أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزوار محمد سعيد - أسطورة الموسكيترز وأرض القراصنة














المزيد.....

أسطورة الموسكيترز وأرض القراصنة


مزوار محمد سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 8441 - 2025 / 8 / 21 - 22:21
المحور: الادب والفن
    


في زمنٍ غابرٍ، على سواحلٍ بعيدة حيث تعصف الرياح وتتهادى السفن كالأشباح فوق أمواجٍ غاضبة، قامت أرضٌ تُعرف بين البحّارة باسم "أرض القراصنة". كانت هذه الأرض محكومةً بعصابةٍ سرّية تُدعى "الموسكيترز"، رجالٌ يخفون وجوههم خلف أقنعةٍ لامعة، ويتكلمون بلغةٍ لا يفهمها سوى أهل المؤامرة والدهاء. سيطروا على الموانئ، وجعلوا البحر مرعى لهم، يبيعون الوهم لمن يطلب الأمان، ويُرعبون كل من حاول أن يمدّ يده إلى الحرية.

غير أنّ القدر لا يُساق كما يشاء الطغاة، فقد شاءت الأقدار أن يخرج من بيننا رجلٌ لم يخضع لسطوتهم. كان أخي، شاباً حالمًا بالرحيل نحو الشرق البعيد، نحو بلادٍ تُعرف بين الرحّالة باسم "الهند الصينية"، حيث تتلاقى الحضارات وتُفتح أبواب الرزق لمن يطرقها بالإصرار والإيمان. مضى في رحلته الطويلة، عبر بحارٍ مُضطربة وأرضٍ مليئة بالفخاخ، حتى بلغ غايته، ففتح الله عليه مشروعاً كان كالنور في ظلمة البحر، معلناً أن الأرزاق بيد الله وحده لا بيد من توهّموا الملك.

حين بلغ خبر نجاحه إلى أرض القراصنة، أصاب الرعب قلوب الموسكيترز. تذكّروا أن سلطانهم مبنيّ على الخوف، فإذا كسر أحدهم جدار الخوف، تداعت مملكتهم كما يتداعى بيت العنكبوت. وقد قال الله تعالى: **﴿مثل الذين اتخذوا من دون الله أولياء كمثل العنكبوت اتخذت بيتاً وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون﴾** -[العنكبوت: 41]. عندها، أيقنت أن بيت الموسكيترز مهما بدا متيناً، فهو في حقيقته أوهى من خيط في مهب الرياح.

أما أنا، فكنت في برمنغهام، أتابع المشهد من بعيد كمن يقرأ أسطورةً تُكتب أمام عينيه. كنت أرى البحر بأمواجه وهو يهز عرش الموسكيترز، وأتخيل وجوههم الشاحبة تحت أقنعتهم، وهم يتساءلون: كيف تجرأ هذا الرجل على كسر طوقنا؟ كيف نجا من مصائدنا؟ كيف استطاع أن يزرع النجاح في أرضٍ بعيدة ونحن نحكم الأرض بالحديد والنار؟

أخي لم يكن مجرد مهاجر، بل كان بطلاً أسطورياً خرج من بين أنياب الظلام، يذكّرني بقصص الأنبياء حين واجهوا الطغاة بالكلمة والإيمان. كنت أتذكر قوله تعالى: **﴿ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين﴾** -[آل عمران: 139]. فقد جعل من نجاحه إعلاناً أن العلو لا يكون بالقوة المجردة ولا بالخداع، بل بالصدق والعمل.

وما زلت أرى في خيالي كيف تحوّلت أرض القراصنة إلى مسرحٍ للارتباك. الموسكيترز، الذين اعتادوا الضحك العالي والنشوة بالنصر الزائف، صاروا كمن شُلّت ألسنتهم، يبحثون في كتب السحر والدهاء عن طريقةٍ لإيقاف هذه الشرارة التي قد تُشعل تمرداً أكبر. لكن الشرارة كانت قد انطلقت، ولن يقدروا على إخمادها.

كنت أجلس في برمنغهام ليلاً، أنظر من نافذتي نحو سماءٍ ملبّدة بالغيوم، وأستعيد كلمات الله: **﴿ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين﴾** -[الأنفال: 30]. وأضحك في سري، إذ كيف يقوى مكر البشر على مكر الحق؟ كيف تقف مؤامرة على قدَرٍ كُتب منذ الأزل؟

لقد أدركت أنّ قصة أخي ليست مجرد حكايةٍ شخصية، بل أسطورة تحمل في طياتها معنى المقاومة ضد الطغيان. كأنها قصة طائر العنقاء الذي ينهض من الرماد، أو سفينة نوح التي حملت المؤمنين وسط الطوفان. إنها شهادةٌ أن الحرية تُولد من الإيمان، وأن الرزق لا يُحبس في يد العصابات مهما عظمت قوتها.

أما الموسكيترز، فما عادوا سوى أشباحٍ في ذاكرة البحر. تتناقل قصصهم الرياح بين السفن، لكن البحّارة يروونها اليوم كعبرة لا كخوف: أن كل سلطانٍ قائم على الظلم إلى زوال، وأن الحق يعلو وإن طال الزمن.

وهكذا كتبتُ هذه القصة من غربتي، مؤمناً أنني أشهد بداية النهاية لعرشٍ ظالم، وأن التاريخ لن يرحم من ظن أن البحر ملكه، فالملك لله وحده. وكما قال تعالى: **﴿وتلك الأيام نداولها بين الناس﴾** -[آل عمران: 140].

لقد تعلمت من أخي أن النجاح ليس مجرد مكسبٍ دنيوي، بل هو رسالةٌ إلى كل من يعيش تحت وطأة الظلم: أن الأبواب تُفتح حين يُطرق باب السماء أولاً، وأن السفن لا تضل طريقها إذا كان الربان مؤمناً بأن الله هو الهادي إلى سواء السبيل.

وهكذا تستمر الأسطورة: أخي مهاجرٌ صار رمزاً، والموسكيترز عصابةٌ تتهاوى، وأرض القراصنة مسرحٌ لتغيّر موازين القوة. أما أنا، فأكتب من بعيد، شاهداً على حكايةٍ ستُروى للأجيال، ليعلموا أن الحرية لا تُشترى، وأن النور يولد من قلب الظلمة، وأن البحر مهما علا موجه فلن يغرق من جعل إيمانه مركباً وصدقُه شراعاً.



#مزوار_محمد_سعيد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التفكر في المعنى داخل المشهد اليومي
- رأي الدكتور مزوار محمد سعيد الفيلسوف الجزائري البريطاني المق ...
- تجليات الفكر في حضرة الموت: تحليل سردي-فلسفي لتأملات الدكتور ...
- الفينومينولوجيا كمدخل لفهم الرؤية الكونية عند ابن عربي
- عبر الطبق والقلم: تأملات في فلسفة النجاح مع الدكتور مزوار مح ...
- صوت البكاء النبيل: تأملات في نص الوداع والحنين
- حوار مع الدكتور مزوار محمد سعيد: -الفينومينولوجيا ليست مجرد ...
- شرح قصيدة سكر الفقدان للشاعر الدكتور مزوار محمد سعيد
- لقاء على أوكسفورد
- شكرا على هذه اللحظة – 33
- دور الثقافة في التحرر البشري: دراسة مقارنة بين شوبنهاور وهوب ...
- بيان إدانة
- لحظة ابتهاج الفرح
- على ذلك المجرى
- أومبرتو إيكو بين الصمت وعدمه
- قراءة -العلم المرح- لفريدريش نيتشه
- دخان الهيجل: تأملات في فلسفة التاريخ
- أعلنتُ عليك حربًا يا وجعي (الورقة الثامِنَة)
- فينومينولوجيا المُعاناة، والسبب: قبعَة
- فينومينولوجيا شارع بروفانس


المزيد.....




- -بدونك أشعر أني أعمى حقا-.. كيف تناولت سرديات النثر العربي ا ...
- نذير علي عبد أحمد يناقش رسالته عن أزمة الفرد والمجتمع في روا ...
- المؤرخة جيل كاستنر: تاريخ التخريب ممتد وقد دمّر حضارات دون ش ...
- سعود القحطاني: الشاعر الذي فارق الحياة على قمة جبل
- رحلة سياحية في بنسلفانيا للتعرف على ثقافة مجتمع -الأميش- الف ...
- من الأرقام إلى الحكايات الإنسانية.. رواية -لا بريد إلى غزة- ...
- حين تتحول البراءة إلى كابوس.. الأطفال كمصدر للرعب النفسي في ...
- مصر.. الكشف عن آثار غارقة بأعماق البحر المتوسط
- كتاب -ما وراء الأغلفة- لإبراهيم زولي.. أطلس مصغر لروح القرن ...
- مصر.. إحالة بدرية طلبة إلى -مجلس تأديب- بقرار من نقابة المهن ...


المزيد.....

- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - مزوار محمد سعيد - أسطورة الموسكيترز وأرض القراصنة