أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين علي محمود - الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال الديني














المزيد.....

الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال الديني


حسين علي محمود

الحوار المتمدن-العدد: 8513 - 2025 / 11 / 1 - 22:53
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


يعد الدين أحد أبرز العوامل التي شكلت وعي الإنسان ومؤسساته الاجتماعية منذ فجر التاريخ، فهو ليس مجرد منظومة شعائرية، بل منظومة قيمية وروحية توجه السلوك الجمعي وتضفي المعنى على الوجود الإنساني.
غير أن هذا الدور السامي لم يخل من محاولات التحوير والاستغلال، إذ أدركت قوى اجتماعية وسياسية أن الدين يمكن أن يكون سلاحا رمزيا فعالا لتوجيه الناس وضبطهم أو تسويغ الامتيازات والسلطات.

■ الدين كقوة رمزية في البناء الاجتماعي

من منظور سوسيولوجي، يمثّل الدين نظاماً من الرموز التي تعبّر عن هوية الجماعة وتماسكها.
يرى إميل دوركايم أن المقدس ليس مجرد اعتقاد فردي، بل هو انعكاس للجماعة على ذاتها، أي أن الناس حين يعبدون رموزهم الدينية فإنهم في العمق يحتفلون بوحدتهم الاجتماعية.
ولذلك، فإن الدين في أصله يمارس وظيفة الضبط الأخلاقي وتوليد المعنى، ويؤدي إلى نوع من الانسجام الاجتماعي القائم على قيم العدل والتكافل والرحمة.
لكن حين يتحول الدين من إيمان يوجه الضمير إلى نظام يُدار لخدمة النفوذ، تتبدل وظيفته من رابطة اجتماعية إلى أداة قهر رمزية.

■ ما الأبعاد النفسية للاستغلال الديني؟!

من الناحية النفسية، يميل الإنسان إلى البحث عن اليقين والمعنى، خصوصًا في فترات الأزمات والاضطرابات.
وهنا تظهر قابلية بعض الجماهير للانقياد وراء الخطاب الديني المتشدد أو الشعبوي، الذي يقدّم إجابات بسيطة لمشكلات معقدة.
فحين يعاني الفرد من الفقر أو الاغتراب أو الخوف، يصبح أكثر استعدادا لتصديق من يقدم له تفسيرا "مقدسا" لمعاناته، حتى لو كان هذا التفسير يخدم مصالح نخبوية خفية.

بهذا المعنى، فإن الاستغلال الديني يقوم على تحويل الإيمان إلى أداة نفسية للتهدئة والسيطرة، عبر بث الشعور بالذنب أو الوعد بالخلاص الأخروي، بما يُضعف الإرادة النقدية ويعيد إنتاج الخضوع.

■ كيف يكون الدين في خدمة السلطة؟!

التاريخ السياسي الإنساني زاخر بأمثلة توضح كيف تماهى الدين مع السلطة.
في العصور الوسطى، شكلت الكنيسة في أوروبا سلطة فوق الدول، إذ كانت تمنح الملوك شرعية دينية، ما أدى إلى ما يعرف بـ "الثيوقراطية"، أي الحكم باسم الإله.
وفي المقابل، حاولت بعض الحركات السياسية في التاريخ الإسلامي احتكار التفسير الديني لضمان طاعة الناس أو قمع المعارضة، عبر رفع شعار "من خالف السلطان فقد خالف الدين".

أما في العصر الحديث، فإن توظيف الدين لم يختف، بل تغير شكله، ففي بعض الأنظمة، يستخدم الخطاب الديني لتجميل السياسات القمعية أو لإضفاء طابع "وطني مقدّس" على القرارات السياسية.
وفي المقابل، تستغل بعض الحركات المعارضة الرموز الدينية لاستقطاب الجماهير وخلق تعبئة شعبية تحت شعارات دينية، في حين تكون الأهداف سياسية بحتة.

■ الإعلام والدين، صناعة الوعي الزائف

في المجتمعات الحديثة، لم يعد المنبر وحده هو الوسيلة لنشر الخطاب الديني، بل أصبحت وسائل الإعلام والمنصات الرقمية جزء من عملية إنتاج "القداسة".
يتحول بعض الدعاة والمشايخ إلى نجوم إعلاميين، تدار خطاباتهم بمنطق السوق والمنافسة، لا بمنطق الرسالة.
ويعاد إنتاج الدين بوصفه منتجا ثقافيا جماهيريا، مما يضعف عمقه الروحي ويحوله إلى خطاب استهلاكي سطحي.

هذا الشكل من "تسليع الدين" يفتح الباب أمام الاستغلال، إذ يُقدم الدين في قالب شعبوي يستعمل لتوجيه المزاج العام أو تحقيق مكاسب سياسية وتجارية، بدل أن يكون أداة وعي وبصيرة.

■ كيف يحدث الاستغلال الديني في الصراعات الاجتماعية؟؟

يستعمل الدين أحيانا لإذكاء الانقسامات الطائفية والمذهبية، خصوصا حين ترتبط المذاهب بمصالح جهوية أو طبقية.
تُؤطر الصراعات الاقتصادية أو السياسية بغطاء ديني، فيتحول الصراع على الموارد أو النفوذ إلى صراع "عقائدي"، مما يصعب حله بالوسائل المدنية.
وهكذا يصبح الدين وقودا للنزاعات بدل أن يكون جسراً للتفاهم، ويُستدعى المقدس لتبرير القتل والعنف والإقصاء.

■ نحو وعي نقدي بالدين والمجتمع

إن إدراك خطورة هذا الاستغلال لا يعني رفض الدين، بل العكس، يعني تحرير الدين من التوظيف السلطوي، ورده إلى وظيفته الإنسانية والأخلاقية.
يحتاج المجتمع إلى تربية دينية نقدية تُميز بين النص والتأويل، وبين الإيمان الحقيقي والاستغلال الأيديولوجي.
كما يحتاج إلى مؤسسات دينية مستقلة تحمي الدين من التسييس، وتقدم خطابا إصلاحيا يوازن بين الإيمان والعقل، وبين الثابت والمتغير.

الخلاصة :
يبقى الدين في جوهره قوة تحريرية، تُعلي من قيمة الإنسان وتدعوه إلى الخير والعدل.
لكن حين يختطف الدين من قبل السلطة أو السوق أو الجماعات المغلقة، يتحول إلى أداة تبرير للهيمنة والتمييز.
إن التحدي الحقيقي ليس في التدين ذاته، بل في الوعي بكيفية حضوره داخل المجال الاجتماعي والسياسي.
فحين يصبح الدين مصدرا للضمير لا للهيمنة، وللوحدة لا للفرقة، يمكن للمجتمع أن يتجاوز مرحلة الاستغلال إلى مرحلة الإيمان الواعي، حيث يصبح الدين قوة بناء لا هدم.



#حسين_علي_محمود (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة سياسية وإستراتيجية لإنسحاب حزب العمال الكردستاني إلى ش ...
- المواطنة الرقمية بين الحرية والمسؤولية
- عبودية الوعي، الفقر كأداة للهيمنة في زمن الإنسان المنهك
- هرم ماسلو بين الإنسان والمجتمع، مقاربة في مأزق الصعود العربي
- قمة شرم الشيخ 2025، إعادة هندسة النظام الإقليمي من بوابة غزة
- نظرية النوافذ المكسورة، من فوضى المدن إلى فوضى الإنسان
- جيل Z في المغرب والعراق، من العالم الرقمي إلى الميدان الاجتم ...
- جيل Z والمظاهرات في المغرب، من العالم الرقمي إلى الميدان
- عودة العقوبات الأممية عبر -آلية الزناد-، تداعيات اقتصادية وس ...
- الشرع وبتريوس، مشهد يختصر تبدل موازين السياسة الدولية
- باغرام جوهرة استراتيجية، دلالات الموقع وابعاد الصراع في معاد ...
- اتفاقية الدفاع السعودي الباكستاني، قراءة تحليلية في إعادة تش ...
- اليوم العالمي للديمقراطية، قراءة نقدية للواقع العراقي
- الخطاب الديني والسياسي واثرهما في تشكيل الوعي الجمعي
- تشارلي كيرك وصراع النخب الأمريكية
- الضربة الإسرائيلية على قطر، قراءة في الأبعاد الاستراتيجية وا ...
- الاستعراض العسكري الصيني 2025، بين رسائل الردع وإعادة تشكيل ...
- ازدراء الأديان، دراسة تحليلية في الأبعاد الفكرية والاجتماعية ...
- إيران بين آلية السناب باك واحتمالات الحرب، قراءة في الدوافع ...
- سيداو من النص الدولي إلى الواقع الأسري، قراءة تحليلية نقدية


المزيد.....




- أكثر من 10 آلاف مستوطن اقتحموا المسجد الأقصى الشهر الماضي
- محافظة القدس: 10 آلاف و822 مستوطنا اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- محافظة القدس: 10,822 مستوطنًا اقتحموا المسجد الأقصى في أكتوب ...
- دلالات تصريحات قائد الثورة الإسلامية حول الخلاف مع أمريكا
- بعد تهديدات ترامب... ما هي الطبيعة الديمغرافية والدينية لنيج ...
- بين موسكو وبكين وبوكو حرام.. أفريقيا تعود إلى خريطة ترامب
- -سجل أسود-.. حماس تدين ظروف استشهاد أسير في سجن إسرائيلي
- -سجل أسود-.. حماس تدين ظروف استشهاد أسير في سجن إسرائيلي
- إعتراف عالمي بعيدين إسلاميين رئيسيين
- تصريحات فاديفول حول عودة السوريين تشعل الجدل داخل الاتحاد ال ...


المزيد.....

- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسين علي محمود - الدين والمجتمع بين الوعي والإخضاع، قراءة في آليات الاستغلال الديني