أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مروان فلو - حين يتحوّل الدين إلى سلاح… حان وقت الثورة على الإيديولوجيا المقدّسة














المزيد.....

حين يتحوّل الدين إلى سلاح… حان وقت الثورة على الإيديولوجيا المقدّسة


مروان فلو

الحوار المتمدن-العدد: 8492 - 2025 / 10 / 11 - 17:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تفكيك الإيديولوجيا: نحو فصل الخطاب الديني عن السلطة السياسية في الشرق الأوسط

مقدمة:
أضحت الإيديولوجيا الدينية في منطقة الشرق الأوسط أداة ةًسياسيةً فتّاكة، تتحوّل بموجبها العقيدة من منظومة قيم روحية إلى سلاح لتبرير العنف وإضفاء الشرعية على الصراعات. لم يعد التأثير مقتصراً على المجال الفكري فحسب، بل امتدّ ليشمل تفكيك النسيج الاجتماعي وتقويض أسس الدولة الوطنية، حيث يُختطَف الدين ليُستخدم كمظلة لتسويغ أعمال العنف الطائفي والإقصاء.

الإطار النظري: اختطاف المقدّس وتوظيفه سياسياً
تكمن الخطورة الجوهرية لهذه الإيديولوجيا في عملية الخلط الجدلي بين الإيمان الروحي والسلطة السياسية.فحين يتحوّل النص الديني إلى أداة حكم مباشرة، تختفي العدالة ويتعطّل القانون لصالح تفسيرات انتقائية تخدم أجندات ضيقة. وقد أدّى هذا التوظيف إلى نشوء كيانات شبه دولة تحكم بمنطق "الغابة"، حيث يمتلك فيها أصحاب السلطة – الذين يزعمون تمثيل الإرادة الإلهية – الحق في تقرير من يستحق الحياة ومن يُستباح دمه (1، 2).

يشهد التاريخ الحديث للمنطقة بأن هذا الدمج كان عاملاً محورياً في تفكك الدول وتشرذم المجتمعات. فتحوّلت الهوية الدينية أو المذهبية إلى معيار للولاء والعداء، وأصبحت كل جماعة تمتلك نسختها "المطلقة" من الحقيقة، التي تفرضها عبر العنف لا عبر الحوار (3). في هذا السياق، أصبحت الفتوى أداةً أقوى من الدستور، والقتل وسيلةً "شرعية" لإسكات الخصوم.

ثنائية الدين: بين الروحاني والتعاملي
يقتضي التحليل تمييزاً منهجياً بين بعدين للدين: البعد الطقوسي-الشخصي، الذي يمارس فيه الفرد عبادته بحرية وسلام، والبعد التعاملي-الأخلاقي، الذي ينظم علاقة الفرد بالمجتمع. لطالما شدّدت التعاليم الدينية الأصيلة على أن جوهر الدين هو المعاملة والأخلاق، كما ورد في الأثر "الدين معاملة" (4). إلا أن هذا البعد الأخلاقي تم إقصاؤه لصالح نموذج "عقابي" متشدّد، يقوم على احتكار الحقيقة وتنصيب البشر أنفسهم قضاةً وجلادين باسم الإله، متناسين أن مسألة الحساب – وفق النص القرآني – مؤجلة إلى يوم الآخرة.

استراتيجيات تفكيك الإيديولوجيا وبناء الدولة المدنية
إن معالجة هذه الإشكالية تتطلب مقاربة شاملة تعيد تعريف العلاقة بين الدين والدولة،لا بهدف محاربة الدين، بل بهدف حمايته من التوظيف السياسي المشوّه، وضمان بناء دولة المواطنة القادرة على احتواء الجميع. ويمكن تلخيص هذه الاستراتيجيات في النقاط التالية:

1. الدستور المدني كأساس: إقرار عقد اجتماعي جديد (دستور) يقوم على مبادئ المواطنة المتساوية وحقوق الإنسان، وتكون فيه السيادة للقانون الوضعي المستند إلى الإرادة العامة والعدالة المجرّدة، بعيداً عن الهيمنة الدينية أو المذهبية (5، 6).
2. استقلالية القضاء: بناء سلطة قضائية مستقلة تماماً، لا تخضع لتأثير رجال الدين أو الجماعات ذات المرجعيات الإيديولوجية، لضمان سيادة القانون وحماية الحريات (7).
3. إصلاح المنظومة التعليمية: إعادة هيكلة المناهج لتربية جيل قادر على النقد والتحليل والتفكير النقدي، يتعامل مع النصوص بمنطق الفهم لا التلقين، ويعلي من قيم التسامح وقبول الآخر (8).
4. حماية التعددية: الاعتراف بالتنوع الديني والثقافي كرافد لقوة المجتمع، واعتماد سياسات فعالة لحماية الأقليات، على أساس أن المواطنة هي الانتماء الجامع الذي يتجاوز الانتماءات الجزئية (9).
5. ضبط التمويل الديني: فرض رقابة شفافة على تمويل المؤسسات الدينية، وقطع الطريق على تدفق الأموال ذات الأجندات السياسية، لمنع تحول هذه المؤسسات إلى منصات للتحريض على الكراهية (10)
6. ضمان حرية الفكر والتعبير: خلق فضاءات حرة للحوار والنقد، ومكافحة ثقافة التكفير والتخوين التي تسعى إلى تجميد العقل ومنع تطور المجتمعات (11).

خاتمة:
إن التحدي الأكبر الذي يواجه المجتمعات في الشرق الأوسط اليوم هو الإقدام على"ثورة فكرية" جريحة، تنتزع القداسة المصطنعة عن الخطاب البشري، وتعيد الدين إلى فضاء الضمير الشخصي والقيم الأخلاقية. فقط بفصل الدين عن آليات السلطة والسياسة، يمكن أن يتحرر العقل من إرهاب التكفير، وأن تولد دولة القانون والمؤسسات، وأن يُعيد الإنسان اكتشاف إنسانيته المتسامية.


+++++++++++++++&&&

المراجع

(1) تقرير الأمم المتحدة حول جرائم الطائفية في سوريا والعراق – UN Reports (2024).
(2)Human Rights Watch: “Sectarian Violence and the Failure of State Institutions” (2023).
(3)International Crisis Group, Religion and Conflict in the Middle East (2022).
(4)دراسات نقدية في التراث الإسلامي – جامعة القاهرة، قسم الفلسفة الإسلامية (2021).
(5)يوسف الصدّيق، هل قرأنا القرآن؟ (دار الطليعة، 2019).
(6)برهان غليون، بيان من أجل الديمقراطية (بيروت، 2017).
(7)تقارير العفو الدولية Amnesty International – Rule of Law in Conflict Zones (2022).
(8)برنامج الأمم المتحدة الإنمائي – التطرف والعنف في التعليم العربي (2020).
(9)المجلس الأوروبي لحقوق الإنسان – Minority Protection in Mixed Societies (2021).
(10)Transparency International – Religious Institutions and Corruption Index (2023).
(11)UNESCO – Freedom of Expression and Countering Hate Speech (2024).



#مروان_فلو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المركزية: الطريق الأقصر إلى الاستبداد الجديد في سوريا
- بين الاندماج والانفصال: لا حل دون سوريا لا مركزية أو فدرالية
- نهاية المركزية السورية: من الإنكار إلى حتمية اللامركزية
- سوريا على مفترق حاسم: واشنطن تعود إلى دمشق... و«قسد» على طري ...
- من زيارة توماس باراك إلى الحسكة: هل تصحو إرادات الاستقرار عل ...
- صراع الشمال السوري: لعبة الدمى الكبرى على حافة الهاوية
- الانتخابات السورية 2025: خطوة على رمال الانتقال السياسي المت ...
- الكُرد في باكستان: فصلٌ مُهمٌّ منسيٌّ من تاريخنا
- اتفاق حماس – إسرائيل: بوابة محتملة نحو تسويات جديدة في الشرق ...
- إسرائيل الكبرى وكُردستان الكبرى: بين الحقيقة والوهم الجيوسيا ...
- المشروع الكُردي في سوريا والردع التركي... صراع السياقات والم ...
- سوريا نار تحت الرماد : عودة الإرهاب وصراع الجيوسياسة وتفتت ا ...
- الأمير إبراهيم باشا الملي: زعيم قبلي كردي بين السلطنة والحدا ...
- اللامركزية في سوريا: جدلية السلطة المركزية وضغوط التحالفات ا ...
- -مجرد قبائل وقرى-.. قراءة في خطاب التفكيك الأمريكي للمنطقة
- اتفاق 10 آذار بين الانتهاء والتمديد: مناورة سياسية أم مشروع ...
- ترامب في الأمم المتحدة: استهتار أم استراتيجية لإلغاء الأمم ا ...
- نحو دمشق: تهديد صريح ورسالة مفتوحة من قوات سوريا الديمقراطية
- سوريا بين وحدة الدولة ومطالب اللامركزية: معركة الشمال والجنو ...
- الوجه الجديد للاستبداد: تحليل نقدي لسياسات النظام السوري الج ...


المزيد.....




- تقرير: إسرائيل تجند طلابا يهودا من العالم للانضمام لجيشها وم ...
- حرس الثورة الاسلامية يكرم الاعلامية سحر إمامي
- كأن المسيح المخلّص يحتضنه بين ذراعيه.. مصور برازيلي يرصد مشه ...
- كيف تغيرت حياة اليهود الأمريكيين بعد 7 أكتوبر؟
- رئيس القضاء العراقي يدعو إلى خطاب وطني موحد بعيد عن الطائفية ...
- وكالة معا الفلسطينية: فتح معبر رفح بعد أعياد اليهود بموجب ات ...
- فوق السلطة.. ممثلة يهودية: هتلر من انتصر بغزة والسيسي يحذر م ...
- دخول الاسلام الى بلاد السودان
- انشاء ركن القدس في مركز الحضارة الإسلامية في طشقند
- مقبرة الساهرة إحدى أقدم المقابر الإسلامية في القدس


المزيد.....

- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - مروان فلو - حين يتحوّل الدين إلى سلاح… حان وقت الثورة على الإيديولوجيا المقدّسة