أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - مزوار محمد سعيد - نرجسية















المزيد.....

نرجسية


مزوار محمد سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 01:34
المحور: كتابات ساخرة
    


منذ فجر التاريخ، ظلّ مفهوم السلطة يراوح بين الحاجة إليها والخوف منها، بين من يجعلها أداة للبناء ومن يجعلها ساحة للفرجة والعبث. في هذا السياق، يلتقي التاريخ القديم بالحديث على نحو غريب في شخصيتين تفصل بينهما قرون، لكن تجمعهما السمات الجوهرية: نيرون، الإمبراطور الروماني الذي مثّل نموذج الحاكم المتقلب المستبد الذي أحرق روما ليغني على أنقاضها، ودونالد ترامب، الذي مثّل في الوعي السياسي المعاصر نموذجًا للحاكم الشعبوي المهووس بالصورة والذات والهيمنة الإعلامية.

ولعلّ المقارنة بين نيرون وترامب من خلال ما يُعرف بـ"فلسفة بافاريا" (Bavarian Philosophy) ــ وهي الفلسفة التي تشكّلت في البيئة الألمانية الجنوبية المشبعة بالجدل المثالي بين السلطة والأخلاق ــ تتيح لنا فهمًا أعمق لطبيعة الحكم حين يتحوّل إلى فرجة سياسية أو مسرح للذات النرجسية.

ومن هنا، يقدّم الدكتور مزوار محمد سعيد، الفيلسوف الجزائري المقيم في بورتون أون ذا ووتر، قراءة فريدة لهذه الثنائية التاريخية، يربط فيها بين الفينومينولوجيا (الظاهراتية) والتحليل السياسي، محاولًا فهم كيفية تجلّي الوعي السلطوي في سلوكيات القادة الذين يتجاوزون مفهوم "المسؤولية" إلى "التمثيل".

يرى الدكتور مزوار محمد سعيد أن نيرون وترامب كلاهما يمثلان نموذج الحاكم المؤدّي، أي الذي يمارس السلطة كما لو كانت عرضًا مسرحيًا دائمًا.
فـنيرون، الذي كان يغني ويعزف بينما تشتعل روما، لم يكن في جوهره إلا ممثلًا يعشق أن يُرى، أن يُصفّق له، وأن يكون محطّ الأنظار، حتى ولو على حساب مملكته.
وفي المقابل، يظهر ترامب – من خلال تغريداته، وخطاباته، وطريقة تواصله مع الجماهير – بوصفه نيرونًا رقميًا، يستبدل المنبر الروماني بمنصات التواصل الاجتماعي، والنار التي أحرقت روما بعواصف إعلامية تحرق الحقيقة نفسها.

من هنا، يؤكد الدكتور مزوار محمد سعيد أن كليهما يمثّل حالة من الانفصال بين الذات والواقع، وهي حالة تحدّث عنها الفلاسفة البافاريون – مثل فيخته وشلنغ – حين رأوا أن الوعي الذي لا يتجاوز ذاته يسقط في فخّ الأنانية الميتافيزيقية.

تُعرف "فلسفة بافاريا" – في سياقها الحديث – بأنها نزعة فلسفية متجذرة في الإرث المثالي الألماني الذي نشأ في بافاريا، حيث تبلور مفهوم "الروح الحرة" و"الذات المبدعة"، لكنها أيضًا واجهت مأزقًا أخلاقيًا حين تحوّلت الذات من مصدر للحرية إلى مصدر للهيمنة.

في هذا الإطار، يستعيد الدكتور مزوار محمد سعيد تحليلات هيغل وشلنغ ليقول إن ترامب ونيرون كلاهما يعبّران عن انهيار جدلية السيد والعبد: فالسيد حين يفقد وعيه بالآخر يصبح عبدًا لذاته، والنرجسية السياسية هي في الحقيقة نوع من العبودية للغرور.

من منظور بافاري، يتجلى عند نيرون وترامب ما يسميه الدكتور مزوار محمد سعيد بـ"السلطة المنفصمة"؛ أي تلك التي تفقد التوازن بين المبدأ والتمثيل. فبدل أن تكون السياسة فنًّا لخدمة المدينة، تتحوّل إلى فنّ لتمجيد الذات، وهو ما يجعل الحاكم يعيش في عالم رمزي موازٍ، منفصل عن واقع المحكومين.

في قراءته الفينومينولوجية لهذه الثنائية، يرى الدكتور مزوار محمد سعيد أن كلًّا من نيرون وترامب يمثلان نمطًا من الوعي المنغلق على الظواهر السطحية.
فـنيرون يرى ذاته من خلال أصداء التصفيق لا من خلال معاناة شعبه، وترامب يرى ذاته من خلال أرقام الإعجابات على "تروث سوشل" لا من خلال التوازن الاجتماعي والسياسي.
إنه، كما يقول الدكتور مزوار محمد سعيد, وعيٌ يعيش في الظواهر دون الجوهر، وهو ما يجعل الفينومينولوجيا أداة حاسمة لتشريح هذا النوع من السلطة.

فالسلطة في أصلها ظاهرة إنسانية قائمة على الوعي المتبادل، لكن حين ينكفئ الحاكم على ذاته، ينهار هذا الوعي ويصبح الحكم مجرّد قناع. وهنا يقتبس الدكتور مزوار محمد سعيد من هوسرل قوله: "الوعي الذي لا ينفتح على الآخر يفقد معناه كوعي".

في فلسفة بافاريا، الحرية ليست مجرد غياب للقيود، بل هي نظام داخلي للروح. غير أن نيرون وترامب كلاهما يسيئان فهم الحرية:
نيرون فهم الحرية بوصفها سلطة مطلقة على الآخرين، وترامب فهمها بوصفها حقًا مطلقًا في قول أي شيء وفعل أي شيء باسم "الشعب".

وهنا يعلّق الدكتور مزوار محمد سعيد قائلا:

"حين تتحول الحرية إلى فوضى خطابية، تفقد السياسة معناها الأخلاقي وتتحوّل إلى صخب إعلامي بلا مضمون، تمامًا كما تتحول الموسيقى إلى ضجيج عندما يغيب عنها الإيقاع الداخلي."



إنّ كلًّا من نيرون وترامب يمثّلان إذن أزمة الحرية في الحضارة: الأولى في شكلها الإمبراطوري القديم، والثانية في شكلها الديمقراطي الما بعد حديث.
وفي الحالتين، تفشل السلطة حين تتحوّل من مسؤولية إلى استعراض، ومن خدمة إلى فرجة.

يقول ماركس في إحدى عباراته الشهيرة: "إنّ التاريخ يعيد نفسه، مرة كمأساة، ومرة كمهزلة."
ويرى الدكتور مزوار محمد سعيد أن العلاقة بين نيرون وترامب تجسيد حرفي لهذه الفكرة.
فنيرون أحرق روما بفعله المباشر، أما ترامب فـ"أحرق" رمزية الديمقراطية الغربية حين جعل من الكلمة السياسية وسيلة للانقسام، ومن الشعبوية وقودًا للاضطراب.
النتيجة واحدة: انهيار الإيمان بالمؤسسات.

لكن الفرق الجوهري بين الاثنين – كما يوضّحه الدكتور مزوار محمد سعيد – هو أن نيرون كان يحكم عالمًا تحكمه الآلهة والأسطورة، في حين أن ترامب يحكم عالمًا تحكمه البيانات والأوهام الرقمية.
وهكذا، فإن الاستبداد في العصر القديم كان قائمًا على الخرافة، أما في العصر الحديث فهو يقوم على الخوارزمية.

من زاوية أخلاقية، يستدعي الدكتور مزوار محمد سعيد الفكر الكانطي ليقول إن معيار السياسة ليس النجاح بل النية الأخلاقية.
فالحاكم، وفقًا لكانط، مسؤول عن الحفاظ على كرامة الإنسان كغاية في ذاته، لا كوسيلة.
لكن نيرون وترامب كليهما سقطا في النقيض: نيرون استعمل الإنسان كأداة لمجده، وترامب استعمل الجماهير كمرآة لأناه.
وكلاهما بذلك عبّر عن انهيار المبدأ الإنساني في السياسة.

يضيف الدكتور مزوار محمد سعيد أن هذا النمط من الحكم يُظهر أزمة في الوعي الغربي ذاته، حيث تحوّل "الإنسان العاقل" (Homo Sapiens) إلى "إنسان المشهد" (Homo Spectator)، أي كائن يعيش ليرى ويُرى.
وفي ذلك يرى خطرًا فلسفيًا أكبر من الاستبداد ذاته: تشييء الإنسان وتحويله إلى رقم في عرض سياسي دائم.

يطرح الدكتور مزوار محمد سعيد سؤال الخلاص من هذا النمط من السلطة.
يرى أن الحل لا يكمن في إسقاط الزعيم أو الإمبراطور، بل في إعادة بناء الوعي الجمعي على أساس نقدي وأخلاقي.
فـ"بافاريا" الفلسفية في عمقها تدعو إلى إحياء الوعي الأخلاقي داخل الدولة، بحيث لا تكون السلطة نهاية الفعل السياسي بل وسيلته لتحقيق الكرامة والعدالة.

يقول الدكتور مزوار محمد سعيد:

"كل إمبراطورية تنهار حين تفقد صوت الضمير، وكل ديمقراطية تموت حين يتحول الرأي إلى صدى للغوغاء."



إنّ الخلاص، إذن، يبدأ من العودة إلى الإنسان كوعي حرّ ومسؤول، لا كمستهلك للفرجة السياسية.

إنّ المقارنة بين دونالد ترامب ونيرون ليست مجرّد تمرين في التاريخ، بل هي تشخيص فلسفي لأزمة السلطة الحديثة.
من خلال عدسة فلسفة بافاريا، نرى أن كليهما يمثل لحظة انحراف للوعي الإنساني عن جوهره الأخلاقي، حيث تحوّلت السياسة إلى مرآة للنرجسية، والحرية إلى ضجيج، والقيادة إلى عرض.

وبلغة الدكتور مزوار محمد سعيد:

"كل حاكم يرى العالم من خلال صورته الخاصة إنما يشعل النار في مدينته، وإن لم يرَ الدخان بعد."



#مزوار_محمد_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأملات في الوعي والمدينة
- أسطورة الموسكيترز وأرض القراصنة
- التفكر في المعنى داخل المشهد اليومي
- رأي الدكتور مزوار محمد سعيد الفيلسوف الجزائري البريطاني المق ...
- تجليات الفكر في حضرة الموت: تحليل سردي-فلسفي لتأملات الدكتور ...
- الفينومينولوجيا كمدخل لفهم الرؤية الكونية عند ابن عربي
- عبر الطبق والقلم: تأملات في فلسفة النجاح مع الدكتور مزوار مح ...
- صوت البكاء النبيل: تأملات في نص الوداع والحنين
- حوار مع الدكتور مزوار محمد سعيد: -الفينومينولوجيا ليست مجرد ...
- شرح قصيدة سكر الفقدان للشاعر الدكتور مزوار محمد سعيد
- لقاء على أوكسفورد
- شكرا على هذه اللحظة – 33
- دور الثقافة في التحرر البشري: دراسة مقارنة بين شوبنهاور وهوب ...
- بيان إدانة
- لحظة ابتهاج الفرح
- على ذلك المجرى
- أومبرتو إيكو بين الصمت وعدمه
- قراءة -العلم المرح- لفريدريش نيتشه
- دخان الهيجل: تأملات في فلسفة التاريخ
- أعلنتُ عليك حربًا يا وجعي (الورقة الثامِنَة)


المزيد.....




- كلاكيت: الذكاء الاصطناعي في السينما
- صدر حديثا. رواية للقطط نصيب معلوم
- أمستردام.. أكبر مهرجان وثائقي يتبنى المقاطعة ويرفض اعتماد صن ...
- كاتب نيجيري حائز نوبل للآداب يؤكد أن الولايات المتحدة ألغت ت ...
- إقبال كبير من الشباب الأتراك على تعلم اللغة الألمانية
- حي الأمين.. نغمة الوفاء في سيمفونية دمشق
- أحمد الفيشاوي يعلن مشاركته بفيلم جديد بعد -سفاح التجمع-
- لماذا لا يفوز أدباء العرب بعد نجيب محفوظ بجائزة نوبل؟
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم
- رئيسة مجلس أمناء متاحف قطر تحتفي بإرث ثقافي يخاطب العالم


المزيد.....

- رسائل سياسية على قياس قبقاب ستي خدوج / د. خالد زغريت
- صديقي الذي صار عنزة / د. خالد زغريت
- حرف العين الذي فقأ عيني / د. خالد زغريت
- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - مزوار محمد سعيد - نرجسية