أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد بوكاس - المغرب: خطابات التنويم الملكية... حين يصبح الكلام بديلاً عن الفعل














المزيد.....

المغرب: خطابات التنويم الملكية... حين يصبح الكلام بديلاً عن الفعل


فريد بوكاس
(Farid Boukas)


الحوار المتمدن-العدد: 8502 - 2025 / 10 / 21 - 00:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


بقلم: فريد بوكاس صحفي باحث و تاشط سياسي مقيم بالمنفى

في كل عام، ومع كل مناسبة وطنية كبرى، يطلّ الملك محمد السادس على الشعب المغربي بخطاب يُنتظر كما تُنتظر النبوءة. في الشوارع والمقاهي ومواقع التواصل الاجتماعي، يتأهب المواطنون، بعضهم مدفوع بالأمل، وبعضهم بدافع الفضول، وآخرون بدافع السخرية. لكن ما إن ينتهي الخطاب، حتى يخيم الصمت لوهلة، يتبعه ذلك الشعور المألوف: مزيج من الارتياح المؤقت والخيبة المتجددة. وكأن الخطاب جاء ليهدئ لا ليغيّر، ليخدر لا ليحرّك، ليمنح الطمأنينة بدل الأمل الحقيقي.

الخطاب كأداة سلطة

منذ اعتلاء محمد السادس العرش سنة 1999، شكّلت الخطابات الملكية ركناً مركزياً في الحياة السياسية المغربية. فهي ليست مجرد كلمات تُلقى في المناسبات، بل طقس سلطوي قائم بذاته، يُبنى عليه وعي سياسي رسمي. يتحدث الملك في كل القضايا تقريبًا: من الاقتصاد إلى التعليم، ومن الفقر إلى الإصلاح الإداري، بل وحتى عن الأخلاق والهوية.

لكن، مع مرور السنين، ترسخت لدى فئات واسعة من المغاربة قناعة مفادها أن هذه الخطابات، على ما تحمله من لغة قوية ومضامين إصلاحية، لا تُترجم غالبًا إلى فعل سياسي أو مؤسسي حقيقي. فالخطاب الملكي، رغم سلطته الرمزية والدستورية، أصبح يُستخدم كوسيلة لامتصاص الغضب، واحتواء الأزمات، دون أن يُفضي إلى تغيير جوهري في بنية الحكم أو في موازين القوى بين الدولة والمجتمع.

لغة الإصلاح... بلا إصلاح

تتميّز الخطابات الملكية في المغرب ببلاغة عالية، وجمل مشحونة بالمسؤولية الوطنية، والاستشهاد المتكرر بالقيم الدينية والإنسانية. يقول الملك في أحد خطاباته: "لا يمكن أن يستمر المغرب في هذا الوضع غير المقبول..."، وفي آخر: "لقد بلغنا درجة من التفاوت لم تعد تُحتمل...".

هذه اللغة الإصلاحية، في ظاهرها شجاعة وناقدة، لكنها في جوهرها تُعيد إنتاج لعبةٍ لغوية قديمة: تُدين الوضع القائم لتُبرئ النظام من المسؤولية عنه، وتُلقي باللوم على "الإدارات" أو "المنتخبين" أو "الفساد الإداري"، دون المساس بجذر المشكلة الحقيقي — أي طبيعة السلطة ذاتها، وتمركز القرار في يد واحدة.

وهكذا يتحول الخطاب إلى نوع من التفريغ النفسي الجماعي: يقول الملك ما يريد الناس سماعه، فيشعر المواطن بأنه قد أُصغي إليه، لكن دون أن يتغير شيء في واقعه المعيشي أو في علاقة الدولة بالمواطن.

التنويم السياسي كآلية ضبط

ما يمكن تسميته بـ"التنويم الملكي" ليس سحرًا لغويًا بقدر ما هو تقنية سياسية متقنة. فالخطاب يُستخدم كعلاج مهدئ لكل أزمة.

عندما يتصاعد الغضب في الشارع بسبب غلاء الأسعار أو تردي الخدمات، يأتي خطاب ملكي يقرّ بالمشكلة، ويدعو إلى "تجديد النموذج التنموي" أو "تحفيز الاستثمار" أو "تحسين الحكامة"، فينخفض منسوب التوتر الشعبي مؤقتًا، بينما تستمر المؤسسات نفسها التي فشلت سابقًا في إدارة الملفات ذاتها.

بهذه الطريقة، يصبح الخطاب وسيلة لـ"تجميد" الوعي السياسي، أو على الأقل توجيهه بعيدًا عن أصل المشكلة. فبدل أن يطالب الناس بتغيير سياسي عميق، يكتفون بالانتظار — انتظار الخطاب المقبل، علّه يحمل "رسالة أمل جديدة". إنها دورة مغلقة من التنويم السياسي الهادئ، تستبدل الفعل بالقول، والمساءلة بالخطابة.

بين قداسة الرمز وواقع المواطن

تُضاف إلى هذا البعد السياسي، هالة القداسة التي تحيط بالمؤسسة الملكية في الوجدان المغربي. فالملك ليس مجرد رأس دولة، بل يُقدَّم بصفته "أمير المؤمنين"، و"الضامن لوحدة الأمة"، و"رمز الاستقرار". هذه الرمزية تجعل من الصعب مساءلة الخطاب أو نقده علنًا، إذ يُنظر إلى أي تشكيك في مضمونه كمساس بالرمز الوطني ذاته.

لكن الواقع اليومي للمغاربة، من البطالة إلى الفقر إلى انعدام الثقة في المؤسسات، يكشف أن الخطاب وحده لا يكفي. فالكلمات الجميلة لا تملأ الجيوب، ولا تُصلح المدارس أو المستشفيات، ولا تُعيد الكرامة للمواطن البسيط.

الخطاب بوصفه سياسة

حين يُستدعى الخطاب ليحل محل السياسة، تصبح اللغة أداة حكم لا أداة تواصل. في المغرب، يُمكن القول إن السلطة تُمارَس بالكلمات بقدر ما تُمارَس بالقوانين. فكل جملة ملكية تُصبح مرجعًا، وكل إشارة تُقرأ باعتبارها "توجيهًا ساميًا"، وكل انتقاد يصدر عن الملك يُستخدم لاحقًا لتبرير تغييرات شكلية في الحكومة أو الإدارة.

إنها سلطة لغوية ناعمة، تُبقي الجميع في حالة ترقّب دائم: الوزراء ينتظرون الإشارات، الإعلام ينتظر التوجيه، والشعب ينتظر الوعد. وبهذا المعنى، تتحول الخطابات الملكية إلى شكل من أشكال السيطرة الرمزية الهادئة، التي لا تحتاج إلى القمع المباشر بقدر ما تعتمد على التنويم البليغ.

المغربي بين الإصغاء والخيبة

ربما أخطر ما أنتجته هذه المنظومة الخطابية هو ما يمكن وصفه بـ"اللامبالاة الجماعية". فالمغربي العادي، الذي كان يُنصت للخطاب الملكي بشغف في سنوات الألفين الأولى، بات اليوم يكتفي بقراءة مقتطفات على "فيسبوك" أو "يوتيوب"، وهو يعلّق ساخرًا: "سمعنا نفس الكلام العام الماضي."

لقد فقد الخطاب جاذبيته بقدر ما فقدت السلطة قدرتها على الإقناع. فاللغة التي لم تُترجم إلى أفعال تحوّلت إلى ضجيجٍ مألوف، بل إلى أداة تخدير سياسي أكثر منها وسيلة توعية أو إصلاح.

خاتمة: حين يُصبح الإصلاح خطابًا

في النهاية، ليست المشكلة في أن يتحدث الملك أو أن يوجّه، فذلك حق دستوري وسياسي. المشكلة أن الخطاب في المغرب أصبح بديلاً عن السياسة، وصار يُستخدم لتأجيل المواجهة مع الأسئلة الحقيقية:
من يُحاسب من؟ من يملك القرار؟ ومن يدفع ثمن الفشل؟

حين تُصبح الخطابات أدوات تهدئة لا أدوات تغيير، تتحول الدولة إلى مسرح لغوي كبير، يُدار فيه الشعب عبر البلاغة، لا عبر العدالة والتنمية الحقيقية. وفي مثل هذا المسرح، تظل الأضواء مسلطة على المنصة، بينما يزداد الظلام في القاعة.



#فريد_بوكاس (هاشتاغ)       Farid_Boukas#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سياسة الريع في المغرب: مقاربة تحليلية في الاقتصاد السياسي لل ...
- التدخل الإماراتي في الشأن الداخلي للدول المغاربية: النفوذ ال ...
- المؤسسة الملكية في المغرب وديناميات الأزمة الاقتصادية: مقارب ...
- خصخصة التعليم والصحة في المغرب: من خدمة المواطن إلى تجارة ال ...
- الملكية في المغرب واستحواذها على السلطات الثلاث: قراءة نقدية ...
- المغرب 2025: أزمة هيكلية في الاقتصاد والسياسة وحقوق الإنسان
- إمكانية سقوط النظام الملكي في المغرب: تحليل أكاديمي للعوامل ...
- الخطاب الملكي بين الواقعية والإنكار: لماذا يرى جيل Z 212 أن ...
- الاعتقالات السياسية في عهد محمد السادس: أرقام قياسية في تكمي ...
- الملك الغائب عن الحوار : أزمة تواصل تكشف عمق المأزق السياسي ...
- جيل زيد: بين المطالب والطموحات في ظل سلطة الملك المطلقة
- مقال أكاديمي: حراك جيل زد-212 في المغرب
- وكالة المغرب الكبير للأنباء ، هل تحول إعلامي مغاربي ؟
- حين اختلط الحبل بالنابل ، فريد بوكاس تحت مجهر التشهير
- لماذا يلجأ البعض إلى التشهير بالآخر ؟
- المملكة المغربية وأساليب التعذيب
- المغرب والكعكة المفقودة
- المغرب: محمد السادس ملك التناقضات
- الديكتاتورية في المغرب وكيفية التخلص منها
- الإعلام المغربي والدعارة المخزنية، جريدة الخبر بريس نموذجا


المزيد.....




- لماذا أدى انقطاع خدمات شبكة أمازون إلى تعطّل منصات ومواقع عا ...
- القضاء الأمريكي يسمح لترامب بنشر جنود الحرس الوطني في بورتلا ...
- انقطاع الكهرباء بمناطق شمالي أوكرانيا بعد هجوم روسي
- بدء أعمال هدم الجناح الشرقي للبيت الأبيض.. وترامب: سنبني قاع ...
- من بطلة إلى -داعمة للإرهاب-.. لماذا انقلب الإعلام الغربي ضد ...
- غزة بعد الاتفاق مباشر.. انتشال جثامين أكثر من 400 شهيد وإصاب ...
- تحقيق للجزيرة يكشف تفاصيل مقتل هند رجب وعائلتها بحرب غزة
- ضغوط أمريكية ودعوات ألمانية وأممية للالتزام باتفاق وقف إطلاق ...
- ترامب يختار رجل أعمال رائد في زراعة القنّب مبعوثا خاصا إلى ا ...
- زيلينسكي مستعد للانضمام إلى قمة ترمب وبوتين حال دعوته


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فريد بوكاس - المغرب: خطابات التنويم الملكية... حين يصبح الكلام بديلاً عن الفعل