أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - نهاية المركزية السورية: من الإنكار إلى حتمية اللامركزية















المزيد.....

نهاية المركزية السورية: من الإنكار إلى حتمية اللامركزية


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8490 - 2025 / 10 / 9 - 00:13
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بعد مضي يومين فقط على الانتخابات السورية التي شابها الكثير من الجدل حول نزاهتها، تشهد الساحة الداخلية تحولات متسارعة تُعيد رسم خريطة الولاءات والانتماءات داخل البلاد. فقد بدت مواقف المكوّنات السورية الكبرى – الدروز في الجنوب، والكُرد في الشمال، والعلويون في الساحل – أكثر وضوحًا من أي وقت مضى في سعيها نحو قدرٍ من الاستقلالية السياسية والإدارية، الأمر الذي فاجأ المراقبين وأثار أسئلة جوهرية حول مستقبل الدولة السورية ووحدة أراضيها (1).
يُعزى هذا التحول إلى تراكم الإحباطات من السياسات المركزية التي سادت منذ عقود، والتي تكرّست بصورة أوضح بعد الحرب الطويلة التي استمرت أكثر من أربعة عشر عامًا. وقد عبّر القائد العام لقوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، خلال اجتماعٍ عُقد في دمشق، عن رؤية تدعو إلى إقامة نظام حكمٍ ذاتيٍّ للكُرد على غرار التجربة العراقية، مع تعديل البيان الدستوري ليعكس مشاركة حقيقية لكل الأطياف السورية في صياغة مستقبل البلاد (2). هذه الدعوة، وإن كانت تعبّر عن مطلب كُردي خاص، إلا أنها تمثل في جوهرها موقفًا وطنيًا عامًا يُعبّر عن حاجةٍ ملحّة لإعادة تعريف العلاقة بين المركز والأطراف وفق مبادئ العدالة التمثيلية والمواطنة المتساوية (3).
لقد أدّت سياسة الحكومة المؤقتة السورية، القائمة على الإقصاء والتفرد بالقرار، إلى نشوء نزعات انعزالية لدى المكوّنات المجتمعية، دفعتها إلى إعادة النظر في مفهوم "الوطن المشترك". ومع استمرار انسداد الأفق السياسي، ارتفعت الأصوات الداعية إلى الفيدرالية أو الحكم الذاتي كبدائل عن الدولة المركزية التقليدية التي أثبتت فشلها في احتواء التنوع السوري (4). ومن ثم، فإن تعنّت السلطة في مواجهة هذه المطالب قد يدفع باتجاه تصعيدٍ أخطر، يتمثل في دعواتٍ علنيةٍ للاستقلال، وهو سيناريو ستكون له عواقب كارثية على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية كافة (5).
في هذا السياق، يُعدّ اللقاء الذي جرى في الحسكة بين السيد توم باراك، ممثل الدبلوماسية الأمريكية غير الرسمية و القائد الأمريكي الأدميرال براد كوبر من جهة ، وبين القائد مظلوم عبدي ورفاقه بالجهة المقابلة، محطةً مفصلية في إعادة تعريف موقع القضية الكُردية ضمن الملف السوري (6). فقد أتاح هذا اللقاء فرصة لإعادة طرح مسألة الإدارة الذاتية ضمن إطارٍ تفاوضي دولي، يُلزم دمشق بمراجعة نهجها تجاه المكوّنات الوطنية الأخرى، والاعتراف بأن مسار المركزية المطلقة لم يعد قابلًا للاستمرار.
أما اجتماع دمشق الأخير، فقد وضع أسسًا يمكن أن تُبنى عليها تسوية سياسية حقيقية، إذ تضمنت بنوده الرئيسية:
الوقف الفوري للعمليات القتالية كخطوة تمهيدية لبناء الثقة.
تعديل الدستور بمشاركة فعلية لكل المكوّنات السياسية والاجتماعية.
تطبيق اتفاق آذار بوصفه مرجعًا سياسيًا جامعًا.
إقرار مفهوم الاندماج الوطني كركيزة لإعادة بناء العقد الاجتماعي السوري.
إن هذه البنود، في حال الالتزام بها، يمكن أن تشكل مدخلًا واقعيًا لإعادة صياغة الدولة السورية على أسس جديدة تُنهي حالة الحرب وتؤسس لعهدٍ سياسيٍّ أكثر عدلاً وشمولية.
التقارير الأخيرة تُشير إلى أن الاعتراف بالحكم الذاتي للكُرد أصبح احتمالًا واقعيًا، وأن المرحلة التالية قد تشهد تعديلات جوهرية في الدستور السوري، أبرزها النص على أن الدولة محايدة دينيًا، وأن جميع المكونات القومية والإثنية والدينية متساوية في الحقوق والواجبات (7). مثل هذه التعديلات لا تمثل تنازلاً، بل ضرورة تاريخية لإعادة ترميم العقد الوطني الذي تهشّم تحت وطأة الحرب والانقسام.
لقد أنهكت الحربُ السوريين جميعًا؛ فلا منتصر فيها سوى الألم. وأمام هذا الواقع، تبدو الدعوة إلى السلام والعدالة والمواطنة ليست ترفًا سياسيًا، بل شرطًا وجوديًا لبقاء سوريا ككيانٍ جامع. إن استمرار الحكومة في تجاهل مطالب الشعب سيُعمّق الشرخ الداخلي، ويُسرّع تفكك الدولة إلى كياناتٍ متناحرة، بينما يُشكل تبنّي نموذجٍ لامركزي متوازن الحلّ الأمثل لتحقيق الاستقرار دون المساس بوحدة الأرض والسيادة الوطنية (8).
أما المجتمع الدولي، فقد أسهم تردده وتناقض مواقفه – بين دعم النظام حينًا والمطالبة باللامركزية حينًا آخر – في إطالة أمد الأزمة وإضعاف فرص الحل السياسي (9). إن غياب رؤية موحدة تجاه سوريا جعل البلاد ساحة تجاذبٍ جيوسياسي مفتوح، ما أفرز فراغًا أمنيًا قد يعيد إحياء التنظيمات الإرهابية، مهددًا الأمن الإقليمي والدولي معًا.
يبقى السؤال الجوهري الذي يواجه النخب السورية اليوم:
هل ما زال بالإمكان إعادة بناء دولةٍ وطنية جامعة، أم أن الزمن قد تجاوز هذه الفكرة، وبدأ فعلاً زمن الكيانات ما دون الدولة؟
إن الإجابة على هذا السؤال تستلزم شجاعة سياسية وإرادة وطنية تتجاوز الانتماءات الضيقة. فإما أن تُبنى سوريا الجديدة على أسس العدالة والمواطنة والمشاركة، وإما أن تُترك لتتآكل ببطء تحت ثقل انقساماتها. فالتاريخ لا ينتظر المترددين، والشعوب التي لا تمتلك مشروعاً جامعاً لمستقبلها، سرعان ما تُمحى من خرائط السياسة.

++++++++++++++++++++++&&&
المراجع
(1) مركز الدراسات الإقليمية – "تحولات الهوية والانتماء في المجتمع السوري بعد الانتخابات" – تقرير أكتوبر 2025.
(2) وكالة "رويترز" – "مظلوم عبدي يدعو لنظام حكم ذاتي كردي في سوريا" – دمشق، سبتمبر 2025.
(3) معهد كارنيغي – "المواطنة والتمثيل في النظام السياسي السوري" – أغسطس 2025.
(4) معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى – "الاتجاهات الفيدرالية في الشرق الأوسط بعد 2011" – يونيو 2025.
(5) جامعة جنيف للدراسات الدولية – "التداعيات المحتملة لانفصال المكونات السورية" – يوليو 2025.
(6) صحيفة "الشرق الأوسط" – "لقاء الحسكة: خطوة أمريكية نحو دعم الإدارة الذاتية" – سبتمبر 2025.
(7) وثيقة اللجنة الدستورية السورية – "مشروع التعديلات الدستورية المقترح" – أكتوبر 2025.
(8) الأمم المتحدة – "تقرير الحالة الإنسانية والسياسية في سوريا" – أغسطس 2025.
(9) مركز بروكنجز – "المجتمع الدولي بين المركزية واللامركزية في التعاطي مع الأزمة السورية" – مايو 2025..



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا على مفترق حاسم: واشنطن تعود إلى دمشق... و«قسد» على طري ...
- من زيارة توماس باراك إلى الحسكة: هل تصحو إرادات الاستقرار عل ...
- صراع الشمال السوري: لعبة الدمى الكبرى على حافة الهاوية
- الانتخابات السورية 2025: خطوة على رمال الانتقال السياسي المت ...
- الكُرد في باكستان: فصلٌ مُهمٌّ منسيٌّ من تاريخنا
- اتفاق حماس – إسرائيل: بوابة محتملة نحو تسويات جديدة في الشرق ...
- إسرائيل الكبرى وكُردستان الكبرى: بين الحقيقة والوهم الجيوسيا ...
- المشروع الكُردي في سوريا والردع التركي... صراع السياقات والم ...
- سوريا نار تحت الرماد : عودة الإرهاب وصراع الجيوسياسة وتفتت ا ...
- الأمير إبراهيم باشا الملي: زعيم قبلي كردي بين السلطنة والحدا ...
- اللامركزية في سوريا: جدلية السلطة المركزية وضغوط التحالفات ا ...
- -مجرد قبائل وقرى-.. قراءة في خطاب التفكيك الأمريكي للمنطقة
- اتفاق 10 آذار بين الانتهاء والتمديد: مناورة سياسية أم مشروع ...
- ترامب في الأمم المتحدة: استهتار أم استراتيجية لإلغاء الأمم ا ...
- نحو دمشق: تهديد صريح ورسالة مفتوحة من قوات سوريا الديمقراطية
- سوريا بين وحدة الدولة ومطالب اللامركزية: معركة الشمال والجنو ...
- الوجه الجديد للاستبداد: تحليل نقدي لسياسات النظام السوري الج ...
- بين تهديد السلاح وتبدّلات الجغرافيا السياسية: شمال شرق سوريا ...
- تصعيد تركيا ضد الإدارة الذاتية في سوريا: بين التحذيرات والمو ...
- بين الحماية والتسوية: لماذا تتباين استراتيجيات قسد والدروز ف ...


المزيد.....




- أسبوع الموضة في باريس: كيف نجد المعنى في الأزياء؟
- رحلة العمر معًا.. أب وابنه يخوضان مغامرة بالدراجة حول العالم ...
- شاهد كيف احتفل إسرائيليون وفلسطينيون بعد اتفاق وقف إطلاق الن ...
- لماذا يمثل فضل شاكر أمام القضاء؟
- شتان بين عنصري ومناضلة من أجل رفع المظلومية
- ترامب: إسرائيل وحماس وقعتا على المرحلة الأولى من خطتنا للسلا ...
- غزة وسكانها ينتظرون تنفيذ خطة السلام.. ما تفاصيلها؟
- كاتب تركي: إسرائيل مصنع لمعاداة السامية وشعبيتها في أميركا ت ...
- إعلام إسرائيلي: الاتفاق يدخل حيز التنفيذ بغزة بعد المصادقة ع ...
- طلاب جامعات في أميركا اللاتينية يطالبون بمقاطعة أكاديمية لإس ...


المزيد.....

- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - نهاية المركزية السورية: من الإنكار إلى حتمية اللامركزية