أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حميد كوره جي - حقبة الركود السوفيتية















المزيد.....

حقبة الركود السوفيتية


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 17:49
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


حقبة الركود التي شهدها الاتحاد السوفيتي خلال فترة حكم ليونيد بريجينيف، الممتدة من منتصف الستينيات وحتى عام 1982، لم تكن مجرد فترة من التباطؤ الاقتصادي المؤقت، بل كانت انعكاساً لأزمة عميقة ذات أبعاد نظامية. هذه الأزمة جاءت نتيجة تداخل عوامل هيكلية واقتصادية وسياسية وديموغرافية بشكل جوهري.

العامل الرئيسي للركود كان مرتبطاً بنفاد قدرات النموذج الاقتصادي الستاليني الذي اعتمد على النمو المكثف، حيث فشل النظام في الانتقال إلى نموذج اقتصادي أكثر تقدماً. النموذج الأولي للتصنيع استند على تحويل أعداد كبيرة من العمال من القطاع الزراعي ذي الإنتاجية المنخفضة إلى القطاع الصناعي الذي يتمتع بإنتاجية أعلى. وكان هذا التحول ممكناً بفضل سياسات التجميع والمصادرة. ومع ذلك، فإن نجاح التصنيع نفسه أدى إلى التحضر ورفع مستوى تعليم المرأة بشكل ملحوظ، الأمر الذي أسهم في انخفاض كبير في معدلات الخصوبة داخل المدن.

مع بداية الستينيات، بدأت الأرياف تفقد الفائض من القوى العاملة ولم تعد المدن قادرة على توفير العدد الكافي من العمال الجدد لتعويض هذا النقص. في ظل تقلص الموارد البشرية، ظهر التحدي المتمثل في زيادة الإنتاجية عبر التوجه نحو التكنولوجيا والابتكار (النمو الكثيف). لكن النظام الاشتراكي كان يفتقر إلى الحوافز وآليات السوق الضرورية لدعم الابتكار في المجالات المدنية، حيث ظل تركيزه منصباً بالدرجة الأولى على تعزيز التكنولوجيا العسكرية وتقنيات الدفاع.

غطت عائدات اكتشافات النفط والغاز في سيبيريا، إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة العالمية منذ السبعينيات، على التدهور الهيكلي الذي عانت منه البلاد. ساهم ذلك في تأجيل تنفيذ الإصلاحات الضرورية، لكنه في الوقت نفسه عمّق الأزمة وزاد من تعقيدها.

مع التركيز المتزايد على الاستقرار بعد الإطاحة بخروتشوف، شهدت عملية اتخاذ القرارات حالة من الجمود، مما أعاق أي جهود لإدخال إصلاحات حقيقية. تبنّى بريجينيف سياسة الاستقرار، التي أدت إلى توقف شبه كامل في التجديد داخل القيادة وتركيز السلطة في أيدي نخبة سياسية متقدمة في السن. فضلت هذه القيادة التزام الوضع القائم وتجنب المخاطرة على حساب المبادرة والتغيير، مما عزز من سيادة البيروقراطية.

عارض المسؤولون الراسخون أي محاولات إصلاحية، حتى تلك المحدودة التي قام بها كوسيغين عام 1965، خوفاً على امتيازاتهم ونفوذهم. وأسفر هذا الجمود عن انتشار الفساد والمحسوبية وظهور الأسواق الرمادية، مما أضعف بشكل كبير أداء المؤسسات الرسمية وأثّر على قدرة الدولة في التخطيط والتنظيم بشكل فعّال.
كان هيكل النظام الاقتصادي ذاته عاملاً رئيسياً في الركود، حيث منح التخطيط المركزي الأولوية للإنتاج الكمي بالأطنان والأمتار، والسعي لتحقيق الحصص على حساب الكفاءة والجودة واحتياجات المستهلك. علاوة على ذلك، أدى التركيز المُفرط على الصناعة الثقيلة وتلبية احتياجات الجيش إلى تحويل الموارد بعيداً عن الزراعة والسلع الاستهلاكية، مما أسهم في حدوث نقص مزمن. كما ساهمت السياسات التي تضمن التوظيف مع تقديم فروق محدودة في الأجور إلى ضعف الحافز لزيادة الإنتاجية وانتشار البطالة المقنّعة الناتجة عن تضخم العمالة.
تسبب الركود الاقتصادي ونقص السلع الاستهلاكية، بما في ذلك أزمة الغذاء التي تركت رفوف المتاجر خاوية، في تصاعد حالة السخط الشعبي. تجلى ذلك في الفجوة الكبيرة بين الوعود الاشتراكية والطبيعة القاسية للواقع اليومي، مما عزز من مشاعر الإحباط وزيادة السخرية وفقدان الثقة في الحزب. كما أن قمع المعارضين والأفكار الجديدة ساهم بشكل كبير في خلق حالة من الجمود الفكري والثقافي.
يمكن القول بأن الركود لم يكن مجرد انعكاس لفشل في تنفيذ سياسة واحدة فحسب، بل مثل أزمة نظامية أعمق نتجت عن عدم قدرة النموذج الاقتصادي الذي كان رائجاً في الحقبة الستالينية على التكيف مع متطلبات مجتمع حديث ومتعلم يطمح إلى التطور والازدهار. بالإضافة إلى ذلك، لعبت النخبة السياسية المحافظة بقيادة ليونيد بريجينيف دوراً حاسماً في هذه الأزمة، حيث رفضت المبادرة بالقيام بأي إصلاحات جذرية، مما ساهم في تفاقم الوضع بشكل كبير. هذا السياق والواقع الذي عاشته البلاد في تلك الفترة هو ما وصفه ميخائيل غورباتشوف لاحقاً بفترة "الركود"، وهي مرحلة اعتبر أنها تتطلب معالجة شاملة من خلال إدخال البيريسترويكا لتعزيز الإصلاح الهيكلي والغلاسنوست لتشجيع الانفتاح السياسي والاجتماعي.

شيء عن غورباتشوف
شكل ميخائيل غورباتشوف شخصية ذات طابع مأساوي تشبه أبطال التراجيديا اليونانية. فرغم امتلاكه للنوايا الحسنة وحب الاستطلاع الفكري، أصبح واحداً من أكثر الشخصيات المكروهة في روسيا عقب انهيار الاتحاد السوفييتي. ومع ذلك، لا يمكن إنكار أن أسوأ صفاته كانت مرتبطة بالجوانب الأكثر جاذبية في شخصيته. وجد غورباتشوف نفسه الرجل غير المناسب في الزمن غير المناسب، وهو يسعى للتعامل مع تناقضات النموذج البيروقراطي الستاليني، والذي تطور لاحقاً إلى النموذج البيروقراطي السوفيتي في عهد بريجنيف داخل الاتحاد السوفيتي.

في الوقت الذي زادت شعبيته سوءاً داخل بلاده، كان قادة العالم في الغرب يحتفون به باعتباره الشخص الذي قام بتفكيك الاتحاد السوفييتي بسلام نسبياً، على الأقل مقارنة بسقوط الإمبراطوريات الأخرى. رغم ذلك، كان غورباتشوف يحاول بجهد الحفاظ على الهيكلية النقابية للاتحاد بأكمله. ومن جانب آخر، اعتبرت الصين تجربته درساً في كيفية تجنب الأخطاء عند محاولة إصلاح نظام ما بعد الستالينية المتعثر، الذي كان بحاجة إلى تغييرات اقتصادية جوهرية على الأقل، إن لم يكن تحولاً شاملاً.
ما الذي حدث عندما قدم الاتحاد السوفييتي أول زعيم له بعد الحرب العالمية الثانية لم يكن مرتبطاً بجوزيف ستالين أو بمن عينهم؟ الإجابة: كان اشتراكياً ليبرالياً طمح إلى استعادة أسس الديمقراطية التي قامت عليها فكرة "السوفييتات". وبعكس تأكيدات فريدريش فون حايك بأن الاشتراكية "طريق نحو العبودية"، فإن صعود غورباتشوف يظهر نقيض هذا المفهوم. لقد كان الإرهاب والطغيان في الاتحاد السوفييتي ناتجين إلى حد كبير عن ظروف الحرب ومتطلبات أجهزة الأمن للبقاء، والسياسات التي أصابتها نزعات جنون الارتياب، بدلاً من أن يكون انعكاساً حتمياً للمسار الاشتراكي الذي تبناه الاتحاد. ومع تجاوز الاتحاد السوفييتي للجيل الذي عايش هذه الصدمات، ومع تراجع دور القادة الذين ترسخت توجهاتهم في تلك المرحلة، ظهر زعيم حزبي يسعى إلى إعادة إحياء أيديولوجية اشتراكية قائمة على الديمقراطية.

وكحال العديد من قادة الاتحاد السوفييتي، كان غورباتشوف يمتلك أصولاً إقليمية. فهو ولد عام 1931 في منطقة ستافروبول كراي جنوب شرق أوكرانيا. أما جده من جهة الأم، فكان من أصول أوكرانية. تدرج غورباتشوف في مراتب الحزب مستنداً إلى سمعته كشخص يعمل بجد ويبحث عن حلول للتحديات المعقدة. بحلول عام 1979، أصبح عضواً في المكتب السياسي، وهو أعلى هيئة حاكمة في الاتحاد السوفييتي، وفي عام 1985 اختير ليشغل أعلى منصب في البلاد كأمين عام، حيث كانت مهمته الأساسية إخراج الاتحاد السوفييتي من حالة الركود الاقتصادي التي كان يعاني منها.
كان غورباتشوف لينينيًا بفكر عميق، ولم يكن مجرد بيروقراطي يلتزم بقراءة التعاليم الماركسية التاريخية بدافع الروتين أو المصالح السياسية. وقد كان يعتقد كثيرون أن ما كان الاتحاد السوفييتي بحاجة إليه في أوقات المحن هو يد لينين الصارمة، وليس تلك التجارب العشوائية المستوحاة من الاشتراكية الديمقراطية.

اللافت أن السمات الديمقراطية التي دعمها غورباتشوف هي ذاتها التي عجلت بفشل إصلاحاته. إذ إنه في كل أزمة واجهها، كان يعود إلى كتابات لينين بحثًا عن الإلهام. إلا أنه، على الرغم من حماسه لفكر لينين الرامي إلى مستقبل ديمقراطي، افتقر إلى الحزم وربما القسوة التي استند إليها لينين لتنفيذ الثورة السوفييتية بنجاح. وعلى النقيض تمامًا، يتمتع الرئيس الروسي الحالي، فلاديمير بوتين، بالجزء الآخر من شخصية لينين: صرامته وقسوته، لكنه يفتقر إلى أي رؤية ديمقراطية.


مالمو
2025-10-26



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين مزيج الأمواج والذكريات
- ركود الأغنية العربية: بين أسطورة الماضي وتحديات الحاضر
- أزمة اليسار في العالم العربي: تحديات الهيمنة القومية والليبر ...
- ضرورة تحريم التقية: بين رخصة الضرورة وخطرها على المجتمع
- اختلاف الآراء في اشتراكية الاتحاد السوفييتي السابق
- ثلاثة قرون من الجمود: كيف دفع العرب والمسلمون ثمن حظر آل عثم ...
- تآكل الليبرالية
- اعتراف دون إيقاف حرب الإبادة
- بيت ليس للتحديث
- حول موت التراجيديا في الفن المعاصر
- لتخلّد نار بروميثيوس
- هل الصين بلد اشتراكي؟
- قصيدة الشرق الأوسط
- تحولات النظام العالمي ومستقبل الغرب
- سيرة صلاح نيازي الذاتية: امتاع ومؤانسة
- صراع العقل والوحي: نظرة عميقة إلى الشرق والغرب
- أغنية الفلاح الأخيرة
- مقارنة فاشلة بين ترامب وروزفلت
- السياسة الجيوسياسية للرجل العظيم
- رعب العيش


المزيد.....




- تركيا.. حزب العمال الكردستاني ينسحب الى شمال العراق تمهيدًا ...
- انسحاب حزب العمال الكردستاني.. نهاية أم بداية جديدة؟
- العمال الكردستاني يطالب بلقاء عاجل مع أوجلان.. تفاصيل
- الاشتراكية كونولي الرئيسة العاشرة لأيرلندا
- حزب العمال الكردستاني يعلن انسحاب قواته من تركيا إلى شمال ال ...
- حزب العمال الكردستاني يعلن انسحاب قواته من تركيا إلى شمال ال ...
- حزب العمال الكردستاني يعلن سحب قواته من تركيا وبدء -المرحلة ...
- نزع السلاح وسحب المقاتلين.. نقاط تشرح مسار السلام بين تركيا ...
- جماعة حزب العمال الكردستاني تعلن سحب مقاتليها من تركيا إلى ا ...
- أول تعليق تركي على انسحاب حزب العمال الكردستاني من تركيا إلى ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2 ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة / رزكار عقراوي
- كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - حميد كوره جي - حقبة الركود السوفيتية