أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مروان فلو - كردستان الأناضول: الإمارات الكردية وأصول العثمانيين بين الرواية والتاريخ















المزيد.....

كردستان الأناضول: الإمارات الكردية وأصول العثمانيين بين الرواية والتاريخ


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8499 - 2025 / 10 / 18 - 16:43
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


شهدت الأناضول خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر ميلاديين خريطة سياسية فسيفسائية تشكّلت من إماراتٍ محلية متجاورة، بعضها كان ذا أصول كردية أو تداخلت في أنسابه القبائل الكردية واليورُوكية والتركمانية. ومن بين هذه الإمارات برزت إمارة القرمانيين (Karamanoğulları) والعثمانيين، اللتان شكّلتا محور الصراع والتحالف في قلب الأناضول، إلى جانب عددٍ من الإمارات الكردية التي لعبت أدواراً محورية في رسم ملامح المنطقة.
أولاً: المصادر التاريخية وأهميتها
يعتمد المؤرخون في دراسة هذه المرحلة على مصدرين أساسيين:
الأول هو كتاب «تاريخ آل عثمان» للمؤرخ عاشق باشازاده، الذي يُعدّ من أقدم النصوص التي أرّخت للدولة العثمانية، إلا أنّه كُتب بروح تمجيدية تخدم شرعية الدولة الناشئة (1).
أما الثاني فهو «كرامان نامه» للمؤرخ شيكاري، الذي خصّصه لتاريخ إمارة القرمانيين وذكر فيه بالتفصيل الإمارات التي كانت قائمة آنذاك، ومن بينها إمارات كردية عديدة (2).
ورغم قيمة هذين العملين، إلا أن الباحثين المحدثين يُجمعون على ضرورة قراءتهما قراءة نقدية، نظراً لما يحتويانه من سردٍ أسطوريّ وتضخيم سياسي (3).
ثانياً: الإمارات الكردية في الأناضول
يُورد شيكاري في «كرامان نامه» وصفاً دقيقاً لعدد من الإمارات التي كانت تتقاسم النفوذ في الأناضول، ويذكر أن حكّام بعضها كانوا من أصول كردية أو يعيشون بين قبائل كردية (4). ومن أبرز هذه الإمارات:
إمارة الكرميانيين: التي حكمها عليشار بك الكردي (Eliser)، وكانت تتمتع بنفوذ واسع في غرب الأناضول، وقد لعبت دور الوسيط بين القرمانيين والعثمانيين (5).
إمارة كاندار أوغولاري: بقيادة الكردي شمس الدين جندار بك، الذي حكم منطقة قسطموني وسينوب شمالاً (6).
إمارة سيفاس: بقيادة الكردي حاجي بهادين، التي كانت مركزاً حضرياً مهماً في وسط الأناضول (7).
إمارة منتيشا: التي أسسها الكردي علي منتيشا بك، ابن حاجي بهادين بك، وهي من الإمارات التي اشتهرت بقوتها البحرية في مناطق موغلا وآيدين (8).
إمارة حميد أوغلو: بقيادة الكردي حميد بك، التي ضمت مناطق إسبرطة وبوردور (9).
إمارة دولقادر أوغولار: بقيادة ذو القادر بك الكردي، التي تمركزت في مرعش وارتبطت بالمماليك والأناضوليين على حد سواء (10).
إمارة رمضان أوغولاري: بقيادة رمضان بك الكردي، وحكمت منطقة أضنة وتُرسوس (11).
إمارة تيكي أوغلو: التي أسسها الكردي تيكي بك من عائلة كرميان، وحكم أنطاليا (12).
إمارة أشرف أوغولاري، وساروهان، وكيريسي، وآيدين أوغولاري: وكلها تُنسب إلى قبائل كردية أو حكّام من أصول كردية بحسب وصف شيكاري (13).
هذه الإمارات، وإن خضعت في فترات للمغول أو للسلاجقة أو للعثمانيين لاحقاً، فإنها حافظت على هويتها المحلية الكردية وأسهمت في توازن القوى داخل الأناضول.
ثالثاً: إمارة القرمانيين ودورها
كانت إمارة القرمانيين (Karamanids) من أبرز الكيانات السياسية في وسط الأناضول، وتُعدّ في بعض الروايات امتداداً لكيانٍ كردي أقدم. إذ يشير «كرامان نامه» إلى عبارة «خونة كرامان كردستان»، ما يدلّ على ارتباطٍ لغوي وجغرافي بين اسم قرمان وكردستان (14).
وتذكر بعض الدراسات أنّ محمد بك القرماني، أحد أشهر حكامها، لم يكن من أصولٍ تركية أو مغولية، بل قدم من منطقة شدّادي الكردية ضمن أذربيجان الحالية، وأن اسم «قرمان» ما هو إلا الشكل المختصر للاسم الكردي «قهرمان» (15).
وقد لعب القرمانيون دوراً أساسياً في مقاومة التوسع العثماني في بداياته، كما ارتبطوا بعلاقات مصاهرة وتحالفات مرحلية مع آل عثمان (16).
رابعاً: العثمانيون بين الأسطورة والنسب
تؤكد بعض المصادر العثمانية أن عثمان غازي مؤسس الدولة العثمانية هو ابن أرطغرل بن سليمان شاه، المنتمي إلى قبيلة الكايي التركمانية. غير أن المؤرخ عاشق باشازاده نفسه يصرّح بأن هذه الشجرة ليست دقيقة وأن نسب العائلة العثمانية الذي يربطها بالسلاجقة والمغول مختلق لأغراض سياسية (17).
كما يؤكد المؤرخ التركي الشهير خليل إينالجيك أن العثمانيين اختلقوا نسبهم ليتفادوا بطش تيمورلنك، الغازي المغولي، الذي كان يقتل كل من لم يُثبت نسباً سلجوقياً أو تركياً (18).
في ضوء ذلك، برزت فرضيات حديثة تشير إلى أن العثمانيين ربما كانوا أكراداً أو فرساً في الأصل، وأنهم كوّنوا سلطتهم في ظل الإمارات الكردية الكبرى مثل كرميان وجاندار، قبل أن يتحولوا إلى القوة المركزية في الأناضول (19).
ومع أنّ هذا الطرح يظلّ موضع جدل، إلا أنّه يجد بعض وجاهته في تحليل البنية القبلية واللغوية لتلك المرحلة، خاصة وأنّ اللغة الرسمية في بعض الإمارات العثمانية الأولى لم تكن التركية بل الفارسية (20).
خامساً: تحالفات كرميان وقرمان والعثمانيين
تظهر روايات عديدة عن تحالفاتٍ متبدّلة بين عليشار بك الكردي الكرمياني والقرمانيين ثم العثمانيين. فقد دعم القرمانيين في البداية، ثم اتجه إلى دعم العثمانيين بعد ازدياد قوتهم، بينما منح القرمانيون بناتهم للأمراء العثمانيين كنوعٍ من توثيق التحالف، كما أهدوا لهم منطقة كوتاهيا التي كانت مركزاً مهماً في غرب الأناضول (21).
هذه التحالفات والمصاهرات ساعدت آل عثمان على التوسع نحو الغرب والتهيئة لفتح القسطنطينية لاحقاً (22).
سادساً: قراءة تحليلية
تكشف دراسة هذه الإمارات أن الأناضول لم تكن موطناً لجماعة عرقية واحدة، بل كانت فضاءً واسعاً تتداخل فيه القبائل الكردية والتركمانية والفرسية والمغولية. لذا فإن وصف كل إمارة بهوية صافية أمر مبالغ فيه.
لكن من المؤكد أن العنصر الكردي لعب دوراً مركزياً في قيام عددٍ من الإمارات المؤثرة، وأنّ الهوية الكردية في الأناضول العثمانية المبكرة كانت حاضرة سياسياً وعسكرياً وثقافياً (23).
أما عن الأصل الكردي للعثمانيين، فهو احتمال وارد تاريخياً، لكنه لم يُثبت قطعياً حتى الآن. ومع ذلك، فإن السياق الاجتماعي والسياسي الذي نشأ فيه العثمانيون يجعل هذا الاحتمال منطقياً أكثر من الرواية السلالية الرسمية التي تربطهم بالأتراك الأوغوز بشكلٍ مباشر (24).
خاتمة
إن قراءة التاريخ الأناضولي في ضوء المصادر الكردية والقرمانية والعثمانية تكشف عن طبقاتٍ معقدة من التفاعل بين الشعوب والإمارات. فالأناضول لم تكن يوماً ساحة صراعٍ قوميّ كما تُصوَّر لاحقاً، بل مجالاً لتعايش وتحالفات مرنة بين قوى كردية وتركمانية ويورُوكية.
وبينما ما تزال مسألة أصل العثمانيين موضع نقاش، فإنّ النظر إليها من زاوية كردية يفتح أفقاً جديداً في فهم تاريخ الأناضول السياسي والإثني، ويعيد الاعتبار لأدوارٍ كبرى غُيّبت طويلاً من السرد التاريخي الرسمي (25).
+++++++++++++&&&
المراجع
(1) تحليل نقدي لعمل عاشق باشازاده – دراسات التاريخ العثماني المبكر.
(2) كتاب «كرامان نامه» لشيكاري، مخطوط إسطنبول.
(3) الدراسات الحديثة حول مصداقية السرد العثماني المبكر.
(4) وصف الإمارات في «كرامان نامه».
(5) أخبار عليشار بك الكردي الكرمياني.
(6) حول جندار بك في إمارة كاندار.
(7) حول سيفاس وحاجي بهادين.
(8) أخبار إمارة منتيشا.
(9) حول حميد بك في إمارة حميد أوغلو.
(10) تاريخ دولقادر أوغولاري.
(11) حول رمضان أوغولاري.
(12) إمارة تيكي أوغلو وأنطاليا.
(13) ذكر الإمارات الكردية الأخرى في الأناضول.
(14) تعبير «خونة كرامان كردستان» في نص كرامان نامه.
(15) أصل محمد بك القرماني من شدادي الكردية.
(16) علاقات القرمانيين بالعثمانيين.
(17) تصريح عاشق باشازاده حول النسب الملفق.
(18) تحليل خليل إينالجيك لشجرة النسب العثمانية.
(19) فرضية الأصل الكردي للعثمانيين.
(20) استخدام الفارسية لغة رسمية في بدايات الدولة.
(21) تحالف عليشار بك مع القرمانيين والعثمانيين.
(22) دور كوتاهيا والتحالف في فتح القسطنطينية.
(23) دور الأكراد في إمارات الأناضول.
(24) نقد الرواية الأوغوزية للأصل العثماني.
(25) قراءة ختامية تحليلية حول التعدد الإثني في الأناضول.



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملف السوري يتغيّر: اتفاق مبدئي بين قسد ودمشق لدمج القوات… ...
- ترامب و-الفرصة الأخيرة-: قراءة في مبادرة شرم الشيخ واحتمالات ...
- قسد والحكومة المؤقتة: آلية تنفيذ لقرار مجلس الأمن 2254 أم مس ...
- زيارة الشرع إلى موسكو: سوريا بين استعادة السيادة وترسيخ النف ...
- الاتفاق الأمريكي السوري: بين مشروع الدمج وإعادة تشكيل السلطة ...
- مناف طلاس وتسليح -قسد-: معركة إعادة تشكيل الجيش السوري وتحدّ ...
- من التفاهمات العسكرية إلى التحول الدستوري.. مسار جديد للأزمة ...
- قراءة تحليلية في تصريحات الجنرال مظلوم عبدي: هل تدخل سوريا ط ...
- حين يتحوّل الدين إلى سلاح… حان وقت الثورة على الإيديولوجيا ا ...
- المركزية: الطريق الأقصر إلى الاستبداد الجديد في سوريا
- بين الاندماج والانفصال: لا حل دون سوريا لا مركزية أو فدرالية
- نهاية المركزية السورية: من الإنكار إلى حتمية اللامركزية
- سوريا على مفترق حاسم: واشنطن تعود إلى دمشق... و«قسد» على طري ...
- من زيارة توماس باراك إلى الحسكة: هل تصحو إرادات الاستقرار عل ...
- صراع الشمال السوري: لعبة الدمى الكبرى على حافة الهاوية
- الانتخابات السورية 2025: خطوة على رمال الانتقال السياسي المت ...
- الكُرد في باكستان: فصلٌ مُهمٌّ منسيٌّ من تاريخنا
- اتفاق حماس – إسرائيل: بوابة محتملة نحو تسويات جديدة في الشرق ...
- إسرائيل الكبرى وكُردستان الكبرى: بين الحقيقة والوهم الجيوسيا ...
- المشروع الكُردي في سوريا والردع التركي... صراع السياقات والم ...


المزيد.....




- فيديو لسيارة دفع رباعي تابعة لإدارة الهجرة تصدم شاحنة ناشط ح ...
- مصر: فيديو -صادم- لما فعله شخصان بسيدة مسنة لحظة سرقتها والد ...
- قوات من الحرس الوطني في حالة تأهب مع انطلاق أولى احتجاجات -ل ...
- نشوب حريق في سفينة قبالة ساحل عدن اليمنية إثر إصابتها بمقذوف ...
- السفارة الفلسطينية في مصر: إعادة فتح معبر رفح الحدودي بين غز ...
- السفارة الفلسطينية تعلن إعادة فتح معبر رفح بين غزة ومصر الإث ...
- عائلة فرجينيا جوفري إحدى الضحايا المفترضات في ملف إبستين ترح ...
- الولايات المتحدة: مسيرات حاشدة ضد سياسات ترامب بشأن الهجرة و ...
- برج آزادي رمز طهران الأبيض بين التاريخ والحداثة
- إصابة فلسطيني ومواجهات مع قوات الاحتلال خلال اقتحاماتها بالض ...


المزيد.....

- كتاب دراسات في التاريخ الاجتماعي للسودان القديم / تاج السر عثمان
- كتّب العقائد فى العصر الأموى / رحيم فرحان صدام
- السيرة النبوية لابن كثير (دراسة نقدية) / رحيم فرحان صدام
- كتاب تاريخ النوبة الاقتصادي - الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب الواجبات عند الرواقي شيشرون / زهير الخويلدي
- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - مروان فلو - كردستان الأناضول: الإمارات الكردية وأصول العثمانيين بين الرواية والتاريخ