أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - سوريا بين توازنات الإقليم ورهانات الداخل: صراع الحكم وبناء المستقبل















المزيد.....

سوريا بين توازنات الإقليم ورهانات الداخل: صراع الحكم وبناء المستقبل


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 12:02
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


مقدمة

تُعدّ الأزمة السورية من أعقد أزمات القرن الحادي والعشرين، ليس فقط لطول أمدها وتشعب أطرافها، بل لأنها باتت نقطة ارتكاز لتقاطع مصالح إقليمية ودولية متناقضة. فبينما يرفع المجتمع الدولي شعارات حقوق الإنسان وحق تقرير المصير، نجد أن الممارسة الواقعية على الأرض تسير في الاتجاه المعاكس. ومع استمرار الانقسام الجغرافي والسياسي بين الحكومة المركزية في دمشق، والإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا (روج آفا)، والمناطق الخارجة عن سيطرة الدولة في الشمال الغربي والجنوب، يبدو أن الصراع في جوهره لم يعد فقط على من يحكم، بل على شكل الدولة السورية المقبلة وهويتها السياسية والاجتماعية.


أولاً: المشهد الداخلي بين المركز والهامش

تشهد الساحة السورية اليوم تبايناً حاداً بين مشاريع السلطة المركزية في دمشق ومشاريع الإدارة الذاتية. فبينما تؤكد دمشق على وحدة الأراضي السورية وترفض أي صيغة فدرالية أو انفصالية، تطرح روج آفا نموذج “اللامركزية الديمقراطية” كإطار يضمن حقوق المكوّنات الكُردية والعربية والسريانية ضمن دولة سورية موحّدة شكلياً، لكن لا مركزية فعلياً (1).

في هذا السياق، برزت مفاوضات الدمج بين قوات سوريا الديمقراطية (SDF) والجيش السوري كمؤشر على احتمال الانتقال من الصراع إلى التسوية. غير أن المفاوضات ما زالت عالقة حول سؤالين جوهريين: من يملك القرار السياسي؟ وكيف ستوزع الصلاحيات الإدارية والاقتصادية في الشمال الشرقي؟ فدمشق تعتبر أي كيان مستقل تهديداً لسيادتها، فيما ترى الإدارة الذاتية أن العودة دون ضمانات حقوقية وسياسية تكرّس المركزية السابقة ستكون “انتحاراً سياسياً” (2).


ثانياً: الديناميات الأمنية ومكافحة الإرهاب

رغم تراجع تنظيم “داعش” ميدانياً، فإن خلاياه ما زالت تنشط في البادية السورية وريف دير الزور. التحالف الدولي وقوات SDF أعلنا تفكيك خلايا جديدة في أكتوبر 2025، في حين ما تزال الحكومة السورية تركز على استعادة السيطرة على المناطق الشرقية من خلال المفاوضات أو الضغط العسكري.
هذا الواقع الأمني الهش يخلق توازن رعب مؤقتاً بين الأطراف، يمنع الانفجار الشامل لكنه لا ينتج استقراراً حقيقياً. فاستمرار الفراغ السياسي والاقتصادي يُبقي البيئة حاضنة للتطرف، ويُضعف إمكانية بناء مؤسسات وطنية جامعة (1).


ثالثاً: التدخلات الإقليمية والدولية

تتجاوز الأزمة السورية حدودها الوطنية، إذ تحولت إلى ساحة صراع نفوذ بين قوى متعددة:

تركيا، التي ترى في وجود كيان كُردي شمال سوريا تهديداً لأمنها القومي، وتدعم فصائل معارضة في الشمال الغربي.

إيران، التي تسعى لإعادة نفوذها من جديد وفتح ممر بري نحو البحر المتوسط.

روسيا، التي توازن بين دعم دمشق ومحاولة لعب دور الوسيط المقبول دولياً.

إسرائيل، التي تستغل هشاشة الوضع فب لبنانبعد قصف مواقع لحزب الله في لبنان وسابقاً في العمق العمق السوري.


هذه القوى تتعامل مع سوريا باعتبارها رقعة شطرنج جيوسياسية، تُرسم عليها توازنات الإقليم الجديدة بعد تراجع النفوذ الأمريكي وصعود القوى الآسيوية. وعلى الرغم من أن ميثاق الأمم المتحدة يؤكد على احترام السيادة وحق تقرير المصير، إلا أن القوى الفاعلة اليوم تعمل بمنطق الواقعية السياسية التي تبرر خرق القواعد الدولية لتحقيق المصالح الوطنية (2).


رابعاً: المكونات المحلية وتحديات التمثيل

تتنوّع المكونات السورية بين العرب، الكُرد، الدروز، السريان، والعلويين، ولكل منها حساباته وهواجسه.

في الجنوب (السويداء)، يعاني المكوّن الدرزي من ضعف الخدمات وغياب التمثيل السياسي، ما أفرز حراكاً احتجاجياً ذا طابع محلي يطالب باللامركزية والعدالة الاقتصادية ، واليوم وصل بهم الامل لطلب حق تقرير المصير نتيجة التجاهل المتعمد.من إدارة دمشق ونتيجة المذابح الاخيرة التي جرت عليهم.

في الساحل السوري، المكوّن العلوي الذي شكّل القاعدة الاجتماعية للنظام يعيش الآن توتراً اقتصادياً وتراجعاً في امتيازاته السابقة.

أما في الشرق والشمال الشرقي، فالعرب والكُرد والسريان يتنافسون على النفوذ المحلي والثروات النفطية، ما يجعل الصراع ذا طابع إثني-اقتصادي بقدر ما هو سياسي (1).


هذه التناقضات الداخلية تفتح الباب أمام تسويات محتملة، لكنها أيضاً تطرح تحديات أمام أي مشروع وطني جامع، إذ يتطلب ذلك عقداً اجتماعياً جديداً يضمن الحقوق السياسية والثقافية والاقتصادية لكل المكونات دون إقصاء أو هيمنة.


خامساً: نحو أي مستقبل تتجه سوريا؟

يبدو أن مستقبل سوريا سيتحدد وفق ثلاثة سيناريوهات محتملة:

1. تسوية تدريجية: اندماج الإدارة الذاتية ضمن الدولة مع ضمانات دستورية ولا مركزية إدارية واقتصادية.


2. عودة التصعيد: فشل المفاوضات وعودة الاشتباكات في دير الزور أو الحسكة، بدفع خارجي أو داخلي.


3. تثبيت الوضع القائم: استمرار الانقسام الجغرافي بحكم الأمر الواقع، مع بقاء خطوط النفوذ مرسومة بين موسكو وواشنطن وأنقرة وطهران، وهو الأرجح وفق وجهة نظري.


في كل الحالات، يبقى الشعب السوري الخاسر الأكبر ما دامت الحلول تصاغ خارج إرادته، وما دامت القوى الكبرى تتعامل مع الملف السوري كوسيلة لإعادة رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط.


خاتمة

إن الصراع في سوريا تجاوز مرحلة “من يحكم”، إلى مرحلة “كيف تُحكم سوريا”. فالقضية لم تعد تتعلق بتغيير نظام أو بقاءه، بل بإعادة تعريف الدولة الوطنية في ظل انهيار العقد الاجتماعي وتدخل الخارج.
ومع أن الأمم المتحدة تبدو عاجزة عن فرض حلول عادلة، إلا أن استمرار النضال الشعبي والتمسك بمبدأ حق تقرير المصير يظل السبيل الوحيد لبناء سوريا جديدة، قادرة على تجاوز انقساماتها وتحقيق مصالحة وطنية حقيقية.


++++++++++++++++&&&

المراجع

1. مركز كارنيغي للشرق الأوسط، “المعادلة السورية الجديدة: تحديات اللامركزية وتوازن القوى المحلي”، بيروت، 2024.


2. معهد الشرق الأوسط (Middle East Institute)، “Syria’s Frozen Conflict: Regional Powers and the Future of the State”، واشنطن، 2025.



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المناطق الكُُردية في سوريا... بين السيطرة التركية والعجز الم ...
- إلى أين تسير الأمور في سوريا؟ قراءة في مواقف سيبان حمو والمش ...
- كردستان الأناضول: الإمارات الكردية وأصول العثمانيين بين الرو ...
- الملف السوري يتغيّر: اتفاق مبدئي بين قسد ودمشق لدمج القوات… ...
- ترامب و-الفرصة الأخيرة-: قراءة في مبادرة شرم الشيخ واحتمالات ...
- قسد والحكومة المؤقتة: آلية تنفيذ لقرار مجلس الأمن 2254 أم مس ...
- زيارة الشرع إلى موسكو: سوريا بين استعادة السيادة وترسيخ النف ...
- الاتفاق الأمريكي السوري: بين مشروع الدمج وإعادة تشكيل السلطة ...
- مناف طلاس وتسليح -قسد-: معركة إعادة تشكيل الجيش السوري وتحدّ ...
- من التفاهمات العسكرية إلى التحول الدستوري.. مسار جديد للأزمة ...
- قراءة تحليلية في تصريحات الجنرال مظلوم عبدي: هل تدخل سوريا ط ...
- حين يتحوّل الدين إلى سلاح… حان وقت الثورة على الإيديولوجيا ا ...
- المركزية: الطريق الأقصر إلى الاستبداد الجديد في سوريا
- بين الاندماج والانفصال: لا حل دون سوريا لا مركزية أو فدرالية
- نهاية المركزية السورية: من الإنكار إلى حتمية اللامركزية
- سوريا على مفترق حاسم: واشنطن تعود إلى دمشق... و«قسد» على طري ...
- من زيارة توماس باراك إلى الحسكة: هل تصحو إرادات الاستقرار عل ...
- صراع الشمال السوري: لعبة الدمى الكبرى على حافة الهاوية
- الانتخابات السورية 2025: خطوة على رمال الانتقال السياسي المت ...
- الكُرد في باكستان: فصلٌ مُهمٌّ منسيٌّ من تاريخنا


المزيد.....




- الكرملين عن قمة ترامب-بوتين: لا يُمكن تأجيل شيء لم يُحدد موع ...
- نتنياهو يلتقي رئيس المخابرات المصرية.. ومكتبه يكشف ما بحثاه ...
- المفوضية السامية تطالب مصر بإصلاحات محددة وواضحة لتنفيذ مخرج ...
- ترامب يتوعد حماس والحركة تؤكد التزامها بوقف إطلاق النار
- المتاحف الفرنسية تعاني من -ضعف كبير- في أنظمتها الأمنية
- ماكرون يدعو لإشراك أوكرانيا والأوروبيين في قمة ترامب وبوتين ...
- الصين..رجل يتحول الى بطل!
- ساركوزي أول رئيس فرنسي سابق يدخل السجن في الجمهورية الخامسة ...
- عائلتا الصحفيين هيثم ونضال بغزة تترقبان خبرا عن مصيرهما
- ماذا يعني انضمام إيران لاتفاقية -مكافحة تمويل الإرهاب-؟


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - سوريا بين توازنات الإقليم ورهانات الداخل: صراع الحكم وبناء المستقبل