوط النظام القيصري وإلغاء الاتفاقيات الاستعمارية. في المقابل، عزز صعود الحكم البلشفي مخاوف بريطانيا التي سعت لزيادة نفوذها في إيران بعد الحرب. دفع هذا التهديد "الشيوعي" بريطانيا للبحث عن سلطة مركزية قوية قادرة على ضمان الاستقرار ومواجهة الخطر، ما ساهم في دعم صعود رضا خان.

انهيار الإمبراطورية العثمانية وصعود مصطفى كمال أتاتورك وتأسيس الجمهورية التركية العلمانية أثر بشكل كبير على النخب الإيرانية. فقد رأوا في تجربة أتاتورك نموذجًا ناجحًا لتحويل دولة إسلامية تقليدية إلى دولة حديثة مبنية على أسس علمانية وقومية. ألهمت الإصلاحات الجوهرية لأتاتورك العديد من الإيرانيين الذين تطلعوا للتخلص من التخلف والجمود.

كما شكلت تجربة أفغانستان خلال عهد الملك أمان الله خان محطة بارزة أخرى في حركة التحديث الإقليمية. فقد حاول أمان الله خان الانتقال من نظام حكم استبدادي مطلق إلى ملكية دستورية، وأدخل إصلاحات حداثية جذرية استهدفت تغيير بنية المجتمع الأفغاني، بما في ذلك التركيز على "حقوق المرأة" وتأسيس مدارس للبنات ومجلة "إرشاد النسوان". هذه الإصلاحات لم تمر مرور الكرام بالنسبة لإيران، حيث وجدت النخب الإصلاحية الإيرانية في تجربة أمان الله خان نموذجًا مثيرًا للاهتمام، قدم تصورًا مختلفًا وأكثر توافقًا مع هوية المنطقة مقارنة بالنموذج العلماني الصارم في تركيا. أصبحت التجربة الأفغانية مصدر إلهام جديد لإثبات إمكانية تحقيق نهضة شاملة ضمن إطار الهوية الإسلامية دون الانفصال عن جذور المجتمع.

يمكن الاستنتاج أن هذه التحولات الإقليمية، إلى جانب الوضع الداخلي المتدهور في إيران من ضعف الحكومة المركزية وانتشار الفوضى والأوضاع القبلية، ولدت إحساسًا عميقًا بالحاجة الماسة إلى الإصلاح والتحديث.

دور النخبة المتعلمة في مشروع التحديث

كان وجود نخبة متعلمة ومؤمنة بالتحديث، اكتسبت تعليمها وخبراتها في الخارج، قوة دافعة قوية للتغيير في إيران. تجسد أسماء مثل مشير الدولة، ومؤتمن الملك، ومخبر السلطنة، وناصر الملك هذه النخبة التي عادت من أوروبا تحمل تصورات حديثة عن القانون، والإدارة، والاقتصاد، والسياسة.

لعب محمد علي فروغي دورًا محوريًا في هذه العملية. ساهم إتقانه للغات الأجنبية وترجمته للكتب القيمة في نشر المعرفة والأفكار الحديثة. كما أن دوره في تشجيع رضا شاه على زيارة تركيا ولقاء أتاتورك يوضح مدى تأثيره في توجيه بوصلة التحديث. يمكن اعتباره "مؤسس الليبرالية في إيران"، مما يضيف بعدًا آخر لأهمية دوره الفكرية والسياسية.

يمثل ارتفاع نسبة الوزراء الذين تلقوا تعليمهم في الخارج أو في دار الفنون دليلًا واضحًا على الدور المحوري الذي لعبته النخبة الحديثة في حكومات رضا شاه، حيث كانوا القوة الدافعة وراء تنفيذ خطط التحديث وبناء الدولة. هذا التقاطع بين إرادة رضا شاه السياسية القوية لتحقيق التحديث ووجود نخبة متعلمة تؤمن بهذا المشروع كان عاملًا جوهريًا في الإنجازات التي تحققت خلال تلك الفترة.





علاقة رضا شاه بالمؤسسة الدينية: من التعاون إلى القطيعة

يضيء دعم بعض رجال الدين البارزين في المراحل الأولى لمشروع رضا شاه التحديثي على تعقيد هذا المشروع وتعدد أبعاده، حيث أعطى المشروعية لبعض الإصلاحات وسهل تنفيذها. يمكن تقسيم العلاقة بين رضا شاه ورجال الدين إلى ثلاث مراحل زمنية:

المرحلة الأولى (حتى عام 1307 هجري شمسي): كان هناك تلاقٍ في الرؤى بين المشاريع التحديثية لرضا شاه وبعض أهداف قطاعات المؤسسة الدينية. على سبيل المثال، دعم رضا شاه إصلاحات الشيخ عبد الكريم حائري في الحوزة العلمية بقم، التي عززت مكانة المؤسسة الدينية. كما أن قبول رجال الدين ضمنيًا أو عدم اعتراضهم العلني على إجراءات حساسة مثل تغيير التقويم، يعكس مرونة معينة من قبل رضا شاه تجاه الحساسيات الدينية أو إدراكًا منه لأهمية كسب ود أو حياد المؤسسة الدينية.
المرحلة الثانية (الانفصال التدريجي):مع تعزيز سلطة رضا شاه وتطبيق إصلاحاته التي كانت تحمل في طياتها تقليصًا لنفوذ المؤسسة الدينية، بدأت العلاقة تتدهور تدريجيًا. كانت القوانين التي تحد من سلطة رجال الدين في المجالات القضائية والتعليمية والأوقاف مؤشرات واضحة على هذا التحول.
المرحلة الثالثة (القطيعة التامة): كانت النقطة الحاسمة في هذا التدهور هي تطبيق قانون توحيد الزي وحظر الحجاب. لم تمس هذه القوانين سلطة رجال الدين فحسب، بل مست صميم القيم والتقاليد الدينية والاجتماعية للكثير من الإيرانيين، وأثارت احتجاجات واسعة. بعد هذه الأحداث، تسارعت وتيرة إبعاد الدين عن المجال العام وتقييد الأنشطة الدينية. يمثل الانخفاض الحاد في نسبة رجال الدين في البرلمان من 40 بالمائة في البرلمان الخامس إلى الصفر في البرلمان الحادي عشر مؤشرًا صارخًا على تهميش دور المؤسسة الدينية في الحياة السياسية في عهد رضا شاه المتأخر.

مرت علاقة رضا شاه برجال الدين بمنحنى حاد، بدأت بنوع من التحالف التكتيكي القائم على المصالح المشتركة، ثم تدهورت تدريجيًا مع تعزيز سلطته، لتصل في النهاية إلى القطيعة والتهميش. كان لهذا التحول تداعيات عميقة على طبيعة مشروع رضا شاه التحديثي وعلى العلاقة بين الدين والدولة في إيران الحديثة.

تقليص نفوذ المؤسسة الدينية: القضاء والتعليم والأوقاف

اتخذ رضا شاه إجراءات محددة ومهمة أدت بشكل مباشر إلى تقليص نفوذ المؤسسة الدينية في مجالات حيوية:

القضاء: أسس هيكلًا قضائيًا حكوميًا حديثًا وأنشأ المحكمة العليا، مما أخرج القضاء من سيطرة رجال الدين. كما قام بتوظيف قضاة مدربين في كليات الحقوق الحديثة وسن قوانين جديدة لتسجيل الوثائق والعقارات والزواج والطلاق، مما قلل من سلطة المحاكم الشرعية.
الأوقاف: كان تحويل إدارة الأوقاف إلى مؤسسات حكومية إجراءً ذا دلالة كبيرة، إذ مثلت الأوقاف مصدرًا هامًا للاستقلال المالي والنفوذ للمؤسسة الدينية.
القانون المدني: المثير للاهتمام أن القانون المدني الذي تم تبنيه في عام 1307 كان مزيجًا من القانون المدني الفرنسي والشريعة الإسلامية. هذا يشير إلى أن عملية التحديث القانوني لم تكن قطيعة كاملة مع التقاليد الإسلامية، بل محاولة لدمجها مع المفاهيم القانونية الحديثة. ومع ذلك، كان هذا الدمج انتقائيًا، ففي حين تم إلغاء الفوارق القانونية بين المسلمين وغير المسلمين، استمر بعض التمييز القانوني ضد النساء.
التعليم: كانت الإصلاحات التعليمية جزءًا أساسيًا من مشروع رضا شاه التحديثي، وهدفت إلى تقويض النفوذ التقليدي لرجال الدين. توسيع نطاق المدارس الحكومية الحديثة وفر بديلًا للمدارس الدينية التقليدية، وأتاح للدولة نشر مناهج تعليمية حديثة. فرضت وزارة التعليم رقابتها على المدارس الدينية وامتحان طلابها في مواد حديثة، وفي عام 1313، أصبحت الوزارة مسؤولة عن تحديد المواد الدراسية في الحوزات، مما أخضع التعليم الديني لسيطرة الدولة.

قضية كشف الحجاب: رمز التحديث القسري

تعد قضية السفور أو كشف الحجاب واحدة من أكثر القضايا رمزية وإثارة للجدل خلال حكم رضا شاه، وتجسد جهوده لتحديث المجتمع الإيراني وتغيير المفاهيم التقليدية للدين ودور المرأة. ورغم أن بوادر هذه الممارسة بدأت تلقائيًا بين بعض النساء، إلا أن قرار رضا شاه الرسمي بفرض كشف الحجاب في عام 1936 كان بمثابة تسريع لهذه العملية، واعتبر من أهم التحولات في عصره، حيث كان له تداعيات عميقة على دور الدين في الحياة العامة ومكانة المرأة.

في تلك الفترة، عبر كشف الحجاب عن التحرر من النظام التقليدي والتحول من الساحة الخاصة إلى العامة، وأتاح للنساء فرصًا جديدة في التعليم والعمل والمشاركة في الحياة الاجتماعية والسياسية. وعلى الرغم من الهدف المعلن لتمكين المرأة، فقد واجه هذا القرار معارضة شديدة من فئات واسعة بالمجتمع، خاصة من رجال الدين والمحافظين، ونفذ بقوة وأحيانًا بعنف، مما أثار استياء كبيرًا.

تتضمن هذه المقارنة بين أساليب رضا شاه القسرية في فرض كشف الحجاب وبين الأساليب القمعية التي يتبعها خامنئي في فرض الحجاب الإجباري اليوم مقارنة مؤلمة، ولكنها ذات صلة. إنها تسلط الضوء على استمرار استخدام القوة والإكراه من قبل الدولة في إيران للسيطرة على جسد المرأة وفرض رؤية معينة للهوية والمجتمع. ومع ذلك، فإن المقاومة الشجاعة التي تبديها النساء الإيرانيات اليوم ضد الحجاب الإجباري، تبعث على الأمل وتشير إلى أن المجتمع الإيراني قد تغير وأن هناك وعيًا متزايدًا بحقوق المرأة وحريتها.

الفوضى السياسية وصعود الاستبداد

أدى الاضطراب الذي تبع الثورة الدستورية إلى خلق فراغ في السلطة، مما أتاح صعود رضا شاه وإقامة حكم مركزي قوي، ولكنه استبدادي. بعد فترة قصيرة من الأمل والتغيير، تدهور الوضع العام في البلاد بسبب ضعف الدولة وعدم توافق النخب السياسية. زاد عدم القدرة على تشكيل طبقة حاكمة قوية من حالة عدم الاستقرار، ومع التغييرات المتكررة للحكومات وشلل البرلمان، عاد النظام القبلي وانتشرت الفوضى في أجزاء كبيرة من البلاد.

في ظل هذه الفوضى والتهديدات، تزايدت رغبة الإيرانيين في ظهور قائد قوي يعيد الاستقرار والتوحيد للبلاد. استغل رضا شاه هذا الإحباط بمهارة، مقدمًا نفسه كمنقذ قادر على إنهاء الفوضى وبناء دولة قوية وحديثة. هذا السياق التاريخي يجعل من المفهوم لماذا كان الكثيرون على استعداد للتضحية بالديمقراطية الوليدة من أجل الأمن والاستقرار الموعود.


الظروف الاقتصادية ودور القوى الخارجية في صعود رضا شاه

زادت الظروف الاقتصادية والصحية المتردية التي أعقبت الحرب العالمية الأولى من حدة الأزمة في إيران، فالمجاعة والأمراض، خاصة وباء الإنفلونزا الإسبانية، أضعفت المجتمع. كان الإفلاس الفعلي للحكومة واعتمادها على المساعدات الأجنبية يوضح مدى ضعف الدولة. في ظل هذه الظروف، بدت فكرة الانقلاب العسكري خيارًا جذابًا للبعض.

تتباين الروايات حول الدور البريطاني في انقلاب عام 1921. يرى إبراهيميان أن الدور البريطاني كان قويًا، بينما يرى كاتوزيان أن الدور الإيراني كان أكثر بروزًا. ومع ذلك، يبدو أن هناك نقطة اتفاق رئيسية وهي وجود إجماع متزايد بين النخب الحداثية والإصلاحيين وبعض العناصر البريطانية الفاعلة في إيران على ضرورة وجود حكومة مركزية قوية كحل للأزمة. هذا يشير إلى أن صعود رضا شاه لم يكن مجرد عمل فردي، بل كان نتيجة لتفاعل معقد بين الظروف الداخلية المتردية، وتطلعات النخب الإيرانية، ومصالح القوى الخارجية.

شخصية رضا شاه وتأثيرها على الحكم الاستبدادي

نشأته في ظل فقدان والده المبكر وابتعاده عن والدته، وانتقاله للعيش في بيئة عسكرية صارمة، شكلت شخصيته بطرق عميقة. انضمامه المبكر إلى لواء القوزاق وصعوده السريع يشير إلى امتلاكه طموحًا وقدرات قيادية مبكرة. هذه الخلفية الشخصية، جنبًا إلى جنب مع الظروف الخارجية، هيأت لرضا خان الفرصة للسيطرة على مقاليد الأمور. كانت شخصيته القوية والعنيفة والمستبدة متوافقة مع الحاجة المتصورة إلى قائد قوي قادر على فرض النظام بالقوة.

الاستبداد والقمع في عهد رضا شاه

تأكيدًا، اتسم التحديث والعلمانية في عهد رضا شاه بطابع غير ديمقراطي وقمعي. لم يكن هذا النهج فريدًا في ذلك الوقت، حيث شهدت العديد من الدول صعود أنظمة سلطوية تبنت التحديث من أعلى إلى أسفل. يرى كرونين أن "الدكتاتورية كانت النموذج الوحيد لحكم البلاد الذي واجهه رضا شاه"، بينما يرى بهار أن "مرض الدكتاتورية كان رائجًا في العالم في تلك الأيام لمنع الشيوعية!".

يمثل استخدام رضا شاه وجيشه الموحد للقوة في إرساء الأمن وتوطين القبائل، والذي وصل إلى حد "الإبادة الجماعية" في بعض الحالات، مثالًا واضحًا على هذا النهج القمعي. كما أن تعرض الأقليات الدينية للمضايقات والتمييز يكشف عن تناقض في مشروع التحديث الذي كان يفترض أن يبني دولة حديثة تقوم على المواطنة المتساوية.

كانت معاملة رضا شاه القاسية لوزرائه وكبار المسؤولين الذين ساعدوه في الوصول إلى السلطة، مثل علي أكبر داور وعبد الحسين تيمورتاش وفيروز فرمانفرما، دليلًا قاطعًا على استبداده الشخصي وعدم تسامحه مع أي شكل من أشكال المعارضة. كما أن قمع المثقفين والمفكرين وإعدامهم أو قتلهم أو وفاتهم في السجون يظهر بوضوح أن حرية التعبير والرأي كانت منعدمة في عهده.

تقويض المجتمع المدني ونهاية الحكم

يمثل قمع رضا شاه للمجتمع المدني والنظام البرلماني والأحزاب السياسية الناشئة جانبًا مظلمًا آخر في إرثه. فبدلًا من تعزيز المؤسسات الديمقراطية، عمل على تقويضها. إغلاق الصحف المستقلة والأحزاب السياسية وتحويل البرلمان إلى مجرد أداة لتمرير أوامره يظهر بوضوح اتجاهه نحو الحكم الفردي المطلق.

كما أن تحوله من ابن مالك أراضٍ صغير إلى أغنى رجل في إيران يثير تساؤلات جدية حول استغلاله للسلطة لتحقيق مكاسب شخصية. يمكن مقارنته بنهاية نادر شاه أفشار، فكلاهما بدأ كقائد قوي أعاد الاستقرار، لكنهما انتهيا إلى حكم استبدادي يعاني من جنون العظمة والشك المرضي. يشير تقرير السفير البريطاني إلى انخفاض شعبيته بشكل حاد في عام 1945، مما يوضح أن حكمه الاستبدادي قد أدى إلى تآكل الدعم.

كان احتلال الحلفاء لإيران وإجباره على التنازل عن العرش نتيجة مباشرة لتقاربه مع ألمانيا النازية. أما ترديد شعار "رضا شاه، عاش الشاه" في بعض المظاهرات الأخيرة ضد الحكم الحالي، فيعكس يأسًا وإحباطًا ورغبة في العودة إلى فترة يُنظر إليها، ربما بشكل تبسيطي، على أنها أكثر استقرارًا وعلمانية.

في الختام، يمكن القول إن إرث رضا شاه معقد ومتناقض. فقد حقق بعض الإنجازات الهامة في التحديث وبناء الدولة، لكنه فعل ذلك من خلال ترسيخ حكم استبدادي قمعي قوض الديمقراطية وقضى على الحريات. يتطلب تقييم إرثه النظر إلى كلا الجانبين من هذه العملة، وفهم السياق التاريخي المعقد الذي حكم فيه، بالإضافة إلى تداعيات حكمه على إيران الحديثة.

الحريات السياسية في عهد رضا شاه: القمع المنهجي وبناء الحكم الشمولي

عند تقييم عهد رضا شاه، لا يمكن تجاهل الأثر العميق الذي تركه على الحريات السياسية، حيث طغى القمع وفقدان الحقوق الأساسية على أي إنجازات أخرى نُسبت لفترة حكمه. لقد اتسمت تلك الحقبة باضطهاد منظم لكل أشكال المعارضة أو التعبير الحر، مما أدى إلى بناء نظام حكم فردي صارم.




تقويض المؤسسات الديمقراطية الوليدة:
وصل رضا شاه إلى السلطة على أنقاض الثورة الدستورية، التي كانت تطمح إلى إرساء نظام برلماني يحمي حقوق المواطنين. لكنه بدلاً من أن يدعم هذا الإرث الديمقراطي، عمد إلى تقويض أسسه وتعزيز سلطته الفردية.

البرلمان: تحول البرلمان من منصة تشريعية مستقلة تمثل صوت الشعب إلى أداة طيّعة في يد رضا شاه، تُستخدم فقط لتمرير قراراته وتعزيز سلطته. فقد تلاشت وظيفته الأساسية كجهة رقابية وتشريعية.
الأحزاب السياسية: لم يتحمل رضا شاه فكرة وجود أحزاب مستقلة تمثل التعددية السياسية أو تقدم بدائل للنظام القائم. وهكذا تم تهميش هذه الأحزاب أو قمعها بشكل كامل، ما أضعف قنوات المشاركة السياسية وحرم المجتمع من أدوات تنظيم إمكانياته.

تضييق الخناق على حرية الصحافة والتعبير:
من بين أكبر الخسائر التي تكبدها المجتمع الإيراني تحت حكم رضا شاه كان انتهاك حق حرية التعبير وإسكات الصحافة المستقلة. الصحف والمجلات التي كانت تنتقد الحكومة أو تحمل آراء مغايرة تعرضت للإغلاق، وكان المحتوى الإعلامي يخضع لرقابة صارمة ومشددة. سعى رضا شاه إلى السيطرة الكاملة على الخطاب العام وتوجيه الرأي الشعبي بما يتفق ورؤيته الشخصية.

استهداف النخب والمثقفين:
عانى المثقفون والمعارضون السياسيون من أسوأ تبعات الاستبداد في عهد رضا شاه. هناك العديد من الأمثلة البارزة التي تعكس هذه السياسة القمعية:

شخصيات مثل علي أكبر داور وعبد الحسين تيمورتاش وفيروز فرمانفرما، الذين كانوا في البداية من أعمدة نظامه وداعمين لإصلاحاته، انتهى بهم الأمر ضحايا لصراع السلطة. بعضهم قضى في ظروف غامضة، بينما تعرّض آخرون للإعدام أو التهميش بعد الشكّ في ولائهم. هذا السلوك يكشف عن اعتماد رضا شاه على استراتيجية التصفية السياسية لكل من قد يشكل تهديداً لسلطته المطلقة.
مفكرون بارزون كصموئيل حاييم، ميرزاده عشقي ومحمد فروخي يزدي عانوا من اضطهاد شديد بلغ حد الإعدام أو القتل داخل السجون فقط بسبب آرائهم المعارضة. هذا القمع الوحشي رسخ غياب أي مساحة للتعبير الحر أو تحدي النظام القائم.

قمع المجتمع المدني:
اتسق نهج رضا شاه تجاه التنظيم السياسي والاجتماعي مع رغبته في تحجيم أي نشاط خارج سيطرة الدولة. الجمعيات والنقابات وأي تجمعات ذات استقلالية تعرضت للإغلاق أو السيطرة عليها. بهذا الشكل ضمن رضا شاه مركزة القوى تحت سلطته مباشرة، وأزال أي بؤر محتملة لمقاومة نظامه.

الحكم الفردي المطلق واستغلال السلطة:
من اللافت أن رضا شاه تحوّل من شخصية هامشية إلى أحد أغنى رجال إيران، حيث استغل حكمه لتحقيق مكاسب شخصية هائلة. تراكم الثروة لدى الحاكم يُظهر مدى تسخير الموارد الوطنية لخدمة المصالح الفردية، وهو ما يعمق صورة الاستبداد والفساد المرتبط بتلك المرحلة.




حالة الشك والعزلة:
في أواخر حكمه، سيطرت حالة من التوجس والبارانويا على رضا شاه، إذ بات يشك حتى بأقرب معاونيه وحتى أفراد أسرته، مثل ابنه. هذه الحالة تعكس طبيعة الحكم الشمولي الذي يقوم على القمع والخوف، حيث يعيش الحاكم في قلق دائم من أي تهديد داخلي محتمل.

إرث رضا شاه في مجال الحريات السياسية هو بمثابة شهادة قاتمة على طبيعة حكمه الذي سحق المؤسسات الوليدة وقمع الحريات باسم التحديث. ورغم بعض النجاحات في مجالات أخرى خلال فترة حكمه، إلا أن الثمن الإنساني والسياسي الذي دفعه الشعب الإيراني كان باهظًا للغاية، حيث فرض تحديثًا قسريًا تمت صياغته وفق رؤية استبدادية لا تترك مجالاً للتعبير الحر أو المشاركة الشعبية الفاعلة.

مراجع:
* تاريخ إيران الحديثة، أروند إبراهيميان، ترجمة مجدي صبحي، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب.
* التحديث في عهد رضا شاه 1925-1979، [https://faculty.uobasrah.edu.iq/uploads/teaching/1677923757.pdf](https://faculty.uobasrah.edu.iq/uploads/teaching/1677923757.pdf)
* تاريخ تحولات اجتماعی ایران (مقاومت شکننده)، جان فوران، ترجمة أحمد تدين، انتشارات رسا.

*تاريخ اجتماعى ايران (جلد 5) مرتضى راوندى



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عنف لم نألفه في لوس أنجلوس
- هل الإعلام مرآة للواقع أم أداة لتشكيله؟
- أسباب الفظائع وتجريد الإنسان من إنسانيته
- كيف يحتفل القوميون بانتصار الحقبة السوفيتية التي يمقتونها؟
- هل المترجم إنسان؟
- لماذا لم تحقق الولايات المتحدة أهدافها في أوكرانيا؟
- الاتحاد الأوروبي على مفترق طرق: تحديات الرأسمالية العالمية و ...
- ألف ليلة وليلة: نافذة الشرق الساحرة على الخيال الغربي
- دمية أحمد: قصة أمل وحب متجدد
- فارس الروح
- الخليج الفارسي أم العربي، ليست تلك هي المسألة
- التنين الصيني قد يغمض لكن لا ينام
- عبقرية تشيخوف في قدرته الفذة على استكشاف أبعاد النفس البشرية
- الرأسمالية وتطبيع الاستغلال والكوارث الإنسانية
- علاقة الفكر والعمل
- الاستبداد الناعم
- العواقب الوخيمة لمقولة -كيفما تكونوا، يولّى عليكم-
- الساموراي الأخير عربيّا
- التسريبات لا تصدم أحدا قرأ التاريخ
- لم تكن لدى ماركس وصفات الطبخ للمستقبل


المزيد.....




- فيديو متداول لـ-فرار شخصيات إيرانية بارزة- بعد النزاع مع إسر ...
- مقتل رئيس جهاز استخبارات الحرس الثوري الإيراني
- حادثة تحطم منطادين سياحيين في أكسراي تودي بحياة شخص وإصابة 3 ...
- -واشنطن بوست-: مسؤول سوري كبير سابق يعترف بأن الأسد شخصيا أم ...
- -نشوة البداية وخيبة النهاية-.. لواء إسرائيلي يكشف عن شلل ستع ...
- مصادر عبرية: هجوم إيراني يمني وشيك على إسرائيل
- تطورات الحرب الإسرائيلية الإيرانية في مرآة الصحافة الفارسية ...
- روسيا تسلم أوكرانيا جثث 1200 من قتلى الحرب
- لماذا يستولي جيش الاحتلال على منازل الفلسطينيين في الضفة؟
- ما وراء -طوارئ ترامب- الزائفة


المزيد.....

- علاقة السيد - التابع مع الغرب / مازن كم الماز
- روايات ما بعد الاستعمار وشتات جزر الكاريبي/ جزر الهند الغربي ... / أشرف إبراهيم زيدان
- روايات المهاجرين من جنوب آسيا إلي انجلترا في زمن ما بعد الاس ... / أشرف إبراهيم زيدان
- انتفاضة أفريل 1938 في تونس ضدّ الاحتلال الفرنسي / فاروق الصيّاحي
- بين التحرر من الاستعمار والتحرر من الاستبداد. بحث في المصطلح / محمد علي مقلد
- حرب التحرير في البانيا / محمد شيخو
- التدخل الأوربي بإفريقيا جنوب الصحراء / خالد الكزولي
- عن حدتو واليسار والحركة الوطنية بمصر / أحمد القصير
- الأممية الثانية و المستعمرات .هنري لوزراي ترجمة معز الراجحي / معز الراجحي
- البلشفية وقضايا الثورة الصينية / ستالين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني - حميد كوره جي - إرث رضا شاه: لوحة معقدة من التناقضات