أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كوره جي - على شفا الأفق الأحمر














المزيد.....

على شفا الأفق الأحمر


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 00:51
المحور: الادب والفن
    


في قلب الخراب، حيث تتراقص ألسنة النيران فوق أطلال المدن المنهارة، وحيث يغرق الغروب في بحرٍ متشح بالدماء، تاركًا الألوان تخبو شيئًا فشيئًا، وقفت فتاةٌ تتأمل الأفق البعيد. لم يكن هناك صوت سوى أنين الريح الباردة التي تحمل معها رائحة الدخان والهلاك. كانت تلك الآهة التي أطلقتها ثقيلةً، تحمل وجع روح أنهكتها قسوة الحروب، ومرارة أيامٍ طوال من الرعب والفقد.

لم تكن الأحلام شيئًا مستغربا عنها. فقد كان الأمس القريب بالنسبة لها مليئًا بالسموات الزرقاء الصافية، لا حدود للأفق الذي تحلق فيه أمانيها البريئة. كانت تتخيل نفسها تطير كطائر حر، تستكشف عوالم جديدة، وترسم مستقبلها بيدها. لكن اليوم، تقلص هذا الأفق الواسع لتصبح منيتها الكبرى مجرد المقدرة على الوقوف، والمضي خطوةً بعد الأخرى، كأنها تتعلم المشي لأول مرة في حياتها.

في زاويةٍ غارقة في رائحة الفقدان، وسط شوارع تضج بالموت الذي عشعش في جوانبها، حيث الجثث المكدسة وروائحها الخانقة تروي قصص الخراب، كانت تنظر إلى حيث وضع قدميها. كانت الأرض تحتها مزيجًا من الغبار والرماد، كل حبة تراب تحمل ذكرى دمار. تمنّت لو عاد بها الزمن إلى أيام الطبيعة البكر التي لم تُمس بأذرع الدمار، حيث كانت الحقول خضراء والسماء زرقاء بلا غيوم الحرب. كانت تشتاق إلى حياة نابضةً بكل تفصيلاتها الصغيرة والبهيجة، إلى ضحكات الأطفال في الشوارع، وإلى ليالٍ يزينها هدوء أضواء الشوارع الدافئة التي كانت تضيء دروب الأمان. كانت تتوق إلى منزلهم الذي امتد فيه دفء الأم بلا حدود، إلى حضن الأب الذي كان درعًا من الأمان يحيط بهم، وإلى الضحكات الهادئة التي كانت تعج بها أوقات الأخوة، حيث كانت الأحاديث تتدفق بحرية، والهموم تتلاشى في دفء العائلة.

لكن الحرب لا تتوانى عن إظهار وجهها غير الأنثوي. كانت سوادها طاغيًا، كعاصفةٍ جارفة تحمل حطام الأرواح معها، لا تترك خلفها سوى الدمار واليأس. كانت كصخرةٍ فولاذية سدّت شعاع الحياة الهش كزهرةٍ تُقتلع من جذورها، لتتركها تذبل ببطء تحت وطأة الألم. لقد حاصرتها الحرب من كل جانب، وحولت عالمها إلى سجن من الخوف واليأس.

وفي لحظةٍ حاسمة، على مقربةٍ من أمواج البحر الذي امتزجت دماء المجازر بمائه كأنها صبغته بحمرة قاتمة، واجهت الفتاة الاختيار الأصعب في حياتها. كانت تشعر بثقل العالم على كتفيها، وبإغراء الاستسلام الذي يهمس في أذنيها. هل تستسلم للعدم وترحل مع ما تهدم؟ هل تلقي بجسدها المتعب في هذا البحر الأحمر لتنهي كل شيء؟ أم تقرر البقاء وتنهض من الرماد لتعيد بناء الحياة، حتى لو كان ذلك يعني الولادة من جديد، في عالم لا يزال يحمل ندوب الماضي؟

تنهدت بعمق، وكأنها تستجمع كل ما تبقى من قوة في روحها. رفعت رأسها بتحدٍّ، ليس تحديًا للعالم الخارجي، بل تحديًا لليأس الذي كان يسيطر عليها. قابلت عيناها نظرة الشمس الخافتة التي ما زالت تزحف نحو الغروب، وكأنها تستمد منها بصيص أمل. وعلى شفتيها الجافتين زينت ابتسامة صغيرة مشهدًا لم يتوقعه أحد، ابتسامة لم تكن تعبر عن فرح، بل عن قرار حاسم، عن إرادة لا تلين. في تلك اللحظة، لم تعد مجرد فتاة منهكة، بل أصبحت رمزًا للصمود.

وفي تلك اللحظة الفريدة... نهضت الفتاة من جديد!



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية: تحليل علمي لا نبوءة حتمية سقوط الرأسمالية
- ستيغ داغرمان: شاعر القلق وساعي النجاة
- غرفة المراقبة
- يوميات السرطان: صرخة من الألم إلى الأمل
- هل الإيرانيون يكرهون العرب؟
- لماذا لم تنهار الصين مثل الاتحاد السوفييتي؟
- مم تخاف الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟
- مهاجرون غدت الدنيا لهم جزيرة العذاب
- حين يترشح متهمون بجرائم الحرب لجائزة السلام
- مراجعة نقدية لمقال -أي شرق أوسط جديد يخدم مصالح شعوب المنطقة ...
- الأوليغارشيا الروسية في التسعينيات: طبقة مستحدثة أم امتداد ل ...
- الرسائل المطوية في خطاب -النصر- للمرشد الأعلى خامنئي
- وجه الحرب الحقيقي: دعوة إلى الصمت والتأمل
- الاقتصاد السوفيتي: نموذج فريد يتجاوز التصنيفات التقليدية
- مثقفات ايرانيات والصراع بين الكوجيتو والوحدة في زمن الحداثة، ...
- الهولوكوست الجديد لنتنياهو: من الإبادة الجماعية المباشرة في ...
- كيف ينبغي أن يكون موقف الحزب الشيوعي والشيوعيين من الأدب وال ...
- إرث رضا شاه: لوحة معقدة من التناقضات
- عنف لم نألفه في لوس أنجلوس
- هل الإعلام مرآة للواقع أم أداة لتشكيله؟


المزيد.....




- فن الشارع في سراييفو: جسور من الألوان في مواجهة الانقسامات ا ...
- مسرحية تل أبيب.. حين يغيب العلم وتنكشف النوايا
- فيلم -جمعة أغرب-.. محاولة ليندسي لوهان لإعادة تعريف ذاتها
- جدل لوحة عزل ترامب يفتح ملف -الحرب الثقافية- على متاحف واشنط ...
- عودة الثنائيات إلى السينما المصرية بحجم إنتاج ضخم وتنافس إقل ...
- الدورة الثانية من -مدن القصائد- تحتفي بسمرقند عاصمة للثقافة ...
- رئيس الشركة القابضة للسينما يعلن عن شراكة مع القطاع الخاص لت ...
- أدب إيطالي يكشف فظائع غزة: من شرف القتال إلى صمت الإبادة
- -بعد أزمة قُبلة المعجبة-.. راغب علامة يكشف مضمون اتصاله مع ن ...
- حماس تنفي نيتها إلقاء السلاح وتصف زيارة المبعوث الأميركي بأن ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حميد كوره جي - على شفا الأفق الأحمر