ماذا يجري في عفرين؟: تحليل إخباري–أكاديمي مفصّل

مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 18:23
المحور: القضية الكردية
    

مقدّمة
خلال الأسابيع والأشهر الأخيرة تصاعدت الإشارات إلى موجة من الممارسات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية في منطقة عفرين (ريف حلب الشمالي) التي تُظهر تحولاً في نمط السيطرة المحلية ومحاولات إعادة تشكيل الواقع المعيشي فيها. من إغلاق المحلات وختمها «بالشمع الأحمر» تمهيداً للاستيلاء، إلى تقارير عن مصادرات ومحاولات لإضعاف قدرة السكان على البقاء اقتصادياً، تبدو عفرين ساحة لتجارب نفوذ تُدفع بها مصالح محلية وإقليمية على حساب المدنيين. يعالج هذا المقال الوقائع المعروفة، خلفياتها التاريخية، أهداف الفاعلين المحتملة، علاقة الأحداث بعدم تطبيق الاتفاقات السياسية، وتقدير السيناريوهات المتوقعة. كل بند سيرتبط بمراجع مرقّمة بين قوسين مزدوجين كما طلبتم.

1. الواقع الميداني الحالي — حقائق مَرصُودة
1.1. حضور لقوات الأمن الحكومية والتحولات الإدارية. في 6 فبراير/شباط 2025 دخلت قوى من «الأمن العام/القوى الأمنية السورية» إلى عفرين في خطوة اعتبرها بعض المراقبين تغييراً في توازن السيطرة بعد سنوات من وجود فصائل موالية لتركيا؛ وقد رُصد دخول قوافل أمنية وبدء تحرّكات لتثبيت وجود مؤسسات للدولة. (1)
1.2. حملات إقفال محلات وختمها بالشمع الأحمر. توثّقت حملات أطلقتها ما يُسمّى «مكتب الإدارة الاقتصادية» أو فصائل محلية لإغلاق محلات صناعية وتجارية ووضع «ختم شمعي أحمر» على أبوابها — تصرف يُستخدم عادةً لبيان غلق رسمي أو حفظ موقع تمهيداً لإجراءات مصادرة/استيلاء — ورافق ذلك احتجاجات محلية من أصحاب المحلات. كما وردت توثيقات محلية مصوَّرة على منصات إعلامية وصفحات محلية. (2)
1.3. ممارسات اقتصادية ضدّ مزارعي الزيتون وسوق العمل. هناك تقارير متكررة عن سياسات ابتزاز وعمليات حصاد/نهب منتجة الزيتون لصالح فصائل مسلحة أو وسطاء، إضافة إلى مصادرات أراضٍ وتهديد للبنى الاقتصادية المحلية التي تعتمد على الزيتون كمصدر دخل رئيسي. (3)
1.4. حوادث أمنية واعتقالات واختلالٍ في سيادة القانون. رصدت منظمات حقوقية اعتقالات وممارسات انتقامية أو تعسفية بعد دخول بعض الأجهزة الأمنية، كما استمرت حالة الإفلات من العقاب عند بعض الفصائل المسلحة سابقاً. (3)

2. الخلفيات التاريخية والهيكلية (لماذا عفرين حساسّة؟)
منذ عملية «غصن الزيتون» التركية عام 2018 تغيّر الواقع الديموغرافي والمؤسسي لعفرين: نزوح أعداد كبيرة من السكان الكُرد، دخول فصائل مسلحة موالية لتركيا، ومشروعات إعادة ترتيب ملكيات عقارية وتجارية. هذه البنية المفتتة جعلت من عفرين ساحة سهلة نسبياً لسياسات الاستحواذ والضغط الاقتصادي. (3)
على المستويين الوطني والإقليمي، تمثل عفرين نقطة تلاقي مصالح: رغبة تركيا في ضبط المناطق الحدودية، مصالح فصائل محلية في موارد الأرض، ومحاولات الدولة السورية إعادة تفعيل نفوذها في الشمال عبر تفاهمات شكلية أو منفردة. هذا التداخل يولّد فراغ سيادي يُستغل محلياً. (1)(4)

3. تفسير الظواهر: لماذا يُختم المحلّ أو البيت «بالشمع الأحمر»؟ وما دلالته؟
الختم الشمعي غالباً ما يُستخدم عملياً كآلية إدارية/قانونية لبيان أن موقعاً ما قُفل بقرار رسمي أو لتحقيق مبدأ «حفظ الدليل» أو منع التصرّف بالممتلكات قبل إجراءات لاحقة. في السياق المحلي لعفرين، يبدو أن استخدام الشمع الأحمر تحول إلى إجراءٍ يُعبّر عن سياسة منهجية لحرمان أصحاب المحلات والمزارع من الدخول إلى ممتلكاتهم تمهيداً لإجراءات مصادرة أو تحويل ملكية تحت ذرائع قانونية محلية أو تعليمات صادرة عن مراكز نفوذ محلية. التوثيق الإعلامي المحلي الذي رصد حالات إغلاق واسع يدعم هذا التفسير. (2)

4. من الستفيد؟ تحليل الأهداف الاستراتيجية والمصالح
4.1. إضعاف القدرة الاقتصادية للسكان الأصليين ودفع موجات هجرة جديدة. إغلاق المحلات ومصادرة الأراضي والمنتجات (كالزيتون) تؤدي إلى تآكل مصدر الدخل، ما يضع أصحابها أمام خيار الهجرة أو الرهن لمشاريع اقتصادية تابعة للفاعلين الجدد. هذا يخدم مخطط تغيّر ديموغرافي واقتصادي هادئ. (3)(5)
4.2. خلق ذريعة أمنية أو فوضى مبرّرة لتدخلات أوسع. صور العنف أو الفوضى تُستخدم سياسياً في كثير من الأحيان لتبرير تحرّك أمني من جهة ثالثة (دولة أو ميليشيا). في عفرين، قد تُوظف المواد المصوّرة أو التسريبات الإعلامية لتحريض قوى أخرى أو لخلق «مبرّر» لتثبيت سلطات جديدة أو لتدخلات تركية أو لشرعية توسعية لجهة أخرى. (1)(6)
4.3. عرقلة تطبيق الاتفاقات السياسية وتحويل الحوار إلى مواجهة. إبقاء وضع المنطقة في حالة تغوّل فصائلي أو عدم استقرار يتعذر معه تنفيذ اتفاقات دمج أو تسوية لأن الطرف المتضرر يرفض/يخشَى التمكين السياسي للآخر أو لأن الفاعلين المحليين يريدون المحافظة على مكاسبهم بالاقتصاد الموازي. (1)(3)

5. لماذا لم يُطبّق الاتفاق بين «قسد» والحكومة المؤقتة/دمشق حتى الأن؟
فجوة التنفيذ بين الطابع السياسي والواقع المحلي: كثير من الاتفاقات تُبرم صيغياً لكن تنفيذها يتعثّر بسبب مقاومة فاعلين محليين يملكون مصالح مادية أو أمنية في الوضع القائم. تنفيذ اتفاقات كهذه يستلزم تحويلها إلى مؤسسات وأطر رقابية واقتصادية؛ وهو ما يتعرّض لمعارضة من مجموعات مسلحة أو اقتصادات محلية ربحية. (1)(3)
مخاوف تقسيم النفوذ: تنفيذ اتفاق يدمج قسد في مؤسسات الدولة أو يضمن حقوقاً مدنية لمنظمة ما قد يُفسد مبرّرات الوجود لفصائل موالية لجهات إقليمية، ومن ثم تسعى هذه الفصائل إلى منع التطبيق عبر خلق حالات توتّر مستمرة. (3)(4)

6. سيناريوهات مستقبلية قصيرة ومتوسطة المدى
السيناريو الأول (التمكين المركزي النسبي): تثبيت وجود قوات الدولة وإجراء عمليات قانونية ظاهرية لإعادة الإدارة قد يقلل الفوضى ظاهرياً، لكن يترك بقية الفصائل تعمل اقتصادياً — ما يؤدي إلى حل أمني هش مع استمرار مصادرة الموارد. (1)
السيناريو الثاني (التدهور إلى صراع محلي موسّع): تصاعد ممارسات الاستحواذ والعمليات التحريضية قد يدفع قوى كُردية (محلية أو قسد) للردّ، مما يؤدي إلى مواجهة مسلحة تفتح الباب لتدخلات إقليمية أوسع. (3)(6)
السيناريو الثالث (حل سياسي متعثر): استمرار حالة حالات الجمود: اتفاقات معلّقة، محاولات محاسبة شحيحة، واحتكام موازٍ للقوة والاقتصاد — ما يعني بقاء معاناة المدنيين وتأجيج أسباب هجرة دائمة. (3)(5)

7. توصيات مبدئية (سياسية، حقوقية، مدنية)
توثيق مستقل ومنهجي: ضرورة توثيق محايد للحالات (ختم الشمع، مصادرات، اعتقالات) من منظمات حقوقية وإعلامية دولية ومحلية. (3)
ضغط دبلوماسي لوقف سياسات الاستيلاء: على الفاعلين الإقليميين والدوليين تشديد الشروط على أي دعم للفصائل المحلية ومطالبة بآليات حماية للممتلكات والمدنيين. (1)(6)
آليات لمساءلة الفاعلين المحليين: تدابير قضائية وإدارية شفافة لاسترجاع الحقوق أو تعويض المتضررين مع آليات رقابة دولية أو إقليمية. (3)
دعم اقتصادي للمدنيين: مشاريع طارئة لدعم موسم الزيتون وتمكين سلاسل القيمة المحلية بحيث لا تبقى العوائل رهينة لممارسات الاستغلال. (5)

خاتمة مختصرة
ما يجري في عفرين ليس مجرد سلسلة حوادث متفرقة، بل هو تداخل عوامل سياسية–أمنية–اقتصادية يهدف ظاهرياً إلى استبدال أنماط الوجود المدني والاقتصادي التقليدي. ختم المحلات والبيوت بالشمع الأحمر هو رمزية عملية لسياسة أوسع: تحويل الموارد والتحكّم في السكان وتهيئة أرضية لفرض أمور واقعية بديلة عن حقوق وأُطر سياسية متفقاً عليها. استمرار هذا المسار يهدد فرصة الحل السياسي ويزيد احتمال الانزلاق إلى مواجهات أوسع ما لم تتدخل آليات ضبط ومساءلة دولية وإقليمية فاعلة.

+++++++++++++++++++++++++++&&&
المراجع (مرقّمة كما في النص)
Kurdistan24 / Welat TV — «Uncertain Future in Rojava: Syrian Public Security Forces assume control of Afrin», 6 Feb 2025.
تقارير محلية وإعلامية عن إغلاق محلات في عفرين بالشمع الأحمر (تغطيات إعلامية محلية — قناة اليوم، صفحات محلية وفيديوهات موثقة)، مقال/منشورات إعلامية، أكتوبر/أكتوبر 2025. (تقارير وحالات مُصوَّرة متاحة على مواقع الأخبار المحلية وصفحات التواصل).
Syrians for Truth and Justice (STJ) — «Olive Levies in Afrin: ‘There Is No Law Protecting Farmers’», تقرير شامل، 12 Oct 2025. (تقرير يركّز على نهب المحصول والضغوط الاقتصادية على مزارعي الزيتون في عفرين).
Long War Journal / NPA Syria — «Syrian government forces enter Afrin, signaling a change in control», 6 Feb 2025؛ تقارير متابعة عن تحوّل طبيعة السيطرة في المنطقة.
Human Rights Watch — «Everything is by the Power of the Weapon: Abuses and Impunity in Turkish-Occupied Northern Syria», تقرير توثيقي عن الانتهاكات والآثار على السكان منذ 2018 (نشرت: 29 Feb 2024) — للخلفية والأنماط المتكررة.
تقارير ومقالات صحفية دولية (Le Monde، Reuters، AP) — تحاليل عن وضع عفرين، عودة بعض السكان، ومحاولات دمج أو توظيف قوى أمنية محلية ضمن هياكل الدولة السورية؛ أمثلة: Le Monde (18 June 2025)، Reuters (15 Jan 2025)، AP (مقالات 2025).

#مروان_فلو (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل