أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد بوكاس - تجريم انتقاد الانتخابات في المغرب: خصوصية قانونية أم انتكاسة ديمقراطية؟















المزيد.....

تجريم انتقاد الانتخابات في المغرب: خصوصية قانونية أم انتكاسة ديمقراطية؟


فريد بوكاس
(Farid Boukas)


الحوار المتمدن-العدد: 8510 - 2025 / 10 / 29 - 18:22
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ألمانيا: فريد بوكاس، صحفي باحث و ناشط سياسي


مقدمة

بينما تتجه الديمقراطيات الحديثة إلى توسيع فضاءات النقد والمساءلة كضمانة لنزاهة الانتخابات، يختار المغرب اتجاهاً مغايراً عبر مشروع قانون يُجرّم “التشكيك في نزاهة الانتخابات” أو “نشر أخبار من شأنها المساس بصدقيتها”.
هذه الخطوة – التي تبدو في ظاهرها دفاعاً عن العملية الانتخابية – تفتح في جوهرها باباً واسعاً على سؤالٍ جوهري: هل يمكن لدولة أن تُثبت نزاهة انتخاباتها بتجريم من يشكك فيها؟


أولاً: السياق العام لتشريع الاستثناء

منذ إقرار دستور 2011، حرصت الدولة المغربية على تقديم نفسها كحالة إصلاحية متدرجة، قائمة على “الاستقرار السياسي والانفتاح المحسوب”. لكن مسار الثقة في العملية الانتخابية لم يكن يوماً مستقراً؛ إذ رافق كل استحقاق انتخابي نقاش حول استعمال المال، الحياد الإداري، وضعف المشاركة، وتفاوت الفرص بين الأحزاب.
بدلاً من معالجة هذه الإشكالات عبر تعزيز الشفافية، جاء مشروع التعديل الأخير ليُواجه الشكوك القانونية بالنص الجزائي، في مفارقة تُحيلنا من “ديمقراطية تعددية” إلى “ديمقراطية محروسة بالقانون”.


ثانياً: مضمون المشروع وأبعاده

يقترح النص معاقبة “كل من نشر أو وزّع أو بثّ أخباراً زائفة أو وقائع كاذبة من شأنها المساس بنزاهة الانتخابات أو التشكيك في صدقيتها”، بعقوبة تصل إلى خمس سنوات سجناً وغرامات مالية مرتفعة.
تكمن الإشكالية هنا في الصياغة الفضفاضة لعبارات مثل “التشكيك” و“المساس بالنزاهة”، إذ تفتح الباب أمام تأويلات غير محدودة.
فما الذي يميز “التحليل السياسي” عن “التشكيك”؟
ومن يملك حق التقدير: القضاء، أم السلطة التنفيذية؟
بهذه الصياغة، يتحول النص من أداة لحماية النزاهة إلى آلية لتجريم النقد المشروع، يمكن أن تطال الصحفي، والباحث، والناشط، وحتى المواطن الذي يُعبّر عن شكوكه في مواقع التواصل.


ثالثاً: مقارنة دولية – القانون المغربي خارج السرب

من الناحية المقارنة، لا يوجد في العالم المعاصر قانونٌ يُجرّم انتقاد الانتخابات بذاته.
في الديمقراطيات الغربية، تُعتبر حرية التشكيك في نزاهة الانتخابات حقاً دستورياً مشروعاً، ما دام مبنياً على تعبير سلمي ومعلَّل.

في الولايات المتحدة، سمح القضاء الفيدرالي بنقد الانتخابات وحتى التشكيك في نزاهتها باعتبار ذلك “جوهر الخطاب السياسي المحمي” بموجب التعديل الأول للدستور.

في فرنسا، لا يُعاقَب المواطن أو الصحفي إلا إذا نشر “معلومة كاذبة متعمّدة” أثناء فترة الصمت الانتخابي، وليس لأنّه شكّك في نزاهة العملية ككل.

في ألمانيا وكندا، يُجرَّم فقط التحريض على العنف أو التشهير الشخصي، بينما يُعتبر نقد الإدارة الانتخابية جزءاً من النقاش الديمقراطي الضروري.

حتى في دول عربية ذات نظام سياسي مغلق نسبياً، كالأردن أو الجزائر أو مصر، لا يوجد نص قانوني يُعاقب على مجرد “التشكيك في الانتخابات”، لأن ذلك يتناقض مع مبدأ الرقابة الشعبية.
بهذا المعنى، يشكّل المشروع المغربي سابقة تشريعية فريدة، إذ يجعل “الثقة في الانتخابات” مفروضة قانوناً، لا مكتسبة بالممارسة.


رابعاً: البعد الدستوري وحقوق الإنسان

دستور المملكة المغربية (2011) ينصّ في الفصل 25 على أن “حرية الفكر والرأي والتعبير مكفولة بكل أشكالها”. كما ينصّ الفصل 28 على حرية الصحافة، ويحظر أي رقابة مسبقة.
وبالتالي، فإن تجريم “التشكيك في نزاهة الانتخابات” يُعدّ تقييداً غير مبرر لحقٍ دستوري، ما لم يكن مرتبطاً بخطرٍ مباشر وواضح على الأمن العام أو النظام الديمقراطي نفسه.
علاوة على ذلك، فإن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية (1966)، الذي صادق عليه المغرب، يؤكد في مادته الـ19 على أن لكل إنسان الحق في “اعتناق الآراء دون مضايقة”، وأن القيود المفروضة على حرية التعبير يجب أن تكون “ضرورية ومتناسبة ومحددة بدقة”.
وبما أن نص المشروع المغربي فضفاض وغير منضبط، فإنه يتعارض مع التزامات الدولة الدولية في مجال حرية التعبير.


خامساً: القراءة السياسية – القانون كأداة لإدارة الشك

من منظورٍ سياسي، يبدو أن هذا المشروع لا يستهدف الأخبار الزائفة بقدر ما يسعى إلى إدارة الشك الشعبي في المؤسسات التمثيلية.
فبدلاً من فتح باب النقد والمساءلة كوسيلةٍ لاستعادة الثقة، يُراد إسكات الشكوك بالقانون.
إنه منطق "التحكم في الخطاب"، لا في الواقع؛ أي محاولة فرض صورة مثالية للعملية الانتخابية بدل تحسينها فعلياً.
هذه المقاربة ليست جديدة في السياسة المغربية: إذ تُذكّرنا بمرحلة ما بعد 2016، حين واجهت السلطة موجة انتقادات حادة بتشديد المراقبة على الفضاء الرقمي. واليوم، يُستكمل المسار ذاته بنقل هذا التضييق من المجال السياسي إلى المجال القانوني.


سادساً: التداعيات المستقبلية

انكماش الفضاء العمومي: سيؤدي هذا القانون إلى تراجع الخطاب النقدي، وخوف الصحفيين والمحللين من المتابعة القضائية، ما يعني تهميش النقاش العام حول الانتخابات.

تراجع الثقة الشعبية: فالثقة لا تُفرَض بمرسوم. وكلما جُرّم النقد، زاد إحساس المواطن بأنّ العملية تُدار من أعلى لا من صناديق الاقتراع.

انعكاسات دولية: من المرجح أن يُدرَج المغرب ضمن البلدان التي تعرف “تراجعاً في الحريات السياسية”، وهو ما قد يؤثر في علاقاته مع الاتحاد الأوروبي والمؤسسات المانحة التي تربط دعمها بمعايير الحوكمة والشفافية.

تأثير بنيوي على الأحزاب: إذ سيضعف القانون من قدرة الأحزاب المعارضة على مراقبة العملية الانتخابية أو حتى الاعتراض على نتائجها، مما يُفرغ التنافس السياسي من مضمونه الديمقراطي.


سابعاً: ما بين السيادة القانونية وشرعية النقد

ليست المشكلة في “حماية نزاهة الانتخابات” بل في الوسيلة المستخدمة لذلك.
فالدول الديمقراطية تحمي نزاهتها بالشفافية والمحاسبة والرقابة القضائية، لا بتجريم الآراء.
إن الفصل بين "النقد البنّاء" و"التشكيك الممنوع" أمرٌ مستحيل منطقياً، لأن النقد في ذاته هو تشكيك في الأداء من أجل الإصلاح.
وحين يُصبح التشكيك جريمة، تصبح الانتخابات ذاتها فعلاً مغلقاً لا يقبل النقاش.


خاتمة

إن مشروع تجريم “انتقاد الانتخابات” في المغرب لا يُمثّل خطوة في سبيل الديمقراطية، بل قفزة إلى الوراء في منطق الدولة الحديثة.
فالديمقراطية لا تُقاس بعدد الصناديق ولا بعدد الأحزاب، بل بقدرة المواطن على نقدها علناً دون خوف.
وحين تُجرَّم الكلمة، يُفقد الفعل الانتخابي معناه، وتتحول “النزاهة” من قيمةٍ سياسية إلى شعارٍ قانوني يُفرض بالعقاب.
قد تنجح السلطة في إسكات المشككين، لكنها لن تنجح في إقناع التاريخ بأن الصمت دليل على الثقة.
فالديمقراطية التي تُجرّم الشك، هي ديمقراطية تخشى نفسها.


هوامش ومراجع قانونية مقارنة

ـ دستور المملكة المغربية لسنة 2011، الفصل 25 والفصل 28 – النصوص المتعلقة بحرية الفكر والتعبير والصحافة.
ـ العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية (1966)، المادة 19 – حرية الرأي والتعبير.
ـ التعديل الأول للدستور الأمريكي – حماية مطلقة للخطاب السياسي بما في ذلك انتقاد الانتخابات والسلطة التنفيذية.
ـ قانون الانتخابات الفرنسي (Code électoral) – المواد المتعلقة بمكافحة المعلومات الزائفة أثناء الحملات الانتخابية، والتي تميّز بوضوح بين “المعلومة الكاذبة المتعمّدة” و“الرأي أو التحليل السياسي”.
ـ المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، قضية Castells v. Spain (1992): أقرت بأن “حدود النقد السياسي أوسع تجاه الحكومة والمؤسسات من الأفراد العاديين، لأنها خاضعة للمساءلة العامة”.
ـ تقارير منظمة فريدوم هاوس وهيومن رايتس ووتش حول حرية التعبير في المغرب (2023–2025)، التي تشير إلى تزايد التشريعات المقيدة للفضاء الرقمي والسياسي.



#فريد_بوكاس (هاشتاغ)       Farid_Boukas#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الملكية في المغرب بين الاعتقالات السياسية والاستحواذ على الح ...
- الحق في الحكم الذاتي بين جمهورية الريف (1921) والجمهورية الص ...
- الشركات الملكية في المغرب تحصد الأرباح.. والمشاريع العمومية ...
- المغرب: كرة القدم أولاً أم الصحة والتعليم والشغل؟
- المغرب: حين يتخَتَّن الثراء في القصور ويُصلَب الفقر في الأزق ...
- «جيل زد 212… احتجاج أم وعي جديد؟ أم هو جيل الملك القادم ؟ قر ...
- المغرب: خطابات التنويم الملكية... حين يصبح الكلام بديلاً عن ...
- سياسة الريع في المغرب: مقاربة تحليلية في الاقتصاد السياسي لل ...
- التدخل الإماراتي في الشأن الداخلي للدول المغاربية: النفوذ ال ...
- المؤسسة الملكية في المغرب وديناميات الأزمة الاقتصادية: مقارب ...
- خصخصة التعليم والصحة في المغرب: من خدمة المواطن إلى تجارة ال ...
- الملكية في المغرب واستحواذها على السلطات الثلاث: قراءة نقدية ...
- المغرب 2025: أزمة هيكلية في الاقتصاد والسياسة وحقوق الإنسان
- إمكانية سقوط النظام الملكي في المغرب: تحليل أكاديمي للعوامل ...
- الخطاب الملكي بين الواقعية والإنكار: لماذا يرى جيل Z 212 أن ...
- الاعتقالات السياسية في عهد محمد السادس: أرقام قياسية في تكمي ...
- الملك الغائب عن الحوار : أزمة تواصل تكشف عمق المأزق السياسي ...
- جيل زيد: بين المطالب والطموحات في ظل سلطة الملك المطلقة
- مقال أكاديمي: حراك جيل زد-212 في المغرب
- وكالة المغرب الكبير للأنباء ، هل تحول إعلامي مغاربي ؟


المزيد.....




- ليلى ألين تصدر ألبوما جريئًا بعد انفصالٍ يوصف بـ-المُرَوّع- ...
- كشف التاريخ والعام.. شاهد ما قاله أحمد الشرع عن ذكرى مولده ف ...
- -السعودية هي المفتاح-.. فيديو يرصد رد فعل ولي العهد السعودي ...
- صورة متداولة لـ-السيدة الباكية في الفاشر-.. ما حقيقتها؟
- كيف ألهم فؤاد معلى الجزائر بشجرة؟
- إحالة 73 متهماً في قضية التلاعب بالسحوبات التجارية في الكويت ...
- إعصار ميليسا: أسقف طائرة وأشجار مقتلعة وهدوء في عين العاصفة ...
- نتفليكس تُغضب البنتاغون بفيلم-بيت الديناميت-
- من هو مشمش أفندي، أول بطل كرتوني خرج من مصر؟
- أعنف هجوم إسرائيلي منذ بدء الهدنة يحصد مئة قتيل في غزة... فه ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد بوكاس - تجريم انتقاد الانتخابات في المغرب: خصوصية قانونية أم انتكاسة ديمقراطية؟