أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - المركزية: الطريق الأقصر إلى الاستبداد الجديد في سوريا














المزيد.....

المركزية: الطريق الأقصر إلى الاستبداد الجديد في سوريا


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8491 - 2025 / 10 / 10 - 14:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


كل من يسعى اليوم إلى إقامة حكومة مركزية في سوريا، إنما يمهّد — بقصدٍ أو بدونه — لمرحلة استبداد جديدة، أكثر دهاءً وربما أكثر قسوة من سابقتها.
فالبلد الذي كُسرت عظامه على يد الدكتاتورية القديمة، لا يمكن أن يُعاد ترميمه بالأدوات ذاتها التي دمّرته، ولا بسلطة تُمسك بخيوط الحكم من مركزٍ واحد وتترك الأطراف تذبل في الهامش.

التاريخ لا ينسى.. والذاكرة السورية لا تُشفى

في عام 1920، حين أعلن المؤتمر السوري العام الأمير فيصل الأول ملكًا على سوريا، عمّت الحماسة في الشارع السوري واللبناني على السواء.
لكن هذه الحماسة سرعان ما انقلبت إلى انكسار بعد معركة ميسلون وسقوط دمشق بيد الفرنسيين.
وحين تغيّر ميزان القوى، تغيّرت الولاءات، وبدّل الشعراء والوجهاء أناشيدهم كما يبدّل التاجر بضاعته.
فذاك الزجال الذي أنشد يومًا "فيصل أمير بلادنا، باريس تلزم حدّها"، عاد بعد أشهر ليمدح المحتل قائلًا: "يا مير وش لك بالحروب، باريس منك قدّها" (1).
منذ ذاك اليوم، والبلاد تدور في الحلقة ذاتها: نخبة سياسية تلهث وراء السلطة، وشعوب تدفع ثمن التحولات، فيما تبقى فكرة "المركزية" عنوانًا لكل سقوط جديد.

بعد الأسد: المركزية بثوب “ثوري”

حين أطاحت الانتفاضة المسلحة بنظام بشار الأسد، بدا وكأن البلاد أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء سوريا على أسس جديدة: العدالة، التعدد، والمواطنة.
لكن سرعان ما انقلبت هذه الأحلام إلى صراعات على النفوذ والمناطق، ومعها عاد الحنين إلى السلطة المركزية، ولكن هذه المرة بلبوس "ثوري".
الرئيس الجديد أحمد الشرع، القادم من خلفية “هيئة تحرير الشام”، وعد بسوريا ديمقراطية شاملة، غير أن الممارسة على الأرض تشير إلى العكس: مركزية متغولة، وتوحيد قسري تحت راية "البلد الواحد والجيش الواحد" كما صرح وزير خارجيته الشيباني (2).

هكذا تتحول شعارات الوحدة إلى سلاحٍ لإقصاء المختلف، كما تحولت في عهد البعث من قبل إلى أداة لتأبيد حكم الفرد والعائلة.

تحذير بيدرسن: "سوريا على حد السيف"

في تقريره الأخير، حذر المبعوث الأممي غير بيدرسن من أن سوريا تقف على "حد السيف" وقد تتحول إلى "ليبيا جديدة" إذا لم تُصحح مسارها (3).
التحذير ليس عابرًا، فهو يقرأ في خلفية المشهد بوادر عودة إلى النمط السلطوي ذاته: مركزية الدولة، عسكرة القرار، وتهميش الهويات المحلية.
إن إعادة إنتاج السلطة المركزية، في بلد هشّ ومنقسم طائفيًا وإثنيًا، ليست طريقًا إلى الوحدة، بل إلى الانفجار من جديد.

فمن يعتقد أن المركزية تعني القوة، يتجاهل أن سوريا ما بعد الحرب ليست سوريا الخمسينيات أو الستينيات؛ إنها بلد مدمَّر، موزّع الولاءات، لا يمكن أن يُدار إلا عبر توازنات محلية لا عبر قرارات فوقية تصدر من العاصمة.

الانكفاء التركي وتبدّل المشهد الإقليمي

الموقف التركي الأخير، الداعي إلى أن "على الأطراف السورية أن تحلّ مشاكلها بنفسها"، (4) لا يعكس فقط تراجع أنقرة عن التدخل المباشر، بل أيضًا إدراكها لفشل سياسة السيطرة عبر المركز.
لقد جرّبت تركيا دعم فصائل موالية لتفرض "حكمًا مركزيًا من الشمال"، لكنها خرجت بخيبة؛ لأن الواقع السوري أكثر تعقيدًا من أن يُدار بعقلية "الوصي الواحد".
والحال نفسها تنطبق على القوى المحلية التي تحاول إعادة إنتاج سلطة الأسد دون أن تتعلم من سقوطه.

فكران يتنازعان سوريا

كما كتب الدكتور خالد حسين، فإن سوريا اليوم "رهينة لدى جماعات سنية تكفيرية بطلاء عروبوي، تحكم بفكر إرهابي ضد كل ما هو مختلف" (5).
هذا الفكر لا يختلف جوهريًا عن فكر الأنظمة الشمولية القديمة، فكلاهما يقوم على الإلغاء لا المشاركة، وعلى الإخضاع لا التفاهم.
إنه صراع بين فكرين:
أحدهما يجر البلاد إلى هاوية الماضي، إلى سلطة مطلقة تحت ذريعة الأمن والدين والوحدة،
والآخر يسعى إلى بناء سوريا متعددة، عادلة، تتسع للجميع دون خوف أو وصاية.

اللامركزية: رهان البقاء

لقد أثبتت التجارب الحديثة أن المركزية ليست ضمانة لوحدة الدولة، بل بوابة لتفككها.
فليبيا والعراق واليمن شواهد حيّة على أن إخضاع الأطراف بالقوة لا يخلق دولة، بل يولد أقاليم ناقمة تنتظر لحظة الانفجار.
سوريا اليوم تحتاج إلى نموذج إداري مرن — اتحادي أو لامركزي — يسمح لكل منطقة بإدارة شؤونها المحلية ضمن دولة جامعة، تحفظ السيادة دون أن تخنق التنوع.
إن من يسعى لتوحيد البلاد عبر سلطة واحدة، إنما يعيد البلاد إلى نقطة الصفر، ويكتب الفصل الأول من الاستبداد الجديد.

الخاتمة: من المركز إلى المحيط.. تبدأ الحرية

لا ديمقراطية مع المركزية، ولا وحدة مع الإلغاء.
البلاد التي تريد أن تنهض، عليها أن تبدأ من القاعدة لا من القمة؛ من المجالس المحلية، من المحاسبة، من العدالة، لا من أوامر تصدر من قصر رئاسي مهما تغيّر اسمه.
إن طريق الحرية في سوريا لا يمر عبر "دمشق المركز"، بل عبر كل قرية ومدينة تريد أن تُسمع صوتها.
فالمركزية ليست ضمانة للوطن، بل قفصٌ يُعيد تشكيل الطغيان بوجهٍ جديد.


+++++++++&&&

المراجع:

1. واقعة الزجال اللبناني والملك فيصل الأول – أرشيف الصحافة السورية (منقول).

2. تصريح وزير الخارجية السوري شيباني حول "بلد واحد وجيش واحد وأرض واحدة" – موقع تلفزيون سوريا، 8/10/2025.

3. مقابلة غير بيدرسن مع صحيفة فايننشال تايمز – ترجمة ربى خدام الجامع، موقع تلفزيون سوريا، 8/10/2025.

4. تصريح وزير الخارجية التركي حول الموقف من الأزمة السورية – وكالة الأناضول، 8/10/2025.

5. مقال د. خالد حسين: "سوريا اليوم رهينة لدى جماعات إرهابية سنية تكفيرية بطلاء عروبوي"، منشور على وسائل التواصل، 2025.



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بين الاندماج والانفصال: لا حل دون سوريا لا مركزية أو فدرالية
- نهاية المركزية السورية: من الإنكار إلى حتمية اللامركزية
- سوريا على مفترق حاسم: واشنطن تعود إلى دمشق... و«قسد» على طري ...
- من زيارة توماس باراك إلى الحسكة: هل تصحو إرادات الاستقرار عل ...
- صراع الشمال السوري: لعبة الدمى الكبرى على حافة الهاوية
- الانتخابات السورية 2025: خطوة على رمال الانتقال السياسي المت ...
- الكُرد في باكستان: فصلٌ مُهمٌّ منسيٌّ من تاريخنا
- اتفاق حماس – إسرائيل: بوابة محتملة نحو تسويات جديدة في الشرق ...
- إسرائيل الكبرى وكُردستان الكبرى: بين الحقيقة والوهم الجيوسيا ...
- المشروع الكُردي في سوريا والردع التركي... صراع السياقات والم ...
- سوريا نار تحت الرماد : عودة الإرهاب وصراع الجيوسياسة وتفتت ا ...
- الأمير إبراهيم باشا الملي: زعيم قبلي كردي بين السلطنة والحدا ...
- اللامركزية في سوريا: جدلية السلطة المركزية وضغوط التحالفات ا ...
- -مجرد قبائل وقرى-.. قراءة في خطاب التفكيك الأمريكي للمنطقة
- اتفاق 10 آذار بين الانتهاء والتمديد: مناورة سياسية أم مشروع ...
- ترامب في الأمم المتحدة: استهتار أم استراتيجية لإلغاء الأمم ا ...
- نحو دمشق: تهديد صريح ورسالة مفتوحة من قوات سوريا الديمقراطية
- سوريا بين وحدة الدولة ومطالب اللامركزية: معركة الشمال والجنو ...
- الوجه الجديد للاستبداد: تحليل نقدي لسياسات النظام السوري الج ...
- بين تهديد السلاح وتبدّلات الجغرافيا السياسية: شمال شرق سوريا ...


المزيد.....




- كينيا: هل مازالت طائفة ماكنزي تنشط في غابة شاكاهولا؟
- إسرائيل تعلن دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في غزة وتحذر م ...
- فور تنفيذ وقف إطلاق النار ومشيا على الأقدام.. ألوف من الغزيي ...
- رئيس الوزراء القطري: نجاح وقف النار في غزة مسؤولية جماعية
- خبير عسكري: انسحاب الاحتلال من غزة هذه المرة مختلف عن الانسح ...
- ليتك لم تفعل يا بروفيسور ياغي!
- الشيباني من لبنان: نريد تجاوز عقبات الماضي
- نتنياهو يبحث اليوم التالي في غزة بمشاركة أميركية
- ماذا بقي من اتفاق جوبا للسلام في السودان بعد خمس سنوات على ت ...
- إسرائيل توافق على أسماء جديدة من أصحاب المؤبدات وترفض تضمين ...


المزيد.....

- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - مروان فلو - المركزية: الطريق الأقصر إلى الاستبداد الجديد في سوريا